عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 08-30-2008, 09:21 PM
أبو الحارث الشافعي أبو الحارث الشافعي غير متواجد حالياً
.:: عفا الله عنه ::.
 




افتراضي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم اما بعد ...
ففي الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ،
وخيرهما الذي يبدأ بالسلام "

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح " :
( قال أكثر العلماء : تزول الهجرة بمجرد السلام ورده ،
وقال أحمد : لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولا .
وقال أيضا : ترك الكلام إن كان يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام ، وكذا قال ابن القاسم . )

قال الفقير إلى عفو ربه :
وقد استدل الجمهور على زوال الهجرة بمجرد السلام ورده بحديث وأثر ،
فأما الحديث فما أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " وأبو داود في " السنن"
من طريق محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
" لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث ، فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه ،
فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر ، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم "

زاد أحمد بن سعيد السرخسي في روايته للحديث عند أبي داود : " وخرج المسلم من الهجرة "
ولفظ إسماعيل بن أبي أويس عند البخاري في " الأدب المفرد " :
" وإن لم يرد عليه فقد بريء المسلم من الهجرة "

وبوب عليه البخاري في " الأدب المفرد " بقوله :
( باب إن السلام يُجزيء من الصَّرْم )

وهذا الحديث صحح إسناده الحافظ ابن حجر في " الفتح " ، وفي إسناده هلال ،
قال ابن مفلح رحمه الله في " الآداب الشرعية " :
( هلال لم يرو عنه غير ابنه ، ووثقه ابن حبان ، وباقيه جيد ) اهـ
وقال الألباني رحمه الله في " الإرواء " ( 7/94 ) : ( وهلال هذا مجهول وبقية رجاله ثقات .)
ولذا قال رحمه الله في " ضعيف الأدب المفرد " : ( ضعيف )

ويشهد لهذا الحديث حديثان :
فأما الأول فرواه أبو داود في سننه عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" لا يكون لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاثة ، فإذا لقيه سلم عليه ثلاث مرار ،
كل ذلك لا يرد عليه فقد باء بإثمه "
قال الألباني رحمه الله في " الإرواء " : ( وهذا إسناد حسن )

وأما الثاني فرواه البخاري في كتاب " الأدب المفرد " عن معاذة العدوية قالت :
سمعت هشام بن عامر الانصاري ابن عم أنس بن مالك - وكان قتل أبوه يوم أحد –
أنه سمع رسول الله ( صلى اللة عليه وسلم ) قال :
( لا يحل لمسلم أن يصارم مسلما فوق ثلاث ، فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على صرامهما ،
وإن أولهما فيئا يكون كفارة عنه سبقه بالفئ ، وإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعا أبدا ،
وإن سلم عليه فأبى أن يقبل تسليمه وسلامه رد عليه الملك ورد على الآخر الشيطان ) .

قال الألباني رحمه الله في " الإرواء " : ( وإسناده صحيح على شرطهما .)

وأما الأثر فما أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 8904 ) بسنده
موقوفا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :

(لا يتهاجر الرجلان قد دخلا في الاسلام إلا خرج أحدهما منه حتى يرجع إلى ما خرج منه ،
ورجوعه أن يأتيه فيسلم عليه.)

قال الهيثمي رحمه الله في " مجمع الزوائد " ( 8/67 ) :
( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عصمة بن سليمان وهو ثقة. )
وقال المنذري رحمه الله في " الترغيب والترهيب " :
( رواه الطبراني موقوفا بإسناد جيد . )

إذا تقرر ذلك فاعلمي رحمك الله أن سلامك عليها وردك لسلامها قاطع للهجرة المنهي عنها شرعا ،
فإذا بدا لك ألا تتوسعي معها في الكلام ، مع الاقتصار في معاملتها على السلام جاز لك ذلك ،
أما إذا ترتب على وصلها ، سواء بالسلام أو الكلام ، فتنة في الدين أو إضرار بالأهل والبنين ،
فلا سلام ولا كلام ،

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح " :
( قال ابن عبد البر : أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث ،
إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة ،
فإن كان كذلك جاز ، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية . ) اهـ

أما إذا انتفت الفتنة وارتفع الضرر فيحرم هجرها بمنع السلام والكلام زيادة على ثلاثة أيام ،
ويجب على السائلة حفظها الله أن تقطع القطيعة بالسلام ،
والأفضل لها بعد ذلك أن ترتقي إلى الكلام ولا تقتصر على السلام ،
فإن اقتصرت على السلام جاز لها ذلك كما سبق إلا مع الأقارب ،

قال ابن حجر رحمه الله في " الفتح " :
( ولا يخفى أن هنا مقامين أعلى وأدنى ،
فالأعلى اجتناب الإعراض جملة ، فيبذل السلام والكلام والمواددة بكل طريق ،
والأدنى الاقتصار على السلام دون غيره ،
والوعيد الشديد إنما هو لمن يترك المقام الأدنى ، وأما الأعلى فمن تركه من الأجانب فلا يلحقه اللوم
بخلاف الأقارب فإنه يدخل فيه قطيعة الرحم ...) اهـ


تنبيه
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح " :
( وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث ،
واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهرا ،
وكذلك ما صدر من كثير من السلف في استجازتهم ترك مكالمة بعضهم بعضا
مع علمهم بالنهي عن المهاجرة . ) اهـ

هذا ولا يسعني إلا ان أختم بالاعتذار ، عن ما أوقعتكم فيه من طول انتظار ،
والله أسأل أن يجعل هذا في ميزان حسناتكم ، وأن يبارك لكم في جهدكم ووقتكم ،

هذا والله تعالى أعلى وأعلم .