الموضوع: نصيحة للشباب
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 02-12-2009, 12:11 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

فإنّ المحنة التي تلت محنة الرِّقِ من بعدِ محنةِ كيدِ الإخوةِ والإلقاءِ في غيابةِ الجُبِّ هي: مِحْنَةُ الغِوايَة وثورةِ الشهوة بالغريزة المشبوبة بمتُابعة المرأة - امرأةِ العزيز - ليوسُفَ يَشُبُّ بين عينها, وكان ما كانَ مما قصَّهُ القرآنُ العظيم.
يوسف في شبابه وقوّته, وامرأةٌ كانت أجملَ أهلَ عصرها, ثم يتأتى من يوسفَ إباءٌ مُطلق, ولا همّ هنَالِكَ؛ لأنّ الله ربّ العالمين وحِزبهُ؛ ولأن الشيطان الرجيم وحِزبَهُ, كلاهُما شهِدَ ليوسُفَ بأنّه ما همَّ.


اللهُ ربُّ العالمين يقول: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف : 24], اللهُ ربُّ العالمين يشهدُ أنه صرف عنه السوء والفحشاء، ويشهدُ أنه من المُخلَصين، والشيطانُ الرجيمُ يقول لربِّ العالمين: {
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [صـ 82: 83], وهو من المُخلَصين كما قال اللهُ ربُّ العالمين؛ فشهدَ له الشيطانُ الرجيم, وشهدَ أنّه لا سبيلَ له عليه, ولا طريق لهُ إليه, وإنما هو خالصٌ مُخلصٌ للهِ ربِّ العالمين.
{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف 26 : 29], وسواءٌ كان القائل العزيز أم كان شاهداً من أهلها؛ لا ضيرَ أن المؤدّى واحد بفضلِ الله جلّت قدرته, ويبقى اللفظُ يرنُّ رنينهُ في الآذان آذانِ القلوب التي تلقي بآذانِها إلى ربِّها مصغيةً ومستمعة, {إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف : 29], فهذا اعتراف على حسبِ دليلٍ مُحَقِّقٍ في المسألةِ تحقيقاً مادياً دقيقاً بأمرٍ منطقيٍّ لا يقبلُ الرد، {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ} [يوسف : 28], والقَدُّ: هو الشقُّ والقطعُ طولاً، فلما كانت متتبعة لأثرِهِ, وكان مندفعاً كجلمودِ صخرٍ حطّهُ السيلُ من علٍ، وهي تتعلّق به تعلّقها, وتجذبُهُ إليها قدّت قميصَهُ من دُبُر كما قال الله ربُّ العالمين: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف : 28], وشهد النسوةُ اللائي حرضنه وراودنه عن نفسه وحرضنه على المرأةِ لكي يؤدي لها لُبَانَاتِها، شهدنَ عندما أبى يوسف عليه السلام أن يخرج من السجن بعد ما أوّل الرؤيا - رؤيا الملك -, وأراد الملكُ أن يأخذه من السجن, فأبى أن يخرج إلا بعدِ فتحِ ملفّ القضيّة والتحقيقِ فيها من جديد؛ حتى يخرُجَ لا بأمرِ ملكي يصير عفواً مع بقاءِ الجُرمِ مُعلًّقاً والقضيّة تظل متذبذبة من غيرِ حسم, أبى أن يخرجَ إلا أن يتأتى بُرهانٌ قاطعٌ {مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف : 50], واستدعى الملكُ النسوة, وفتحَ ملف القضية فيها يُحققُ من جديد {مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ} [يوسف : 51], وأنت تعلمُ أن النكرةَ في سياقِ النفي تُفيدُ العموم {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ} مُطلق سوءٍ لم نعلمه عنه لا في ذاته بمشاهدةٍ ورؤية, ولا بسماعٍ تتناقله الأسماع وتلوكهُ الألسن، حتى إنّ المرأة شهدت ببراءته في مجلس الملك, ثم اعتذرت بعد ذلك تقول {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيََ} [يوسف 51 : 53], الظاهرُ والراجحُ أن السياق هاهُنا لكلامِ المرأة, وإنّها لمحبّة تُريدُ أن تستنفرَ نخوةَ الرجلِ الذي أحبّته, وألقت بجسدها وفتنته معترضةً بين يديه إلى الرجل الذي استعلى عن شهواتها, والذي لم يعبأ بفتنتها وغريزتها المشبوبة بثورةِ جسدها, فهي تقولُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ}, أي: يوسف عليه السلام {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ} فكأنّها آمنت بما كان يدعو إليه.
إذ ما جريمته التي ألقت به في غيابةِ السجن؟
ما هي إلا العفاف, وما هي إلا البُعدُ عن الوقوعِ في الحرام, وما هي إلا الاستعلاءُ فوقَ شهوةِ الجسدِ وثورتهِ, هذا الذي أدى به في المنتهى إلى ذلك السجن بكل ما فيه.
{وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف : 100], انظر إلى قوله عليه السلام: {وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ}؛ ليدُلُّ دلالةً رفيقةً بلمسةٍ عابرة لا شكوى فيها, ولا أنّك تسمعُ من وراءها أنُّهُ كان يُعاني في السجنِ ما يُعاني، والسجنُ شديدٌ لا محالةَ وإن كانَ في قصر مُنيف، وإن كانَ في قصرٍ مشيد {وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف : 100].



رد مع اقتباس