عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-12-2009, 11:35 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




I15 كفي غشا للمسلمين ( 2 )

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد:
فكثيرة هي الآثار التي أنتجتها الجماعات، والولاءات المتعددة للحقول الإسلامية، والحقول الإسلامية تعبير يستحبه العاملون للإسلام والدعاة اليوم فلا حرج ، وهذه أربعة آثار من الآثار السيئة للجماعات والولاءات المتعددة للحقول الإسلامية.

الأول: مراودة الشكوك والرِّيَبُ قلوبَ العامة ، وهم يبصرون بالنزاع الحركي يملأ الساحات العامة ، وتُسَوَّدُ به الصحائف ، ويملأ الأفق صخباً وضجيجاً ، ويحرك السواكن الغافلة عن الشر بحسيس البغضاء والحقد ، ويبعث الرواكد من مطارحها الآمنة بوساوس الحسد والكبر ويفشي سريرته الهادرة بكل دوافع الأنانية والأثرة ، ينظر العوام إلى هذه المعركة ، ثم لا يفهمون مقاصدها ، ولطالما نبش النزاع الحركي جروحاً غائرة ، واصطلت بناره أعراض بريئة ، ومزق بشفرة عداوته أبشاراً طاهرة ، وهذا معلوم في واقع الناس لا يكاد يجهله أحد ، فإن الجماعات تتقرب إلى الله رب العالمين بالشائعات فيشيعون عن المخالف كل نقيصة ويلصقون به كل تُهَمَةٍ , ويجعلون على أم رأسه وذويه وأهله كل ما يمكن أن يوقع على إنسان من جرائم وفحش , لا يتورعون يزعمون إنهم يتقربون بذلك إلى رب العالمين وهيهات .


وأما الثاني من الآثار السلبية :فالانتصار بالحميَّة الحزبية الحركية للحزب أو الجماعة أو الإنسان الذي ينتسب إلى أحدهما أنه من حزبه أو من جماعته حتى وإن كان على خطأ أو على خطيئة ، لا يُهِمُّ ، هو معنا وليس علينا والويل أشد الويل لمن لم يكن من حزبه أو جماعته فإنه لا يجد منه النُّصرة حتى في ساعة العسرة كأنه ليس بمسلم , يلقيه بعيداً ويطرده مزجر الكلب , وينبذه نبذ النواة ولا يلتفت إليه كأنه لا شيء ، ولقد رأينا هذا يجري على ساحة العمل الإسلامي بين كل الجماعات والفرق والتنظيمات لأن لكل جماعة أو فرقة مِنهاجاً وعهداً وبيعة تلزم الفرد الوفاء لكل ما يصله بسبب إلى تلك الجماعة أو إلى تلك الفرقة ، ثم لا يجد في نفسه حرجاً أن يُجَهِّلَ كل من يجاوز حدود جماعته أو فرقته , هو جاهل وإن كان أعلم أهل الأرض هو جاهل ، ثم لا يجد لديه سبباً لنصرته ظالماً أو مظلوماً استجابة لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (
انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) .

والثالث من الآثار السلبية : منح أعداء الله العذر في الطعن في الإسلام العظيم وعليه في عقيدته وأحكامه ، فالعقيدة الواحدة عند كل عقلاء الأرض لا تُفرِّق ، العقيدة الواحدة حتى عند عباد البقر لا تفرق ، وهؤلاء يتفرقون , فلماذا يتفرقون أعلى عقيدة واحدة هم ؟! لا تجد واحداً من أولئك المتحزبين ناحية الذين يسلكون في تلك الجماعات والتنظيمات والفرق عنده اعتقاداً يلقى به الله تبارك وتعالى سالماً بل إن أكبر تلك الجماعات ليس عندها منهج اعتقادي منضبط ، بل ليس عندهم منهج اعتقادي يُدَرَّسُ أصلاً ، وإنما هكذا فليأت من يأت وليكفِّر سواد القوم ولا حرج عليه ، وليكن ساجداً عند قبر طائفاً به ، وليكن مُقْسِماً باللات والعزة ، وليكن في كفة الروافض فلا حرج عليه ، وقد رأيت مفكراً في قامة من ذكر سلطان وهو يسقط في كفة الروافض ، وهم في الوقت الذي كان فيه المؤتمر منعقداً في مصر بعد الحرب في لبنان , وهم تتواتر الأنباء عنهم بذبح أهل السنة وبالمجازر الجماعية ، حتى إن أهل السنة المساكين في العراق يُعَلِّمُون أبنائهم ويتعلمون قواعد التشيُّع حتى إذا تم القتل على الهوية كانوا بمبعد عن القتل عندما يأتون بالتقيَّة الشيعية ، ومعلوم أن الشيعة ما زالوا إلى يوم الناس هذا يُربُّون أطفالهم على هذا النحو ، الشيعة ليسوا هم أهل البيت عباد الله ، يا عباد الله إن أهل البيت أحب إلينا وأعز علينا من أنفسنا التي بين جوارحنا نحبهم ونتقرب إلى الله رب العالمين بحبهم ، وأما هؤلاء فكيف يعلمون الأطفال ؟ يأتون بشاة ويأتون بحمار ، ويأتون بالصغار ، ويُعقدُ الاحتفالُ الجماعي ، ثم يقولون للأطفال مطلقينهم : هذا الحمار هو عمر اضربوه ، ويظل الأطفال يجرون وراء الحمار ( إي عمر , تعال يا عمر ) ويسبون الحمار الذي سماه لهم شياطينهم ( عمر ) ، معلوم أنه لا عُصاب في الكبر إلا بعُصاب في الصغر ، وأن الستة الأعوام الأولى من حياة الإنسان هي التي تتشكل فيها نفسيته ، وهذا إذا ما تربى على ذلك من ذكور وإناث فأي جيل يكون بعد حين ؟ وأما الشاة فيقولون : هذه عائشة اضربوها .
فهذا الولاء على هذا الخنى يسقط فيه من يسقط ممن ينتمي إلى الجماعات وإن كان راجح العقل وإن كان مفكراً سامق الفكر ، ولكنه يزِلُّ هذه الزلة ولا يقوم منها .

وينفس على القرضاوي -عفا الله عنه- أن يئوب إلى الرشد وأن يعود إلى الحق في أمر من الأمور التي تورط فيها حياته ، وهو أمر الشيعة ، فبصره الله رب العالمين -وأسأل الله أن يُحسن لي وله ولكم الختام- ، فبصره الله رب العالمين فقال قولته الحق فنفس عليه هذا الرجل ذلك .


منع المرء من التفكير والنظر يكون بأن تنسلك في جماعة ، أتريد النصيحة الذهبية لكي تكون منغلق الفكر ؟ أدخل نفسك في جماعة وأعطي البيعة ، وحينئذ يصير عقلُك حجراً .

منح أعداء الإسلام العذر في الطعن على الإسلام في عقيدته وأحكامه ، العقيدة الواحدة عند كل عقلاء الأرض لا تفرق بل تجمِّع ، والأحكام والفروع المتفرعة عنها تُلزم بمقتضى هذه العقيدة أهلها العمل بها من غير تردد فيها ولا حرج منها ، فكيف صار أهل العقيدة الواحدة والمنهاج الواحد متفرقين متباغضين متدابرين ، في حين نرى أهل العقائد والنحل الأخرى مجتمعين عليها متآلفين ولو ظاهراً حتى عباد البقر تراهم مجتمعين ظاهراً ، والمختلفون هم أهل العقيدة التي كان ينبغي لو كانت واحدة في قلوبهم وفي منهاجهم وفي حيواتهم أن تكون داعية لهم لإتلافهم وكونهم كما أمر نبيهم -صلى الله عليه وسلم- كالجسد الواحد ، ألا يصلح هذا دليلاً حسياً عند الخصوم برهاناً على أن الإسلام بعقيدته وأحكامه لا يصلح لوحدة الناس جميعاً بدعوى الأحزاب والجماعات الإسلامية فقد عجز عن توحيد صف أتباعه ؟ لما تمزَّقوا وقالوا : نحن الإسلام ، يقول لهم أعدائهم : الإسلام يفرقكم لأنه لو كان فيه خير لجمعكم . فشيئان لا ثالث لهما إما أن تكونوا على الإسلام بزعمكم جميعاً وأنتم على هذا التفرق فهذا الإسلام لا شيء ، وإما أن تكونوا كاذبين وهم كذلك ، ولعل هذا أيضاً كان سبباً في انصراف سواد المسلمين الأعظم عن التمسك بالإسلام الحق الذي أورَثَنَاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما قال : (
تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما ، كتاب الله وسنتي ) إذ كل جماعة وكل حزب تدعي ويدعي أنه وأنها على الحق وحده ووحدها , لأنه وأنها متمسكة ومتمسك بالكتاب والسنة ، ولا يَصدُقُ فيهم إلا قول الشاعر القديم :

وكل يدعي وصلاً بليلى … وليلى لا تُقِرَّ لهم بذاك
رد مع اقتباس