الموضوع: قضية سمرقند
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 10-18-2010, 01:11 AM
أبو يوسف السلفي أبو يوسف السلفي غير متواجد حالياً
" ‏مَا الْفَقْرَ ‏أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي‏ ‏أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ "
 




افتراضي

هذه دمشق ، سرة الأرض : هذه سدة الدنيا .. هنا التقى والعلى والمجد والغنى والحلال والجمال . من هنا تخرج الكلمة التي تمضي مطاعة ، حتى تنتهي إلى بلده سمرقند ، وتمضي من هناك حتى تبلغ أرضاً أبعد وأنأى ، حتى تجوز إسبانيا . هنا يقيم الرجل الذي ملك ما لم يملكه في سالف الدهر قيصر ولا كسرى ولا الاسكندر ولا خاقان ... والذي لا يجد من جبال الصين إلى بحر الظلمات من يخالف عن أمره ، أو يرد قوله . ولكن كيف الوصول إليه ؟ وأنّى لغريب منكر مثله بالدخول عليه ؟ وخالط قلبه اليأس ... فسأل عن خان ينزل فيه ، فأرشد إلى خان أمضى فيه ليلته ، فلما أصبح أخرج ثيابه فلبس أحسنها ، وخرج ليلقى الخليفة ... وأقبل على أول إنسان لقيه يريد أن يسأله عن ( القصر ) ، فاعترته هيبة شديدة ، وخاف من مواجهة الرجل الذي يحكم نصف الأرض ، والذي لا يبلغ ملك شاهنشاه العظيم ولاية واحدة من ولاياته ، يحكمها أمير من أمرائه ... وذكر كيف كانت تتصدع الأفئدة خوفاً من لقاء كسرى ، وتقف الملوك على بابه ، وكيف كان يقتل على الظنة ، ويأمر بضرب عنق الرجل يقول كلمة لا تعجبه ، أو ياتيه في ساعة يكون فيها لَقِسَ النفس ضيق الصدر ، وتلمّس عنقه وتخيله من الفزع مضروباً .
وغرق في مخاوفه وأفكاره ، وجعل يسير على غير هدى ، وكلما مرَّ على قصر من قصور دمشق ، ورأى بهاءه وعظمته ظنه قصر الخليفة ، فخفق قلبه واضطرب ... حتى رأى قصراً ماله في جماله نظير ، له باب هائل ، عرضه مثل الشارع العظيم ، له قوس مشمخرة عالية ، ذات مقرنصات ونقوش ، قائمة على اسطوانتين من المرمر الصافي ، ورأى الناس يدخلون لا يسأل أحدٌ أحداً ولا يمنعه حاجب ولا بواب ، فأيقن انه قصر الخليفة . وتشجع وشدّ من عزمه ودخل يقدّم رجلاً ويؤخر أخرى .. فلما لم ير أحداً قد منعه سكنت نفسه ، ونظر فإذا هو في صحن واسع ، إذا كنت في طرفه لا تستطيع أن تتبين من هو في الطرف الآخر ، قد فرشت أرضه بناصع الرخام فهو يلمع كالمرايا ، والناس يجلسون عليه ، وحوله جدران عالية ، ما رأى قط بناء أرفع منها ، وهي مزخرفة بأعجب الزخارف والنقوش ، وفي وسط الصحن بركة واسعة يتفجر منها الماء ، فيضربه شعاع الشمس فيكون له منظر عجيب ... ونفذ من الصحن إلى قاعة لا تقل عنه سعة ، ولا يدانيها بهاءً وجمالاً ، قد قام سقفها على أساطين الرخام ، تحمل أقواساً فوقها أعمدة أصغر منها ، فوقها أحناء وطاقات معقودة ، تتدلى من السقف سلاسل الفضة تحمل المصابيح والثريات . وجعل يمشي خلال الناس ذاهلاً ، لا يدري ماذا يصنع ، فاصطدم برجل كان يقوم ويقعد ويذكر الله ... وتلفت الرجل إلى اليمين وإلى الشمال ، ونظر إليه فرآه غريباً ، فسأله عن حاله ، فسبق لسانه إلى الحقيقة فأخبره أنه جاء من بلده يريد لقاء الخليفة ، ثم تنبه وقدر أن الرجل سيرتاع لذكر الخليفة بلا تعظيم ولا تبجيل ، وأنه سيدفعه إلى الشرطي فيستاقه إلى السجن ... فرأى الرجل ساكناً هادئاً كأنه لم يسمع نكراً وسمعه يقول له :
أتحب أن أدلك على داره ؟
قال : أوليست هذه داره ؟!

يتبع ..
رد مع اقتباس