عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 10-06-2010, 04:11 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي



الدرس الرابع
النظر فى آيات الله الكونية ومخلوقاتـه :
يا أيها الماء المهـين من سـواكا ومن الذى فى ظلمة الأحشاء قد والاكا

ومن الذى غـذاك من نـعمـائه ومن الكـروب جميعهـا نجـّـاكـا
ومن الذى شـقّ العيون فأبصرت ومـن الـذى بالعقـل قـد حـلاكـا
ومن الذى تعصى ويغفر دائمـاً ومـن الـذى تنســى ولا ينســاكا

عجائب خلق الله فى النوم :
هل تأملت النـوم يوماً ؟ أنت تعرفه وتمارسه كل يوم ، بل أن نصف عمرك أو أقل يذهب فيه ، وهو ضرورة لا غنى عنها بل إن حياتك مؤلفة من قسمين اثنين :
1) يقظة تبتغى بها فضل الله وفق شرع الله.
2) نوم تبتغى به الراحة لتعاود العمل فى طاعة الله .
قال تعالى : { هو الذى جعل لكم اللـيل لتسـكنوا فيه والنهار مُبصـراً إن فى ذلك لآياتٍ لقومٍ يسمعون } يونس 67 . فى النوم تتعطل وظائف الحس إجمالاً يتوقف البصر بإغماض الجفون وإن لم تغمض كما فى بعض الناس فإن الرؤية تكون مفقودة . والحاسة التى تبقى تعمل خلال النوم هى السمع .. فالنوم آية .. قال تعالى { ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن فى ذلك لآيات لقومٍ يسمعون } فجمع بين النوم والسمع فى سياق واحد . . وكما فى سورة الكهف { فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عدداً } أما الدماغ فلا ينام بالمعنى المفهوم ولكنه يتغير ، فبعد أن كان يبث على موجات عالية يصبح على موجات أقل تردداً ، ولذا رُفع القلم عن النائم حتى يستيقظ لأن العقل مناط التكليف .
أيضاً هل تأملت نائمين متجاورين ودار بخلدك أن أحدهما ربما ينعم بالرؤى الصالحة ويود ألا يستيقظ الدهر كله مما يجد من لذة .. والذى يجاوره فى شقاء ويُعذب بالأحلام الشيطانية المزعجة يود لو لم ينم .. هل ساءلت نفسك هل يعلم هذا عن مجاوره ؟ أو يعلم ذاك عن هذا ؟ هل إستعظمت هذا ؟ !!
إن هناك ما هو أعظم وأكبر .. قال تعالى { لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون } غافر 57

عجائب خلق الله فى الجـنين :
هل تعلم أن للجنين نفسية لا ينفصل فيها عن أمه ، فتراه فى حالات إنكماش واكتئاب مرة ، وحالات إنشراح وانبساط أخرى ، فنجده مضطرباً حين تقع أمه فى أزمة إنفعال حادة كغضب أو تأثر جسدى كوقوع على الأرض أو إصطدام بشئ تبعاً لتأثر أمه بذلك ، وتجده هادئاً عندما تنصت أمه لسماع ما تستريح إليه النفس من قرآن وعلم دينى ، بل أنها حين تسمع صوت أبيه وتنصت له رأوه عن طريق أجهزة التصوير الضوئى كالمنصت له تبعاً لأمه .. والأعجب من هذا أنهم شاهدوا الجنين يتأذى ويبدى الإنزعاج لبعض المخالفات الشرعية كالتدخين – عافانا الله وإياكم – فقد وجد الطبيب فى تجربة عملية أن الجنين هادئاً ساكناً وعند تدخين أمه لسيجارة وبمجرد إلتقاطها وإشعالها أشار المقياس الى إضطراب الجنين تبعاً لإضطراب قلب أمه فسبحان الله الذى جعله فى وسط ظلمات ثلاث يتأذى مما تتأذى منه أمه وإن كانت هى لم تشعر بذلك .

عجائب خلق الله فى السـماء :
إن علماء الفلك يكتشفون من خلال تجاربهم ومراصدهم ومناظيرهم كل يوم ما يُدهش العقول فى هذا الكون الفسيح حتى قال مكتشف الجاذبية معبراً عن إكتشافه وضآلة ما إكتشفه بجانب ذلك الخلق العظيم : لست أدرى كيف أبدو فى نظر العالم ولكنى فى نظر نفسى أبدو وأنا أبحث فى هذا الكون كما لو كنت غلاماً صغيراً يلعب على شاطئ البحر فيلهو بين حين وآخر بالعثور على حجر أملس أو محارة بالغة الجمال فى الوقت الذى يمتد فيه محيط الحقيقة أمامى دون أن يسبر ( يكتشف ) أحد غوره .
وصدق الله : { وما أوتيتم من العلم إلا قليـلاً } الإسراء 85 . لقد رأى أحبتى فى الله مجموعة النظام الشمسى وقد تألفت من مائة مليار نجم قد عُرف ، وعُرف منها الشمس ، وتبدو هذه المجموعة كقرص قطره 90 ألف سنة ضوئية وسُـمكه 5 آلاف سنة ضوئية ومع هذا البُعد الشاسع فإن ضوء الشمس يصلنا فى لحظات ، وكذلك ضوء القمر . بل لقد رأى هناك مجموعات تكبرها بعشرات المرات أخص منها مائة مليار مجموعة تجرى كلها فى نظام دقيق بسرعة هائلة كلٌُ فى مساره الخاص دون إصطدام { كلٌ يجرى لأجلٍ مسـمى } الزمر 5 . هذا الذى رآه ، وما لم يره أكثر ، فقد قال الله تعالى { فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون } الحاقة 38 و 39 ..
لذا أدعوك أن تخلو بنفسك دقائق فى ليل صفا أديمه وغاب قمره ثم تأمّـل عالم النجوم وأعلم أن ما تراه ماهو إلا جزء يسير من 100 مليار مجموعة عُرفت وكثير منها لم يُعرف كل منها فى مسار معين لا يختلط بغيره ثم انقل تفكيرك الى ما بثـّـه الله فى السموات من ملائكته لا يُحصيهم إلا هو سبحانه فما من موضع أربع أصابع إلا ومَلَك قائم لله راكع أو ساجد يطوف منهم بالبيت المعمور كل يوم 70 ألف لا يعودون إليه الى قيام الساعة . . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنى أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون . أطّت السماء وحق لها أن تئـط مافيها موضع أربع أصابع إلا ومَلَك واضع جبهته ساجداً لله تعالى . والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وما تلذذتم بالنساء على الفُرش ولخرجتم الى الصعدات تجأرون الى الله " الصعدات : الصحارى .قال أبو ذر : والذى نفسى بيده لوددت أنى كنت شجرة الأرض – صححه الألبانى فى السلسلة الصحيحة رقم 5347 .
ثم أنقل نفسك وتجاوز تفكيرك الى بصيرة يسير بها قلبك الى عرش الرحمن ، وقد علمت بالنقل سعته وعظمته ورفعته ، عندها ستعلم أن السماوات بملائكتها ونجومها ومجراتها ومجموعاتها ، والأرض ببحارها وجبالها وما بينهما بالنسبة للعرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة .. فلا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير .

تأمل خلـق الأرض :
تأمل هذه الأرض بينما هى هادئة ساكنة وادعة ، مهاد وفراش ، قرار وذلول ، خاشعة فإذا بها تعتز ، تتحرك تثور ، تتفجر ، تدمر ، تبتلع ، تتصـدع ، زلازل ، خسف ، براكين ، تجدها آية من آيات الله ، وكم لله من آية يُخـوِّف الله بها عباده لعلهم يرجعون ، وهى مع ذلك جزاءً لمن حق عليه القول ، وهى أيضاً تذكير بأهوال الفزع الأكبر يوم يُبعثون ويُحشرون .
يذكر صاحب علوم الأرض القرآنية أنه قبل حوالى خمسة قرون ضرب زلزال شمال الصين عشر ثوان فقط : هلك بسببه 430 ألف شخص ، وقبل ثلاثة قرون ضرب زلزال مدينة لشبونة فى البرتغال لعدة ثوان هلك فيه 600 ألف شخص ، وأنفجرت جزيرة كاراكاتو فى المحيط الهندى قبل قرن فسُمع الإنفجار الى مسافة خمسة آلاف كيلو متر مربع وسجلته آلات المراصد فى العالم وتحولت معه فى ثوان جزيرة حجمها 20 كيلومتر الى قطع نثرها الإنفجار على مساحة مليون كيلومتر مربع وأرتفعت أعمدة الدخان والرماد الى 35 كيلومتر فى الفضاء وأظلمت السماء على مساحة مئات الكيلومترات حاجبة ضوء الشمس لمدة سنتين ، وأرتفعت أمواج البحر الى 30 متر فأغرقت 36 ألف نسمة من سكان جزيرتى جاوة وسومطرة . { وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هى إلا ذكرى للبشر } قال تعالى { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم } الأنعام 65 .. فنعوذ بالله أن نُغتال من تحتنـا ..

التأمـل فى خـلق الهـواء :
إذا تأملت ذلك وجدت آية من آيات الله الباهرة ، وقد حبسه الله بين السماء والأرض ، يُدرك ولا يُرى ، جعله الله مِلكاً للجميع ولو أمكن الإنسان التسلُـط عليه لباعه وأشتراه ولتقاتل مع غيره عليه كما فعل بأكثر الأشياء التى سخرها له المولى عز وجل وعلا ..
جعل الله الهواء بحكمته يجرى بين السماء والأرض ، والطير محلقة سابحة ، يحركه الله بأمره فيجعله رياحاً رخاء وبُشرى بين يدى رحمته فيه مبشرات ولواقح وذاريات ومرسلات ، ويحركه فيجعله عذاباً عاصفاً قاصفاً فى البحر وعقيماً صرصراً فى البر ، تتوزع الرياح على سطح الأرض تحت نظام مُحكم فتلقح الأزهار ، فتبارك من جعلها سائقاً للسحاب تذروه الى حيث الله شاء .. فهل تأملت يوماً من الأيام سحاباً مظلماً قد إجتمع فى جو صاف لا كدر فيه وهو لين رخو حامل للماء الثقيل بين السماء والأرض حتى إذا أذن له خالقه أرسل الريح تلقحه وتسوقه فينزل قطرة قطرة لا تختلط قطرة بأخرى ولا تدرك قطرة صاحبتها فتمتزج بها ، بل كل واحدة فى طريق مرسوم لها حتى تصيب الأرض التى عُيـنت لها لا تتعداها الى غيرها .. { وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون }الجاثية 5 ..هل تأملت هذا ؟ أحسب أنك تقول نعم ومعها لا إله إلا الله ..

التفكر فى عجائب البحـر :
إن لله فى البحر لآيات ، وأعلم أن الماء يملأ ثلاثة أرباع سطح الأرض ، فما الأرض بجبالها ومدنها وسهولها وأوديتها بالنسبة الى الماء إلا كجزيرة صغيرة فى بحر عظيم يعلوها الماء من كل جانب ، وطبعه العُلو لولا إمساك الرب سبحانه وبحمده له بقدرته ومشيئته لطغى على الأرض فأغرقها ودمرها وجعل عاليها سافلها ، فتبارك الله لا إله إلا هو رب العالمين ..

ذكر ابن القيم فى مفتاح دار السعادة : فى البحار حيوانات كالجبال لا يقوم لها شئ ، وفيه من الحيوانات ما يُرى ظهورها فيظن من عِظمها أنها جزيرة فينزل عليها الركاب ويُشعلوا نارهم ، فتحس بالنار إذا أوقدت فيُعلم أنه حيوان ..
ثم أنظر الى السفن وسيرها فى البحر تشقه وتمخر عبابه بلا قائد يقودها ولا سائق وإنما قائدها وسائقها الريح التى سخرها الله لإجرائها ، فإذا حُبست عنها الريح ظلت راكدة على وجه الماء فذاك قول الله تعالى { ومن آياته الجوار فى البحر كالأعلام إن يشأ يُسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن فى ذلك لآيات لكل صبّـار شكور } الشورى 32 – 33 .
فى أواخر القرن 19 الميلادى صنع الإنجليز باخرة عظيمة كانت فخر صناعتهم كما يقولون ، ثم انطلقت فى رحلة ترفيهية حاملة على متنها علية القوم ونخبة المجتمع – كما يصفون أنفسهم – وقد بلغ الفخر والغرور ببُـناة السفينة درجة كبيرة فسموها الباخرة التى لا تُقهـر – بل إن أحد أفراد طاقمها قال بما ترجمته ( حتى الله نفسه لا يستطيع أن يُغرق هذا المركب ) جلّ الله وتعالى وتقدس لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء ، وفى اليوم الثالث من سيرها فى المحيط الأطلسى إصطدمت بجبل جليدى عائم ففتح فيها فجوة بطول 90 متر ، وبعد ساعتين وربع تستقر الباخرة التى لا تُقهر فى قعر المحيط ومعها 1504 راكب وحمولة بلغت 46 ألف طن .
وتأمل معى كيف مد الله البحار وخلطها ومع ذلك جعل بينها حاجزاً ومكاناً محفوظاً فلا تبغى محتويات بحر على بحر ولا خصائص بحر على بحر عندما يلتقيان .. فى إيران أنهار عندما تلتقى بمياة البحر ترجع عائدة الى مجاريها التى أتت منها .. وتلتقى مياة المحيط الأطلسى بمياة البحر الأبيض فتبقى مياة البحر الأبيض أسفل لثقلها ولكثرة ملحها وتعلو مياة المحيط لخفتها ، وكلٌ فى مجراه ، { فتبارك الذى مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً } الفرقان 53

عجائب خلق الله فى مخلوقاته :
قال : انظر وتأمل تلك النملة الضعيفة ترى عبراً وآيات باهرات تنطق بقدرة رب الأرض والسماوات : تنقل الحبَّ الى مساكنها وتكسره حتى لا ينبت إذا أصابه بلل وتُخرجه الى الشمس إذا خافت عليه من العفن ثم ترده الى بيوتها .. كما أنها تعتنى بالزراعة وفلاحة الأرض : تشق الأرض وتحرثها وتزيل الأعشاب الضارة وتنظف الأرض ثم تتسلق الشجر وقت الحصاد وتذهب بها الى مخازنها ، بل إن لها مدافن جماعية تدفن فيها موتاها ، وفوق هذا تعرف ربها وتعرف أنه فوق سماواته مستوٍ على عرشه بيده كل شئ ..
روى الإمام أحمد فى الزهد من حديث أبو هريرة رضى الله عنه يرفعه ، قال : خرج نبى من الأنبياء بالناس يستسقون فإذا هم بنملة مُستلقية على ظهرها رافعة قوائمها الى السماء تدعو ربها ، فقال : إرجعوا فقد سُقيتم بغيركم ( رواه الدارقطنى فى سننه والحاكم فى المستدرك وصححه الألبانى فى المشكاة )
ومن عجيب أمر القردة ماذكره البخارى فى صحيحه عن عمرو بن ميمون قال : رأيت فى الجاهلية قرداً وقردة زنيا ، فأجتمع عليهما القرود فرجموهما حتى ماتا .. – رواه البخارى فى مناقب الأنصار – عجباً لها قرود تُقيم الحدود حين عطّلها بعض بنى آدم !! إن هدايتها فوق هداية أكثر الناس !!
وأغرب من ذلك أن الحيوانات فيها مشاعر الإحساس بالذنب وتعاقب نفسها على ذلك ، ومن ذلك ما ذكره أبو عبيدة معمر بن المثنى فى كتاب الخيل ( له من طريق الأوزاعى ) أن مُهراً أنزى على أُمه ليلقحها فأمتنع ، فأُدخلت فى بيت وجللت ( أى : غطوها ) بكساءٍ فأنزى عليها فنزى ، فلما شم ريح أمه عمد الى ذكره فقطعه بأسنانه من أصله . فتح البارى 7 / 161 ..
ومن عجيب أمر الفأرة ما ذكره صاحب كتاب ( العقيدة فى الله ) أنها إذا شربت من الزيت الذى فى أعلى الجرة ينقص ويعز عليها الوصول إليه فى أسفل الجرة فتذهب وتحمل فى أفواهها الماء ثم تصبه فى الجرة حتى يرتفع الزيت فيقترب منها ثم تشربه .. من علمها ذلك ؟ !! إنها لم تتعلم الكثافة وموازينها ولم تتعلم أن الماء أثقل من الزيت فيعلو الزيت على الماء .. فمن علمها هذا ؟ !! إنه الله ، أحق من عُبد وصُلى له وسُجد .
سبحان من يُجرى الأمور بحكمة فى الخلق بالأرزاق والحرمان ..
وتأمل معى النحل : فهى مأمورة بالأكل من كل الثمرات بخلاف كثير من الحشرات التى تعيش على نوع معين من الغذاء وتعجب أنها لا تأكل من التبغ ، فلا تأكل إلا الطيبات ، فهل يعتبر بذلك أهل العقلات !!
ومما يُذكر أن ألدّ أعداء النحل هو الفأر يُهاجم الخلية فيشرب العسل ويلوث الخلية فماذا تفعل النحلة الصغيرة أمام الفأر الذى هو لها كجبل عظيم ؟ إنها تُطلق عليه مجموعة من العاملات فتلدغه حتى يموت . لكن : كيف تُخرجه ؟ إن بقى أفسد العسل ولوث أجواء الخلية ، ولو إجتمع نحل الدنيا كله على إخراجه ما استطاع . فماذا يفعل ؟؟
جعل الله عز وجل له مادة شمعية يفرزها ويُغلف بها ذلك الفأر فلا ينتن ولا يتغير ولو بقى ألف عام حتى يأتى صاحب الخلية فيُخرجه .. فسبحان من خلق فسوى وقدّر فهدى ..
فيا عجباً من مضغة لحم أقسى من الجبال تسمع آيات الله تُتلى فلا تلين ولا تخشع !!

لله فى الآفـــاق آيـات لعـل أقـلها هو ما إليـه هـداكا
ولعل مافى النفـس من آيـاته عجب عجـاب لو تـرى عيناكا
والكون مشحون بأسـرار إذا حاولت تفســيراً لها أعيـاكـا
قل للمريض نجا وعوفى بعدما عجزت فنون الطب : من عافاكا ؟
قل للصحيح يموت لا من علةٍ : من بالمنايا يا صـحيح دهـاكا ؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فأسأله : من ذا بالسـموم حشـاكا ؟
وأسـأله كيف تعيـش يا ثعبـان أو تحيا وهذا السـم يملأ فاكا ؟
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً ، وقل للشهد من حلاكا؟
بل سـائل اللبن المصـفى كان بين دمٍ وفرث مالذى صـفّاكا ؟
قل للهواء تحسه الأيدى ويخفى عن عيون النـاس : من أخفاكا ؟
وإذا رأيت النبت فى الصحراء يربو وحده فأسـأله من أرباكا ؟
قل للمرير من الثـمار من الذى بالمُـر دون الثـمار غـذّاكا ؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فأسأله من يا نخل شـق نواكا ؟
سـتجيب مافى الكون من آياته عجب عُجـاب لو ترى عيناكا
ربى لك الحمـد العظيم لذاتـك حمـداً وليـس لواحـدٍ إلاكا
يا مدرك الأبصـار والأبصـار لا تـدرى له ولكنهه إدراكا
إن لم تكن عينى تراك فإننى فى كل شـئ أسـتبين عُـلاكا
يا أيها الإنسـان مهلاً ما الذى بالله جـل جـلاله أغراكا ؟!!

إنه الله { الذى أحسن كل شئٍ خلقه } لا إله إلا هو ، أنت من آياته ، والكون من آياته ، والآفاق من آياته تشهد بوحدانيته .. سبحان الله ..

وبعد إذ عرفت الله لابد أن تحبه .. فلماذا المحبة ؟ .. وكيف نحب الله ؟
يقول ابن القيم : القلب فى سيره الى الله عز وجل بمنزلة الطائر فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه ، فمتى سَلِمَ الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران ، ومتى قُطع الرأس : مات الطائر ، ومتى فُقد أحد الجناحان فهو عُرضة لكل صائد وكاسر ..
فالمحبة هى الحياة ، من حُرمها فهو من جملة الأموات ، وهى النور الذى من فقده فهو فى بحار الظلمات ، وهى الشفاء الذى من عدمه حلّت بقلبه جميع الأسقام ، وهى اللذة التى من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام ، وهى قوت القلوب وغذاء الأرواح وقوة العيون ، وهى سمة المسافرين الى ربهم وعنوان طريقهم ودليلها ، فكما يدل العنوان على الكتاب تدل المحبة على صدق الطالب وإنه من أهل الطريق ، وهى معقد نسبه العبودية فالعبودية معقودة بها بحيث إذا إنحلت المحبة إنحلت العبودية ، وهى روح الإيمان والأعمال التى متى خلت منها فهى كالجسد الذى لا روح فيه ..
والمحبة تحمل أثقال السائرين الى بلاد لم يكونوا بالغيها إلا بشقِّ الأنفس وتوصلهم الى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها ، وتُبوّءهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها ، وقد قضى الله يوم قدّر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب .. فيالها من نعمةٍ على المحبين سابغة ..

ماهى المحبة ؟
لا تُحد المحبة بحدٍ أوضح منها ، فالحدود لا تزيدها إلا خفاءً ، فحدها : وجودها ، ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة ، وكل ما قيل عنها لا يعطى تصور حقيقة المحبة فإن إسمها لا يكشف مسماها بل مسماها فوق اللفظ ، وكل من بسط لسانه بالعبارة وكشف عن سرها فليس له منها ذوق ، ولو ذاق منها شئ لغاب عن الشرح والوصف .
وقال ابن القيم : هى سكون بلا إضطراب ، وإضطراب بلا سكون ، فيضطرب القلب فلا يسكن إلا الى محبوبه فيضطرب شوقاً إليه ويسكن عنده ..
وقيل : المحبة : القيام بين يديه وأنت قاعد ، ومفارقة المضجع وأنت راقد ، والسكوت وأنت ناطق ، ومفارقة المألوف والوطن وأنت مستوطن ، ، فإن المحبة توجب سفر القلب نحو المحبوب دائماً ، والمحبة وطنه وتوجب مثوله وقيامه بين يدى محبوبه وهو قاعد ، وتجافيه عن مضجعه ومفارقته إياه وهو فيه راقد ، وفراغه لمحبوبه كله وهو مشغول فى الظاهر بغيره ..قال تعالى فى حق المحبين { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً } السجدة 16 ..
ومن أجمع ما قيل فيها : قول الجنيـد (( وهو أبو القاسم الجُنيد بن محمد الخزاز البغدادى ، أصله من نهاوند ومولده ونشأته بالعراق ، كان فقيهاً على مذهب أبى ثور ، توفى سنة 297 هـ ، من كلماته : أن الكلمة من القوم لتـقع فى قلبى فلا أقبلها إلا بشاهدى عدلٍ من الكتاب والسنة )) فقد ذكر أبو بكر الكتانى قال : جَرت مسألة فى المحبة بمكة – أعزها الله تعالى – أيام الموسم ، فتكلم الشيوخ فيها ، وكان الجُنيد أصغرهم سناً فقالوا : ماعندك يا عراقى ؟ فأطرق برأسه ودمعت عيناه ثم قال : عبدٌ ذاهبٌ عن نفسه ، متصل بذكر ربه ، قائم بأداء حقوقه ، ناظر إليه بقلبه ، فإن تكلم فبالله ، وإن نطق فعن الله ، وإن تحرك فبأمر الله ، وإن سكن فمع الله ، فهو بالله ولله ومع الله ... فبكى الشيوخ وقالوا : ما على هذا مزيد ، جزاك الله يا تاج العارفين ..
ملحوظة : ألقيت هذا التعريف الجامع للمحبة ولم يبك أحد ، وكذلك لم أبكِ أنا ، وسألت نفسى لماذا بكى هؤلاء الشيوخ من قول الجُنيد ولم نبكِ نحن ؟ !!
فلما تفكرت علمت أن هؤلاء إمتلأت عقولهم علماً فأزدادوا خشية لله ، وأمتلأت قلوبهم تقوى فأزدادوا خوفاً ورجاءً .. أما نحن فقد إمتلأت عقولنا هواء ، وأمتلأت قلوبنا قسوة .. أسأل الله أن يرزقنا علماً نافعاً ، وأن يمحو قسوة قلوبنا ، وأن يُصلحنى وإياكم وأن يُصلح بنا .. آمين ..

سؤال : ماهو دليل المحبــة ؟
لمّا كثُر المدّعون للمحبة طولبوا بإقامة البيّنة على صحة الدعوى ، فلو يُعطى الناس بدعواهم لأدعّى الحلىّ حُرقة الشجىّ . فتنوع المدعون فى الشهود فقيل لا تُقبل هذه الدعوة إلا ببينة . فما هى هذه البينة ؟
قال تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فأتبعونى يُحببكم الله } آل عمران 31 ، فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب فى أفعاله وأقواله وأخلاقه فطولبوا بعدالة البينة بتزكية قال تعالى { يُجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } المائدة 4 ، فتأخر أكثر المحبين وقام المجاهدون فقيل لهم : إن نفوس المحبين وأموالهم ليست لهم فهلموا الى بيعة ، قال تعالى { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } التوبة 111 ، فلما عرفوا عظمة المشترى وفضل الثمن وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع عرفوا قدر السلعة وأن لها شأناً فرأوا من أعظم الغُبن أن يبيعوها لغيره بثمنٍ بخس ، فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضى ، فلما تم البيع وسلموا المبيع قيل لهم : مُذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت وأضعافها معاً ، قال تعالى { ولا تحسبن الذين قُتلوا فى سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله } آل عمران 169-170

ماهى علامة المحبة ؟
ذكر الله سبحانه وتعالى أربع علامات لمن يُحبهم ويحبونه وذلك فى سورة المائدة آية 54 قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقومٍ يحبهم ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزة على الكافرين يُجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم }

أ - أذلـة على المؤمنـين :
أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه ووليه وأن يكونوا رحماء مُشفقين عليهم عاطفين عليهم ، والذل ثلاثة أنواع :
1) ذل العبودية : وهو ما يكون لله تعالى وحده.
2) ذل الرحمة : وهو ما يكون للمؤمنين عامة وللوالدين خاصة .
3) ذل المهانة : وهو مادلّ عليه الحديث الثابت فى الصحيح :" ما ينبغى للمؤمن أن يذل نفسه .. قالوا : وكيف يذل نفسه يا رسول الله ؟ قال : يتحمل من البلاء ما لا يطيق " .

ب – أعـزة على الكافرين :
قيل كالأسد على فريسته . قال ابن كثير : متعذذاً على خصمه وعدوه كما قال تعالى { محمدٌ رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رُحماء بينهم } ، وفى صفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الضحوك القتّـال، فهو ضحوك لأوليائه قـتّال لأعدائه .. ومن العجب العُجاب أن نرى المسلمين اليوم - إلا من رحم ربى – يفتقدون هذه العلامة أيما إفتقاد ، فهم

سؤال : هل نبدأ اليهود والنصارى بالسلام ؟ وما الدليل ؟
الإجابة : عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم فى طريق فأضطروه الى أضيقهما " رواه أحمد ومسلم .
روى أبو نصرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّـا غادون على يهود فلا تبدءوهم بالسلام ، وإن سلموا عليكم فقولوا : وعليكم "
ويحرم بداءتهم بـ : كيف أصبحت ؟ أو كيف أمسيت ؟ أو كيف أنت ؟ أو كيف حالك ؟ أو كما يفعله ضعاف العقول والدين بقولهم لهم : صباح النور أو مساء الخير – مع رفع أيديهم – نسأل الله العافية . أو يقولون لهم والعياذ بالله : أهلاً ومرحباً ..
فالسلام تحية المؤمنين وشعارهم ، عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال :" لمّا خلق الله آدم قال : اذهب فسلّم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فأستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك . فقال : السلام عليكم . فقالوا : السلام عليك ورحمة الله . فزادوا ورحمة الله " رواه مسلم والبخارى ، وهى توافق تحية أهل الجنة كما قال الله جل شأنه { تحيتهم فيها سلام }.
ولو كتب الى كافر وأراد أن يكتب سلاماً كتب : سلاماً على من إتبع الهُدى ، لما روى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك فى كتابه الى هرقل عظيم الروم ولأن ذلك معنى جامع .
وإن سلّم على من ظنه مسلماً ثم تبين له أنه ذمى إستحب للمسلم أن يقول للذمى : رُد علىّ سلامى ، لما ذكر عن ابن عمر أنه مرّ على رجل فسلم عليه ، فقيل أنه كافر ، فقال : رُدّ علىّ ما سلمت عليك فردّ عليه .. فقال : أكثر الله مالك وولدك . ثم إلتفت الى أصحابه فقال : أكثر للجزية .
وإن سلّم أحد أهل الذمة لزم ردّه فيُقال : وعليكم ، أو : عليكم – بلا واو –
وفى الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السأم عليك ، فقل له وعليك – وفى لفظ : عليك "
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم " رواه أحمد ، وفى لفظ للإمام أحمد فقولوا : عليكم .
وعن عائشة رضى الله عنها قالت : دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السأم عليك . ففهمتها فقلتُ : عليكم السأم واللعنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهلاً يا عائشة فإن الله يحب الرفق فى الأمر كله . فقلت : يا رسول الله أوَلم تسمع ما قالوا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قلتُ وعليكم . ( متفق عليه ) وفى لفظ : قد قلت عليكم – بدون واو –
ومما يحرم ويجب النهى عنه ما يفعله كثير من الناس من السلام عليهم باليد بالإشارة وجعلها حذاء الرأس أو وضعها على صدره إحتراماً لأعداء الله وإشعاراً بأنه يحبهم – نسأل الله العافية - قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل سُئل إبتداء الذمى بالسلام إذا كانت له إليه حاجة . قال : لا يعجبنى .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ليس منا من تشـبّه بغيرنا . لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع ، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف " رواه الترمذى عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

ج – يُجاهدون فى سبيل الله :
وذلك بالنفس واللسان والمال ، لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله وإقامة الحدود وقتال أعدائه والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر راد ولا يصدهم عنهم صاد عنه .

د – ولا يخافون لومة لائـم :
لا يخافون لومة لائم ولا تأخذهم فى الله لومة لائم ، وهذا علامة صحة المحبة ، فكل محب يأخذه اللوم عن محبوبه فلـيس بمحب على الحقيقة . وعن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يُقرِّب من أجلٍ ولا يُباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعِظَـم " تفرد به أحمد .
وذكر الله تعالى علامة أخرى من علامات المحبة وذلك فى قوله تعالى { والذين آمنوا أشد حباً لله } فأعلم أنك إذا غرست شجرة المحبة فى القلب وسُقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع الثمار وآتت أُكلها كل حينٍ بإذن ربها أصلها ثابت فى قرار القلب وفرعها متصل بسدرة المنتهى ..



الواجب

ماهي علامات المحبة..؟