عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-22-2008, 01:17 AM
أبو الحارث الشافعي أبو الحارث الشافعي غير متواجد حالياً
.:: عفا الله عنه ::.
 




افتراضي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد ...

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" الشهداء خمسة : المطعون والمبطون والغَرِق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله "

وروى مالك في " الموطأ " وأحمد في " المسند " وأبو داود والنسائي وابن ماجة في " سننهم "
من حديث جابر بن عتيك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله :
المقتول في سبيل الله شهيد ، والمطعون شهيد ، والغريق شهيد ،
وصاحب ذات الجنب شهيد ، والمبطون شهيد ، وصاحب الحريق شهيد ،
والذي يموت تحت الهدم شهيد ، والمرأة تموت بجُمْع شهيدة .)

قال الإمام النووي رحمه الله في " شرح مسلم " :

( هذا الحديث الذي رواه مالك صحيح بلا خلاف ، وإن كان البخاري ومسلم لم يخرجاه ،
فأما ( المطعون ) فهو الذي يموت في الطاعون ، كما في الرواية الأخرى :
( الطاعون شهادة لكل مسلم )
وأما ( المبطون ) فهو صاحب داء البطن ، وهو الإسهال .
قال القاضي : وقيل : هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن ،
وقيل : هو الذي تشتكي بطنه ، وقيل : هو الذي يموت بداء بطنه مطلقا ،
وأما ( الغرق ) فهو الذي يموت غريقا في الماء ، و( صاحب الهدم ) من يموت تحته ،
و( صاحب ذات الجنب ) معروف ، وهي قرحة تكون في الجنب باطنا ،
و ( الحريق ) الذي يموت بحريق النار ،
وأما ( المرأة تموت بجمع ) ، فهو بضم الجيم وفتحها وكسرها ، والضم أشهر ،
قيل : التي تموت حاملا جامعة ولدها في بطنها ، وقيل : هي البكر ، والصحيح الأول .) اهـ

قال الفقير إلى عفو ربه :

فإذا تقرر أن الغريق شهيد ،
فهل من الممكن أن يُلحق من مات مختنقا بالغاز بمن مات غريقا بجامع الاختناق ؟
هذا يحتاج إلى تأمل ،
ولا أجزم بدخول من مات مختنقا بالغاز في هذا الحديث ، ولكن أرجو له ذلك .
والله تعالى أعلى وأعلم .

* فوائد وتتمات وتنبيهات *

التنبيه الأول :
اعلم رحمك الله أن المذكورين في حديث جابر بن عتيك وغيره ،
سواء في ذلك المقتول في الجهاد ، أو في غيره كالغريق ونحوه ،
لا تلحقهم صفة الشهادة إلا إذا كانوا في سبيل الله .

وذلك لما رواه النسائي من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( خمس من قُبِضَ في شيء منهن فهو شهيد :
المقتول في سبيل الله شهيد ، والغريق في سبيل الله شهيد ، والمبطون في سبيل الله شهيد ،
والمطعون في سبيل الله شهيد ، والنفساء في سبيل الله شهيدة .)

قال السندي رحمه الله في حاشيته على سنن النسائي :

( والمراد بسبيل الله في الأول ( يعني في قوله : المقتول في سبيل الله شهيد ) الجهاد ،
وفي غيره ( أي المراد بسبيل الله المذكور في غيره أيضا الجهاد ) ،
وهو المتبادر أيضا ، فإنه المراد عرفا من مطلق هذا الاسم ،
وأيضا المعاد معرفة يكون عين الأول ،
لكن مقتضى الأحاديث المطلقة خلافه ، فيُحتَمل أن يراد به الإسلام ،
توفيقا بين هذا الحديث وبين الأحاديث المطلقة ،
وإن كان مقتضى أصول كثير من الفقهاء أن يحمل المطلق على المقيد ،
لكن المرجو هاهنا هو الأول والله تعالى أعلم . ) اهـ

التنبيه الثاني :
الشهيد بغير قتل في الجهاد ، كالغريق ونحوه ،
له أجر الشهداء في الآخرة ، ولكن لا تجري عليه أحكامهم في الدنيا .

قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " :

« فأما الشهيد بغير قتل ، كالمبطون ، والمطعون ، والغرق ، وصاحب الهدم ، والنفساء ،
فإنهم يغسلون ، ويصلى عليهم ، لا نعلم فيه خلافًا ،
إلا ما يحكى عن الحسن : لا يصلى على النفساء لأنها شهيدة »

قال الفقير إلى عفو ربه :

وقول الحسن مردود ؛
لما ثبت في الصحيحين من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال :
« صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عليها وسطها »

وهذا بوب عليه الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الجنائز بقوله :
( باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها.)

قال ابن المُنَيِّر رحمه الله :
( والمقصود بهذه الترجمة أن النفساء وإن كانت معدودة من جملة الشهداء
فإن الصلاة عليها مشروعة ، بخلاف شهيد المعركة .)
نقله الحافظ في " الفتح ".

فائدة عزيزة :
الغريق في سبيل الله شهيد في وصفه ، وله أجر شهيدين في ثوابه .

روى أبو داود بإسناد صحيح من حديث أم حرام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد ، والغَرِق له أجر شهيدين .)

والمائد في البحر : أي الذي يدور رأسه من ريح البحر واضطراب السفينة بالأمواج ،
من المَيْد وهو التحرك والاضطراب ،
والغَرِق : بكسر الراء ، الذي يموت بالغرق .

فائدة :
من مات في الجهاد من غير أن يُقتَل من العدو شهيد .

في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من قُتِل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ،
ومن مات في الطاعون فهو شهيد ، ومن مات في البطن فهو شهيد ، ومن غرق فهو شهيد .)

وفي رواية ابن ماجة لهذا الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( ما تقولون في الشهيد فيكم ؟ قالوا : القتل في سبيل الله ، قال : إن شهداء أمتي إذن لقليل !
من قُتِل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ،
والمبطون شهيد ، والمطعون شهيد ، والغَرِق شهيد .)

وعند أبي داود بإسناد حسنه الألباني من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

« من فَصَل في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد ،
أو وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة ،
أو مات على فراشه أو بأي حتف شاء الله فإنه شهيد ، وإن له الجنة »

فَصَل : أي خرج من منزله وبلده .
الهامة: واحدة الهوام ، وهي دواب الأرض .

قال ابن عبد البر رحمه الله في " التمهيد " :

«... ومن أهل العلم من جعل الميت في سبيل الله والمقتول سواء ،
واحتج بقوله عز وجل :
﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا
لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناًالاثنين جميعًا ،
وبقوله تبارك اسمه :
﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ
فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ »


تتمة :
ذكر أنواع أخرى من الشهادة لم تذكر في هذه الأحاديث .

في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من قتل دون ماله فهو شهيد .)

وروى أحمد وأهل السنن من حديث سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ،
ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد . )

وروى أحمد في " مسنده " من حديث راشد بن حبيش :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبادة بن الصامت يعوده في مرضه ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتعلمون من الشهيد من أمتي ؟
فأرَمَّ القوم ، فقال عبادة : ساندوني ، فأسندوه ، فقال يا رسول الله : الصابر المحتسب ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شهداء أمتي إذا لقليل !
القتل في سبيل الله عز وجل شهادة ، والطاعون شهادة ، والغرق شهادة ،
والبطن شهادة ، والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة . )
قال : وزاد فيها أبو العوام - سادن بيت المقدس- والحرق والسيل .

قال الألباني رحمه الله : رجاله موثقون .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح " :

« وله ( أي لأحمد ) من حديث راشد بن حبيش نحوه ،
وفيه: " السل" وهو بكسر المهملة وتشديد اللام » اهـ

وهذا هو الضبط الصحيح لهذا اللفظ والله تعالى أعلم ،
وليس السيْل كما جاء في المسند ،
وهو بالكسر والضم : قرحة تحدث في الرئة .

وروى الطبراني في " الكبير " بإسناد صححه الحافظ في الفتح
من حديث ابن مسعود موقوفا عليه قال :
« إن من يتردى من رءوس الجبال ، وتأكله السباع ، ويغرق في البحار لشهيد عند الله »


تنيبه على حديثين ضعيفين في هذا الباب :

فأما الأول فأخرجه ابن ماجة من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
« موت غربة شهادة »

قال الألباني رحمه الله في " ضعيف ابن ماجة " :
( ضعيف .)

وأما الثاني فأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه وابن عساكر في تاريخه
من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
« من عشق وكتم وعف فمات ، فهو شهيد »

قال الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " :
( ضعيف الإسناد ، موضوع المتن .)

فائدة

قال ابن حجر رحمه الله في " الفتح " :

( قال ابن التين : هذه كلها ميتات فيها شدة ،
تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ،
بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم ، وزيادة في أجورهم ، يبلغهم بها مراتب الشهداء .

قلت ( القائل ابن حجر رحمه الله ) :
والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء ،
ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر ،
والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن حبشي ،
وابن ماجه من حديث عمرو بن عنبسة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل : أي الجهاد أفضل ؟
قال : " من عُقِر جواده وأهريق دمه "
وروى الحسن بن علي الحلواني في " كتاب المعرفة " له بإسناد حسن
من حديث ابن أبي طالب قال : " كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد "
غير أن الشهادة تتفاضل .) اهـ

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح " :

( اختُلِف في سبب تسمية الشهيد شهيدا :
فقال النضر بن شميل : لأنه حي فكأن أرواحهم شاهدة ، أي : حاضرة ،
وقال ابن الأنباري : لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة ،
وقيل : لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة ،
وقيل : لأنه يشهد له بالأمان من النار ،
وقيل : لأن عليه شاهدا بكونه شهيدا ،
وقيل : لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة ،
وقيل : لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل ،
وقيل : لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة ،
وقيل : لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع ،
وقيل : لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه ،
وقيل : لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره ،
وقيل : لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة ،
وقيل لأنه مشهود له بالأمان من النار ،
وقيل لأن عليه علامة شاهدة بأنه قد نجا ،
وبعض هذه يختص بمن قتل في سبيل الله ، وبعضها يعم غيره ، وبعضها قد ينازع فيه .)

هذا والله تعالى أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .