الموضوع: بحر الدموع
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-15-2010, 11:52 PM
أم حفصة السلفية أم حفصة السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله تعالى وأسكنها الفردوس الأعلى
 




3agek13 بحر الدموع

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



يا أسير دنياه، يا عبد هواه، يا موطن الخطايا، ويا مستودع الرزايا، اذكر ما قدّمت يداك،

وكن خائفا من سيدك ومولاك أن يطّلع على باطن زللك وجفاك، فيصدك عن بابه،
ويبعدك عن جنابه، ويمنعك عن مرافقة أحبابه، فتقع في حضرة الخذلان، وتتقيد بشرك الخسران،
وكلما رمت التخلص من غيّك وعناك، صاح بك لسان الحال وناداك:

اليك عنا فما تحظى بنجوانا

يا غادرا قد لها عنا وقد خانا


أعرضت عنا ولم تعمل بطاعتنا

وجئت تبغي الرضا والوصل قد بانا


بأي وجه نراك اليوم تقصدنا

وطال ما كنت في الأيام تنسانا


يا ناقض العهد ما في وصلنا طمع
إلا لمجتهد بالجدّ قد دانا

يا من باع الباقي بالفاني، أما ظهر لك الخسران، ما أطيب أيام الوصال، وما أمرّ أيام الهجران،

ما طاب عيش القوم حتى هجروا الأوطان، وسهروا الليالي بتلاوة القرآن فيبيتون لربهم سجدا وقياما.

عن عبد العزيز بن سلمان العابد، قال:

حدثني مطهر، وقد كان بكى شوقا إلى الله تعالى ستين عاما، قال: رأيت كأني على ضفة نهر يجري بالمسك الأذفر، وحافاته شجر اللؤلؤ، وطينة العنبر، وفيه قضبان الذهب، وإذا بجوار مترنمات يقلن بصوت واحد:
سبحانه وتعالى سبحان الله ، سبحان المسبّح بكل لسان ، سبحان الموجود في كل مكان نحن الخالدات فلا نموت أبدا. نحن الراضيات، فلا نغضب أبدا.
نحن الناعمات، فلا نتغيّر أبدا.
قال: فقلت لهن: من أنتن؟!

فقلن: خلق من خلق الله تعالى.
قلت: ما تصنعن هاهنا؟ فقلن بصوت واحد حسن مليح:


ذرانا إله الناس رب محمد

لقوم على الأطراف بالليل قوم


يناجون رب العالمين إلههم

ونسري هموم القوم والناس نوم

فقلت: بخ بخ!

من هؤلاء الذين أقر الله أعينهم؟ قلن: أما تعرفهم؟! قلت: لا والله ما أعرفهم.
فقلن: هم المجتهدون بالليل، أصحاب السهر بالقرآن.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

" إذا أذنب العبد، وتاب إلى الله، وحسنت توبته، تقبل الله منه كل حسنة عملها، وغفر له كل ذنب اقترفه، ويرفع له بكل ذنب درجة في الجنة، ويعطيه الله بكل حسنة قصرا في الجنة، ويزوجه الله حورا من الحور العين".
وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

" أوحى الله إلى داود عليه السلام:
يا داود، بشر المذنبين، وأنذر الصديقين، فتعجب داود عليه السلام، فقال: يا رب، فكيف أبشر المذنبين وأنذر الصديقين؟!
قال الله تعالى:

يا داود، بشر المذنبين ألا يتعاظمني ذنب أغفره، وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم، فأني لا أضع حسابي على أحد الا هلك.

يا ادود، ان كنت تزعم أنك تحبني فأخرج حب الدنيا من قلبك، فان حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد.

يا داود، من احبني، يتهجد بين يدي اذا نام البطالون، ويذكرني في خلوته اذا لها عن ذكري الغافلون، ويشكر نعمتي عليه اذا غفل عني الساهون".
وأنشدوا:
طوبى لمن سهرت بالليل عيناه

وبات في قلق من حب مولاه


وقام يرعى نجوم الليل منفردا
شوقا اليه وعين الله ترعاه

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" البرّ لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديّان لا يفنى. كن كيف شئت كما تدين تدان".
ما هذا، أتدري ما صنعت؟

بعت القرب بالبعد، والعقل بالهوى والدين بالدنيا.
وأنشدوا:
قم فارث نفسك وابكها-

ما دمت وابك على مهل


فاذا اتقى الله الفتى

فيما يريد فقد كمل


وعن جابر رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما نزع الله عبدا من ذنب الا هو ويريد أن يغفر له، وما استمال الله عبدا لعمل صالح، الا وهو يريد أن يتقبله منه".


وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" التائبون اذا خرجوا من قبورهم، ارتفع من بين أيديهم ريح المسك، ويأتون على مائدة من الجنة يأكلون منها وهم في ظل العرش، وسائر الناس في سدّة الحساب".
ويروى أن رجلا أتى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، بما أتقي النار؟
قال:" بدموع عينيك". قال:

وكيف أتقيها بدموع عيني؟ قال:" أهمل دموعهما من خشية الله، فانه لا يعذب بالنار عينا بكت من خشيته".
قال المصنف في العلل المتناهية هذا حديث لا يصح عن رسول الله.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" قطرة تخرج من عين المؤمن من خشية الله، خير له من الدنيا وما فيها، وخير له من عبادة سنة، وتفكّر ساعة في عظمة الله وقدرته خير من صيام ستين يوما وقيام ستين ليلة.
ألا وان لله ملكا ينادي في كل يوم وليلة:
أبناء الأربعين، زرع دنا حصاده، أبناء الخمسين، هلموا إلى الحساب، أبناء الستين، ماذا قدّمتم وماذا أخرتم، أبناء السبعين، ماذا تنتظرون.
ألا ليت الخلق لم يخلقوا، فإذا خلقوا ليتهم علموا لما خلقوا له، فعملوا لذلك.
ألا قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم".



نزه مشيبك عن شيء يدنّسه

إن البياض قليل الحمل للدنس

يا عبد السوء، كم تعصي ونستر، كم تكسر باب نهي ونجبر، كم نستقطر من عينيك دموع الخشية ولا يقطر، كم نطلب وصلك بالطاعة، وأنت تفرّ وتهجر،

كم لي عليك من النعم، وأنت بعد لا تشكر.

خدعتك الدنيا وأعمال الهوى وأنت لا تسمع ولا تبصر.
سخّرت لك الأكوان وأنت تطغى وتكفر، وتطلب الإقامة في الدنيا وهي فنظرة لمن يعبر.

وروي عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال:

" دخلت على بعض المجوس وهو يجود بنفسه عند الموت، وكان حسن الجوار، وكان حسن السيرة، حسن الأخلاق، فرجوت أن الله يوفقه عند الموت، ويميته على الإسلام، فقلت له: ما تجد، وكيف حالك؟ فقال:



لي قلب عليل ولا صحة لي، وبدن سقيم، ولا قوة لي، وقبر موحش ولا أنيس لي، وسفر بعيد ولا زاد لي، وصراط دقيق ولا جواز لي، ونار حامية ولا بدن لي, وجنّة عالية ولا نصيب لي، ورب عادل ولا حجة لي.
قل الحسن: فرجوت الله أن يوفقه، فأقبلت عليه، وقلت له: لم لا تسلم حتى تسلم؟ قال: ان المفتاح بيد الفتاح، والقفل هنا، وأشار إلى صدره وغشي عليه.



قال الحسن: فقلت:
الهي وسيدي ومولاي، إن كان سبق لهذا المجوسي عندك حسنة فعجل بها إليه قبل فراق روحه من الدنيا، وانقطاع الأمل.
فأفاق من غشيته، وفتح عينيه، ثم أقبل وقال:

يا شيخ، إن الفتاح أرسل المفتاح.
أمدد يمناك، فأنا أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم خرجت روحه وصار الى رحمة الله.
وأنشدوا:

يا ثقتي يا أملي
أنت الرجا أنت الولي


اختم بخير عملي

وحقق التوبة لي


قبل حلول أجلي

وكن لي يا ربّ ولي

إخواني، ما هذه السّنة وأنتم منتبهون؟

وما هذه الحيرة وأنتم تنظرون؟
وما هذه الغفلة وأنتم حاضرون؟
وما هذه السكرة وأنتم صاحون؟
وما هذا السكون وأنتم مطالبون؟
وما هذه الإقامة وأنتم راحلون؟
أما آن لهل الرّقدة أن يستيقظوا؟
أما حان لأبناء الغفلة أن يتعظوا؟.


واعلم أن الناس كلهم في هذه الدنيا على سفر، فاعمل لنفسك ما يخلصها يوم البعث من سقر.

من كتاب بحر الدموع
للإمام ابن الجوزي رحمه الله
التوقيع

اسألكم الدعاء لي بالشفاء التام الذي لا يُغادر سقما عاجلآ غير آجلا من حيث لا احتسب
...
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ، فَإِنَّهُ لا يَمْلِكُهَا إِلا أَنْتَ
...
"حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله.انا الي ربنا راغبون"
رد مع اقتباس