عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 03-31-2011, 02:36 AM
أم كريم أم كريم غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

السؤال:

أسأل عن أقرب متن فقهي للسنة الصحيحة، بغض النظر عن المذهب، هل من يدلني عليه؟ وهل يوجد له شرح صوتي؟
وجُزيتم خيرًا.


الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فنسأل الله أن يفقِّهكَ في دينك، وأن يعلِّمك ما ينفعك، وأن ينفعك بما علَّمك.

ولتعلم أن أهل العلم يدرسون الفقه بعدة صور:
الأولى: فقه السنة، وهو دراسة الأحكام الشرعية عن طريق استنباطها من جملة الأحاديث الواردة من قول النبي - - وفعله، وتقريره، ويمثل هذا الاتجاه الكتب المؤلَّفة في ذلك مع شروحها، ومنها:
• "بلوغ المرام"؛ لابن حجر العسقلاني، مع شرحه "سبل السلام"؛ لمحمد بن الأمير الصنعاني.

• "منتقى الأخبار"؛ لمجد الدين بن تيمية، مع شرحه "نيل الأوطار"؛ لمحمد بن علي الشوكاني.

• "عمدة الأحكام"؛ لعبدالغني المقدسي، مع شرحه "أحكام الأحكام"؛ لابن دقيق العيد، ومَن حفِظَ كتاب "عمدة الأحكام"، وفهم معناه، وطالع بعض شروحه - فقد حصل على خير كثير؛ ولكن ذلك لا يغني عن قراءة بعض المتون الفقهية التي تتبع جزئيات الفقه، ومسائله في أبواب مرتبة.

• "سنن أبي داود"؛ لسليمان بن الأشعث السجستاني، جمَعَ أبو داود فيه السنن والأحكام، فلا يستغني عنه فقيه، مع شرحه "عون المعبود"؛ للمباركفوري، أو شرحه "معالم السنن"؛ للإمام الخطابي، وهو شرح تَلَقَّته الأمة بالقبول.

• أبواب الفقه في جميع دواوين السنة؛ كـ"صحيح البخاري" مع شرحه "فتح الباري"، و"صحيح مسلم" بشرح النووي، أو شرح القرطبي له في "المفهم لما أشكل من مختصر صحيح مسلم"، وكذا "سنن الترمذي"، و"سنن النسائي"، و"سنن ابن ماجه" مع شروحها المعروفة.

وممن سار على هذا من المعاصرين فضيلةُ الشيخ/ سيد سابق - رحمه الله - في كتابه "فقه السنة"، وغيره من العلماء الذين طرقوا هذا الباب.

الثاني: فقه الكتاب، وهو دراسة الأحكام الشرعية عن طريق استنباطها من جملة آيات الأحكام الواردة في كتاب الله – تعالى - وقد صنف العلماء في ذلك قديمًا وحديثًا، ومن ذلك:
• "أحكام القرآن"؛ للإمام الشافعي.
• "أحكام القرآن"؛ لابن العربي المالكي.
• "أحكام القرآن"؛ للجصاص الحنفي.
• "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي؛ إلا أن القرطبي قد أدخل جميع الآيات الأخرى، مع تَحَرِّيه لبيان الأحكام الشرعية في آيات الأحكام.
وغير ذلك من الكتب التي تدخل تحت هذا العنوان.

الثالث: الفقه المذهبي، ويمثل هذا الاتجاهَ المذاهبُ الأربعة المتبوعة، وهي على الترتيب الزمني: المذهب الحنفي، والمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي.

وهذه المذاهب متساوية في الجملة من حيث تَحَرِّيها لاتِّباع السنة؛ إذ لا يوجد إمام إلا وهو يصرِّح بذلك، وينفي عن نفسه خلافه.

وأولهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت - رحمه الله -: وقد روى عنه أصحابه أقوالاً شتَّى، وعباراتٍ متنوعةً، كلها تؤدي إلى شيء واحد، وهو وجوب الأخذ بالدليل الصحيح:
1- "إذا صح الحديث فهو مذهبي"؛ (ابن عابدين في "الحاشية" 1/ 63).

2- "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا، ما لم يعلم من أين أخذناه"؛ (ابن عابدين في "حاشيته على البحر الرائق" 6/ 293).

وفي رواية: "حرام على من لم يعرف دليلي أن يُفْتي بكلامي"، زاد في رواية: "فإننا بشر، نقول القول اليوم، ونرجع عنه غدًا"، وفي أخرى: "ويحك يا يعقوب! - هو أبو يوسف - لا تكتب كل ما تسمع مني؛ فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدًا، وأرى الرأي غدًا وأتركه بعد غد".

3- "إذا قلتُ قولاً يخالف كتابَ الله - تعالى - وخبرَ الرسول - - فاتركوا قولي"؛ (الفلاني في "الإيقاظ" ص 50).

وثانيهم مالك بن أنس - رحمه الله -: فقد قال:
1- "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتابَ والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه"؛ (ابن عبدالبر في "الجامع" 2/ 32).

2- "ليس أحد بعد النبي - - إلا ويُؤخذ من قوله ويُترك؛ إلا النبي - –"؛ (ابن عبدالبر في "الجامع" 2/ 91).

3- قال ابن وهب: سمعت مالكًا سُئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء، فقال: ليس ذلك على الناس، قال: فتركته حتى خفَّ الناس، فقلت له: عندنا في ذلك سنة، فقال: وما هي؟! قلت: حدثنا الليث بن سعد، وابن لهيعة، وعمرو بن الحارث، عن يزيد بن عمرو المعافري، عن أبي عبدالرحمن الحنبلي، عن المستورد بن شداد القرشي، قال: "رأيت رسول الله - - يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه"، فقال: إن هذا الحديث حسن، وما سمعت به قطُّ إلا الساعة، ثم سمعته بعد ذلك يُسأل، فيَأمر بتخليل الأصابع"؛ ("مقدمة الجرح والتعديل"؛ لابن أبي حاتم، ص 31 - 32).

وثالثهم الإمام الشافعي - رحمه الله -:
والنقول عنه في ذلك أكثر، وأضيق عن الحصر، وأتباعه أكثر عملاً بها وأسعد، ومنها:
1- "ما من أحد إلا وتذهب عليه سنةٌ لرسول الله - - وتعزب عنه، فمهما قلتُ من قولٍ، أو أصَّلت من أصل، فيه عن رسول الله - - خلاف ما قلتُ - فالقول ما قال رسول الله - - وهو قولي"؛ ("تاريخ دمشق"؛ لابن عساكر 15/ 1/ 3).

2- "أجمع المسلمون على أن مَن استبان له سُنة عن رسول الله - - لم يحلَّ له أن يَدَعها لقول أحد"؛ (الفلاني ص 68).

3- "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله - - فقولوا بسنة رسول الله - - ودَعُوا ما قلتُ"، وفي رواية: "فاتبعوها، ولا تلتفتوا إلى قول أحد"؛ (النووي في "المجموع" 1/ 63).

4- "إذا صح الحديث فهو مذهبي"؛ (النووي 1/ 63).

5- "أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني به، أي شيء يكون: كوفيًّا، أو بصريًّا، أو شاميًّا؛ حتى أذهب إليه إذا كان صحيحًا"؛ (الخطيب في "الاحتجاج بالشافعي" 8/ 1).

6- "كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله - - عند أهل النقل بخلاف ما قلتُ، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي"؛ (أبو نعيم في "الحلية" 9/ 107).

7- "إذا رأيتموني أقول قولاً، وقد صح عن النبي - - خلافُه، فاعلموا أن عقلي قد ذهب"؛ (ابن عساكر بسند صحيح 15/ 10/ 1).

8- "كل ما قلت، فكان عن النبي - - خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي أولى؛ فلا تُقَلِّدوني"؛ (ابن عساكر بسند صحيح 15/ 9/ 2).

9- "كل حديث عن النبي - - فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني"؛ (ابن أبي حاتم 93، 94).

ولذلك قال الإمام الذهبي في "زغل العلم": "الفقهاء الشافعية أكيس الناس، وأعلم من غيرهم بالدين؛ فأسُّ مذهبهم مبني على اتباع الأحاديث المتصلة، وإمامُهم من رؤوس أصحاب الحديث، ومناقبه جمَّة، فإن حصلت - يا فلان - مذهبَه؛ لتدين الله به، وتدفع عن نفسك الجهل، فأنت بخير، وإن كانت همتك كهمَّة إخوانك من الفقهاء البطالين، الذين قصدهم المناصب والمدارس، والدنيا والرفاهية، والثياب الفاخرة، فما ذا بركة العلم، ولا هذه نية خالصة؛ بل ذا بيع للعلم بحسن عبارة، وتعجُّل للأجر، وتحمُّل للوزر، وغفلة عن الله".

ورابعهم الإمام أحمد، فهو من أكثر الأئمة جمعًا للسنة، وتمسكًا بها؛ ولذلك قال:
1- "لا تُقَلِّدني، ولا تُقَلِّد مالكًا، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخُذ من حيث أخذوا"؛ (ابن القيم في "إعلام الموقعين" 2/ 302).

وفي رواية: "لا تقلد دينك أحدًا من هؤلاء، ما جاء عن النبي - - وأصحابه فخُذ به، ثم التابعين بعدُ الرجل فيه مخيَّر".

وقال مرة: "الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي - - وعن أصحابه، ثم هو من بعد التابعين مخير"؛ (أبو داود في "مسائل الإمام أحمد" ص 276، 277).

2- "رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي أبي حنيفة، كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار"؛ (ابن عبدالبر في "الجامع" 2/ 149).

3- "من ردَّ حديث رسول الله - - فهو على شفا هلكة"؛ (ابن الجوزي في "المناقب" ص 182).

وإننا ندلُّك في النهاية على أشهر المتون العلمية، وأكثرها تداولاً، وأحظِّها اهتمامًا من العلماء بالشرح والتدريس، والتحقيق والتلخيص، وهو متن "زاد المستقنع"؛ لموسى بن أحمد بن موسى بن سالم الحجاوى المقدسي، ولهذا الكتاب عدة شروح وحواشٍ، منها:

• "الروض المربع شرح زاد المستقنع"؛ لمنصور بن يونس بن صلاح البُهُوتي.

• "حاشية ابن القاسم على الروض المربع"، وهي حاشية جامعة لكثير من أقوال الفقهاء، واختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مع ذكر بعض أدلة المذهب.

• "السلسبيل في معرفة الدليل"؛ للبليهي، وفيه أكثر أدلة متن "زاد المستقنع".

• "الشرح الممتع"؛ للشيخ ابن العثيمين - رحمه الله - وقد حرر فيه المذهب، وذكر الراجح دليلاً، مع المناقشة والاستدلال.

وشَرَح "زاد المستقنع" غيرُ واحد من أهل العلم المعاصرين، ويمكن الوصول إلى شروحهم الصوتية والمكتوبة عبر الشبكة العنكبوتية.

لكل هذا؛ رجَّحنا هذا المتن؛ ففيه إحاطة بالمذهب، واهتداء للدليل، وهو أولى بالبدء من كتب فقه السنة؛ لاشتماله - كبقية كتب المذاهب - على نظم الأحكام بصورة مسلسلة سهلة، يضبط بها الطالب مسائل أبواب الفقه إجمالاً.

قال السيوطي في "ألفية الحديث":
وَكَتْبُهُ وَضَبْطُهُ حَيْثُ اسْتَعَدّْ وَإِنْ يُقَدَّمْ قَبْلَهُ الفِقْهُ أَسَدّْ

أي: كتابة وضبط الحديث النبوي يكون بعد تعلم الفقه، وهذا لا يعني الجهل بالحديث، ولكن يكون جلُّ اهتمامه بضبط مسائل الفقه إجمالاً، وقد استفاضت نصوص الأئمة في ذلك، ومنها:

ما في "أبجد العلوم" (3/ 89) قال: قال ابن حجي عن أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي: ما اجتمعتُ به قط إلا استفدت منه، وقد لازمته ست سنين، وذكره الذهبي في معجمه المختص فقال: الإمام المحدث، المفتي البارع، ووصفه بحفظ المتون. اهـ.

وفي "جامع المقدمات العلمية لمهم المصنفات والكتب الشرعية" (1/ 52): والفقهاء الغالب عليهم حفظ المتون وأحكامها. اهـ.

وفي "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" (2/ 462) قال: السيد العلامة، المجتهد الفهامة، المقتصد شمس الدين ابن الإمام المهدى لدين الله، أحمد بن يحيى بن المرتضى الحسني اليمني، تربى في حجر والده نحو عشر سنين، وحفظ المتون. اهـ.

وفي "الضوء اللامع" (1/ 268) قال: فالتنوخي في معرفة القراءات وعلو سنده فيها، والعراقي في معرفة علوم الحديث ومتعلقاته، والهيثمي في حفظ المتون. اهـ.

وفي "تذكرة الحفاظ وذيوله" (1/ 225) قال: ويرى بعضهم أن كلاًّ من الثلاثة كان فردًا في فنِّه، مع المشاركة في غيره، فالسخاوي تفرَّد بمعرفة علل الحديث، والديمي بأسماء الرجال، والسيوطي بحفظ المتون. اهـ.

علمًا بأن طالب العلم لا يكتفي بهذا المتن؛ بل يداوم الاطلاع على كتب أهل العلم التي تشتمل على الفوائد العلمية، ولا يكتفي بعلم الفقه وحده؛ بل لا بد من علم الحديث؛ فقد قصدنا فقط ترتيب المراحل، ففي "معالم السنن" (1/ 3) للحافظ أبي سليمان الخطابي: "انقسم الناس إلى فرقتين: أصحاب حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، وكل واحدة منهما لا تتميز عن أختها في الحاجة، ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه من البغية والإرادة؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي له كالفرع، وكل بناء لم يوضع على قعدة وأساس، فهو منهار، وكل أساس خلا من بناء و عمارة، فهو قفر وخراب" اهـ.

وقال التابعي الثقة إبراهيم النخعي - رحمه الله -: "لا يستقيم رأي إلا برواية، ولا رواية إلا برأي"؛ (رواه أبو نعيم في "الحلية" 4/ 225).

وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: "إذا كان عند الرجل الكتب المصنفة، فيها قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - واختلاف الصحابة والتابعين، فلا يجوز أن يعمل بما شاء ويتخير، فيقضي به ويعمل به، حتى يسأل أهل العلم ما يؤخذ به، فيكون يعمل على أمر صحيح"؛ ("إعلام الموقعين"؛ لابن القيم 1/ 44).

وعليك أن تسير في طلب العلم بحسب المراحل التي بيَّنها أهلُه، فلا تُقَدِّم علمًا أخَّروه، ولا تؤخِّر علمًا قدَّموه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل علم تبدأ فيه بالصغار ثم ترقى بعدها إلى الكبار.

أسال الله أن أكون قد وُفِّقت في بيان ما تريد، والله - تعالى - من وراء القصد، وفقك الله لما يحب ويرضى.
التوقيع

https://www.facebook.com/salwa.NurAl...?ref=bookmarks

رد مع اقتباس