تأريخ العـقيدة ( عـقيـدة التوحيد ) ومتى طرأ الانحراف عليها
د0ناصر العقل
عقيدة التوحيد هي الدين الحنيف ، والدين القيم ، دين الفطرة التي فطرالله الناس عليها ، فهي موجودة مع وجود هذا الإنسان كما ثبت بالدليل القطعي وهوالقرآن الكريم الذي هو أوثق مصدر في التاريخ .
قال الله تعالى : {
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } [ سورة الروم ، الآية : 30 ] .
فآدم عليه السلام ، قد فطره الله على العقيدة السليمة ، وعلمه ما لم يعلم من أمور الدين والدنيا ، فكان موحّـداً لله - تعالى - التوحيد الخاص ، معتقداً لله ما يجب له - تعالى - من التعظيم والطاعة والرجاء والخشية ، وقد اصطفاه الله من عباده المخلصين ، قال الله تعالى : {
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } [ سورة آل عمران ، الآية : 33 ] .
وقد شرّفه الله - تعالى - وأسجد له الملائكة ، قال - تعالى :
{
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ َ } [ سورة البقرة : الآية 34 ] .
وقد أخذ الله - تعالى - على بني آدم العهد والميثاق أنه ربهم ، وأشهدهم على أنفسهم في أصل خلقهم من أصلابهم ، فقال - تعالى - :
{
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْـلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } [ سورة الأعراف ، الآيتان 172- 173] .
والناس كلهم يُـولدون على الفطرة وينشأون عليها ، مالم تصرفهم عنها صوارف الشر والضلال، من التربية على الكفر والضلال، ومن أهواء و وساوس الشياطين ، وشبهات المبطلين ، وشهوات الدنيا، وقد جاء في الحديث القدسي قوله تعالى : " ... وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم و حرّمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي مالم أنزل به سلطاناً .. " الحديث .
وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك بقوله : (
ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يُهّـودانه ، أو يُنصّرانه ، أو يُمجّسانه ) .. الحديث .
فكما يتوجه هذا إلى كل إنسان مولود ، يتوجه إلى أول إنسان وهو آدم - عليه السلام - من باب أولى ، فعقيدة التوحيد والخير والصلاح هي الأصل الذي كان عليه آدم - عليه السلام - ، والأجيال الأولى من ذريته ، فكانوا على التوحيد الخالص . أما الشرك والضلال فإنما هي أمور طارئة لم تحدث إلا بعد آدم - عليه السلام - بأزمان وأجيال ، وعلى التدريج ، فقد صح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : (
كان بين نوح وآدم عشرة قرون ، كلهم على شريعة من الحق ، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ) .
وإلى هذا تشير الآية في قوله تعالى : {
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } [ سورة البقرة ، الآية : 213 ] .
أي : كانوا على الحق والهدى أمة واحدة على دين واحد - أول الأمر - فاختلفوا فيما بعد . كذا فسرها كثير من السلف .
وفي عهد نوح – عليه السلام – كان الشرك سائداص في قومه ، فكانوا يعبدون الأصنام من دون الله ، لذلك قال الله تعالى عن نوح : {
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ } [ الأيتان : 25- 26 / سورة هود ] .
وبهذا يتبين قطعاً أن العقيدة السليمة والتوحيد الخالص هما الأصل في تاريخ البشرية ، وأن الضلال والشرك والوثنية أمور طارئة بعد أحقاب من الزمان بعد آدم - عليه السلام (*) .. والله أعلم .