عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 09-30-2010, 03:22 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الْمُحَاضَرَة الْثَّانِيَة

هذه هي المحاضرة الأخيرة في هذه الخاطرة من كلام بن الجوزي- رحمه الله تعالى- وخلاصة الخاطرة أنه ينعي على الذين يعبدون الله- عز- وجل إما بالهوى وإما بالجهل وقد خصَّ المتصوفة الذين انتشروا في زمانه انتشار النار في الهشيم بهذا الكلام كله ، وأن الزهد لا يعني أن تترك الدنيا ,إنما الزهد في الحقيقة كما قال:سفيان بن عيينة- رحمه الله تعالى-: ( الزهد إنما هو الزهد فيما حرم الله)وقال آخر: (الزهد هو زهد القلب) فإذا زهد القلب فلا يضرك ما كان من الدنيا في يديك ، وهذا هو الذي كان عليه جماهير الصحابة- رضي الله عنهم- ، كانت الدنيا في أيديهم ولم تكن في قلوبهم ، لكن المتأخرون أخذوا صورة الزهد فقط ، وابتكروا رياضات حرموا بها في الحقيقة ما أحل الله- عز وجل- ، بل وعابوا على الذين تناولوا شيئًا من الدنيا حتى من حِلِه .وكنا وصلنا في المرة الماضية عند قول بن الجوزي- رحمه الله تعالي- وهو يتكلم عن بعض المتزهدة الذين لا يعرفون أبجديات الأحكام الفقهية . قال: ( ولقد بَلغَنا في الحديث عن بعض من نُعَظِمُه ، ونَزُوره ، أنه كان على شاطئ دجلة ، فبَال ثم تيمم، فقيل له الماء قريب منك ، فقال: خِفتُ أن لا أبلُغَهُ ،وهذا وإن كان يدل على قِصَر الأمل ، إلا أن الفقهاء إذا سمعوا عنه مثل هذا الحديث تَلاعبُوا به ، من جِهة أن التيمم إنما يصح عند عَدَمِ الماء ، فإذا كان الماء موجوداً كان تَحرِيك اليدين بالتيمم عَبثاً ، وليس من ضروري وجود الماء أن يكون إلى جانب المُحدِث ، بل لو كان على أَذرُعٍ كثيرةٍ ، كان موجوداً فلا فِعلَ للتيمم ، ولا أثَرَ حينئذٍ ,ومن تأمل هذه الأشياء ، عَلمَ أن فقيهاً واحداً - وإن قل أتبَاعَهُ ، وخَفَت إذا مات أشيَاعَهُ - أفضل من ألوفٍ تتمسحُ العَوام بهم تبركاً ، ويُشيعُ جَنَائِزهَم ما لا يُحصَى ، وهل الناس إلا صَاحِب أثَرٍ نتبعه ، أو فقيهٌ يفهمُ مًرَادَ الشرع ويُفتِي به ؟ ، نعوذُ باللهِ من الجهل، وتعظِيم الأَسلًافِ تقلِيداً لهم بغيرِ دليل ,فإن من وَرَدَ المَشربَ الأَولَ ، رَأَى سائر المَشاربِ كَدِرَةً ).
المشرب الأول :هو ما كان عليه أصحاب النبي وأنت إذا طالعت في سير الصحابة على وجه الخصوص لن ترى شيئًا شاقًا في الدين أبدًا ، تشعر بيسر الدين وتستمتع به الذي عقد المسائل كثرة تشقيق المتأخرين للكلام ، ووسوستهم في مسائل الورع ، فإذا حاولت أن تتأسى بالمتأخرين صعب ذلك عليك ,وأنا أريدك أن تطالع واحد من الصحابة وترجمة واحد ممن جاءوا بعدهم وإن كان من أهل العلم .
إتباع الصحابة فيه سهولة: لا تشعر بأي عقد وأنت تقرأ في حياة الصحابة ،وتشعر بشيء من الصعوبة إذا حاولت أن تتبع عالماً من العلماء في تشقيقات الورع عنده ، وهو كان يستطيع أن يفعل ذلك فعلاً وعنده من القدرة أن يتحمل الحرمان ، لكن أنت ليس عندك ذلك .
وكثير من إخواني لما يسألني وأنا أحض على قراءة تراجم العلماء ، يقول أنا أذهب إلى عالم من العلماء وأحاول أن أقلده ، أمشي خطوة أو خطوتين ثم أجدني عاجزًا تمامًا عن متابعة همته ، وضرب لي على وجه الخصوص سفيان الثوري كنموذج ,سفيان الثوري ما نقلت أخباره إلا بعدما صار إمامًا ، وأنت بعد في أول الطريق ، كيف تريد أن تصل وسفيان وهو في مثل عمرك لم يكن هناك أحد ينتبه لسفيان ولا ينقل أخبار سفيان ، إنما نقلت أخباره بعدما استتمت إمامته وصار الناس ينقلون أخباره وأحواله ، فأنت مبتدئ وهو منتهي ، أضف إلى ذلك أن مثل سفيان نشأ نشأة صحيحة في مجتمع الإسلام يظلله بدل العالم ألوف العلماء وكان سفيان في الكوفة والكوفة هذه كنت تغص بجماهير العلماء ، فضلاً عن سائر بلاد الإسلام ، بخلاف وضعنا الآن أنت يمكن أن تكون في محافظة من المحافظات لا ترى فيها أحد يرد البصر من وجهة نظرك قد يكون فيها ، في الزوايا خبايا لا شك ، لكن نحن لا نعرفه,نحن عندنا في محافظة كفر الشيخ وهى من المحافظات المحظوظة بطلبة العلم فيها وهذا حكمي بالنسبة للمحافظات الأخرى أجد أنها معقولة وبها طلبة علم جيدين ، ومع ذلك المحافظة أربعة مليون ، لو فيها عشرة من كبار أهل العلم هل يكفون لأربعة مليون ، لا يكفون بل لو أخذت عشرة ألاف من العدد لا تستطيع أن تلبي فتاوى العشرة ألاف ، إذا قال كل واحد منهم السلام عليكم مضى اليوم كله ، ترقى مثلاً إلى المحافظات الكبيرة كالقاهرة مثلاً تعدادها يقارب عشرين مليون ، أنا لو أتيت بواحد من القاهرة وقلت له سمي لي من تعرفه من أهل العلم ولن أناقشك فيهم ، ممكن يختار كما أقول كسير وعوير وثالث ما فيه خير ، أنا لن أقول له شيء ، يختار الذي يريده فلن يستطيع أن يأتي بالعشرة ,خطبة يوم الجمعة الذي هو يوم عيد وكل الناس تتهيأ له أصبح الآن من الأيام التي تجلب الحزن على القلب ، يقوم الواحد الصبح وهو يقول أين أُصلي الجمعة لا يجد مسجد يصلي فيه الجمعة يكون فيه إمام يغسل قلبه ويغسل أحزانه ويرجعه إلى الإيمان مرة أخرى لكي يتحمل هذه القصة ، وبعض الناس يظل يمشي في الشوارع علي غير هدي حتى تدركه صلاة الجمعة فيصلي في أي مسجد ,وهذه محنة ومن أعظم المحن ، لما واحد ينشأ في مثل هذه البيئة الخالية من أهل العلم ويحاول أن يكون مثل سفيان الذي نشأ في وسط العلماء وسط البيئة التي فيها على الأقل مخالفات قليلة من جهة ظهورها كل مجتمع فيه مخالفات لكن لا يوجد فيه منكرات باهظة ، فيحاول أن يقلد ، لذلك سفيان يمشي صح ، تمم الفرائض على وجهها ، سفيان وغيره من أهل العلم ، ولكن أنا أضرب المثل بسفيان ، تمم الفرائض على وجهها فسهل عليه أن يأتي بالنوافل فإذا وصل إلى قبة النوافل سهل عليه أن يتورع وأن يؤدب نفسه ، لكن واحد لم يتمم الفرائض ويريد أن يصل إلى مسائل الورع سينكسر مباشرة ، كيف يتورع ، لم يجرب الحرمان .
عليك بالشَربِ الأول وهو ما كان عليه الصحابة : ترىالدنيا سهلة ويسيرة ثم عليك بالتابعين ، كلما نزلت في الزمان كلما تعقدت المسائل أكثر ، حتى وصلنا إلى القرن الرابع الهجري ، وبدأ مذهب التصوف يظهر بأصوله وبدأت الرياضات الغريبة تظهر في هذه الأمة وأخذوا من رهبانية النصارى وغير ذلك وأدخلوا على هذه الأمة شيئًا من الشغب الكثير في صورة الزهد وفي صورة الورع ,بن الجوزي دائمًا يشير إلى هذا وحتى يكرر العبارة بنصها ، يقول: (عليك بالشرب الأول ومن تأمل الشرب الأول رأى كل المشارب كدرة ) قال: ( والمحنة العظمى )في هذه المسألة كلها ، لأنه يقول:( أن فقيهاً واحداً - وإن قل أتبَاعَهُ ، وخَفَت إذا مات أشيَاعَهُ - أفضل من ألوفٍ تتمسحُ العَوام بهم تبركاً )من عدة سنوات فيه واحد صوفي معروف كان إذا دخل المسجد الحرام كانوا يقبلون قدميه حتى عمل فتنة وأقصوه بعيدًا وذهب إلى المدينة ، أيضًا نفس القصة هذه ,بن الجوزي يشير إلى هذا الضرب من الناس ، إنسان جاهل وليس عنده شيء يرد البصر ومع ذلك أنظر ماذا يفعل معه العوام .فيقول- رحمه الله-: ( والمحنة العظمى مدائح العوام ، فكم غرت ،كما قال علي رضي الله عنه: ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئاً ).وهذه الكلمة رأيتها لمحمد بن سيرين ( ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئاً ) ، رجل يمشي والعوام يجرون وراءه ، كل الذي يجري يريد أن يتمسح به أو يضع يده عليه ، فخف النعال وراء هذا الرجل ، ما أبقى من عقله شيئًا ، بحيث أنه تعود على المدح ولا يقبل مطلقًا أي نقد ، وهذه قضية النفس وانظر إلى بن القيم رحمه الله له كلمة جميلة قال: (في كل نفس شيءٌ من دواعي الإلوهية ، الذي يغذيه الكبر ، كل إنسان فينا عنده هذه النزعة واعتبر بفرعون غير أن فرعون قدر فأظهر وغيره عجز فأضمر) فرعون لما قدر قال: أنا ربكم الأعلى ، هناك ناس هكذا على استعداد أن تقول أنا ربكم الأعلى لكنه جبان ، لا يقدر أن يقول أنا ربكم الأعلى وإن كان كل تصرفاته تدل على هذه النزعة الموجودة في النفس ,فهؤلاء إذا أقبلت الدنيا عليهم منحتهم محاسن غيرهم وإذا أدبرت عنهم سلبتهم محاسن ذواتهم ، مثلاً لما يمسك مصحف يقول لك المؤمن ، يجلس على سجادة ، العابد ، يضع يده على رقبة الفرس الفارس ، كما يحدث عند كثير من الطواغيت الذين تعودوا على هذا النفاق المنجود وهم يعلمون أن هؤلاء ينافقون ، فهل أي إنسان فينا يستطيع أن يجمع كل هذه الفضائل ، يكون هو كذا وكذا وكذا ، لا طبعًا .
فإذا أقبلت الدنيا عليه أعطته محاسن غيره ، لا هو الزراعي ولا هو الصناعي ولا هو الرياضي ولا هو المؤمن ولا هو الورع ولا هو الفارس ولا هو أي حاجة ، هو بني أدم عادي مواهبه محدودة قدره هو الذي جعله في هذا المكان لكنه صار كل حاجة ، لكن إذا أدبرت الدنيا عنه سلبته محاسن ذاته ، بعدما يترك المنصب وهالة المنصب ، ولا أحد يسأل عنه,تعرفون حمار العمدة ، لما مات الحمار في أيام العمدة امتلأ سرادق العزاء والمناديل وكانوا يبكون على الحمار فلما مات العمدة ما شيعه أحد فالإنسان يشك في نفسه ، أين الذين كانوا حولي يقولون أنت كذا وكذا ، هل أنا كذلك ، هل أنا ليس عندي أي ميزة ، يبدأ يشك إذا كان عنده شيئًا من المحاسن يشك فيها ، لأن الدنيا أدبرت عنه .
الإنسان الذي تعود أن يسمع المدح يصعب عليه جدًا أن يسمع كلمة نقد لذلك الإنسان العاقل هو الذي يدفع عن نفسه هذه الآفة ، والرسول لما سمع رجلاً يثني على آخر قال:" قطعت عنق أخيك " ، وقال:" المدح هو الذبح بغير سكين " ، لأنه يغر المرء ولا يعرف حقيقة نفسه وأنا لما التقيت بالشيخ الألباني- رحمة الله عليه- كنت حريصًا على تقبيل يده على أساس أنه هو العالم على رسمه ونحن طلاب علم صغار لما التقيت بالشيخ الألباني كان عمره تجاوز السبعين وكان إمامًا ، وأحدث في العالم بمفرده ما لم تحدثه كتيبة من أهل العلم ، بل إن مجامع علمية في بون لم تحدث من الأثر ما أحدثه هذا الشيخ المبارك في الدنيا ، فقل أن تجد رجلاً محبًا للسنة أو مهتمًا بها إلا وللشيخ عليه فضل ,فكان الشيخ- رحمة الله عليه- له تحقيق في السلسلة الصحيحة في مسألة تقبيل يد العالم وغير ذلك وأنه رأى الجواز في ذلك ، وأنا كنت أمتثل شيئًا من هذا فكان ينكر عليَ جدًا وينزع يده نزعًا شديدًا ، فكلمته في ذلك ، قلت أنت تمتنع عليَ وأنا قرأت في بعض الأبحاث في السلسلة الصحيحة كذا وكذا فقال لي وهل رأيت عالمًا بعينيك قلت له نعم أنا أرى عالمًا ، قال: لا ، لي أنا طويلب علم ، إنما مثلي ومثلكم كمثل القائل إن البغاث بأرضنا يستنسر فقلت له اشرح لي ما البغاث ؟ فقال البغاث هذا طائر كالعصفور أو أقل منه ، فهذا الطائر كان في بلد من البلدان وكانوا يسمعون عن النسر لكنهم لم يروا النسر ، فطار هذا العصفور وقال أنا النسر فصدقوه فإن البغاث بأرضنا يستنسر أي يقوم بدور النسر .
الحقيقة مسألة المدح مشكلة لأنها تمني باعث الكبر عند الإنسان ، والإنسان في الحقيقة لو تأمل أحواله سواء في عبادته ، أو ما يجب عليه تجاه ربه- تبارك وتعالى- أو لوكان طالب علم ، وانظر هل حصل من جزئيات العلم شيئًا يستحق أن تقبل يده عليه ، أو يقال فضيلة العالم الكبير الفهامة ، الذي يكون على علم لما كان عليه السلف الأول ، يقول كما قال الأول: " ليس من العلم عند الناس الآن إلا فضل بزاق" ، وهذا هو الذي عند الناس الآن ,وكان قد سمعت للشيخ أبو فهر- رحمة الله عليه- أستاذ العربية وصاحب الليالي البيضاء الشيخ محمود شاكر- رحمه الله- قال عبارة أعجبتني .قال:" إننا جيل أوتينا من الضعف والهوان أضعاف ما أوتي أسلافنا من الجد والقوة وهو يتكلم عن المحن التي توالت على المسلمين فيما يتعلق بمحنة العربية والمعركة التي أدارها هو ورفيقه أخوه الأكبر الشيخ أحمد شاكر محدث مصر رحمة الله علي الجميع وهم يقاتلوا في معركة العامية ، حاجة حدثت في الثلاثينات من القرن الماضي أنهم كانوا يريدون أن يجعلوا اللغة العامية مكان اللغة العربية ، واللغة العربية تكون لغة الكتب مثل اللغة اللاتينية ، اللغة اللاتينية هذه لغة العلم ، إنما الإنجليزية والفرنسية والأسبانية وغير ذلك قال هذه لغة تخاطب ، فكانوا يريدون أن تكون اللغة العربية لغة علم ، تكون في الكتب أما التخاطب يكون رسمي ويتم عمل قواميس رسمية وغير ذلك الكلام للعوام ,القصد أن الإنسان العاقل الذي يعلم أن مارد الكبر مائل في نفسه يجب عليه ألا يغذيه ولا يسمح لأحد أن يغذيه فيزلفه .
قال- رحمه الله-: ( ولقد رأينا وسمعنا من العوام ، أنهم يمدحون الشخص فيقولون: لا ينام الليل ، ولا يفطر النهار ، ولا يعرف زوجة ، ولا يذوق من شهوات الدنيا شيئاً ، قد نحل جسمه ، ودق عظمه ، حتى إنه يصلي قاعداً ) هذه المنقصة صارت ممدحة عند هؤلاء الجهلة ، لأنه لا يأكل فلا يقدر أن يقف فهو خير من العلماء الذي يأكلون ويتمتعون ، ذلك مبلغهم من العلم ولو فقهوا علموا أن الدنيا لو اجتمعت في لقمة فتناولها عالم يفتي عن الله ، ويخبر بشريعته ، كانت فتوى واحدة منه يرشد بها إلى الله تعالى خيراً وأفضل من عبادة ذلك العابد باقي عمره )
أبرك الناس عملًا هم أهل العلم : لأن الكلمة الواحدة يهتدي بها الحائر وممكن يهتدي بها ألوف مؤلفة ، لو جالس كل واحد على حده ما استطاع أن يصل إلى هؤلاء جميعًا نحن الآن نتكلم في الفضائيات التي يسمعها الملايين ، الذين اهتدوا بكلمة واحدة منك لو قدر لك أن تجالس هؤلاء واحدًا واحدًا لضاق عمرك ، ممكن بالكلمة الواحدة يهتدي نصف مليون ، خمسمائة ألف أو يهتدي مليون في جنبات العالم ألف ألف ، لو أردت أن تجلس مع الألف ألف لكي تقول له هذه الكلمة ضاق عمرك عنها ,هو أكثر عائدًا مثل منبع النهر ، العالم مثل منبع النهر ، ولذلك الإمام أحمد سئل عن رجل يرد على أهل البدع ورجل يقوم الليل ، أيهما أفضل ؟ قال الذي يرد على أهل البدع أفضل لأن الذي يصلي إنما يصلي لنفسه ، أما الذي يرد على أهل البدع إنما يصون جناب الشريعة ، فعائدته أكثر من عائدة الذي ينتفع بنفسه فقط ، وهذا من أكبر المحفزات علي طلب العلم ، كالضوء كالشمس إذا خرجت أضاءت الكون كله في مرة واحدة .يقول: (وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقيه واحد ، أشد على إبليس من ألف عابد .)وهذا يصلح أن يكون موقوفًا علي بن عباس لأن هذا الحديث رواه الترمذي وغيره من حديث بن عباس مرفوعًا إلى النبي لكنه حديث باطل لا يصح في إسناده راوي اسمه روح بن جناح وهذا يروي الموضوعات عن الثقات كما يقول بن حبان رحمه الله- ، وفيه أيضًا فيما أذكر الوليد بن مسلم الدمشقي وكان يدلس تدليس التسوية ، ومدلس التسوية يجب عليه أن يصرح في كل طبقات السند ولا يصرح عن شيخه فقط بل يقول حدثنا فلان ، قال:حدثنا فلان ، قال: حدثنا فلان حتى يصل هذا الإسناد هكذا مسلسل بالتحديث إلى الصحابي أو على الأقل إلى التابعي ، فأصبح عندنا علتان ، أقوى العلتين هذا الراوي الذي اسمه روح بن جناح وهو مكسور الجناح لأنه كان يروي الموضوعات علي الثقات .يقول: (ومن سمع هذا الكلام فلا يظنن أنني أمدح من لا يعمل بعلمه) . لأن بعض الناس تفهم خطأ ، لما نتكلم على أن الدنيا يجب أن نكون في يدك وليس في قلبك يفهم خطأ ، لا ، بن الجوزي لما كان الكلام يوهم يقول: أنا لا أدعوا إلى الكسل ، اليوم في كلام الإمام أحمد- رحمة الله عليه- الرجل الذي يصلي طول الليل أو الرجل الذي يرد على أهل البدع أو الذي يطلب العلم لأن فيه مسألة تنازع أهل فيها وهي:
أَيُّهُمَا أَفْضَلُ طُلِبَ الْعِلْمِ أَمْ صَلَاةُ الْنَّافِلَةِ ؟ وهذه المسألة على حسب ،كل إنسان يأخذ فتوى على قدره ، فيه واحد يجلس طول الليل على المكتب ولا يحصل شيء ، يشد كتاب ويقرأ فيه عشر ورقات وغلقه ثم يأتي بالكتاب الثاني يقرأ فيه ثلاث ورقات أو عشر ورقات وهكذا .في الأخر أذن عليه الفجر ، أنت ماذا حصلت ؟ لم يحصل أي شيء ، لا مسألة فرعية حصلها ولا أي مسألة أصولية حصلها ولا أي شيء ، فهذا يصلي أفضل له ، وهذا تكون صلاة النافلة في حقه أولى ، إنما واحد من طلبة العلم المجدين ويذاكر ممكن يكون طلب العلم أفضل من صلاة النافلة حينئذٍ ، لأنه ربما يحرر مسألة يحتاج إليها الناس .
فالمسألة فيها تفصيل لا نقول قيام الليل بإطلاق هو الأفضل ولا نقول طلب العلم هو الأفضل بإطلاق ، إنما على حسب عائدة هذا وهذا على الإنسان ، فهو يقول لا تظنن أنني أمدح من لا يعمل بعلم ، وأنا لما أنفل كلام الإمام أحمد فهذه ليست دعوة إلى البلطجة ، ولا أنك لا تقوم الليل ، والإمام أحمد رحمة الله عليه- كان معه المروزي في يوم من الأيام فنام دون أن يقوم الليل ثم أن المروزي كأنه بيكلمه ، فقال له أنا حالاً قمت من النوم الآن ، فقال له طالب علم لا يكون له ورد بالليل ، هذه هي المتعة ، هذه ثمرة العلم الإنسان يترجم ,ما الفرق بينك وبين الذي يعمل طوال النهار ، أنت طالب علم تدرس وغير ذلك ، والذي يعمل طول النهار في الورشة ، أنتم الاثنين تنامون حتى الصباح لا ، المفترض العلم يميز صاحبه ، فلا يكون هذا كالذي لا يعلم ، فأنكر عليه أن يكون عنده ورد بالليل .
سفيان الثوري- رحمة الله عليه- طلب ماءاً للوضوء لكي يتوضأ لقيام الليل ، فوضع أمامه الإناء فيه الماء وعمل هكذا ، وضع يده على فمه حتى أذن الفجر فالذي وضع له الماء لما قام من النوم وجده يجلس على هيئته ، فقال له أنت لم تتوضأ ؟ قال له: ذكرت الموت ، هذه عبادة ، لم يتوضأ ولم يقم الليل ، ولكن ذكر معنًى كبيرًا ، ذكر الموت وكان سفيان الثوري كما يقول يحي بن سعيد القطان ، كان سفيان الثوري إذا ذكر الموت لم ننتفع به أيام ؟، لا نعرف أن نأخذ منه لا قليلاً ولا كثيرًا ,وكان أحيانًا يجلس بيننا ثم يقوم صارخًا ويقول النار النار ويظل ثلاثة ، أربعة أيام لا نعرف ننتفع به ، حتى أخذوه إلى الطبيب وكان يبول دمًا ، فقال الطبيب هذا بول رجل خائف , وهذا توصيف الطبيب فالتفكر في حد ذاته عبادة ، كونك تقعد تتفكر في شيء ، المهم لا يضيع شيء من عمرك هباء .


بن الجوزي يقول: لا تفهمني خطأ ليس معنى أنني أنكر على هؤلاء أنني أمدح من لا يعمل بعلمه يقول: (ومن سمع هذا الكلام فلا يظنن أنني أمدح من لا يعمل بعلمه ، وإنما أمدح العالمين بالعلم ، وهم أعلم بمصالح أنفسهم ، فقد كان فيهم من يصلح على خشن العيش ، كأحمد بن حنبل ، وكان فيهم، من يستعمل رقيق العيش كسفيان الثوري، مع ورعه ، ومالك مع تدينه ، والشافعي مع قوة فقهه ، ولا ينبغي أن يطالب الإنسان بما يقوى عليه غيره، فيضعف هو عنه ، فإن الإنسان أعرف بصلاح نفسه ، وقد قالت رابعة: إن كان صلاح قلبك في الفالوذج فكله.)وهذا الكلام الذي يقوله بن الجوزي كلام نفيس ، ليس كل الناس على ميزان واحد من القوة أو العيش هناك إنسان لا يصلحه إلا أن يكون مرفهًا ، ولئن عشت في قصر منيف تعمر جنباته بالتسبيح كان أفضل من أن تسكن في كوخ تتقلب فيه أشِرًا وبطرًا ، ليست القصة أن تكون من المنعمين ، لا ، أنت رجل نشأت طيلة عمرك على الترفه ، منذ أن ولدت عشت هكذا على الترفه ، فإذا منعت من هذا الترفه ذهب قلبك حسرات ، أنا أقول لك تنعم بما أحل الله لك إذا كان صلاح قلبك فيه .الإمام أحمد :كان يقوى على خشن العيش وما كان يضره ، كان هذا يصلح الإمام- رحمة الله عليه- ، لما خرج من بغداد وهو ويحي بن معين وذهبوا إلى مكة ، لكي يأخذوا عمرة ، وكانوا يريدون بعد العمرة أن يذهبوا إلى اليمن عند عبد الرزاق بن
رد مع اقتباس