عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 04-11-2009, 03:46 AM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي عقباتٌ في طريقِ الفتحِ



عقباتٌ في طريقِ الفتحِ




بعد أن استتب الأمر لموسى بن نصير في شمال إفريقيا ، ومِنْ قولهِ تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ }[التوبة:123] - كما ذكرنا سابقاً - أخذ موسى بن نصير الفكرة وهيأ نفسه لبلاد الأندلس تلك التي تلي الشمال الإفريقي مباشرة، وفي طريقه إليها كانت هناك عدة عقبات كان أهمها ما يلي :

= وجد موسى بن نصير أن المسافة المائية التي سيقطعها بين المغرب والأندلس لا تقل عن ثلاثة عشر كيلو مترا ، وهو ليس لديه سفنا كافية لعبور هذه العقبة المائية ، فمعظم فتوحات المسلمين - باستثناء بعض المواقع مثل ذات الصواري وفتح قبرص - كانت برية ، ومن ثم لم يكن هناك حاجة كبيرة إلى سفن ضخمة ، تلك التي احتاجوا إليها هنا لتنقل الجنود وتعبر بهم مضيق جبل طارق ليصلوا إلى الأندلس .


= العقبة الثانية : وجود جزر البليار النصرانية في ظهره إن دخل الأندلس ..

كان موسى بن نصير قد تعلم من أخطاء سابقيه ؛ فلم يخطو خطوة حتى يأمن ظهره أولاً ، وفي شرق الأندلس كانت تقع جزر تسمى جزر البليار ، وهي قريبة جدا من الأندلس ، ومن هنا فإن ظهره لن يكون آمناً إن هو دخل الأندلس ، وكان عليه أولا أن يحمي ظهره حتى لو كانت هذه الجزر تابعة للرومان .

= العقبة الثالثة : وجود ميناء سبتة المطل على مضيق جبل طارق في يد نصارى على علاقة بملوك الأندلس ..

كان ميناء سبتة المطل على مضيق جبل طارق والذي لم يُفتح مع بلدان الشمال الإفريقي ، وكان يحكمه ملك نصراني يُدعى يُليان أو جريان ، وكان لهذا الملك علاقات طيبة بملك الأندلس الأسبق غَيْطَشَة ، وغيطشة هذا كان قد انقلب عليه لوذريق أو رودريقو - كما يُنطق في بعض الأحيان - وتولى حكم الأندلس ، وكانت العقبة تكمن في خوف موسى بن نصير من أن ينقلب عليه يوليان صاحب ميناء سبتة والذي سيكون في ظهره ويتحد مع لوزريق صاحب الأندلس ، حتى وإن كان على خلاف معه ، فمن يضمن ألا يدخل يوليان مع لوزريق في حربه ضد موسى بن نصير نظير مقابل مادي أو تحت أي بند آخر ؟!

= العقبة الرابعة : قلة عدد المسلمين ..

كانت العقبة الرابعة التي واجهت موسى بن نصير هي أن قوات المسلمين الفاتحين التي جاءت من جزيرة العرب ومن الشام واليمن قوات محدودة جداً ، وكانت في نفس الوقت منتشرة في بلاد الشمال الإفريقي ، ومن ثم فقد لا يستطيع أن يتم فتح الأندلس بهذا العدد القليل من المسلمين ، هذا مع خوفه من أن تنقلب عليه بلاد الشمال الإفريقي إذ هو خرج منها بقواته .

= العقبة الخامسة: قوة عدد النصارى ..

في مقابل قوة المسلمين المحدودة كانت تقف قوات النصارى بعدتها وضخامتها عقبة في طريق موسى بن نصير لفتح الأندلس ، فكان للنصارى في الأندلس أعداد ضخمة ، هذا بجانب قوة عدتهم وكثرة قلاعهم وحصونهم ، وإضافة إلى ذلك فهم تحت قيادة لوزريق القائد القوي المتكبر.

= العقبة السادسة: طبيعة جغرافية الأندلس وكونها أرض مجهولة بالنسبة للمسلمين ..

وقف البحر حاجزاً بين المسلمين وبين بلاد الأندلس ، فلم تعبر سفنهم هذه المنطقة من قبل فضلا عن أن يرتادوها أصلا ، ومن ثم فلم يكن لهم علم بطبيعتها وجغرافيتها ، الأمر الذي سيجعل من الصعوبة الإقدام على غزو أو فتح هذه البلاد ، وفضلا عن هذا فقد كانت بلاد الأندلس تتميز بكثرة الجبال والأنهار، تلك التي ستقف عقبة كئود أمام حركة أي جيش قادم ، خاصة إذا كانت الخيول والبغال والحمير هي أهم وسائل ذلك الجيش في نقل العدة والعتاد .

ورغم هذه العقبات التي كانت موجودة بالفعل في طريق فتح الأندلس إلا أن موسى بن نصير لم يكسل ولم يقف مكبّل اليدين ، بل أصر على الفتح وعلى إتمام الطريق الذي بدأه قبله الفاتحون ، ومن هنا بدأ وفي أناة شديدة يرتب أموره ويحدد أولوياته ، فعمل على حل المعضلات السابقة على هذا النحو :

= عمد موسى بن نصير أول أمره في سبيل تجاوز عقبات الطريق إلى الأندلس إلى إنشاء السفن ؛ فبدأ في سنة سبع وثمانين أو ثمان وثمانين ببناء الموانئ الضخمة والتي يبنى فيها السفن ، وهذ وإن كان يعد أمراً يطول أمده إلا أنه بدأه بهمة عالية وإرادة صلبة ؛ فبنى أكثر من ميناء في الشمال الإفريقي ، كان أشهرها ميناء القيروان ( المدينة التي فتحها عقبة بن نافع ).

= ثانياً: تعليم البربر الإسلام

وفي أثناء ذلك أيضا عمد موسى بن نصير إلى تعليم البربر الإسلام في مجالس خاصة لهم كما الدورات المكثفة تماما ، حتى إنه بدأ في تكوين جيش الإسلام منهم أنفسهم ، وهذا الصنيع من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن نجده عند غير المسلمين ؛ فلم توجد دولة محاربة أو فاتحة غير الدول الإسلامية تُغيّر من طبائع الناس وحبهم وولائهم الذي كانوا عليه ، حتى يصبحوا هم المدافعين عن دين هذه الدولة المحاربة أو الفاتحة ، خاصة وإن كانوا ما زالوا حديث عهد بهذا الفتح أو بهذا الدين الجديد ، فهذا أمر عجيب حقاً ، ولا يتكرر إلا مع المسلمين وحدهم ، فقد ظلت فرنسا - على سبيل المثال - في الجزائر مائة وثلاثين عاما ثم خرجت والجزائريون ظلوا كما كانوا على الإسلام لم يتغيروا ، بل زاد حماسهم له وزادت صحوتهم الإسلامية .

علّم موسى بن نصير البربر الإسلام عقيدة وعملا ، وغرس فيهم حب الجهاد وبذل النفس والنفيس لله سبحانه وتعالى ، فكان أن صار جُلّ الجيش الإسلامي وعماده من البربر الذين كانوا منذ ما لا يزيد على خمس سنين من المحاربين له .

= ثالثاً: تولية طارق بن زياد على الجيش ..

القائد هو قبلة الجيش وعموده ، بهذا الفهم ولّى موسى بن نصير على قيادة جيشه المتجه إلى فتح بلاد الأندلس القائد البربري المحنك طارق بن زياد ، ذلك القائد الذي جمع بين التقوى والورع والكفاءة الحربية وحب الجهاد والرغبة في الاستشهاد في سبيل الله ، ورغم أنه كان من البربر وليس من العرب إلا أن موسى بن نصير قدمه على غيره من العرب، وكان ذلك لعدة أسباب منها:

1 - الكفاءة ..

لم يمنع كون طارق بن زياد غير عربي أن يوليه موسى بن نصير على قيادة الجيش ؛ فهو يعلم أنه ليس لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر فضل إلا بالتقوى ، فقد وجد فيه الفضل على غيره والكفاءة في القيام بهذه المهمة على أكمل وجه ، وقد ذكرنا بعضا من صفاته قبل قليل ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن دعوة الإسلام ليست دعوة قبلية أو دعوة عنصرية تدعو إلى التعصب وتفضل عنصرا أو طائفة على طائفة؛ إنما هي دعوة للعالمين : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء:107]

2 - قدرته على فَهم وقيادة قومه

إضافة إلى الكفاءة فقد كان من البربر ، وذلك أدعى للقضاء على أيٍ من العوامل النفسية التي قد تختلج في نفوس البربريين الذين دخلوا الإسلام حديثا ، ومن ثم يستطيع قيادة البربر جميعا وتطويعهم للهدف الذي يصبو إليه ، ثم ولكونه بربريا فهو قادر على فهم لغة قومه ؛ إذ ليس كل البربر يتقنون الحديث بالعربية ، وكان طارق بن زياد يجيد اللغتين العربية والبربرية بطلاقة ، ولهذه الأسباب وغيرها رأى موسى بن نصير أنه يصلح لقيادة الجيش فولاه إياه .

= رابعاً: فتح جزر البليار وضمها إلى أملاك المسلمين ..

من أهم الوسائل التي قام بها موسى بن نصير تمهيدا لفتح الأندلس وتأمينا لظهره كما كان عهده بذلك ، قام بفتح جزر البليار التي ذكرناها سابقا وضمها إلى أملاك المسلمين ، وهو بهذا يكون قد أمّن ظهره من جهة الشرق ، وهذا العمل يدل على حنكة وحكمة عظيمة لهذا القائد الذي أُغفل دوره في التاريخ الإسلامي .










التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 07-21-2009 الساعة 07:29 PM
رد مع اقتباس