عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-06-2011, 10:12 PM
أبو مصعب الأزهري أبو مصعب الأزهري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

مقدمة الشيخ الموريتاني لرسالته


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.

أما بعد:

فإنه لم يعد خافياً على العدو ولا الصديق ما وصلت إليه الأمة الإسلامية اليوم، من درك التخلف الذي هوت إليه، ومستنقع الذل الذي ترقد فيه، وما غشي بصيرتها من العمى، وأصاب خط سيرها من الانحراف، واعتراها في طريقها من التيه والضياع، وما وصلت إليه من التردي والانحطاط في مختلف المجالات والأصعدة.

لقد أبُعد الوحي السماوي عن وظيفته في كثير من مجالات حياة هذه الأمة، فلم يعد هو مصدر العقيدة والتشريع، ولا مرجع السلوك والآداب، ولا ملهم التفكير والإبداع المهيمن على جميع مجالات الحياة.

ونتيجة لذلك أصاب الانحراف الأمة في صميم حياتها، فالعقيدة أفقدت صفاءها ونقاءها، وقوتها وتأثيرها، فلم تعد تثمر في قلوب كثير من المسلمين اليوم قوة الإيمان ولا صدق التوكل واليقين، بل أصبحت عند كثير من هؤلاء عبارات باردة لا تثمر يقيناً ولا تدفع إلى عمل.

وأصاب الانحراف كذلك العبادة ومفهومها ومعناها، ومدلولها ومغزاها، فلم تعد العبادة هي كل ما كان طاعة لله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، التي يدخل فيها - بداهة - القيام بالفروض الكفائية والمصالح العامة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى، والجهاد في سبيل الله، والصدع بالحق والجهر به، ومحاربة الباطل وأهله، لم تعد العبادة كذلك في أذهان كثير من الناس، نبل أصابها التشوه، فتقلص مدلولها، وانكمش معناها، فأصبحت لا تدل عند هؤلاء على أكثر من حركات شكلية تُمارس في نطاق ضيق، دون استشعار لمعناها، ودون أن يكون لها أي أثر في الحياة.

وشاعت في الأمة أمهات المنكرات الدائرة بين الكفر الصراح ومغلظات المعاصي، فحَّكمت القوانين الوضعية في الدماء والأموال والأعراض، وعطَّلت الأحكام الشرعية الإلهية!!

وأُصيبت الأمة بمسخٍ فكريٍ أصابها في الصميم، فأصبح الحكم بالقوانين الوضعية في أذهان كثير من أبنائها حاجة وضرورة يُمليها منطق وواجب الاستفادة من تجارب الآخرين في مجال التشريع وتنظيم الحياة!!

وأصبحت موالاة الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم من مقتضيات الحنكة السياسية، واللباقة الدبلوماسية!! وصار تعطيل الجهاد وشرائعه وتجريم الداعين إليه والمنادين به نوعاً من حسن السيرة والسلوك لا بد من إظهاره للتعبير عن صدق النية في الالتزام بالقوانين الدولية المتحضرة التي تدعو للعمل على توثيق وتطوير علاقات حسن الجوار وإقرار السلام بين الدول!!

وفي الجانب الاقتصادي؛ أصبح اقتصاد الأمة قائماً على النظام الربوي الذي يروج له ويتحكم فيه اليهود في العالم، ويعملون من خلاله على نهب وسلب ثروات المسلمين ووضعها تحت أيدي أعدائهم.

وفي مجال التعليم؛ قامت المؤسسات التعليمية الحديثة في العالم الإسلامي - من خلال برامج التربية الوطنية - بتحقيق ما عجز الاستعمار عن تحقيقه من سلخ لأجيال المسلمين من عقيدتهم ودينهم، وزرع لروح الهزيمة في نفوسهم، وروح التعلق بحضارة الغرب والإعجاب بها في عقولهم، وبث الفكر القومي الضيق الذي يربط الفرد بجنسه ووطنه المحدود، بدلاً من ربطه بعقيدته ودينه وأمته.

وعلى المستوى الاجتماعي؛ شاعت الرذيلة وغابت الفضيلة وخربت البيوت وتمزقت الأسر، وكان من أعظم أسباب ذلك الحرب الإعلامية الشرسة التي يخوضها أعداؤنا ضدنا من خلال الإذاعات والتليفزيون والسينما والفيديو والصحافة وغيرها من وسائل الإعلام التي هدفها مسخ عقيدتنا وهدم أخلاقنا وتفكيك مجتمعنا.

أما على المستوى السياسي؛ فإن حجم المصيبة يفوق الوصف ويتجاوز الخيال، فقد ابتُليت الأمة بزمرة من الحكام والطواغيت الذين صاغهم الاستعمار، واصطنعهم لنفسه، لتحقيق أهدافه، وتنفيذ مخططاته، التي عجز عن تحقيقها بصورة مباشرة، فصاروا يحكمون الأمة بالقوانين الكفرية، ويوالون أعداء الله، ويحاربون أولياءه، من الدعاة إلى الله والعلماء، ويسومون الشعوب المسلمة سوء العذاب، ويستأثرون بثروات الأمة، ويصرفونها على شهواتهم الشخصية ونزواتهم الذاتية، دون رقابة من شرع، أو مساءلة من قانون، أو محاسبة من عقل، في هيام بالسلطة وغرام بالحكم واستبداد بالأمور.

وكان من نتائج هذا الوضع أن فقدت الأمة مكانتها التي أراد الله لها أن تحتلها خير أمة أ خرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لها السيادة والريادة، فهانت على أعدائها الذين استباحوا حرماتها، فسلبوا أرضها، وهتكوا عرضها، واحتلوا مقدساتها، ونهبوا خيراتها وثرواتها، بعد أن قضوا على خلافة المسلمين بزرع الفرقة والخلاف بينهم مُحققين شعارهم المعروف "فرق تسد" فتفرقت الأمة الواحدة إلى أمم مختلفة ودول شتى وأوطان متعددة، لكل منها حاكم وأمير وعلم وسرير، فصدق عليهم وصف الشاعر:

وتفرقوا شيعاً فكل مدينة :: فيها أمير المؤمنين ومنبر!!

وكان ذلك ثمرة لما أصاب الأمة من الخلافات والشقاقات، ولقد صدق القائل في قوله:

فالخلافات بالخلافة أودت :: واقتسمنا وسادنا الدخلاء

هذه الحال المأساوية للأمة الإسلامية يلقي واجب العمل على الخروج منها بمسؤليات كثيرة على المسلمين عموماً، وعلى من اختارهم الله ووفقهم للعمل للإسلام خصوصاً، للخروج بالأمة منها.

وقد تحركت للقيام بهذه الواجبات والمسؤوليات عناصر وجماعات عديدة، وبذلت جهود مشكورة ومساعٍ حميدة، وإن كانت لا زالت دون المستوى المطلوب بكثير.

ولكن تلك الجهود والمساعي حالت الخلافات الداخلية بين المسلمين دون أن تؤتي أكلها وتحقق المرجو منها.

ولذلك، ولأن نصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة متضافرة متواترة على وجوب وضرورة الوحدة والائتلاف بين المسلمين، وحرمة وخطورة الفرقة والاختلاف بينهم.

ولأن مما يدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دخولاً أولياً الأمر بالاجتماع والائتلاف والنهي عن النزاع والاختلاف بين المسلمين، والعاملين منهم للإسلام خاصة، كان لا بد من الوقوف عند هذا الموضوع بشيء من البيان وقدر من التفصيل حتى يأخذ حظه من البحث والعناية " لتتضح في الأذهان والعقول أهميته والطريق إليه، تمهيداً لأن يأخذ بُعده الحقيقي في الواقع العملي في الساحة الإسلامية.

وقد رأينا عند تناولنا لهذا الموضوع أن نبين في الفصل الأول الأدلة النقلية والعقلية في حكمه وأهميته، وأن نبين في الفصل الثاني واقع الساحة الإسلامية وما تعيشه من أسباب ومظاهر الفرقة والخصام، والفتنة والفصام، على أن نبين في الفصل الثالث معالم المنهج الصحيح الذي يجنبنا الأخذ به ما نحن فيه من فرقة وخلاف، وفي الفصل الرابع سنضع المعالم العامة للإطار الجامع الذي نرى أنه من خلاله يتم تحقيق الخطوات الأولية من التعاون والتنسيق والتناصر والتآزر بين مختلف العاملين للإسلام من الأفراد والجماعات تمهيداً للوحدة الكبرى المنشودة بإذن الله تعالى.

وفيما يلي سنتناول هذه النقاط بالترتيب، وفي اختصار نرجو أن لا يكون مخلاً...
التوقيع

جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
رد مع اقتباس