عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 03-20-2008, 06:51 PM
أبومالك أبومالك غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

مقدمة الحلية


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، اللهم صل وسلم عليه ، وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهداه .

أما بعد :

فَأقَيِّدُ مَعَالمَِ هذه «الحِلْيةِ» المُبارَكَةِ عام 1408 هـ، والمسلمون – وللهالحمدُ – يُعايشون يَقظةً علميةً، تَتَهَلَّلُ لها سُبُحَاتُ الوجوه، ولا تزالتُنَشِّطُ - مُتَقَدِّمَةً إلى الترقِّي والنُّضوجِ - في أفئدةِ شبابِ الأُمَّةِمَجْدَها ودَمَها المُجَدِّدَ لحياتِها؛ إذ نرى الكتائبَ الشبابيَّةَ تَتْرى،يتقلَّبون في أَعْطَافِ العلمِ مُثْقَلين بِحِمْلِهِ يَعُلُّون منه وَيَنهَلُون،فلديهم من الطُّموحِ، والجامعيةِ، والاطِّلاع المُدْهِش، والغَوْصِ على مكنوناتالمسائل، ما يَفْرَح به المُسلمون نَصْرًا، فَسُبحان مَن يُحْيِي ويُميتقلوبًا.لكن؛ لا بُدَّ لهذه النواةِ المباركةِ من السَّقْيِ والتعهُّدِ فيمَسَارَاتِها كافَّةً؛ نشرًا للضماناتِ التي تَكُفُّ عنها العَثَارَ والتعثُّرَ فيمثاني الطَّلَبِ والعَمَلِ؛ من تموُّجاتٍ فكرِيَّةٍ، وعَقَدِيَّةٍ، وسلوكيَّةٍ،وطائفيَّةٍ، وحِزْبِيَّة...
هذا ما قاله صحيح ... فى الآونة الأخيرة حصل –الحمد لله- من الشباب طموحات واسعة فى شتى المجالات ، لكنها قد تحتاج إلى ضمانات وكوابح تضمن بقاء هذه النهضة وهذا الطموح ، لأن كل شئ إذا زاد عن حده فإنه سوف يرجع إلى جدره ، وإذا لم يضبط ويكبح فإنه يكون دماراً ، ربما دماراً فى المجتمع ، وربما دماراً حتى على صاحبه فى قلبه . أرأيتم الخوارج .. عندهم من الإيمان بمحبة كون المسلمين على الحق ما لا يوجد فى غيرهم ، ولكن هذا قد زاد حتى كفَّروا المسلمين وأئمة المسلمين وخرجوا عليهم ، فصاروا كما قال النبى –صلى الله عليه وسلم- " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " .
فأنت أضبط قلبك إذا رأيته ينفر بعيداً وسوف يسلك مسلكاً صعباً ، فعليك أن ترده وأن تعرف أن المقصود إقامة دين الله لا الإنتصار للغيرة –أن الإنسان سوف يسلك أقرب الطرق إلى حصول المقصود ولو بالمهانة إذا دعت الحاجة إلى ذلك .

وقد جعلتُ طَوْعَ أيديهم رسالةً في «التَّعالُمِ» تكشفُ المُندَسِّينَ بينهم خشيةَأن يُرْدُوهم، ويُضَيِّعوا عليهم أَمْرَهم، ويُبَعْثِرُوا مسيرتَهم في الطلبِ،فيَسْتَلُّوهم وهم لا يَشْعرون.واليومَ أخوك يشد عَضُدَك، ويأْخُذ بيدك،فأجعل طَوْعَ بنانِك رسالةً تحمِلُ « الصِّفة الكاشِفة » لِحِلْيَتِكَ، فهاأنَاْ ذَا أجعلُ سِنَّ القلمِ على القِرْطاس، فاتْلُ ما أرقُمُ لك أنْعَمَ اللهُ بكعَيْنًا .
قوله < فاجعل طوع ...> فيها التفات من الغيبة إلى الحضور ، هذا ليس معتاداً عند العلماء من مؤلفاتهم العلمية ، لكن كما قلنا أولاً إن الشيخ يعتمد على البلاغات اللغوية ، ومعلوم أن الإنتقال فى الأسلوب من الخطاب إلى غيبة ، أو من غيبة إلى الخطاب أو من مفرد إلى جمع –إذا صح الجمع – من المعلوم أن هذا سوف يوجب الإنتباه ، لأن الإنسان إذا كان يسير على أسلوب معين مستمر عليه ، انسابت نفسه ، لكن إذا جاء شئ يغير الأسلوب سوف يتوقف وينتبه ، {وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً }المائدة12 ، فقال " أخذ الله" هذا غيب ، "وبعثنا" حضور .




لقد توارَدَتْ مُوجِباتُ الشرعِ على أنَّ التحلِّي بمحاسنِ الآداب، ومكارمِالأخلاق، والَهدْي الحسن، والسَّمْتِ الصالح: سِمَةُ أهل الإسلام، وأنَّ العلمَ - وهو أثمن دُرَّةٍ في تاج الشرع المُطَهَّر- لا يصلُ إليه إلاَّ المُتَحلِّي بآدابه،المُتَخَلِّي عن آفاتِهِ، ولهذا عناها العلماءُ بالبحث والتنبيه، وأفردوهابالتأْليف، إمَّا على وَجْه العموم لكافَّة العلوم، أو على وَجْهِ الخصوص؛ كآدابحَمَلة القرآن الكريم، وآداب المُحَدِّث، وآداب المُفتي، وآداب القاضي، وآدابالمُحْتَسِب، وهكذا... والشأْن هنا في الآدابِ العامَّةِ لمن يسلُكُ طريقَالتعلُّمِ الشرعي.وقد كان العلماءُ السابقون يُلَقِّنونَ الطلاب في حِلَقالعلم آدابَ الطلبِ، وأدركتُ خَبَرَ آخرِ العِقْد في ذلك في بعض حَلَقَاتِ العلم فيالمسجد النبويِّ الشريف؛ إذ كان بعضُ المُدَرِّسين فيه، يُدَرِّسُ طُلاَّبه كتابالزَّرْنُوجي (م سنة 593 هـ) رحمه الله تعالى، المسمى: « تعليم المُتَعَلِّم طريقَالتعلُّم »[3].فعسى أن يَصِلَ أهلُ العلم هذا الحَبْلَ الوثيقَ الهاديلأقومِ طريق، فَيُدْرَجَ تدريسُ هذه المادَّةِ في فواتح دروس المساجد، وفي موادِّالدراسة النظامية، وأرجو أن يكونَ هذا التقييدُ فاتحةَ خَيْرٍ في التنبيهِ علىإحياءِ هذه المادةالتي تُهَذِّبُ الطالبَ، وتَسْلُكُ به الجادَّةَ في آدابالطَّلبِ وحَمل العلم، وأدبه مع نفسِهِ، ومع مُدَرِّسِهِ، ودرسه، وزميله، وكتابه،وثمرةِ علمه، وهكذا في مراحل حياته.فإليك حِلْيَةً تحوي مجموعةَ آدابٍ،نواقضُها مجموعةُ آفاتٍ، فإذا فات أدبٌ منها؛ اقترف المُفَرِّطُ آفةً من آفاتِهِ،فَمُقِلٌّ ومستكثرٌ، وكما أنَّ هذه الآدابَ دَرَجاتٌ صاعدةٌ إلى السُّنَّةِفالوجوب؛ فنواقضُها دَرَكاتٌ هابطةٌ إلى الكراهةِ فالتحريمُ .
ذكر الآداب ... فإن كانت مسنونة فضدها مكروهة ، وإن كانت واجبة فضدها محرمة . ولكن هذا ليس على إطلاقه ، لأن ليس ترك كل مسنون يكون مكروهاً ، وإلا قلنا : إن كل من لم يأت بالمسنونات فى الصلاة يكون قد فعل مكروهاً ، لكن إذا ترك آداباً من الآداب الواجبة فإنه يكون فعلاً محرماً فى نفس هذا الأدب فقط لأنه ترك فيه واجب ، وكذلك إذا كان مسنوناً وتركه . فينظر ، فإن تضمن تركه إساءة أدب مع المعلم ، أو مع زملائه فهذا يكون مكروهاً لا لأنه تركه ولكن لأنه لزم منه إساءة الأدب
والحاصل : أنه لا يستقيم أن نقول كل من ترك مسنوناً فقد وقع فى مكروه ، أو كل من ترك واجباً فقد وقع فى المحرم . على سبيل الإطلاق ، بل يقيد هذا .

ومنها ما يشملُ عُمومَ الخلقِ من كل مكلِّف، ومنها ما يختصُّ به طالبُ العلم، ومنهاما يُدْرَك بضرورة الشرع، ومنها ما يُعرف بالطبع، ويدلُّ عليه عمومُ الشرع؛ منالحمل على محاسن الآداب، ومكارم الأخلاق، ولم أعْنِ الاستيفاءَ، لكنَّ سياقَتَهاتجري على سبيلِ ضرب المثال؛ قاصدًا الدلاَلة على المُهِمَّاتِ، فإذا وافَقَتْ نفسًاصالحةً لها؛ تناولت هذا القليلَ فَكَثَّرته، وهذا المُجْمَل فَفَصَّلته، ومن أخذبها انتَفَع ونفع، وهي بدورِها مأْخوذةٌ مِن أدب مَن بارك اللهُ في عِلْمِهِموصاروا أئمَّةً يُهتدَى بهم، جَمَعنا اللهُ بهم في جَنَّتِهِ، آمين .


بكر بن عبد الله أبو زيد
في 5/8/1408 هـ
رد مع اقتباس