عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 12-25-2007, 06:31 PM
أبو سيف أبو سيف غير متواجد حالياً
اللهم يامُقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
 




افتراضي

الصغار ..
كم هي المواقف التي وقعت لنا في صغرنا ولا تزال مطبوعة في أذهاننا إلى
اليوم .. سواء كانت مفرحة أو محزنة ..
عُد بذاكرتك إلى أيام طفولتك .. ستذكر لا محالة جائزة كرمت بها في مدرستك .. أو ثناء أثناه عليك أحد في مجلس عام .. فهي مواقف تحفر صورتها في الذاكرة .. فلا تكاد تنسى ..
وإلى جانب ذلك .. لا نزال نتذكر مواقف محزنة .. وقعت لنا في طفولتنا ..
مدرس ضربنا ..
أو خصومة مع زملاء في المدرسة ..
أو مواقف تعرضنا فيها للإهانة من أسرتنا ..
أو تعرض لها أحدنا من زوجة أبيه .. أو نحو ذلك ..
وكم صار الإحسان إلى الصغار طريقًا إلى التأثير ليس فيهم فقط .. بل في آبائهم وأهليهم .. وكسب محبتهم جميعًا ..
يتكرر كثيرًا لمدرس المرحلة الابتدائية أن يتصل به أحد أبوي طالب صغير ويثني عليه وأنه أحبه لمحبة ولده له وكثرة ذكره بالخير .. وقد يعبرون عن هذه المشاعر في لقاء عابر .. أو هدية أو رسالة ..
إذن لا تحتقر الابتسامة في وجه الصغير .. وكسب قلبه .. وممارسة مهارات التعامل الرائع معه ..
ألقيت يومًا محاضرة عن الصلاة لطلاب صغار في مدرسة ..
فسألتهم عن حديث حول أهمية الصلاة .. فأجاب أحدهم : قال صلى الله عليه وسلم : بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة ..
أعجبني جوابه .. ومن شدة الحماس نزعت ساعة يدي وأعطيته إياها .. وكانت
ــ عمومًا ــ ساعة عادية كساعات الطبقة الكادحة .. !
كان هذا الموقف مشجعًا لذلك الغلام .. أحب العلم أكثر .. وتوجه لحفظ القرآن .. وشعر بقيمته ..
مضت الأيام .. بل السنين .. ثم في أحد المساجد تفاجأت أن الإمام هو ذلك
الغلام .. وقد صار شابًا متخرجًا من كلية الشريعة .. ويعمل في سلك القضاء بأحد المحاكم .. لم أذكره وإنما تذكرني هو ..
فانظر كيف انطبعت في ذهنه المحبة والتقدير بموقف عاشه قبل سنين ..
وأذكر أني دعيت ليلة لإحدى الولائم ..
فإذا شاب مشرق الوجه يسلم عليّ بحرارة ويذكرني بموقف لطيف وقع له معي في محاضرة ألقيتها في مدرسته لما كان غلامًا صغيرًا ..
وكم ترى من الناس الذين يحسنون التعامل مع الصغار من يخرج من المسجد .. فترى أبًا يجره ولده الصغير بيده ليصل إلى هذا الرجل فيسلم عليه ويبلغه بمحبة ولده له ..
وقد يقع مثل هذا الموقف في وليمة كبيرة أو عرس .. يكثر في المدعوون ..
ولا أكتمك أنني أبالغ في إكرام الصغار والحفاوة بهم بعض الشيء .. بل والاستماع إلى أحاديثهم العذبة ــ وإن كانت في أكثر الأحيان غير مهمة ــ بل أزيد الحفاوة ببعضهم أحيانًا إكرامًا لوالده وكسبًا لمحبته ..
أحد الأصدقاء كنت ألقاه أحيانًا مع ولده الصغير .. فكنت أحتفي بالصغير وألاطفه ..
لقيني صديقي هذا يومًا في محفل كبير .. فأقبل إليَّ بولده يسلم علي .. ثم قال : ماذا فعلت بولدي ؟!
يسألهم مدرسهم قبل أيام عن أمنياتهم في المستقبل ..
فمنهم من قال : أكون طبيبًا .. والآخر قال : أكون مهندسًا ..
وولدي قال : أكون محمد العريفي !!
ويمكنك أن تلاحظ أنواع الناس في التعامل مع الصغار .. عندما يدخل رجل إلى مجلس عام ويطوف بالحاضرين مصافحًا .. وولده من خلفه يفعل كفعله .. فمن الناس من يتغافل عن الصغير .. ومنهم من يصافحه بطرف يده .. ومنهم من يهز يده مبتسمًا مرددًا : أهلاً يا بطل .. كيف حالك يا شاطر .. فهذا الذي تنطبع محبته في قلب الصغير .. بل وقلب أبيه وأمه ..
كان المربي الأول صلى الله عليه وسلم له أحسن التعامل مع الصغار ..
كان لأنس بن مالك أخ صغير .. وكان صلى الله عليه وسلم يمازحه ويكنيه بأبي عمير .. وكان للصغير طير صغير يلعب به .. فمات الطير ..
فكان صلى الله عليه وسلم يمازحه إذا لقيه .. ويقول : يا أبا عمير .. ما فعل النغير ؟ يعني الطائر الصغير ..
وكان يعطف على الصغار ويلاعبهم ..
يلاعب زينب بنت أم سلمة ويقول : يا زوينب .. يا زوينب ..
وكان إذا مر بصبيان يلعبون سلم عليهم .. وكان يزور الأنصار ويُسلم على صبيانهم .. ويمسح رؤوسهم ..
وعند رجوعه صلى الله عليه وسلم من المعركة كان يستقبله الأطفال فيركبهم معه ..
فعند عودة الملسمين من مؤتة .. أقبل الجيش إلى المدينة راجعًا .. فتلقاهم
النبي صلى الله عليه وسلم .. والمسلمون .. ولقيهم الصبيان يشتدون ..
فلما رأى صلى الله عليه وسلم الصبيان .. قال : خذوا الصبيان فاحملوهم .. وأعطوني ابن جعفر .. فأُتي بعبد الله بن جعفر فأخذه فحمله بين يديه ..
وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ يومًا من ماء .. فأقبل إليه محمود بن الربيع طفل عمره خمس سنوات .. فجعل صلى الله عليه وسلم في فمه ماء ثم مجه في وجهه يمازحه .. ( )
وعمومًا .. كان صلى الله عليه وسلم ضحوكًا مزوحًا مع الناس .. يدخل السرور إلى قلوبهم .. خفيفًا على النفوس لا يمل أحد من مجالسته ..
أقبل إليه رجل يومًا يريد دابة ليسافر عليها أو يغزو .. فقال صلى الله عليه وسلم ممازحًا له : إنا حاملك على ولد ناقة ..
فعجب الرجل .. كيف يركب على جمل صغير .. لا يستطيع حمله ..
فقال : يا رسول الله وما أصنع بولد الناقة ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : وهل تلد الإبل إلا النوق .. يعني سأعطيك بعيرًا كبيرًا .. لكنه ــ قطعًا ــ قد ولدته ناقة ..
وقال صلى الله عليه وسلم يومًا لأنس ممازحًا : يا ذا الأذنين ..
وأقبلت إليه امرأة يومًا تشتكي زوجها .. فقال لها صلى الله عليه وسلم : زوجك الذي في عينه بياض ؟ ففزعت المرأة وظنت أنه زوجها عمي بصره ..
كما قال الله عن يعقوب عليه السلام : ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ ) أي : عمي ..
فرجعت فزعة إلى زوجها وجعلت تنظر في عينيه .. وتدقق .. فسألها عن خبرها ؟! فقالت : قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في عينك بياضًا ..
فقال لها : يا امرأة .. أما أخبرك أن بياضها أكثر من سوادها .. أي أن كل أحد في عينه بياض وسواد ..
وكان صلى الله عليه وسلم إذا مازحه أحد تفاعل معه .. وضحك وتبسم ..
دخل عليه عمر وهو صلى الله عليه وسلم غضبان على نسائه .. لما أكثرن عليه مطالبته بالنفقة .. فقال عمر : يا رسول الله .. لو رأيتنا وكنا معشر قريش .. نغلب النساء .. فكنا إذا سألت أحدَنا امرأتُه نفقةً قام إليها فوجأ عنقها ..
فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم .. فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم .. يعني فقويت علينا نساؤنا ..
فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم زاد عمر الكلام .. فازداد تبسم النبي صلى الله عليه وسلم ..
تلطفًا مع عمر رضي الله عنه ..
وتقرأ في أحاديث أنه تبسم حتى بدت نواجذه .. إذن كان لطيف المعشر .. أنيس المجلس ..
فلو وطنا أنفسنا على مثل هذا التعامل مع الناس .. لشعرنا بطعم الحياة فعلاً ..



فكرة ..
الطفل طينة لينة نشكلها بحسب تعاملنا معه ..

رد مع اقتباس