عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 07-01-2008, 04:23 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي



كلام للشيخ أبو بصير في الموالاة التي تخرج صاحبها من الملة

الموالاة التي تخرج صاحبها من الملة: وصفتها أن يظاهر المشركين
الكافرين بالسنان واللسان ـ مظاهرة صريحة ـ ضد المسلمين، فيعمل على نصرتهم وعلى تقوية شوكتهم ودولتهم ضد المسلمين الموحدين!
فهذا النوع من الموالاة كفر أكبر يُخرج صاحبه من الملة، وإليك الدليل على ذلك:
الدليل الأول: قال تعالى:) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (المائدة:51.
فدلت الآية أن من يدخل في موالاتهم هو منهم؛ أي كافر مثلهم، قال القرطبي في التفسير:) فإنه منهم ( بين تعالى أن حكمه كحكمهم؛ وهو يمنع الميراث للمسلم من المرتد .. وجبت معاداته كما وجبت معاداتهم، ووجبت له النار كما وجبت لهم، فصار منهم أي من أصحابهم ا- هـ.
ومن جملة نواقض الإسلام العشرة التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، واستدل بقوله تعالى:) ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (.
قال سيد رحمه الله في الظلال: يحسن أن نبين أولاً معنى الولاية التي ينهى الله الذين آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى .. إنها تعني التناصر والتحالف معهم، ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم، فبعيد جداً أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين إنما هو ولاء التحالف والتناصر .
وفي قوله تعالى ) فإنه منهم ( قال: فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فإنه لا يتولاهم إلا من هو منهم . والفرد الذي يتولاهم من الصف الإسلامي يخلع نفسه من الصف، ويخلع عن نفسه صفة هذا الصف " الإسلام "وينضم إلى الصف الآخر.
فما يمكن أن يمنح المسلم ولاءه لليهود والنصارى ـ وبعضهم أولياء بعض ـ ثم يبقى له إسلامه وإيمانه، وتبقى له عضويته في الصف المسلم، الذي يتولى الله ورسوله والذين آمنوا ا- هـ.
الدليل الثاني: قال تعالى:) إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا . إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفورا ( النساء:97-99.
وقال تعالى:) الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السَّلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون . فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين (النحل:28-29.
والذي عليه جمهور أهل العلم والتفسير أن هذه الآيات نزلت بسبب قومٍ قد أسلموا إلا أنهم آثروا البقاء مع المشركين في مكة ـ شحاً بالموطن والسكن ـ على الهجرة إلى النبي r في المدينة المنورة، فأكرهوا يوم بدر على الخروج لقتال المسلمين، وكان بعضهم قد قتل مع من قتل من مشركي قريش، فماتوا وهم كفار، لقوله تعالى:) فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ( وهذا وعيد لا يُطلق إلا بحق الكافرين.
أخرج البخاري عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: أخبرني ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول الله r يأتي بالسهم يُرمى به فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب عنقه فيُقتل، فأنزل الله:) إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم .. (.
وقال القرطبي في التفسير5/349: عن عكرمة قال: كان ناس بمكة أقروا بالإسلام ولم يهاجروا، فأخرج بهم كرهاً إلى بدر، فقُتل بعضهم، فأنزل الله فيهم:) الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم .. ( ا- هـ.
فإن قيل: الإكراه يرفع المؤاخذة عن المكره، فعلام الإكراه هنا لم يرفع عنهم المؤاخذة، ولم يمنع عنهم حكم الكفر ووعيده ..؟!
أقول: لأنهم قبل أن يُكرهوا على الخروج لقتال المسلمين .. وعلى الوقوف في صف المشركين وتكثير سوادهم لم يكونوا من المستضعفين المكرهين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ..!
وبالتالي ما حصل لهم من إكراه على الخروج للقتال هم سببه .. وكانوا يستطيعون تفاديه بالهجرة وما فعلوا .. لذلك لم يُعذروا.
وكان ابن عباس يقول: كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان، ممن عذر الله U .
ومن جملة مظاهرة المشركين التي تخرج صاحبها من الملة ما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأحفاده: أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن، وهو ليس في سلطانهم، وإنما حمله على ذلك إما طمع في رئاسة أو مالٍ أو مشحةٍ بوطنٍ أو عيالٍ أو خوف مما يحدث في المال، فإنه في هذه الحال يكون مرتداً ولا تنفعه كراهته لهم في الباطن، وهو ممن قال الله فيهم:) ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، وأن الله لا يهدي القوم الكافرين (.[ مجموعة التوحيد:296 ].
الدليل الثالث: قال تعالى:) فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يُضلل فلن تجد له سبيلا . ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يُهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً (النساء:88-89.
أي إن تولوا عن الهجرة إلى المسلمين، وأبوا إلا مظاهرة المشركين وموالاتهم، فخذوهم واقتلوهم .. وإن أظهروا الإسلام، وتكلموا بشهادة التوحيد؛ فإن ما يظهرونه من موالاة ومظاهرة للمشركين يكذب زعمهم بأنهم مسلمون مؤمنون.
وفي سبب نزول الآية ذكر ابن كثير في التفسير عن ابن عباس قوله: أنها نزلت في قوم كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام، وكانوا يُظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم، فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس . وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم، فإنهم يُظاهرون عليكم عدوكم. وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله أو كما قالوا، أتقتلون قوماً قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم نستحل دماءهم وأموالهم ؟ فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهى واحد من الفريقين عن شيء، فنزلت:) فما لكم في المنافقين فئتين ( ا- هـ.
فإن قيل: هؤلاء منافقون .. ولا خلاف في كفر المنافق؟!
أقول: هؤلاء منافقون وفي الدرك الأسفل من النار يوم القيامة .. ولكن بما حُكم عليهم بالكفر في الحياة الدنيا، وحُلت دماؤهم وأموالهم لأجله ؟
الجواب: حُكم عليهم بالكفر في الدنيا لمظاهرتهم للمشركين على المسلمين .. بدليل أنهم لو تركوا مظاهرة المشركين على المسلمين، وهاجروا إلى المسلمين لتعين على المسلمين موالاتهم على أنهم مسلمون لمجرد ذلك، وإن كانوا في الباطن لا يزالون منافقين ..!
فدل أن مظاهرة المشركين على المسلمين كفر أكبر مستقل لذاته من وقع فيه وقع في الكفر البواح، وخرج من الملة ولا بد.
قال سيد في الظلال 2/731: إنهم كفروا على الرغم من أنهم تكلموا بما تكلم به المسلمون ونطقوا بالشهادتين نطقاً يكذبه العمل في مظاهرة أعداء المسلمين ا- هـ.
الدليل الرابع: قال تعالى:) ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون . ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون (المائدة:80-81.
أي لو صدقوا في إيمانهم بالله والنبي وما أنزل إليه من الحق لما اتخذوا الكافرين أولياء .. ولما اتخذوهم أولياء دل على كذب ادعائهم ـ بلسانهم ـ أنهم يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ..!
قال ابن تيمية رحمه الله: فبين سبحانه الإيمان بالله والنبي، وما أنزل إليه ملتزم بعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم


وقال في الفتاوى7/17: فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه.
ومثله قوله تعالى:) لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم (، فإنه أخبر في تلك الآية أن متوليهم لا يكون مؤمناً وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم، فالقرآن يصدق بعضه بعضاً ا- هـ.
الدليل الخامس: قال تعالى:) لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين . ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( آل عمران:28.
قال ابن جرير الطبري في التفسير:) فليس من الله في شيء ( يعني بذلك فقد برئ من الله وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ا- هـ.
الدليل السادس: قال تعالى:) أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نُزُلا ( الكهف:102.
وهذا سؤال تقريعي يفيد الاستنكار والتعجب؛ أي أيحسب الكفار أنه يمكنهم أن يتخذوا عباد الله المؤمنين أولياء .. فهذا لا يمكن أن يقع .. ولو وقع لزم خروج من اتخذتموهم أولياء من دائرة عباد الله المؤمنين .. لأن عباد الله المؤمنين ـ بنص كلام الله ـ لا يمكن أن تتخذوهم أولياء!
والقول بإمكانية أن يجمع العبد بين الإيمان وبين اتخاذ الكافرين أولياء .. من لوازمه تكذيب القرآن، ورد هذا النص الصريح الذي يفيد أن الكافر لا
يمكنه أن يتخذ المؤمن ولياً .. ولو استطاع وتمكن من ذلك فهو في حقيقته يتخذ ولياً كافراً مثله .. وليس مؤمناً.
الدليل السابع: قال تعالى:) واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثلُه كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون (الأعراف:175-176.
وهذه آيات نزلت في رجل من بني إسرائيل زمن موسى u يُقال له " بلعام بن عوراء " قد آتاه الله تعالى العلم والآيات فانسلخ منها وكفر بسبب أنه نصر الكافرين من قومه بالدعاء لهم على المؤمنين المسلمين الذين كانوا مع موسى u ..!
أخرج الطبري في كتابه الجامع عن ابن عباس قال: لما نزل موسى u يعني بالجبارين ومن معه، أتاه ـ يعني بلعام ـ بنو عمه وقومه، فقالوا: إن موسى رجل حديد، ومعه جنود كثيرة، وإنه إن يظهر علينا يُهلكنا، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه، قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم، فسلخه الله مما كان عليه ـ من الصلاح والعلم ـ فذلك قوله:) فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ( ا- هـ.
وفي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، قال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن عوراء من بني إسرائيل في زمن موسى u ا- هـ.
قلت: إذا كان هذا الرجل " بلعام " قد كفر وانسلخ من آيات الله بعد
أن آتاه الله العلم .. بسبب مناصرته ومظاهرته للكافرين من قومه بالدعاء .. فكيف بمن يناصرهم بالسلاح، ويجعل من بلاد المسلمين قواعد عسكرية للكافرين تنطلق منها طائراتهم وصواريخهم لقتل المسلمين .. وقتل أطفال ونساء المسلمين .. لا شك أنه أولى بالكفر والارتداد عن الدين، وإن زعم بلسانه أنه حامي الحرمين ومن المسلمين!
وممن يُحمل عليهم كذلك حكم الموالاة الكبرى أولئك الذين يُقسمون الأيمان المغلظة ـ من غير إكراه معتبر ـ على الولاء والطاعة للطاغوت الحاكم، ولنظامه، ولدستوره الكافر .. فهؤلاء مثلهم في الكفر والخروج من الدين .. ليسوا من الله، ودينه، وذمته في شيء ..!
قال الشيخ سليمان آل الشيخ في رسالته القيمة " أوثق عرى الإيمان ": من يشير بكف المسلمين عنهم ـ أي عن أهل الكفر والشرك ـ إن كان المراد به أن لا يتعرض المسلمون لهم بشيء لا بقتال، ولا نكال وإغلاظ ونحو ذلك، فهو من أعظم أعوانهم، وقد حصلت له موالاتهم مع بعد الديار، وتباعد الأقطار.
أما قول السائل: هل يكون هذا موالاة نفاق أم يكون كفراً؟
إن كانت الموالاة مع مساكنتهم في ديارهم، والخروج معهم في قتالهم ونحو ذلك، فإنه يحكم على صاحبها بالكفر، كما قال تعالى:) ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( ا- هـ.
وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في الرسائل المفيدة، 64: وأكبر ذنب وأضله وأعظمه منافاة لأصل الإسلام نصرة أعداء الله ومعاونتهم والسعي فيما يظهر به دينهم وما هم عليه من التعطيل والشرك والموبقات العظام، وكذلك انشراح الصدر لهم وطاعتهم والثناء عليهم، ومدح من دخل تحت أمرهم وانتظم في سلكهم، وكذلك ترك جهادهم ومسالمتهم، وعقد الأخوة والطاعة لهم ا- هـ.
وقال ابن حزم في المحلى 12/33: وصح أن قول الله تعالى:) ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين ا- هـ.

{أعمال تخرج صاحبها من الملة}
رد مع اقتباس