الموضوع: نصيحة للشباب
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 02-12-2009, 12:04 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

وتعلمون حفظكم الله رب العالمين أن خالداً رضوانُ الله عليه - وهو الفارسُ الذي لم يُهزمُ قطُّ, والقائدُ الذي لم يُغْلَبْ أبداً، لا في جاهليّةٍ ولا إسلام - لم يكن أقرأ الأصحابِ, ولم يكن أعلمهم بالفرائض, ولم يكن أثبتَهم في دينِ اللهِ رب العالمين علماً ومعرفةً وإحاطةً بما أتى به الرسول صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ، وإنّما كانَ في مجالِهِ سابقاً, وكانَ حيثُ جعلهَ اللهُ ربُّ العالمينَ رائداً مُستفْرِغاً للجَهْدِ فيما أقامَه اللهُ ربُّ العالمينَ فيه.
وقديماً قال علماؤنا عليهم الرحمه: (إرادتُك التجريد مع إقامةِ اللهِ رب العالمين إيّاك في الأسباب من الشهوة الخفيِّة, وأخذُكُ بالأسبابِ مع إقامةِ الله رب العالمينَ إيّاكَ في التجريد انحطاطٌ عنِ الهِمَّةِ العَليِّة), إنها إشاراتٌ لا يفهمها إلا الحاذقون, ولا يتبَصَّرها إلا المستبصرون.
لا نرى عشيّة هذا الأمر - الذي جعله الله ربُّ العالمينَ مُقبلاً علينا بزمانِهِ - لا نرى إلا وصيةَ نبينا صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاء).

وهذا موسمٌ من مواسِمِ الطاعات قد أذِنَ اللهُ ربُّ العالمينَ وقدَّرَ أن يكونَ ذلكَ بذلك, وأن يكونَ ذلك مع ذلك، فيبدأُ هذا العام الدراسي إن شاء الله رب العالمين في موسِمٍ من مواسِمِ الصيِّامِ الذي هو وِجاءٌ وقطعٌ للشهواتِ بمادتها, وحسمٌ لمادةِ الغريزةِ أن تكونَ مُشتعلةً بالغريزةِ هاهُنا وهُنالك بثورةِ جسدٍ مشبوبٍ بغرائزه لا يُكفُّ عِنانُهُ, ولا يُحكّمُ قيادهُ؛ لأنه قد صرنا في مجتمعٍ مفتوح, وأصبحت اللذاتُ على طرفِ أنامِلِ الأصابِعِ, متى ما أرادَ المرء أن يُحَصِّلَها حصَّلها, لا نرى إلا أنّ الله رب العالمين قد جعلَ لنا في هذا كُلِّه ومن هذا كُلِّهِ مخلصاً ومخرجاً؛ إذْ أذِنَ اللهُ ربُّ العالمين أن يبدأ هذا الموسم بموسِمِ طاعاتٍ, قدَّرَ اللهُ ربُّ العالمينَ فيه للأمّةِ هدايةً ورُشداً, وأخذَ فيه النبيُّ صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ بالصيام جُملةً وتفصيلاً, فقد صحّ عنه صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ: (أنه كانَ يصومُ شعبانً كُلّه), وفي روايةٍ: (يصومُ شعبانَ إلا قليلاً), يستعدُّ بذلك لما هو آت, ويبيّن أنُّهُ يُحبُّ أن يُرفعَ عملُهُ إلى الله ربِّ العالمين وهو صائم في حالةٍ من أشرفِ حالاتِ النَّفسِ, بحسمِ مادة الشهوات, وقطع مادة اللذات, والإقبالِ على الله ربِّ العالمينَ بجمعية الأنفس, وبالقلب كلِّه, وبالروحِ جميعها تهذيباً وتصفيةً؛ من أجلِ أن تعودَ النفس إلى الإنسانِ الحقِّ الذي خلقهُ اللهُ ربُّ العالمين لعبادته في أرضِهِ وإقامةِ دينِهِ وحياطةِ عرضِه، هذا الإنسانُ لا يصلُ إلى هذه الغايةُ إلا بالسيرِ على نهجِ مُحمَّدٍ صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ, وهو - بأبي هو وأمي ونفسي - كانَ يصومُ شعبانَ كُلَّهُ, وفي رواية: (كان يصومُ شعبانَ إلا قليلاً).
يرفعُ اللهُ ربُّ العالمين العمل في النهارِ كما هو معلومٌ عندَ صلاةِ الصُبحِ وعندَ صلاةِ العصر, إذ يتعاقبونَ فيكم ملائكة بالليل والنهار, ويرفعُ الله ربَّ العالمين وينظرُ في الأعمالِ في كُلِّ أسبوعٍ مرتين: في كُلِّ اثنينٍ وخميس, ثمَّ في العامِ مرة: في هذا الشهر - في شهر شعبان -، يقول النبي صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ وقد سُئل - سأله الحِبُّ بنُ الحِبِّ رضوانُ الله عليهما -
: (ما لنا نراكَ تصومُ في هذا الشهر ما لا تصومُ مثلَهُ في غيرِهِ خلا رمضان؟), فقال صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ: (هذا شهرٌ يغفلُ النَّاس عنه بين رجبٍ ورمضان) يعني هذا الشهر - شهر شعبان - يقعُ بين شهر من الأشهرُ الحُرُمِ معلومةٌ قيمتهُ مفروضةٌ حُرمتُهُ, فهذا الشهر يقع بينَ رجب ورمضان الذي أنزل اللهُ ربُّ العالمينَ فيهِ القرآن، ومن أجلِ إنزالِ القرآنِ فيه فَرَضَ اللهُ صومَهُ على أمَةِ نبيِّه صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ, وجعلَ فيه ليلة هي خيرٌ من ألفِ شهر؛ وإذاً فالأمُّةُ والنَّاسُ يعلمونَ قيمتي الشهرين بداءً ومنتهى, وأمّا هذا الشهرُ فلربما ضاع بين هذين الشهرين العظيمين, يقول النبي صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ: (هذا شهرٌ يغفلُ عنه الناس بين رجب ورمضان تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى الله؛ فأنا أُحِبُّ أن يرفع فيه عملي وأنا صائم) صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ.
لا نجدُ لهذه الأمّة ممثلةً في جموعِ شبابها, وفي تلكَ القُطعان الشاردةِ من تلكَ الأجناسِ التي تتحفّزُ فيها الغريزةُ لكي تثورَ ثورانَها, لا نجدُ لهذه القطعان الشاردة عن منهجِ ربِّها خيرًا من كلامِ ربِّنا جلّ وعلا:
{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور : 33], والعفّة شيءٌ سوى الكبتِ, فإنَّ الإنسانَ إذا ما كبَتَ الغريزةَ؛ فإنّ هنالكَ مُدافعةً, كما تُريدُ أن تكبحَ جِماحَ سيارَتِكَ, وقد أقمتها على أقصى سرعاتها, ثم أنت تُعمل لها مع ذلك عظيمَ كابِحاتِها؛ فتظلُّ في صراعٍ دائمٍ ملتهب، وأمّا إذا ما كُفّت كفَّاً رفيقاً, وأمّا إذا ما أُخِذَ بيدها أخذاً شفيقاً؛ فهذه هي العِفَّةُ التي أمرَ بها ربُّنا جلت وقدرته, هي أمرٌ محمودٌ, وليست بثورانِ غريزةٌ مكبوتة متى ما رُفِعَ غِطَاؤها, ومتى ما أفلتت من عِقالِها؛ صارتْ إلى تدميرِ لا تُحمَدُ عُقْبَاهُ, بتلويثِ نفسٍ لا يُمكِنُ أن تعودَ يوماً من الأيّامِ إلى سالفِ عهدها.

يتبع...

رد مع اقتباس