عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 04-15-2008, 03:52 AM
الفاررة الي الله الفاررة الي الله غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعَجَزْتَ أن تفرّح قلبَ المكلوم ؟!



أعَجَزْتَ أن تفرّح قلبَ المكلوم ؟!


إني رأيتُ و في الأيامِ تجربةٌ للصبرِ عاقبـةُ محمـودةُ الأثـرِ




كنتُ أقرأ في سورة يوسف ، و عجائب هذه السورة لا تنتهي و دروسها لا تنقضي ، فوقفتُ كثيراً متأملة قوله تعالى : { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) } .

تأملتُ هذا الموقف العصيب الذي نراه كثيراً كثيراً .. و متكرراً في حياتنا ! الأب المفجوع .. و الوالد المكلوم .. فقدَ ابنه الحبيب الذي كانت له خاصية و مكانة بقلب والده تُميِّزه عن إخوته .. ثم يَفقِد هذا الأب ابناً آخر ثم ثالث ..

لا يعلمُ أين الأول ، و لا ماذا سيُصنع بالثاني ، و لا كيف يعود الثالث .. بلاءٌ و مِحنةٌ و كُربة عظيمة اجتمعتْ على يعقوب - عليه السلام - .. فلمّا فقد ابنيه تجدد في قلبه حُزنه الأول فأعاد ذِكرَ يوسف – ابنه الحبيب – و خرجتْ شكواه و أنــّـاتُ صدره .. فتحركت شفتاه و نطقَ لسانـُـه فقال : { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } .

و فقط .. لا ! بل { وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } .. عليه و على أبويه وعلى نبينا السلام .. يعيش و همّه في صدره .. يأكل و يشرب ، و يمشي و يقعد ، و ينام و يقوم ، و هَمّه في صدره .. لم ينسَ ابنه حبيبه .. و لا يزال أمله بالله

و يتذكّر أمرَ الرؤيا و يعلم موعود الله بالإجابة .. يأملُ ذلك اليوم الذي يلقى فيه ابنه فيَسْجدُ له تحيةً و ليس عبادة وكان ذلك جائزا في شَرْعِهم .. معَ أن يعقوب - عليه السلام - نبيٌ و يعلمُ أمور قد لا يعلمها بني البشر مما يوحي اللهُ له بها ..

إلا أنه خــَـلْقٌ من البــَـشَر ، و يعتريه ما يعتري البَشر .. يحزن و يضيق و يهتم و يغتم .. و يشكو همه و حُزنه و يرفع إلى الله تضرعاته و أنين قلبه و تفطــُّرَ كبده و اختلاف أضلاعه .

يا خالقَ الأكوانِ أنتَ المرتجى وإليكَ وحدك ترتقي صلواتـي
يا خالقي ماذا أقولُ وأنتَ تعـ ـلَمُني و تعلمُ حاجتي و شكاتي
يا خالقي ماذا أقولُ وأنتَ مُـطّـ ـلعٌ على شكـواي والأنّـاتِ


فلمّا اشتدَّ عليه الأمرُ خرجتْ كلماتٌ كانت بين أضلاعِ صدره الذي يواري قلباً هزّه الشوقُ إلى لقاء ابنه .. قلبٌ طالما تحرّق و التاع كمداً على فراق ابنه .. فنطقَ و قال : { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ } .


و كان أبناؤه شهوداً على ذلك الموقف .. وهُم الذين كانوا سبباً فيما حلَّ بأبيهم و أخيهم ! وهُم الذين استجلبوا الحُزن لقلبِ والدهم يوم أن غيَّبوا أخاهم عن عيني أبيهم ؛ ليعيش سنين من الألم ينتظرُ فيها رؤية ابنه .

فما كان منهم إلا أن قالوا له : { تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ } .. ليأتي ذلك الجواب القوي الذي حطَّم كل قوى اليأس و هدَمَ كلَّ معالمِ القنوطِ .

فيقول لهم يعقوب – عليه السلام - { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } . نعم .. لا يشكو إليهم و لا يطلب منهم و لا من أي مخلوق أي شفقة أو إحساناً .. لا يشكو إليهم و لا يطلب منهم أذنٌ تسمعه و لا قلبٌ يعي قولــَـه ، و لا لسانٌ حلوٌ يخفف عنه .. لا .. لا

هو لم يُرِدْ منهم أي معروف .. هو يطلب من رب الأرض و السموات و يشكو إليه ما يـَجـِدُ و يرفع إليه تضرعاتِ قلبه و ابتهالاته ؛ تسابقه الدمعات قبل الدعوات ..

يعقوب – عليه السلام – لم يلتفت لكلام أبنائه و لا ليأسهم و إنما قال : { أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ }

و إذا عرتكَ بليةٌ فاصبرْ لهـا صبْرَ الكريمِ فإنّـه بـكَ أعلـمُ
و إذا شكوتَ إلى ابنِ آدمَ إنما تشكو الرحيمَ إلى الذي لا يرحمُ

و يعقوب – عليه السلام – يعلمُ من الله ما لا يعلمُ أبناؤه .. يعلمُ أولاً أمرَ الرؤيا التي كان يرجو أن تُحقق .. ويعلمُ رحمةَ الله و لُطفه به و بابنه .. و يعلمُ عظيم فضل الله عليه .. و يعلمُ يعقوب – عليه السلام – أن الله قديرٌ و لا يعجزه شيء و أن خزائن السمواتِ و الأرضِ مُلكَ يديه .. و أن أمره إذا أراده قال له كُن فيكون .

يعلمُ يعقوب – عليه السلام – من الله ما لا يعلمون .. مِن أنَّ الله سيرد إليه أبناءه الثلاثة و سيجتمع بهم .. و يقفُ العقلٌ حائراً حين نكملُ الآيات .. حين نجد يعقوب – عليه السلام – يبعث الأمل في نفوس أبنائه و يقول : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } .


موقفٌ كان فيه يعقوب مكلومٌ و كظيمٌ و حزين .. و عيناه ابيضّت من حُزنه و ألمه و هَمّه الذي عايشه سنين .. فكان هو من يبعث الأمل في نفوس أبنائه و يذكّرهم بالله و بحُسن الظن به .

يعقوب في موقفٍ عصيب و نفسه متلهِّفةٌ على ابنه و خاطره مكسور و قلبه محروق و كبده حـَرّى و مع ذلك كله يقول لأبنائه : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ } .

تحسّسوا من يوسف .. يوسف الذي فقده من سنواتٍ طويلة .. يوسف الذي غاب و هو غلام و لا يرجو أحدٌ رجوعه إلا والده المؤمن .. يوسف الذي ما سمعَ عنه أحد و لا بحثَ عنه أحد .. يوسف الذي قيل أن الذئب أكله و مات ..

هل سيجدون يوسف ؟ هل سيلتقون به بعد هذه السنوات الطويلة ؟ أي فألٍ هذا ؟ أي حُسن ظنٍ بالله هذا ؟ بل أي عِلمٍ بالله و بعظيم قــُدرته ؟

يأمرهم – عليه السلام – أن يتحسسوا من يوسف .. بل و يذكّرهم بالله و بعظيم رحمته { وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ } .. ثم يخوفهم و يحذرهم { إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } .


و النتيجة .. أنْ جمعَ الله شمل الأسرة و الْتَقَى الوالد بولده .. و خرَّ له ساجداً تحيةً له .. كما أوّل الرؤيا ..


فلننظر في مجتمعنا .. هل نجدُ نماذج ليعقوب - عليه السلام - ؟ فأْلٌ و تفاؤل و حُسن ظنٍ بالله ؟ لماذا نفتقد مثل يعقوب و نجد الكثير الكثير من أمثال حالِ إخوة يوسف ؟! أقول للمخذّلين و للمثبِّطين و للذين يبعثون روح اليأس في نفوس أصحاب الحُزن و الْهـَمّ .. أقول لهم : إن لم تقولوا خيراً فاصمتوا !!


لا خَيْل عندك تُهْدِيها ولا مَـالُ فَلْيُسْعِد النُّطْق إن لَم تُسْعِد الْحَالُ


إن لم يكن لديكم قــُدرة على بث روح الأمل و بعث الرجاء في نفوس المكلومين فلا تقضوا على معالِمِ الأملِ في نفوسهم ! ذكِّروهم بالله و بعظيم فضله .. قولوا لكل محزون : أنتَ لا تعلمُ أين الخير ، فلعلَّ الله يجعلُ عاقبةَ هذا الأمرِ خيراً .. أعجزتَ أيها العالِم بشكوى صاحبك أن تقولَ له :

إذا يسّـر اللهُ الأمـورَ تيسـرتْ و لانتْ قوَاها و استقادَ عسيرُها
فكمْ طامعٍ فـي حاجـةٍ لا ينالُهـا و كمْ آيسٍ منها أتـاهُ بشيرُهـا

و كم خائفٍ صارَ المُخيفُ و مقترٍ تَموّلَ ، و الأحداثُ يحلو مريرُها
و كم قدْ رأينا من تكـدّرِ عِيشـةٍ و أخرى صفا بعد انكدارٍ غديرُها


قُل له ما قاله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لأبي موسى الأشعري : ( فإن الخيرَ كله في الرضا ، فإن استطعتَ أن ترضى و إلا فاصبرْ ) .. أعجبُ والله من صبرِ المُبتلى و أمله بالله و حُسن ظنه به و صِدق توكله عليه .. ثم يأتي من الناس من يقول له : لا أمل و لا رجاء ! و يقول له مقالة إخوةِ يوسفَ لأبيهم { حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ } .

يا أخي إن لم تكن متفائلاً باعثاً للأمل في نفسِ الْمَحْزُون المكلوم الكظيم .. فلا تزيدَ عليه هَمّه و تُقنِّطه من فَرَجِ الله له .. مهما اشتدتْ الأزمة .. و مهما بدا الأمرُ عسيراً
و مهما ضاقتْ الفُرجة .. فعند الله لها حلٌ و مخرج .

ولَرُبّ نازِلَة يَضِيق بها الفتى ذَرْعًا وعند الله مِنها الْمَخْرَجُ
ضاقت فلما اسْتَحْكَمَتْ حَلَقَاتُها فُرِجَتْ وكنتُ أظنها لا تُفْرَجُ


أليس الله عز و جل هو الذي دبــّر الأمرَ و قضاه ؟ إذاً فالحل بيده سبحانه و لن يرفع البلوى و الضُر إلا هو سبحانه برحمته .. و أقول للمكلوم : إن وجدتَ ( إخوة يوسف ) فكن أنتَ ( يعقوب ) فبُثَّ شكواك إلى الله و ارفع حُزنك إليه و تفاءل كما تفاءل يعقوب – عليه السلام – و لا تلتفتْ لكلام من حولك .. فحسّن ظنك بربك و تفاءل و لا تيأس .


تذكّر معاناة يعقوب – عليه السلام – ثم تذكّر حُسن ظنه بربه .. و أخيراً تفكّر في عاقبة أمره و كيف جمع الله شمله بابنه الفقيد .. وعسى الله أن يثبتك حتى تقول لأولئك الذين يئسوا و قنِطوا و قنَّطوا { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } .

ليس ما تَعْلَم من الله وحياً .. و إنما تعلم مِن الله رحمته .. تعلمُ مِن الله قدرته .. تعلمُ مِن الله سعة فضله و عظيم إحسانه .. تعلمُ ذلك كله من الله يوم أن قلَّبت كتاب ربك و فتشّت في سنة نبيك ..

فعلمتَ أن المعطي هو الله .. و أن الرازق هو الله .. و أنَّ البَشَر لا يملكون لك شيئاً .. و الأمرُ كله لله .. أيها المكلوم إذا رأيتَ و سمعتَ من يريد زحزحة رواسخ الأمل في نفسك ..

فقل للعيونِ الرُمْدِ للشمسِ أعينٌ تراها بحقِ في مغيبٍ و مَطلـعِ
و سامِحْ عيوناً أطفأَ اللهُ نورَها بأبصارِها لا تستفيقُ و لا تعي


و أقول لكل مُبتلى : { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا }

ثم :

سلَّ اللهَ ربكَ ما عندَه وَلا تسألِ الناسَ ما عندهـمُ
و لا تبتغِ مِن سواه الغنى و كُنْ عبدَه لا تكنْ عبدهمُ




أسأل الله الإخلاصَ فيما كتبتُ و أن ينفع بكلماتي .. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


كتبته / خبيرة


المصدر :: من اطلاعاتي
رد مع اقتباس