عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 09-30-2010, 03:23 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

همام الصنعاني ليسمعوا منه وهم في الطواف وجدوا عبد الرزاق فقال يحي بن معين الحمد لله قرب الله خطانا ، كنا سنذهب إلى اليمن ونعاني من مشقة السفر وغير ذلك ، قرب الله خطانا ، ها هو عبد الرزاق في الطواف ، فقال الإمام أحمد لا أسمع منه هنا شيئًا إنما عقدت نيتي أن أسمع من في اليمن ، ولم يسمع من عبد الرزاق في مكة ، لأنه خرج لكي يذهب إلى اليمن ليسمع منه وهذه شريحة من فهم الإمام أحمد ومن عزيمته ومن قوته ، فكان مسألة أن يصبر على مر العيش,المتوكل بعد ما ولي بعد الواثق ورفع المحنة ، كان له تصرف مع الإمام أحمد- رحمة الله عليه- وأنتم تعرفون أن محنة خلق القرءان بدأت في أواخر عهد المأمون واستفحلت في عهد المعتصم ، وأخذت خلافة الواثق ، وجاء المتوكل بعد ذلك فرفع المحنة كلها وأعلى منار السنة حتى لقبوه بمحي السنة وهو المتوكل- رحمه الله- وطبعًا كان أشهر الناس في هذه المحنة كلها الإمام أحمد رحمة الله عليه- ، فلما رفع منار أهل السنة أراد المتوكل أن يصل أحمد بن حنبل بشيء من المال فرفض الإمام أحمد ، فقالوا له: الملوك لا ترد جوائزهم ، وكونك ترد على الملك جائزته فكأنها تستقل به ، خذها وزعها حيث شئت ، وكان يسكن بجواره صالح ابن ، الإمام أحمد في البيت وولده صالح في البيت ,طلب الإمام الأكل فجاء له الخبز بسرعة على غير العادة فقال ما هذا فقالوا له نحن تساهلنا وخبزناه في فرن صالح ، وصالح كان قبل زائدة المتوكل ، فأبي الإمام أن يأكل الخبز وكان له موقف من صالح ابنه في هذه المسألة أنه قبل جائزة المتوكل ,كان قادرًا على هذا كان صبرًا ، حتى لما المعتصم منعه من التحديث ، والإمام أحمد حلف ألا يحدث حديثًا بأكمله وقصة بقي بن مخلد مشهورة لما ذهب لأحمد بن حبل وهو ممنوع لم يتأذى ، وكان الإمام أحمد رحمة الله عليه- يصلحه هذا ,بخلاف سفيان الثوري كان إمام الزهد ومع ذلك كان رقيق العيش ، كان يحب الترفه ، في محنة سفيان الثوري رحمه الله لما طلبه الخليفة ليكون قريبًا منه ، وكان سفيان سيء الرأي فيمن يقترب من السلطان :وكان من قوله( إذا دعاك الإمام لتقرأ عليه( قل هو الله أحد) فلا تذهب ، وكان يسميهم لصوصًا ، أنهم اقتربوا من الأمراء لكي يأكلوا الدنيا مع قصر النظر عن تحرير المسألة ، هذا كان رأي سفيان فلما طلبه الخليفة اشتد هاربًا وكان من أمره أنه ذهب إلى مكة وكان يختبئ مع من يجلسون حول الكعبة وكان يتقنع في رداء له حتى لا يعرف ,أبو شهاب الحنَّاط وهو أحد تلامذة سفيان ، لما أخت سفيان علمت أن أبا شهاب مسافر إلى مكة أعطته زوادة فيها من أطايب الأكل فذهب أبو شهاب الحنّاَط وهو يعلم أن سفيان في مكة ولكن لا يعرف أين هو ، فصار يبحث حتى عرف أين هو ، فذهب إليه ومعه الزوادة وألقي عليه السلام فلم يرد عليه فهمس في أذنه وقال له أنا أتيت لك بزوادة من أختك ، فلما قال له هكذا انتفض قاعدًا وقال له: قرب ، قال أبو شهاب فأكل أكلاً جيدًا ثم قام يصلى حتى أذن مؤذن الفجر ، كل هذا ولم يكلم أبا شهاب الحناط ، أكل وقام يصلي ، فلما فرغ من صلاته التفت إليً وقال: أطعم الحمار ثم كُدَه أي أكله وشغله .
كَانَ سُفْيَانُ يُحِبُّ رَقِيْقٌ الْعَيْشِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ بِهِ الْمَثَلُ فِيْ الزُّهْدِ:وكان سفيان قد ضعف على أن يقوم بسبب الجوع ضعف أن يصلي ، عندما أكل وملأ بطنه لم يعمل مثلنا يقول لك أصل الدم ترك المخ وذهب إلى المعدة والواحد يحس أن عنده دوار وتعبان ، أنا في رمضان أفطر من هنا وأنام من هنا ، لا سفيان أكل من هنا ثم قام يصلي حتى أذن مؤذن الفجر وقال هذه العبارة ، قال: أطعم الحمار ثم كده .سفيان كان يحب رقيق العيش مع أنه كان يضرب به المثل في الزهد ، والصوفية قد وضعوا سفيان الثوري من أئمة الصوفية ويقولون سيدنا سفيان وهو كذلك عندنا ، لكن هم يقصدون بسيدنا شيئًا أخر غير الذي نقصده نحن ، . يقول بن الجوزي: ( إذا كان خشن العيش هو الذي أصلح الإمام أحمد فإن رقيق العيش هو الذي أصلح سفيان مع زهده.وكان مالك صاحب هندام مع تدينه وورعه )ومعروف مالك إذا ذكر أصحاب الهندام من العلماء يوضع مالك في أولهم وكان رقيق العيش أيضًا وكان صاحب ترفه رحمة الله عليه- وما كان يحدث إلا على طهارة ، إذا سأله أحد عن حديث أو مسألة فقهية إذا كانت مسألة فقيه يجاوبه أما إذا كان حديث يغتسل ، وهذا من جملة الترفه أنه يغتسل على طول وله نية صالحة فإنه لا يحدث بحديث النبي إلا على طهارة ,وكذلك الشافعي- رحمه الله- كان صاحب ترفه في أخر حياته لكن كان في مبدأ حياة الشافعي كان فقيرًا إنما كان في أواخر حياته صاحب ترفه مع قوة فقهه .فهو يقول: ( رب خصلة أنت تصلح عليها يفسد عليها غيرك )وهذه مواهب قد يفتح لك في الصلاة ولا يفتح لك في الصيام ، يفتح لك في طلب العلم ولا يفتح لك في باب آخر .
عبد العزيز العمري: يقول سفيان بن عيينة أنه هو المَعنِي بقوله- صلي الله عليه وسلم- :" فيضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون إلا عالم المدينة " سفيان بن عيينة يقول: هو عبد العزيز العمري وكان رفيق مالك في الطلب لكنه آثر العبادة والتخلي ، وحتى أنه بعدما ترك مجالس العلم وتخلى وعبد الله عز وجل- أرسل رسالة إلى مالك يحثه فيها على اعتزال الحلق وأن يعمل مثله ، يدخل الخلوة ويعبد الله عز وجل- ، فيقول لمالك: أنا لا أري لك هذه المجالس التي تعقدها في الحديث افعل مثلما فعلت ,انظر إلى رد مالك عليه لكي تعرف هي صورة من الأدب العلمي الذي كان عند أهل العلم ، فقال: كلام فيما معناه ، ما الذي أنا فيه بأقل مما أنت فيه وكلانا على خير ، هذا ينشر العلم ، وهذا بعدما تعلم يتعبد ، فرأى أن يفعل ذلك ، كلانا على خير هذا فتح له في هذا الباب ، وهذا فتح له في هذا الباب .
فَلَا يَجُوْزُ أَنْ تحْتَقَرُ أَحَدٌ لَمْ يَفْتَحْ لَهُ مِثْلَ مَا فَتَحَ لَكَ فِيْ فَنٍّ مِنْ الْفُنُونِ أَوْ عِبَادَةٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ : وقد روى الطبراني في المعجم الكبير بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- لما سئل عن قلة صيامه وكان قليل الصوم ، فقال" إن القرءان والصلاة أحب إليً والصيام يضعفني عنهما "، فلا يأتي واحد ويقول هذا رجل يحب الدنيا ولا يصوم وحياته كلها أكل ، لم يفتح له في الصيام لكن فتح له في الصلاة فتح له في قراءة القرءان .فأنت إذا فتح لك في شيء ما ولم يفتح لآخر فاعلم أن له خبيئة من عمل ممكن يكون هو أيضًا مفتوح له في شيء أفضل مما فتح عليك به .
القصد:أن الإنسان أنما يراقب حال نفسه ولا يستقوي عليها ، إذا كان من أهل الترفه ويريد أن يتزهد مثلاً ويرى أنه لو ترك ما فيه من الترفه أن هذا يضعفه فعليه أن يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى المرتبة التي يريدها .وقد قالت رابعة العدوية: وهي متقدمة وقد كانت في زمان سفيان الثوري ونسب إليها كثير من الأباطيل ، فكثير جدًا من الأقوال التي تنسب إلى رابعة العدوية لا تصح إليها ولا يثبت سند إليها ، مع الفارق ،.تعرف جحا هذا المفترى عليه ، نصر الدين خوجه على رأي الجماعة الإيرانيين يقولون جحا هذا ملك لنا ، ليس من العرب إنما هو من الفرس ، كل مصيبة وداهية تنسب لمن ؟ تنسب لجحا مع أتهم يقولون أنه كان رجلاً عاقلاً ن وأنه طلب للقضاء فافتعل شيئًا من الأشياء المخلة والمسقطة للمروءة حتى يقولوا أنه لا يصلح للقضاء حتى لا يتولى القضاء ، وكثير من الشخصيات المشهورة ينسب إليها ما لا يصح .تقول رابعة العدوية: إذا كان صلاح نفسك في الفالوذج فكله ، والفالوذج على حسب قراءتي شبيهة بالعصيدة وهذه كانت طعام المرفهين جدًا في ذلك الزمان ، فإذا كان صلاح نفسك أن تأكل الشيء الفخم فكله حتى لا تذهب نفسك عليه حسرات .
يقول بن الجوزي في هذه نهاية الخاطرة:(ولا تكونن أيها السامع ممن يرى صور الزهد ، فرب متنعم لا يريد التنعم، وإنما يقصد المصلحة ، وليس كل بدن يقوى على الخشونة ، خصوصاً من قد لاقى الكد وأجهده الفكر أو أمضَّه الفقر، فإنه إن لم يرفق بنفسه، ترك واجباً عليه من الرفق بها ، فهذه جملة لو شرحتها بذكر الأخبار والمنقولات لطالت ، غير أني سطرتها على عجل حين جالت في خاطري، والله ولي النفع برحمته ).واستكمالاً لهذا المعني الذي كنت أتكلم فيه أذكر حديث مالك بن مضمة الجشني الذي هو والد أبي الأحوص الجشني وكان من أصحاب النبي وخبره في مسند الإمام أحمد وسنن أبو داود والنسائي وغيرهما بسند صحيح قال: " رآني رسول الله وأنا قشف الهيئة وفي رواية وأنا سيء الهيئة _أي يلبس ملابس ممزقة متسخة أو مثل ذلك _ فقال له: أرب مال أنت ؟ _أي عندك مال ؟_ قال: نعم ، قال: من أي المال ؟ قال: من كل المال ، من الخيل ومن الرقيق ومن النعم ومن الغنم ، قال: فإذا أتاك الله نعمة فليرى أثرها عليك ، إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده )﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ (الأنعام:32)
نِعَمْ الْدُّنْيَا يَشُوْبُهَا الْكَدَرِ وَنِعْمَ الْآَخِرَةِ خَالِصَةً لِلْمُؤْمِنِيْنَ:الحياة الدنيا وتقف حتى يتم لك المعني وتفهمه صح ، لما لأنه ليس هناك نعمة خالصة من الكدر والشوائب في الدنيا أبدًا إنما تكون خالصة يوم القيامة فقط إنما في الدنيا لا .هناك من يشرب الماء العذب السلسبيل من ماء الفرات ومع ذلك يشرَق ويموت ، فليس هناك نعمة في الدنيا إلا ويشوبها كدر ، لكن نعم الآخرة خالصة للذين آمنوا ، فإذا الإنسان إذا أنعم الله- عز وحل- عليه بنعمة فليُرى أثرها عليه ، إذا كان التدخل في هذه النعم سيدخله في مسائل الكبر وغير ذلك ، فهو يعلم حال نفسه ,
إذا كان يصبر على الخشن والممزق وهذا الذي يصلحه فليفعل ذلك ، وهذه وصية النبي- صلي الله عليه وسلم- إذا لم يكن هناك موجب ، فإذا لم يكن هناك موجب أن تواري هذه النعمة فأظهر هذه النعمة فهذا من شكر الله العملي ، والشكر قولي وفعلي ، ومن شكر الله العملي أن يظهر أثر النعمة عليه ، لأن هذا إنما يكون جزءًا من حمد الله تعالي . انْتَهَى الْدَّرْس الْثَّانِي

الْمُحَاضَرَة الثَّالِثَة
يقول بن الجوزي- رحمه الله تعالي-:(من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها ، نال خيرها، ونجا من شرها ، ومن لم ير العواقب غلب عليه الحسُّ فعاد عليه بالألم ما طلب منه السلامة وبالنصب ما رجا منه الراحة ).وقلت أمس أن كلام بن الجوزي يتلخص في كلمتين الحال والمآل .الحال: هي الحَالَةِ الحَاله التي يعيشها الإنسان والمآل: هو ما ينتهي إليه حاله .فربما كانت الحالة مُرَه فانقلبت على غير ما يريد والعكس ، ولا تنظر نقص البدايات ولكن أنظر إلى كمال النهايات ، وضربنا مثلاً بذلك بقصة يوسف- عليه السلام- .
وَالْيَوْمِ نَضْرِبُ مَثَلا آخَرَ بِقِصَّةٍ مُوْسَىْ- عَلَيْهِ الْسَّلَامُ-:وأنتم تعلمون كما في مطلع سورة القصص أن الله تبارك وتعالي أمر أم موسى أن تلقي موسى في اليم كل هذا لينجو من فرعون ، تمام القصة تعرفونها ، لكن الذي أرجو أن أقف عليه وهو ملتقط كلام بالحال والمآل قوله تعالى:﴿ فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ (القصص:9،8) الشاهد من الآية: الكلام فيه تقديم وتأخير ، :﴿ فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُم﴾ْ لَهُمْ قرة عين أم يكون لهم ﴿ َ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ ا ، ليكون لهم قرة عين, لأنهم لو علموا أنه سيكون لهم عدوًا وحزنًا ما التقطوه ، فيكون الكلام فيه تقديم وتأخير ، ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ أنه يكون لهم عَدُوًّا وَحَزَنًا ، لما التقطوه أرادوا أن يكون قرة عين لكن الله- عز وجل- أراد أن يكون عَدُوًّا وَحَزَنًا ، لما تنظر إلى الحال ، حال موسى وأم موسى ، ألقته في اليم وأصبح فؤادها فارغًا .
بعض أهل التفسير: قال في تفسيره تعالي(فارغًا) أصبح فؤادها خاليًا هادئًا وهذا الكلام خطأ ، لأن سياق الآيات ينكره , إنما فارغًا:أي طار فؤادها ولبها ، كما قال تعالي: ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ(إبراهيم:43) ، الإنسان إذا وقف يوم القيامة طار لبه وطار فؤاده لا يكون عنده قلب من شدة الهول والرعب ، فهي أم ألقت بولدها في اليم ، كما يقول العلماء كان من المفترض فإذا خفت عليه فضعيه في حرزٍ أمين ، أو في حرزٍ مكين وليس إذا خفت عليه أن ترميه في البحر ، لا .ومع ذلك فعلت لأنها أُمرت بهذا ، لأن الله عز وجل- قال:﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ﴾(القصص:7) ، فهذا فيه أمر ، الوحي هنا بمعنى الأمر ، أمرت أن تلقيه ، وغُلِبت على أن تلقيه ، فألقته في اليم ، فأخذه فرعون عدوه ؟
فعندنا أمران " 1-ترميه في البحر 2-، ويلتقطه فرعون عدوه ، الذي من أجل أن ينجوا منه ألقته في البحر ,فيكون فؤادها فارغًا ، أي طار قلبها وطار لبها ، ولذلك قال الله- عز وجل-:﴿ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي به﴾(القصص:10) من شدة خوفها ورعبها والهول التي تشعر به كادت أن تقول: هذا ابني وأنا رميته لكي أهربه من فرعون ، من كثرة الرعب ، لماذا؟ .الانتظار ولا الموت ، لما يكون ولد تاه وبحثوا عنه في المستشفيات وأقسام الشرطة وبحثوا عنه في الأرض فلم يجدوه ، فيقولون لو مات ودفناه وعرفنا مثواه لاسترحنا ، لكن لا نعرف أين هو ، وأين ذهب ؟ هل هو حي أم ميت ؟ يأكل يشرب ، معذب أم غير معذب ، فهذا هو العذاب الأليم ، لولا أن الله- عز وجل- ربط على قلبها لأفشت هذا الذي فعلته ,فهذه الحال حال أم موسى وحال موسى- عليه السلام- ، وانظر إلى مآل موسى- عليه السلام- ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ (القصص:7) ، مآله في النهاية كان مآلاً حميدًا .
وَلَاحَظَ الْفِرَقَ مَا بَيْنَ مَا امْتَنَّ بِهِ الْلَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَىَ يُوَسُفَ- عَلَيْهِ الْسَّلَامُ- وَمَا امْتَنّ بِهِ عَلَىَ مُوْسَىْ- عَلَيْهِ الْسَّلَامُ-
قال في حق يوسف- عليه السلام- ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾(يوسف:22) .وقال في حق موسى:﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ واستوي آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾(القصص:14)، الذي زاد على موسى عليه السلام (واستوي )، لماذا ؟ لأن يوسف- عليه السلام- لم يرسل إلى جبار عنيد ولم يناظر أحدًا ، المناظرة التي أقامها يوسف- عليه السلام- كانت في السجن ، ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾(يوسف:39)، أقام دعوة التوحيد ودعا إلى الله عز وجل في السجن وهذا كان في حال حاجة الناس إليه ، إنما موسى- عليه السلام- أرسل إلى أعتى جبار عرفته الأرض ، لم يدعي أحد الإلوهية وجحد الصانع إلا فرعون ، هو الوحيد الذي قال: وما رب العالمين ، لم يقولها أحدًا غيره .الكفار كانوا يعتقدون ربوبية الله- عز وجل- ، أنما الذي يجحد ربوبية الله لم تحدث إلا في فرعون أو من تمذهب بمذهبه من الدهرية,جرى بين موسى- عليه السلام وبين فرعون جولات في المناظرة ، ولأجل هذا لا ترى نبيًا جرى على لسانه ذكر الخوف أكثر من موسى- عليه السلام- ، في كل خطوة يقول أنا خائف ، ﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ﴾(طه:67) ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾(القصص:21) ، حياته كلها خوف حتى لما وقف في موقف المناظرة ورأى الهالة الكبيرة ، وأنت تعرف أحيانًا الملابس تخيف ، لما تجد الكبات والأشياء الحمراء تجدك في خوف ولا تعرف إلى أي شيء ستنتهي المسألة .
وفي بعض الآثار الإسرائيلية أن موسى- عليه السلام- لما وقف في موقف المناظرة مع فرعون فرأى ما هاله من شكل فرعون والوزراء والناس كلها يقفون لكي يشاهدوا على هذه المناظرة فخاف ﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى ﴾ (طه:68،67)في هذا الأثر الإسرائيلي قال الله- عز وجل- لموسى- عليه السلام-وهارون: ( لا تنظرا إلى لباسه فإن قلبه بيدي )والمسألة كلها مربوطة بقوة القلب ، أي إنسان شجاع هذا لشجاعة قلبه ، جبان لخفة قلبه ، والجوارح إنما هي تبع ، العضلات وغير ذلك كلها ليس لها أي قيمة إذا كان القلب ضعيفًا ، أنت ترى لما يكون واحد حصل على الحزام الأسود في المصارعة وهذا أعلى شيء ، وهذا عنده ابنه الوحيد وهو يموت فيه ويحبه جدًا ، لو واحد قال له ابنك مات تجده يقع على الأرض ، فلماذا وقع وهو صاحب العضلات ؟ القوة في الحقيقة هي قوة القلب ، وليست قوة الجوارح أو غير ذلك .
إِذَا قَوِيَّ الْقَلْبِ أَعْطَىَ لِلْجَوَارِحِ ، إِذَا ضَعُفَ الْقَلْبِ أَخَذَ قُوَّةً الْجَوَارِحِ : وموسى عليه السلام ناظر فرعون المناظرة الشهيرة التي هي في مطلع سورة الشعراء ، وكان موفقًا مسددًا بتسديد الله- عز وجل- إياه في إقامة الحجة على فرعون ، لذلك ربنا- عز وجل- قال:﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ واستوي ﴾ استوي في أن يقف في مواجهة فرعون فعندنا الحال والمآل في قصة موسى وفرعون .
الْحَالِ وَالْمَآلِ أَيْضا فِيْ قِصَّةِ جُرَيْجٍ ، وَفِيْ قِصَّةِ الْغُلامِ الْثَّالِثَ أَوْ الْصَّبِيِّ الْثَّالِثُ الَّذِيْ تَكَلَّمَ فِيْ الْمَهْدِ:كما في الصحيحين في حديث أبو هريرة- رضي الله عنه- الذي أوله : " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى عليه السلام ، ثم جريج "خلاصة قصة جريج: حاله عابد ، زاهد ، متخلٍ عن الناس ، هذا هو حاله وجريج في الأصل كان رجلاً تاجرًا كما في مسند الإمام أحمد ، فكان يكسب مرة ويخسر مرة ، فقال: هذه تجارة لا تصلح أنا لأطلبن تجارة لا تبور والتجارة التي لا تبور وتكسب دائمًا هي أن يعبد الله- عز وجل- فخرج خارج البلد وبني له صومعة ، والصومعة هذه عبارة عن المطر الذي يخزنون فيه الأرز والمصنوع من الطين ، هو عمل مثل هذه ، لكن صومعته كانت في الدور الثاني ولم يكن لها سلم ، كان يطلع بالحبل حتى إذا طلع فوق يأخذ الحبل وراءه ، لكي يضمن لن يصل إليه أي مخلوق أو يدخل عليه لكي يستطيع أن يعبد ربنا ,فلما كان يصلى ذات يوم وجاءت أمه ونادته وقال يارب أمي أم صلاتي ؟ ، أمي أم صلاتي ؟ ، في حديث أبي رافع في مسلم قال أبو هريرة "وجعل النبي وضع يده على حاجبه يمثل أم جريج وهي تنادي عليه وهي تقول: يا جريج أجبني ، يا جريج أجبني "، أمي أم صلاتي أمي أم صلاتي ، وأي واحد عابد في الدنيا يختار صلاته مباشرة ، لو وازن بين ربه وبين أمه في اليوم الثاني شرحه ، وفي الثالث شرحه ، فدعت عليه ألا يموت حتى يرى وجوه المياميس .
وإذا أراد الله شيئًا هيأ أسبابه : تكلم بني إسرائيل في منتدياتهم عن جريج ، ما أصبره وما أعبده وما هذا الصبر كله ؟ قاعد وحبس نفسه ، لو الواحد حبس نفسه يومين كاد أن تنفجر جوانبه ، فكيف يجلس هذا ليل نهار لوحده ، ولا يفكر في أحد ، ولا الدنيا في رأسه ولا غير ذلك ، واحدة بغي من بني إسرائيل وهذه كانت بنت ملك البلد قالت: إن شئتم لأفتتنه لكم ، قالوا: قد شئنا اعملي ما شئت ,ذهبت عند الصومعة وصارت تتعرض لجريج فاعرض عنها ، جاء راعي غنم وجاءوا إلى ظل صومعة جريج فأمكنته من نفسها ، وحملت وقالت: هنا ابن جريج ، انتظروا على هذه البغي حتى وضعت وقالوا ابن من هذا ؟ قالوا ابن جريج ، قالوا: أحضروا الفئوس ، كل واحد أخذ الفأس وخرج ، وكان جريج يصلى ولا ينتبه للموضوع وهؤلاء يكسرون في صومعته من تحت لكي يهدموها على رأسه ,فسمع أصوات الفئوس وهي تضرب في الصومعة فخرج إليهم وقال لهم: ما لكم قالوا: انزل يا فاجر ، يا داعر ، يا فاسق ، ماذا عملت ؟ قالوا له:انزل الأول لكي نتفاهم ، نزل فربطوا يديه من الخلف وأوثقوه بالحبال ، وقالوا أنت فعلت كذا ، فلما أخذوه على ملك القرية ، على أساس أن ملك القرية سيحاسبه ، طبعًا من الذي فعل هذه العملة السيئة بنت ملك القرية ، هي التي عملت هذه القصة ، وهو يريد أن يحاسب جريج على هذه المسألة .وانظر إلى الحال :، رجل أولاً حاله تخلى ليطلب عبادة ربه ، لأنه كان يتاجر وكان يكسب مرة ويخسر مرة فقال: أنا أريد أن أكسب على طول فاعتزل الناس وهذا هو حاله مع عبادته وزهده قد يبتلى بلاءً لا يخطر له على بال ، والإنسان إذا ضعف مرة ، أو خمس دقائق أو ثانية واحدة
رد مع اقتباس