الموضوع: مع صيد الخاطر
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-10-2009, 07:45 AM
عبد الملك بن عطية عبد الملك بن عطية غير متواجد حالياً
* المراقب العام *
 




افتراضي

قال ابن الجوزي : قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة، فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القسوة والغفلة ! فتدبرت السبب في ذلك، فعرفته.
ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك، فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفة من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها، لسببين.
أحدهما: أن المواعظ كالسياط، والسياط لا تؤلم بعد انقضائها إيلامها وقت وقوعها.
والثاني: أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلة، قد تخلى بجسمه وفكره عن أسباب الدنيا، وأنصت بحضور قلبه، فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها، وكيف يصح أن يكون كما كان ؟!.
وهذه حالة تعم الخلق، إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأثر.
فمنهم من يعزم بلا تردد، ويمضي من غير التفات، فلو توقف بهم ركب الطبع لضجوا كما قال حنظلة عن نفسه: نافق حنظلة !.
ومنهم أقوام يميل بهم الطبع إلى الغفلة أحياناً، ويدعوهم ما تقدم من المواعظ إلى العمل أحياناً، فهم كالسنبلة تميلها الرياح !.
وأقوام لا يؤثر فيهم إلا بمقدار سماعه، كما دحرجته على صفوان.... !!
. ا.هـ

قد تحصل لبعضنا يقظة عند سماع موعظة ، وينوي : سأفعل كذا ، وسأبدأ من الآن كذا ، ولن أتكاسل مرة أخرى عن كذا ، ويسأل نفسه مستنكرا : كيف كنتُ أفعل من قبل كذا وكذا ؟! فإذا مضى بعض الوقت بعد الموعظة بدأ النسيان والفتور ، والرجوع إلى سابق العهد من الغفلة .

لماذا ؟

1. لأن الموعظة كأنها سوط ضربك ، والسوط لا يؤلم بعد مدة كما آلمك لحظة ضربك .
2. ولأنك أثناء سماع الموعظة كنتَ بجسمك وفكرك معها ، بعيدا عن المسببات لغفلتك ، فإذا أنت بعدها تجتذبك أسباب الغفلة مرة أخرى ، فقد تضعف .

وهذه حالة عامة مع كل الناس ، لكنهم يتفاوتون فيها :
1. فمنهم من يمضي بعد الموعظة قويا ، لا يلتفت ، إذا حصل له هبوط وبدأت الغفلة تقترب منه ضجر ، كما حصل لحنظلة رضي الله عنه فقال : نافق حنظلة ! وذلك أنه ضجر ..

روى مسلم عن حنظلة الأسدي التميمي أنه قال : لقيني أبو بكر فقال : كيف أنت ؟ يا حنظلة ! قال قلت : نافق حنظلة . قال : سبحان الله ! ما تقول ؟ قال قلت : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . يذكرنا بالنار والجنة . حتى كأنا رأي عين . فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات . فنسينا كثيرا . قال أبو بكر : فوالله ! إنا لنلقى مثل هذا . فانطلقت أنا وأبو بكر ، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : نافق حنظلة . يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما ذاك ؟ " قلت : يا رسول الله ! نكون عندك . تذكرنا بالنار والجنة . حتى كأنا رأى عين . فإذا خرجنا من عندك ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات . نسينا كثيرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده ! إن لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذكر ، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم . ولكن ، يا حنظلة ! ساعة وساعة " ثلاث مرات .

2. ومنهم من يميل يمينا وشمالا ، كلما تذكروا الموعظة عملوا ، ثم ينسونها فيغفلون ، وهكذا .

3. ومنهم من لا يتجاوز الوعظ أذنيه ، كماء دحرجته على حجر أملس لا يستقر عليه .
رد مع اقتباس