عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 09-30-2010, 03:25 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الْمُحَاضَرَة الْرَّابِعَة
قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-: (من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة ومن ادّعى الصبر، وكل إلى نفسه ، ورب نظرة لم تناظر ، وأحق الأشياء بالضبط والقهر، اللسان والعين ، فإياك إياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى مع مقاربة الفتنة ، فإن الهوى مكايد وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه ، واذكر حمزة مع وحشي ).
فَتَبَصّرَ ولا تَشِـم كُلّ بَـــرقٍ
رُبَّ بَرقٍ فيه صَوَاعِقُ حَينِ
واغضض الطرف تسترح من غرامٍ
تكتسي فيه ثوب ذلٍ وشينِ
فبـَـلَاءُ الفَتى مُوَافَقةِ النَّفــسِ
وَبِدءُ الهَوىَ طِمُوحُ العَيـنِ

يقصد بن الجوزي من هذه الخاطرة: أن المرء لابد أن يسد الذريعة إلى كل مواطن الفتن ولا ينظر إلى عزم نفسه فإن العزم ينفسخ .ولذلك يقول: ( من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة )وكان النبييحث الواحد منا أن يكون بطيء السير في الفتنة ، وفي هذا حديث رواه الإمام مسلم- رحمه الله- في صحيحه من حديث أبي بكرة- رضي الله عنه ، وأنا أحب أن أذكر ألفاظ الحديث فلذلك لا أذكره من حفظي ، حفظي مقارب صحيح لكن تلاوة الحديث بلفظه أجود ، يقول عثمان الشحام ، انطلقت أنا وفرقد السبخي ، وفرقد السبخي ضعيف الحفظ لكن ليس له هنا رواية ، إنما هو رجل مصاحب فقط انطلقت أنا وفرقد السبخي إلى مسلم بن أبي بكرة وهو في أرضه فدخلنا عليه فقلنا: هل سمعت أباك يحدث في الفتن شيئًا ؟ أبوه أبو بكرة- رضي الله عنه- ، قال: نعم ، سمعت أبو بكرة يحدث قال: قال رسول الله- : " إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة القاعد فيه خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه ، فقال رجل يا رسول الله أرأيت من لم تكن له إبل ولا غنم ولا أرض أي ماذا يفعل ؟ - فقال: يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينجو إن استطاع النجاة ، اللهم هل بلغت قالها ثلاث مرات- ، فقال له رجل يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو أحد الفئتين ؟ فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني فقال ، يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار " .
هذا في حال الذي أُنطِلِقَ به ، أيضًا حضه على ألا يسدد سهمًا إلى أحد ، أي كن كخيري ولد أدم كن عبد الله المقتول ولا تكن عبدَ الله القاتل ، وصل الأمر أن يكف المرء آذاه إلى هذا الحد , وفي حديث أبي سعيد في الصحيحين( قيل يا رسول الله من خير الناس فقال :" مؤمن يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه ، قيل: ثم أي ؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يتق الله ويدع الناس من شره " ,وفي حديث أبي ذر في الصحيحين لما سأل أبا ذر النبيماذا يفعل ؟ فكان من جملة ما أمره قال:" يصنع لأخرق ، قال: أرأيت إن لم يحسن ؟ قال: يكف أذاه عن الناس فله بذلك صدقة" .
فِي الْفِتَن يَنْبَغِي أَن يَلْجَأ الْمَرْء إِلَى الْوَاضِحَات وَعَلَيْه أَن يَتْرُك الْمُشْتَبِهَات وَمَوَاضِع الْتَّأْوِيْل ،:كما فعل سعد بن أبي وقاص لما وقعت الفتنة بين على ومعاوية- رضي الله عنهما- ، اعتزل جماعة من أصحاب النبيالفريقين جميعًا ، منهم سعد بن أبي وقاص ومنهم عبد الله بن عمر ومنهم محمد بن مسلمة ,عبد الله بن عمر اعتزل حتى أن عائشة- رضي اله عنها وقد صح ذلك قالت لغلامها بعد موقعة الجمل وبعدما عقر جملها- رضي الله عنها- وأرجعها علي بن أبي طالب إلى المدينة ، فقالت لغلامها إذا مر أبو عبد الرحمن فأذن له ، فمر أبو عبد الرحمن وهو عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- فدخل عليها فسلم فقالت له يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن الخروج ؟ قال رأيت رجلين غلباك ، وهما طلحه والزبير بن العوام- رضي الله عنهما- ، وكان طلحة والزبير بن العوام كان لهم نية صالحة في الموضوع ، أن عائشة- رضي الله عنها- كان معروف أنها محبوبة وكانت حبيبة الرسولوتصورا أنها مجرد أن تقف في الصف وتقول اتقوا الله ، ممكن ، لكن في الفتنة تضيع أحلام الرجال والذي يحرك الدفة هم السفهاء ، طبيعة الفتن كذلك ,وكان أمر الله قدرًا مقدورا ، كان الأمر على غير ما توقع طلحة والزبير وعلي غير ما توقعت عائشة- رضي الله عن الجميع- قالت له يا أبا عبد الرحمن لما لم تنهني ؟ قال رأيت رجلين غلباك ، قالت: والله لو نهيتني لانتهيت ، وكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها لاسيما إذا وصلت في القراءة إلى قوله تعالي: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ(الأحزاب:33) .سعد بن أبي وقاص ترك القصة كلها وخرج إلى العقيق مكان قريب من المدينة فكلموه في ذلك ، أنا أتكلم الآن على أن الإنسان في مواضع الفتن لا يسارع لابد أن يكون بطئ الخطى ، ولابد أن يعلم أن كثير من الأخبار التي تأتيه تكون كاذبة ، وعلى أحسن محمل خطأ في التصور أو خطأ في التأويل ، كما حدث بعد فتنة الخليج التي حدثت ، وطلع في الجزيرة جماعة قرضوا أعراض أهل العلم وطلبة العلم وهذا الكلام ، وكنت ممن نالني النصيب الوافر من هذا الأذى ، حتى قال قائل أن أخطر إنسان على السلفية في مصر هو أبو إسحاق الحويني ,لماذا خطر على السلفية وهو الذي لم يعرف في حياته إلا السلفية ، قال: لأنه يضع السم في الدسم ، يتكلم في علم الحديث ويأخذك إلى علم الحديث وسفيان بن عيينة ومعمر ثم يضع لك القطعة ، فأنت في بؤرة اللاشعور القطعة التي يريد أن يضعها ، يضعها وأنت لا تدري ، فنسبوا الجماهير إلى الغفلة ، جعلهم كلهم مغفلين ولا أحد ممكن ينتبه ماذا أفعل وأنا وغيري ممن اكتوينا بهذه الفتنة فرأينا أننا نأخذ سبيل أهل العلم في الفتن وهو أن تكف لسانك ، كتمنا ألسنتنا حتى انجلت عن خير ، وأنا الحقيقة استفدت بهذا الأثر الذي سأذكره عن سعد بن أبس وقاص غاية الاستفادة في هذه الفتنة التي كانت أشد من ضرب السيف ، لأن كون واحد يرميك في اعتقادك هذا أعظم من أن يرميك في عرضك ، أنت إذا نسبت إلى التجهم مثلاً عند أهل الاعتقاد الذين يعيشون حياتهم للدين هذا تقدم عنقك لا يقربك ذلك من إثم ، يكون أحب إليك من أن تتهم بالتجهم أو الاعتزال أو أي مذهب من هذه المذاهب الرضية .سعد بن أبي وقاص يقول: الأثر الذي نفعني الله به كثيرًا لما سألوه لماذا لم تنحز إلى طائفة من الطائفتين ، قال( إن مثلي ومثل أصحابي كمثل رفقة في طريق )، يمشون متفقين وليسوا مختلفين ، كلهم في طريق واحد ،_ (فأظلمت عليهم) نزل عليهم ظلام دامس لا يعرفون أن يروا شبرًا أمامهم _ (فقال جماعة الطريق يمينًا فساروا ، وقال جماعة الطريق يسارًا )،_ لا يرون شيئًا يجتهدوا_(فساروا ، وقلنا نحن لا نمضي حتى تنجلي ، فلما انجلت كنا على الأمر الأول ) لأننا ومن ذهب يمينًا ويسارًا لسنا مختلفين أن المكان الذي وقفنا به صواب مائة بالمائة ، ولم ينكر أحد منا هذا الطريق اللاحق .لكن الذين ذهبوا يمينًا اجتهدوا فربما أخطئوا ، صح معذور لكنه أخطأ ، والذين اجتهدوا وذهبوا يسارًا معذور لكنه أخطأ ، أما نحن فكنا على الأمر الأول .فيكون موقف المسلم في الفتن أن يصون سمعه وأن يصون بصره ، ممكن الإنسان الفاضل تجري على لسانه الأباطيل ، مثلما جري على لسان حسان بن ثابت ، أليس هو ممن نقل حديث الإفك عن عائشة ، ولا أحد يقول أن ناقل الكفر ليس بكافر لأن المسألة هنا تتعلق بأعراض ودماء وكما قال القائل: فإن الحرب أولها كلام .
فالإنسان في زمان الفتنة يصون سمعه ويصون بصره: ويعلم أن كثير من الفضلاء قد يتكلم في زمان الفتن بكلام غير صحيح ، فيتقي الله- عز وجل ويقل من الكلام ويقل من السمع ، يكون بطيئًا ، بطئ السير ، بطئ السعي ، بطئ الاستماع ، بطئ النقل ، لا ينقل .فيقول بن الجوزي- رحمه الله-: (من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة ) نحن عندنا باب في أصول الفقه كبيرٌ اسمه باب سد الذريعة ، أي قبل أن تصل إلى المنكر يغلق الباب بحديد ، مثلاً النظر محرم لذاته أم محرم لغيره ؟ ،﴿ وقُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾(النور:30)﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾(النور:31)، هذا محرم لذاته ، عندنا النظر بريد الزنا ، فأنا عندي نظر وزنا ، الزنا محرم لذاته أم محرم لغيره ؟ ، لكي نوضح المسألة لأن ربما بعض إخواننا لا يكون فاهم معنى ذاته وغيره .
المحرَّم لذاته: لم يبيحه الله يومًا من الأيام ، لما يشتمل عليه من القبائح ذاته قبيحة لا ينفع أن يكون حلال في يوم من الأيام ، كالشرك وكالقتل والزنا ما أباحها الله في يوم من الأيام لأحد ، فيقول هذا يقول محرم لذاته .
أما االمحرَّم لغيره: فأصله حلال لكن انضم إليه شيء نقله من الحل إلى الحرمة مثلما يمثل الفقهاء رجل عنده حدائق من العنب ، إذا قص العنب ووضعه في أقفاص وأعطاه إلى تجار الفاكهة فهذا حلال ، أما إذا أخذ الأقفاص وأعطاها لمن يعصر الخمر فهذا حرام ,لو واحد أخذ العنب وأعطاه لواحد يعصره خمر أقول له حرام ، ولا يأتي يقول لي هو العنب حرام ، لا ، أكل العنب حلال لكن كونك تأخذه وتضمه إلى حاجة أخرى ، فيقول لك هذا حرام لغيره أي بسبب ما يؤدي إليه .النظر إلى المخطوبة أليس جائز ، وهذه المخطوبة أليس أجنبية الأصل ، فإذا كان حراماً لذاته لا يستقيم هذا الكلام ، ليس كالزنا ، لو كان حراماً لذاته ما أبيح النظر أصلاً ، ولا تكون هناك علة أن ينظر للمرأة ، فإذا أراد المرء أن يخطب امرأة فيحل له أن ينظر إليها .
لذلك العلماء يقولون:قاعدة:ما منع سدًا للذريعة يباح للمصلحة الراجحة:واحد ذهب ليخطب واحدة فمن مصلحته أن ينظر إليها ، نعم حتى لا يطلقها ثاني يوم ويقول: لا، ليست هذه التي رأيتها ، أنا كنت أريد واحدة عينها واسعة وشعرها كذا ، لا ، وحديث المغيرة بن شعبة لما خطب امرأة من الأنصار وذكر ذلك للنبي- فقال:" أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكم " ، أي أن يدوم الود بينكما ، وفي اللفظ الأخر:قال له:" أنظر إليهافإن في أعين الأنصار شيئًا " ، وفي رواية ثالثة:هذا الشيء هو صغر العين ، " فإن في أعين الأنصار صغرًا " .تجد عين ضيقة كالجنس المغولي هكذا الجماعة اليابانيين تجد عينه هكذا فلا يعجبك ، لماذا ؟ لأن بهاء العين كله في الوجه ، كلما كانت العين واسعة يكون جيد ، والله لما وصف نساء أهل الجنة قال: ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾(الواقعة:22)، أي شدة سواد في شدة بياض ،وهذا يرد على الجماعة الذين يقولون العيون الخضراء أحلى عيون والزرقاء أحلي عيون والكلام الخطأ هذا ، لا ، أحلى عيون الأسود الشديد في الأبيض الشديد ,لأن نساء أهل الجنة كذلك سود الحدب مع شدة بياض واتساع العين ، فالعين تعطى بهاء الوجه ، فمن أجل ألا يطلق ويقول أن شكلها لم يعجبني ، نقول له أنظر إليها النظر الذي يصلح أن تأخذ بموجبه القرار أن هذه المرأة تصلح أن تكون زوجًا لك ,الشرع ليس فيه مرة ولا اثنين ، لا يوجد عدد ، ممكن أول مرة ، ممكن ثاني مرة ، ممكن ثلاثين مرة لكن لا تزيد فيها كل مرة تذهب وأنا لم أخذ بالي وغير ذلك ، وربك على كل شيء حفيظ إذا وصلت إلى قناعة وقرار أن هذه المرأة تصلح لك وأخذت راحتك وتكلمت وسألت ، فلا يجوز لك أن تذهب عندها حتى تعقد عليها .إنما يقول أنا اتفقت وعملت وتمام التمام ومائة بالمائة ، لكن أريد أن أتكلم معها في وجود محرم ، لا ، الشرع أعطاك إذن إلى هدف معين ، وهذا الهدف قد حصلته ، ولا تنسى أن المرأة أجنبية أيضًا ، وليس معنى أن الشرع أذن لك أنك تذهب وتدخل على راحتك ، لا ، لازالت أجنبية ، طالما لك حاجة وأنك لم تصل إلى قرار في هذه المسألة وعندك حاجة الشرع يأذن لك ، أول ما تصل تنتهي هذه المسألة .
القاعدة:ما منع سدًا للذريعة يباح للمصلحة الراجحة ، والمصلحة الراجحة أن يؤدم بينهما .قال ابن الجوزي: ( ومن ادعى الصبر، وكل إلى نفسه ).لأن المرء لا يستطيع أن يصبر من تلقاء نفسه ، قال الله- عز وجل-﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ﴾(النحل:127)، أي أنت لن تصبر إلا إذا صبرك الله فالذي يدعي أنه يستطيع أن يفعل يعاقب بأن يوكل لنفسه ، لذلك أنظر ما أحسن ما قاله إسماعيل- عليه السلام- لما قال له إبراهيم- عليه السلام- ﴿ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾(الصافات:102)، وفي قراءة أخرى:﴿ فَانْظُرْ مَاذَا تُرَِى ﴾ ، وكل قراءة لها معنى﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(الصافات:102) الذي يستثني يعان ، لذلك الرسولقال:" لم يحنث من استثنى " إذا قلت في الحلف إن شاء الله فلم تحلف فلم تحنث ، بخلاف ما إذا تكلم جزمًا وعزمًا .إن شاء الله استثناء كأنما قال: أنا لا أصبر من تلقاء نفسي ، فاستثنى فيما يتعلق بعزيمة نفسه وصبره ، والحوار ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ ، مشاركة الولد في اتخاذ القرار لاسيما إذا كان الولد هو المبتلى ، وهذا يدل على نضوج فهم الوالد ، وأنت الذي تعلم ولدك ، لما ولدك يخطئ وأنت حي فتسدده ، فأنت أرحم به من الناس جميعًا إذا أخطأ فلن تقطع رقبته ولن تلتمس له العيب لكي يقع في الغلطة ، بخلاف الناس جميعًا .ممكن واحد من باب الحسد يريد أن يوقعه ، يعمل له بئر لكي يسقط فيه الأب لا يقصر في تربية ولده ويعطيه الفرصة ، ممكن يعرض عليه قضية من القضايا ، قد تكون هذه القضية جارية أو غير جارية ، يقول له تعالى نتناقش في هذه القضية ، أي قضية إما قضية شرعية أو قضية حياتيه ، ويفتح معه الحوار ، ما رأيك في الذي يحدث في العراق ، والذي يحدث للمسلمين وهذا الكلام ، لو كان الأمر بيدك ماذا كنت تفعل ، واترك الولد يتكلم واتركه يخطأ ، اتركه يتكلم على سجيته حتى لو تكلم كلام غير مقبول ، لأن أنت مهمتك كوالد أن تسدده ، تقول له لا ، هذه تتعدل هكذا وهذه تتعدل هكذا فأخذ الولد من عقلك وفهمك .كما حدث لسعيد بن جبير مع بن عباس ، قال بن عباس: يا سعيد قم فتكلم قال: يا أبا العباس وأنت حاضر ؟ من العيب أن أتكلم وأنت موجود ، فقال له: تخطئ فأسددك لن يكون أرحم لك من شيخك ، لماذا ، لأن كل فضل فيك إنما هو من شيخك فيحسدك عليه ، لا ، فيه طبقات وفيه مسافات فالشيخ لما التلميذ يخطئ يقول له اعمل هذه كذا وهذه كذا واترك هذه وتجنب هذه وهذا الكلام ، كلما كان التلميذ مطيع يستفيد ، إنما يعاند ويقول لا وغير ذلك وهي كذلك وكذلك وكذا فبذلك يخسر الشيخ مباشرة ,كما حدث لأبي سلمة بن عبد الرحمن وبن عباس ، كان دائمًا أبو سلمة يعاند بن عباس باستمرار مثل الشريك المخالف ، فكان ابن عباس لا يتكلم ، يأتي أبو سلمة يتكلم ، بن عباس لا يكمل الكلام ، فخسر علمًا كثيرًا ، وهذا الكلام ليس كلامي ، إنما هو كلام الزهري ، قال: لقد خسر أبو سلمة بن عبد الرحمن علمًا كثيرًا لكثرة ما كان يماري بن عباس , ﴿ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ ، بأي شيء هذه متعلقة ؟ متعلقة بعلاقة الوالد مع الولد يكبره ويطرح عليه القضية ويقول ما رأيك في الموضوع ، وهذه هي القراءة الأولى .﴿ فَانْظُرْ مَاذَا تُرَِى ﴾ ، أي لا تُرِي الله من نفسك إلا خيرًا أي يحمله ذلك على الطلب .﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ وكلمة﴿ تُؤْمَرُ﴾ لما لم يسمى فاعله مما يدل على أن هناك آمر وأن إبراهيم عليه السلام لا يفعل هذا من تلقاء نفسه وهذا فيه تخفيف على الوالد .مثلاً لما يكون الأب ذاهب ليبيع ابنه لكونه محتاج أو أي حاجة ، فيقول له الولد أنا عارف أنك لا تبيعني ، أنا عارف إنك معذور وأنك تحت ظروف قاهرة وغير ذلك ، فهذا يخف عن الوالد ، لأن الوالد يقول الولد ماذا سيقول عني في يوم من الأيام لما يكبر ، أنا بعته أ, أنا فرطت فيه أ, أنا ضيعته وهذا الكلام ، فلما يقول له﴿ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ ، فأسقط العبء الأدبي عن الوالد أن فيه آمر لك وأن المسألة ليست بيدك ، لأنها لو كانت بيدك لم تكن لتذبحني ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ، فاستثنى وهذا يدل على فهم إسماعيل- عليه السلام- .
ممن وكل إلى نفسه بسبب ما كان يشطح به من كلام المحبة والتعلق بالمحبة ، سنون ، أبو القاسم الخواص والذي يسمى بسنون المحب : أشعاره تذوب بها الحجر ، عندما تقعد وتقرأ أشعاره تذوب الحجر من كثرة شدة وقعها ، وهذا كان عبارة عن ترجمة لما في قلبه ، صح المعاني والألفاظ تذهب إلى اتجاه والمعنى الذي يريده في اتجاه آخر , مبدأ ابتلاء سنون ، لما وجد نفسه قوي وعزيمته حديد قال: والحقيقة أبو نعيم في الحلية أتى بطرف صالح من قضيتة ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد أتى بطرف آخر ، وأنا لم أحاول أن أعمل ترجمة كبيرة لسنون ، لكن حاولت أن أحضر بعض أشعاره التي تدل على عظيم المحبة ، أول مبدأ قصته قال:
فليس لي في سواك حظ
فكيف ما شئت فابتليني
هذه البداية ، فحصر فيه البول من ساعته لكي يتبول لا يستطيع ، عض على الأرض وجلس يتمرغ علي الأرض ولم يتحمل مثل ذلك ، كما دخل النبي دخل على عباس فوجده يتألم ويدعوا ويقول الله إن كنت معذبي بشيء في الآخرة فعذبني به في الدنيا ، فقال له النبييا عباس يا عم رسول الله لا تستطيع ، ولكن سل الله العفو في الدنيا وفي الآخرة ، طالما كلمة قلها صح وتراعي قدر نفسك في الموضوع , أنا مبتلى ببلاء معين أقول اللهم اغفر لي اللهم ارحمني ، اللهم ارفع عني ، ولا أقدر أن أقول اللهم شدد علي ، الله إن كنت معذبي فأشدد عليَّ ، لأن لا أحد يتحمل بلاء الدنيا ، حتى بلاء الدنيا لا أحد يتحمله ، وممكن بلاء الدنيا يجعله لا يستطيع أن يجمع قلبه ولا عقله ولا يعرف يصلي ولا يعرف يدعوا وغير ذلك .لكن إذا كانت كلمة تخرج من العبد فالرسولعلم الصحابة كيف يقولون في مثل هذا ، مسائل المرض ومثل هذا .سنون عمل هذه الحدوتة والخطيب البغدادي ذكر أبياتًا أخري الحقيقة أشد من هذه ، أن سنون تعرض للبلاء ، ونفخ صدره على الآخر وقال لله- عز وجل-: فكيف ما شئت فابتليني ، فلما حُبس فيه البول نام من كثرة الغم وأنا لا أعرف كيف نام لأن الذي حبس فيه البول لا يعرف أن ينام ، هو نام قليلاً ، فرأى رؤية أنه يمسك الكيس الذي يتبول فيه كالقسطرة ، ماسك هذا الكيس معه بيديه ويمشي فمر على أحد الصالحين وشكي له حاله ، ماذا أعمل ؟ فقال له عليك بصبيان الكتاتيب ، فكان يمر على الكتاتيب والأولاد الذين يحفظون القرءان ويقول لهم: استغفروا الله لعمكم الكذاب ، الذي ادعى أنه سيصبر ثم عجز فلا يتقاوى على الله أحد ، إنما يسأل الله عز وجل العفو والعافية في الدنيا والآخرة أنظر إلى أبيات سنون بن أحمد بن حمزة يقول:
أنا راضٍ بطول صدك عني
ليس إلا لأن ذاك هواك
فامتحن بالجفى صبري على
ودي ودعني معلقًا برجاك
طبعًا أنا قلت لكم الألفاظ تذهب إلى مكان والمعني الذي يقصده في مكان آخر ، إنما هو يناجي ربه- عز وجل- ، المعنى الذي عنده أنه يناجي ربه- تبارك وتعالي ، ويقول:

الديك بل قل أن يفديك ذو دنفٍ

هل في المذلة للمشتاق من عار
بي منك شوق لو أن الصخر يحمله
تفطر الصخر عن مستوقد النار
قد دب حبك في الأعضاء من جسدي
دبيب لفظي من روحي وإضماري
ولا تنفست إلا كنت مع نفسي
وكل جارحة من خاطري جاني
والدنف: هو المرض .
ويقول أيضًا :
شغلت قلبي عن الدنيا ولذتها
فأنت والقلب شيء غير مفترق
وما تطابقت الأحداق من سنة
إلا وجدتك بين الجفن والحدق
ومن أبياته الجميلة يقول:
ولو قيل طأ في النار أعلم أنه
رضا لك أو مدن لنا من وصالك
لقدمت رجلي نحوها فوطأتها
سرورًا لأني قد خطرت ببالك
وأيضًا يقول:
وكان فؤادي خاليًا قبل حبكم
وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح
فلما دعا قلبي هواك أجابـه
فلست أراه عن فنائك يبرح
رد مع اقتباس