عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 12-30-2009, 03:14 AM
أم سلمى أم سلمى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الحديث العاشر
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله أمر المؤمنينَ بما أمرَ به المرسلينَ فقال { يا أيها الرُسُلُ كلوا من الطيباتِ واعملوا صالحاً } ، وقال تعالى { يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيباتِ ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياهُ تعبدون } .. ثم ذكرَ الرجلَ يُطيل السفرَ اشعثَ أغبرَ يمُدُّ يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمهُ حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذّى بالحرام فأنَّى يُستجاب لذلك "" ... رواه مسلم
الطيب هُنا معناه الطاهر ، والمعنى أن الله سبحانه وتعالى مُقدس ومُنزّه عن النقائص والعيوب كلها ، وهذا كما فى قول الله تعالى { الطيباتُ للطيبين والطيبونَ للطيبات أولئكَ مُبرَّءون مما يقولون } ، فالله تعالى طيبٌ فى ذاته وفى أسمائه وصفاته وفى أفعاله وفى أحكامه سبحانه وتعالى .. كلها طيبة ليس فيها ردئ بأى وجه

لا يقبل إلا طيباً : من الأقوال والأعمال والإعتقادات :
الأقول { ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبةٍ أصلها ثابت وفرعها فى السماء } وقال تعالى { إليه يصعد الكَلِمُ الطيب والعمل الصالح يرفعه }
والأعمال لا يقبلها تعالى إلا إن كانت طيبة طاهرة من المفسدات كالرياء والعُجب ، والأعمال الطيبة هى ما كانت خالصة لله تعالى وموافقة للشرع
والأموال لا يقبل منها إلا ما كان طيباً حلالاً ( يعنى مُكتسبة من الحلال وبالطرق المشروعة ) كما قال صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول " .. رواه مسلم ، وفى الحديث الصحيح : " مَن تصدّق بعدل تمرة من طيب – ولا يقبل الله إلا طيب – فإن الله يأخذها بيمينه ويُربيها ( يعنى يزيدها ) حتى تكون مثل الجبل – أو كما قال صلى الله عليه وسلم
والقبول قد يُراد به :
1)الرضا بالعمل ومدح فاعله والثناء عليه بين الملائكة أو
2)حصول الثواب والأجر عليه أو
3)سقوط الفرض به من الذمة
وأن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلون فقال { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات وأعملوا صالحاً } وهذا تعليةً لشأن المؤمنين وأنهم أهلٌ أن يُوجّه إليهم ما وُجِّه إلى الرسل ، فأمرهم الله تعالى بالأكل الذى به قوام البدن ، ثم أمرهم بالعمل الصالح
وقال تعالى للمؤمنين { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله } فأمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، أمرهم أن يأكلوا من الطيبات كما أمر الرسل أن يأكلوا من الطيبات

ثم ذكر الرجلَ يُطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذى بالحرام فأنى يُستجاب لذلك
هذا الكلام أشار فيه النبى صلى الله عليه سلم إلى آداب الدعاء وإلى أسباب إجابته وما يمنع من إجابته ، فالأسباب التى تقتضى إجابة الدعاء أربعة وهى :
1)إطالة السفر : فالسفر بمجرده من أسباب إجابة الدعاء كما فى حديث أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن : دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده : خرّجه أبو داود وابن ماجه ، وعند الترمذى ( ودعوة الوالد على ولده )
والسفر سبب لإجابة الدعاء لأنه مظنة حصول إنكسار النفس بطول الغُربة عن الأوطان وتحمُل المشآق ، والإنكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء
2)أشعث أغبر : ( يعنى حصول التبذُل فى اللباس والهيئة ، فهذا دليل على أنه لا يهتم بنفسه لأنه مشغولٌ بالدعاء ) ففى الحديث المشهور عن النبى صلى الله عليه وسلم :" رُبَّ أشعث أغبر ذى طمرين مدفوعٌ بالأبواب لو أقسمَ على اللهِ لأبرَّهُ "
3)يمد يديه إلى السماء : وهذا من آداب الدعاء التى يُرجى بسببها إجابته ، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يرفع يديه فى الإستسقاء حتى يُرى بياض إبطيه ، وفى يوم بدر رفع يديه يستنصر الله على المشركين حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، قال النبى صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى حيى كريم يستحيى إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين "
4)الإلحاح على الله عز وجل بتكرار ذِكر ربوبيته ( يارب يارب ) ، وهذا من أعظم ما يُطلب به إجابة الدعاء ، عن عائشة رضى الله تعالى عنها ( مرفوعاً ) : إذا قال العبد يارب أربعاً قال الله : لبيكَ عبدي سل تُعطه " (خرّجه البزار) ، وعن أنس( مرفوعاً ) : ما من عبدٍ يقول يارب يارب يارب إلا قال له ربه : لبيكَ لبيكَ "
وعند التأمُل فى أدعية القرآن نجدها غالباً تفتتح بإسم الرب كقوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملتهُ على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ... } وقوله تعالى { ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن ءامنوا بربكم فآمنا ربنا فأغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تُخزنا يوم القيامة إنك لا تُخلف الميعاد } وقوله تعالى { ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا }

وأما ما يمنع إجابة الدعاء فقد أشار النبى صلى الله عليه وسلم إلى أنه : التوسع فى الحرام أكلاً وشرباً وملبساً وتغذيةً ، فأكل الحرام يُفسد العمل ويمنع قبوله ، وهناك حديث عن ابن عباس بإسنادٍ فيه نظر أن سعد بن أبى وقاص قال : يارسول الله ادعُ الله أن يجعلني مستجاب الدعوة . فقال النبى صلى الله عليه وسلم : ياسعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة
وروى عكرمة بن عمار قال : قيل لسعد بن أبى وقاص : تُستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ما رفعتُ إلى فمي لقمة إلا وأنا عالم من أين مجيئها ومن أين خرجت
قوله صلى الله عليه وسلم " فأنّى يُستجاب لذلك " يعنى كيف يُستجاب له ، فهذا إستفهام على وجه التعجب والإستبعاد وليس صريحاً فى إستحالة الإستجابة ومنعها بالكلية
ويؤخذ من هذا أن التوسع فى الحرام والتغذى به من جُملة موانع الإجابة ، فهذا تحذير من أكل الحرام وشربه ولبسه والتغذى به
فإرتكاب المحرمات مانع من الإجابة ، وكذلك ترك الواجبات يمنع من الإجابة ،
كما أن فِعل الطاعات يكون موجباً لإستجابة الدعاء ، ولهذا لمّا توسل الذين دخلوا الغار وأنطبقت عليهم الصخرة لمّا توسلوا بأعمالهم الصالحة التى أخلصوا فيها لله عز وجل ودعوا الله بها أُجيبت دعوتهم
رد مع اقتباس