عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 11-10-2009, 05:05 PM
عادل سليمان القطاوي عادل سليمان القطاوي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

المقال الثامن
الحاكمية (3)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه وسلم ..
الأخوة الكرام ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أما بعد :
لي هنا مسألتان :
الأولى : فيما نقلته من كلام الإمام الألباني والشيخ صالح آل الشيخ ..
الثانية : في مفهوم كلمتي " التوحيد " و " الحاكمية " مجموعتان ومنفصلتان ..

فأما الأولى وهي : نص ودلالة كلام الشيخين ..
فقد قال الإمام الألباني بالنص : ( والله عز وجل يأمرنا أن نوحده في عبادته وفي تشريعه )
وقال : ( أن هذاالتوحيد يستلزم إفراد الله عز وجل بالتشريع ، يستلزم ألا يشرع أحد مع الله عز وجلأمرا ما )
وقال : ( هذا النوع من إفراد الله عز وجلبالتشريع هو الذي اصطلح عليه اليوم بعض الكتاب الإسلاميين بتسمية بأن الحاكمية للهعز وجل وحده )
وقال : ( هذا الذي أدخل [ أي من ابتدع شرعا غير شرع الله ]قد شارك الله عز وجل في هذه الخصوصية ولم يوحد الله عز وجل في تشريعه )
وأثنى على الكلمة بأنه كلمة حقة فقال : ( ولذلك فهم حينما دعوا المسلمين وحاضروا وكتبوا دائما وأبدا حول هذه الكلمةالحقة وهي أن الحاكمية لله عز وجل وحده . )

فمنطوق ألفاظه كالتالي :
[ ولاحظ أخي أبا اليسع كي تطبق المثل الذي رددته علي ]
1- قال ( الله أمرنا أن نوحده في عبادته وفي تشريعه ) إذا فقد قرر شيئا اسمه توحيد التشريع .
2- وقال ( هذا النوع من إفراد الله عز وجلبالتشريع ) وقد عده نوعا .
3- وبينه أكثر فقال ( هذا الذي أدخلقد شارك الله عز وجل في هذه الخصوصية ولم يوحد الله عز وجل في تشريعه )
4- وقال عنه ( هو الذي اصطلح عليه اليوم بعض الكتاب الإسلاميين بتسمية بأن الحاكمية للهعز وجل وحده ) وضمير هو يعود على توحيد الله في تشريعه كما هو بين ، وهذا أهم نقل عنه وهو أن توحيد الله في تشريعه اصطلح عليه بعض الكتاب الإسلاميين _ ولعله يقصد سيد قطب رحمه الله _ بأن الحاكمية لله عز وجل ..
ولكن : هل هذا الاصطلاح عند الألباني أسد السنة ، حق أم باطل في نفسه معنى ومبنى ؟ يجيبك في هذا النقل الأخير من كلامه .
5- قال ( ولذلك فهم حينما دعوا المسلمين وحاضروا وكتبوا دائما وأبدا حول هذه الكلمةالحقة وهي أن الحاكمية لله عز وجل وحده )
فبين هنا أنها كلمة حقة أي لا ضير فيها أو منها في مطابقتها اصطلاحا لتوحيد الله في تشريعه ..
فيكون كلام الألباني كمعادلة حسابية لألفاظه كالآتي :
توحيد الله في تشريعه = الحاكمية لله عز وجل = توحيد الحاكمية .
فهل وضح مثل العسل ، بما أوردته ها هنا ؟

أما كلام الشيخ صالح ففي شرح العقيدة الطحاوية 1/12وهو كالآتي :
1- قال ( توحيد الحاكمية داخِلٌ إما في توحيد الربوبية أو في توحيدالإلهية أو فيهما معاً ) فأثبت التسمية ولم ينكرها وجعلها مبتدأ كلامه ، وإنما نوع مكان انضمامها لنوعي التوحيد أو لهما معا .. وهذا واضح جدا ..
ولكن هل هذه الكلمة صحيحة في حد ذاتها عنده أم هي باطلة ؟
استدلاله لها بثلاثة آيات من القرآن تدل على أنها حق وليست باطلا ..
2- قال ( لأنَّ الله عز وجل جعل الحكم إليه سبحانه بقوله { إِن الْحُكْمُ إِلَّالِلَّهِ } وقال عز وجل { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُإِلَى اللَّهِ } ونحو ذلك من الآيات ، وكقوله { فَالْحُكْمُ لِلَّهِالْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } ) فاستدلاله لها بالآيات يثبت شرعيتها كما هو واضح .
3- وأكد عظمتها وأنها من التوحيد فقال ( ولهذا أَدْخَلَ إمام الدعوة مباحث هذا النوع من التوحيد في كتاب التوحيد ، فعَقَدَ عدة أبواب في بيان هذه المسألة العظيمة المهمة )
فأكد على أنها من أنواع التوحيد ، وأنها مسألة عظيمة ، وأن شيخ الإسلام عقد لها عدة أبواب ..
ثم ختم كلامه برأيه فقال ( ولهذا نقول إنَّ إفرادهبالذكر لا يصلح ؛ لدخوله في توحيد الإلهية ، فهو من ضمن مسائله الكثيرة )
وهذا الكلام الأخير بعد إثبات شرعيته من الكتاب الكريم يفهم كالتالي :
أنه لا يرى صلاحية إفراده بالذكر لدخوله ضمنا في توحيد الألوهية ..
ونلاحظ في كلامه أنه نسبه لنفسه اجتهادا فقال ( ولهذا نقول ) وهذا من باب الورع بارك الله في علمه .
كما نلاحظ في كلامه أنه قال ( لا يصلح ) وهي كلمة لا تعني أنها بدعة أو أن قائلها مبتدع ، فعدم الصلاح لا تعني عدم الجواز أو عدم الشرعية .. لماذا ؟
لأنه أثبت وجودها في أول كلامه ثم استدل لها بآيات من القرآن لتأكيدها وقال عنها واصفا إياها بأنها ( مسألة عظيمة ) فلا يظن بالشيخ وهو من هو أن يناقض كلامه أولا كلامه آخرا ، بل لا نظن أنه يرد ما يدل عليه القرآن صراحة ..
حاشاه وكلا ..
وإنما نقول أنه عنى إفراد هذا النوع من التوحيد كنوع رابع أمر لا يصلح ..
وكلامه دلالة ولفظا يؤيد هذا ، فإن السائل كان يسأل عن توحيد الحاكمية كنوع رابع ، فأجابه الشيخ بما نقلناه ..
بل آخر كلامه تحديدا يبين هذا بوضوح وهو قوله ( لدخوله في توحيد الألوهية ) ..

وأرجوا أن أكون قد وضحت لكما المسألة عند الشيخين ..
فإن اختلفتما معي بعد هذا في كلامهما فهذا من اختلاف الأفهام ، وخطأ جلي في المعادلة الحسابية للألفاظ .. ولا ضير عفا الله عني وعنكما .

المسألة الثانية :
وهي الكلام على لفظتي ( التوحيد ) و ( الحاكمية ) جمعا وانفرادا ..
فأقول والله المستعان :
التوحيد معلوم لا خلاف فيه والحمد لله ، ولكن أرجع إلى حل إشكالية مسميات التوحيد وتعداد أنواعه ..
فالذي علمته ودرسته دهرا في كتب أهل السنة :
أن التوحيد في أصله نوعين :
1- توحيد المعرفة والإثبات وهو ينقسم إلى : أ- الربوبية ب- الأسماء والصفات
2- توحيد القصد والطلب وهو توحيد الألوهية ، ويسمى أيضا توحيد العبادة ..
وبعض أهل السنة يزيد توحيد المتابعة .. كما قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية (1/20) :
لكن قد يُقْسَمْ التوحيد عند طائفة من أهل العلم إلى أربعة أقسام ويجعلون الرابع توحيد المتابعة ؛ يعني متابعة النبي ? وهم يقصدون بهذا التقسيم ما دلَّتْ عليه الشهادتان . اهـ
ثم بين حفظه الله أن توحيد المتابعة تابع لتوحيد الألوهية إذ طاعة الرسول من طاعة الله تعالى .. فليراجع مريد الاستزادة الوقوف على نص كلامه كاملا .
وقد ثبت إلى اليوم أن أنواع التوحيد ثلاثة : توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ..
وهذا التوحيد الأخير يندرج تحت أحد النوعين وإنما أفرد بالذكر لما نفت بعض الفرق كثير من الأسماء والصفات ، فأصبح نوعا مستقلا بذاته لتعدد مباحثه ..
وعلى من يسأل : متى كان هذا التقسيم ؟
فالجواب : أنه هذا التقسيم الثلاثي للتوحيد قد نسب إلى الإمام ابن منده في القرن الرابع في كتابه التوحيد ، وبعضهم نسبه إلى الإمام الطبري ، وابن بطة العكبري ، واشتهر على يد شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ..
وبعض أهل البدع يدندن حول هذا التقسيم ، ويتهم السلفيين القدامى والمحدثين ، وهم يتعامون عن الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة في أدلة كل نوع من هذه الأنواع ..
فالأشعرية مثلا يعيبون على أهل السنة تقسيمهم التوحيد إلى هذه الأقسام الثلاثة ..
مع أن الأشعرية يقسمون التوحيد إلى ثلاثة أيضا : توحيد الذات والصفات والأفعال .. فإذا عابوا على أهل السنة أنه حادث مصطلح ، فالعيب يشملهم أيضا إذ إن تقسيمهم حادث مصطلح كذلك ، غير أن أدلة أهل السنة أقوى وأوضح من حيث الدلالة ومن حيث اللفظ المستدل له ..
فلا ضير أن يكون هذا التقسيم اصطلاحي ، وإنما الضير في رده وهو مدلل عليه بالكتاب والسنة ..
ثم أحدث بعض المعاصرين تقسيما رباعيا للتوحيد فزادوا على الأقسام الثلاثة قسما رابعا سموه توحيد الحاكمية ، وأول من أطلقه هكذا فيما أعلم أبو الأعلى المودودي وتبعه عليه سيد قطب وكثير من الكتاب الإسلاميين بعده كما ذكر الإمام الألباني ..
وغير أنه يستدل لهذا النوع بآيات صريحة ما الكتاب العزيز ..
فإن مضمون كلام السلف لا يخالف كلام المتأخرين في الجملة ..
وقد زاد شيخ الإسلام ابن تيمية المحبة كنوع من أنواع التوحيد ..
فقال في مجموع الفتاوى (1/94) : إنما الكلام في محبة تتعلق بالنفوس لغير الله تعالى فهذا لا شك أنه نقص في توحيد المحبة لله وهو دليل على نقص محبة الله تعالى إذ لو كملت محبته لم يحب سواه . اهـ
وابن القيم قال بنوع توحيد المحبة أيضا في نونيته عندما قال :
شرط المحبة أن توافق من تحب ... على محبته بلا عصيان
فإذا دعيت له المحبة مع ... خلافك ما يحب فأنت ذو بهتان
أتحب أعداء الحبيب وتدعي ... حبا له ما ذاك في إمكان
وكذا تعادي جاهدا أحبابه ... إن المحبة يا أخا الشيطان
ليس العبادة غير توحيد المحبة مع خضوع القلب والأركان . اهـ
فلم يلم أحد شيخ الإسلام أو ابن القيم على إفرادهما المحبة بنوع مستقل في التوحيد مع دخولها يقينا في أحد الأنواع الثلاثة .
وكون الحكم أو الحاكمية من التوحيد لا ينكره عاقل فضلا عن سني سلفي ..
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (2/176) : " كثير من الناس يبتغي غيره حكما يتحاكم إليه ويخاصم إليه ويرضى بحكمه ، وهذه المقامات الثلاث هي أركان التوحيد : أن لا يتخذ سواه ربا ولا إلها ، ولا غيره حكما " . الخ

إذا فالتسمية بتوحيد الحاكمية لا مشاحة فيها ، كما أن الصحيح في توحيد الحاكمية أنه مندرج في أقسام التوحيد ، ولا داعي لإفراده بقسم مستقل ..
فالشرك في الحاكمية مندرج في شرك الربوبية لأنه اعتقاد مدبر غير الله ، وهو شرك في الأسماء والصفات لأنه اعتقاد شريك لله في اسمه الحكم وفي صفة الحكم ، وشرك في الألوهية لأنه صرف لعبادة الطاعة والتحاكم إلى شرع الله ..
لكن رأي هؤلاء الذين زادوا هذا القسم لا يقتضي تبديعهم والإفراط في النكير عليهم لأنهم قصدوا معاني حقة ، ثابتة بالقرآن والسنة ، وإن كان فعلهم خطأ ، فخطؤهم خطأ اجتهادي في مصطلحات وتقسيمات لا في مضمون هذه المصطلحات والتقسيمات ..
المهم !! أنه لا خطأ شرعي في التسمية بتوحيد الحاكمية .. وإنما الخطأ إن ثبت أنه خطأ – في جعله نوعا رابعا من أنواع التوحيد ..

وأنقل كلاما قيما ومهما للشيخ الخضير – منقول من الشاملة – حيث قال في الوسيط شرح أول رسالة من مجموعة التوحيد :
وهل يجوز أن نقول أن التوحيد رباعي التقسيم ونضيف توحيد الحاكمية يعنى إفراد الله بالحكم ؟
الاهتمام بتوحيد الحاكمية وإفراده بالذكر لم يوجد إلا في القرون الأخيرة وهو في القرن الثالث عشر الهجري ولم يفرد إفرادا ظاهراً إلا عندما وضعت القوانين الوضعية فجاء من يتكلم به وأن الحكم لله ، وإن كانت بداياته ظهرت في عصر ابن تيمية وابن كثير في ياسق التتار .
نقول هناك من له موقف خاص لمن يتكلم عن توحيد الحاكمية وهو مبنى على انتقاد تيار معين ( تيار الصحوة ) أو بناه على حوادث معينة لم يبنه على أنها مسألة علمية ، وقد صدرت فتاوى بتبديع من أحدث توحيد الحاكمية !!
والصحيح أنه لا بأس بأن نضيف توحيد الحاكمية ، ولا يقال عنه مبتدع ، والتبديع فيه خطأ ، لأن الذين قسموا التوحيد تقسيماً ثنائيا فجاء من قسمة ثلاثياً فإذاً هو مبتدع على هذا القول !
وهناك من أهل العلم من قسم التوحيد تقسيماً خماسياً وأضاف توحيد الإتباع فهل هذا مبتدع أيضاً ؟ والقاعدة أنه لا مشاحة في الاصطلاح إذا كان صحيحاً ، ولو اقتضى الواقع إبراز توحيد معين والاهتمام به وجعله قسماً مستقلاً وإن كان داخلاً في الأقسام قبله فلا مانع وهذا له نظائر كثيرة ، والحاكمية داخلة في توحيد الأسماء والصفات ومبنية على اسم الحكم كما في الحديث ( إن الله هو الحكم واليه الحكم ) ومبني على التصرف وهو من معاني الربوبية أي التصرف في الأمر والنهي ، فأي بدعة في ذلك ؟ وإنما المبدّع إما مجتهد مخطئ ـ وهذا يقال لمن عرف عنه الصدق ـ أو جاهل ضال ، أو مرقّع للحكام المبدلين وبوق لهم .
ونقول أيضا هناك من أهل العلم من جعل شروط لا إله إلا الله سبعة ، وبعضهم اجتهد وجعلها ثمانية فذكر شرط الكفر بالطاغوت ، مع أنه موجود ضمن الشروط السبعة لكن نظرا لأهميته فصله عن شرط المحبة وجعله مستقلا . فهذا عند بعض هؤلاء مبتدعا ؟ . اهـ

وبعد أن انتهينا من موضوع توحيد الحاكمية ..
بقي أن أقول كلمة عن لفظة : أخص خصائص توحيد الألوهية ..
فمما مر .. تبين أن هذه الكلمة تندرج تحت نوع من أنواع التوحيد بصورة ما ..
فإن اعتقد المسلم أن هناك مدبر غير رب العالمين فيندرج هذا في شرك الربوبية المضاد لتوحيد الربوبية ..
وإن اعتقد المسلم أن هناك شريكا لله في اسمه الحكم وصفة الحُكم ، فهذا يندرج في شرك الأسماء والصفات المضاد لتوحيد الأسماء والصفات ..
وإن اعتقد المسلم أنه يجوز صرف العبادة والطاعة والتحاكم إلى غير شرع الله ، فهذا شرك في الألوهية المضاد لتوحيد الألوهية ..
وهذا مما لا خلاف فيه عند أدنى طالب علم متتبع لكلام العلماء في العقيدة السلفية ..
فإذا أريد بتوحيد الحاكمية ، أن يكون الحكم لله فيطاع سبحانه ويوحد في تشريعه فهذا داخل في توحيد الألوهية .. ولا جدال فيه ..
أما لماذا هو أخص خصائص توحيد الألوهية ؟
فالحقيقة أن هذا النوع وهو توحيد الحاكمية عندما اندرج تحت توحيد الألوهية أصبح من أخص خصائصها من جهات عدة ..
أذكر أهمها وأجمعها وأشملها لمقام الاختصار ، وهي :
أن توحيد الألوهية مبني على توحيد الله بأفعال العباد التي أمرهم بها ، فتصرف جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له ، وإفراده تعالى بالعبادة والخضوع والطاعة المطلقة ، وأَن لا يشرك به أَحد كائنا من كان ، ولا يُصْرَف شيء من العبادة لغيره ، كالصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، والنذر ، والذبح ، والدعاء ، والاستعانة ، والاستعاذة ، والتوكُّل ، والخوف ، والرجاء ، والحُبّ ، وغيرها من أَنواع العبادة الظاهرة والباطنة ..
فإذا تقرر ذلك .. وهو مقرر والحمد لله ..
فهذه العبادات الظاهرة والباطنة لم يأت بها الناس بهواهم ولم يستحسنوها فأصبحت دينا لهم يعبدون الله به .. كلا ..
وإنما هذه العبادات ظاهرا وباطنا من أمر الله وحكمه ، ومن أمر رسوله وحكمه ، وإن ما أمر رسول الله مثل ما أمر الله ..
فرجعت هذه العبادات في أصلها إلى حكم من الله لعباده ..
فقد أمر الله وحكم أن نصلي ونحج ونصوم ..
وحكم ألا نحب ولا نبغض إلا فيه ، وحكم أن نتوجه إليه بالدعاء دون من سواه ..
وعلى هذا القياس عموما ..
ويوضحه : أن المسلم يعبد الله بأنواع العبادات كلها على أنها من أمر الله وحكمه ..
ومن أمر رسوله وحكمه ..
لذلك الفقه قائم على سؤال وإجابة اعتيادية وهي :
ما حكم الصلاة ، ما حكم الحج ، ما حكم كذا وكذا من العبادات البدنية والقلبية ..
فيجيب المفتي بحكم الله فيها ويذكر النص من التنزيل أو من السنة النبوية التي هي من شرع الله وأمره ..
فلهذا أصبح توحيد الحاكمية - بمعناه الأشمل والأوسع وليس بمعنى تكفير الحاكم والخلافة – من أخص خصائص توحيد الألوهية .. والله أعلم .

فلا ضير أن نستخدم هذا المصطلح الذي هو صحيح مبنىً ومعنىً من الناحية الشرعية ، ولا يهمنا إن استخدمه التكفيريون والخوارج ..
فليس معنى أنهم يستدلون بآيات من القرآن أن لا نقول بها .. وإنما نقولها ونبين معناها المراد بها ..
وفي ختام هذا المقال أبين حقيقة مهمة ، وهي :
أن الشيخ أبي إسحاق الحويني بين عدة أشياء فيما قاله في هذا الموضوع ، يرى المنصف الباحث عن الحق أنه متفق والعلماء الكرام في هذا الباب ..
وكان أول ما قالها – واتخذت عليه - في موضوع محدد يثبت أنه يعني تحكيم الله في أمورنا كلها ومنها التجارة والمعاملات المالية ..
1- فقال ما نصه : فكم يا ترى للتجار مستشارين من أهل العلم؟ التجار الكبار لهم مستشارون قانونيون ومحاسبون، ويعطونهم رواتب عالية وثابتة، ويعطونهم نسباً أيضاً، وأهلُ العلم استشارتهم مجانية بلا مال، فهل يا ترى لكل تاجر كبير مستشار من العلماء يقول له: هذا حلال وهذا حرام، ويصدر عن فتواه ؟ هذا مِن أدل الأدلة على أننا لا نوحد الله عز وجل توحيد الحاكمية الذي هو من أخص خصائص توحيد الألوهية .
فهو هنا ذكر هذا النوع من التوحيد في مسألة عامة ولم يخصها بالكلام على الحكام وتكفيرهم كما ادعي عليه ..
2- قال ( ولا أقصد بتوحيد الحاكمية الوصول إلى الخلافةالعظمى ، بل أن تجعل الله عز وجل حكما عليك في كل دقيق وجليل ) أي أنه عنى بتوحيد الحاكمية إفراد الله بالحكم عموما ولم يعني الخلافة وتكفير الحكام كما تربص من تربص لكلامه .
3- وقال ( لكن التوحيد كله يرجع إلى الأقسام الثلاثة المعروفة التي اصطلح عليها أهل العلم - ولا مشاحة في الاصطلاح - توحيد الألوهية ، توحيد الربوبية ، توحيد الأسماء والصفات ،، كلأنواع التوحيد ترجع إلى هذه الثلاثة الكبيرة )
فبين هنا أنه يدخله في أنواع التوحيد الثلاثة وخصه بتوحيد الألوهية اتفاقا مع الشيخين .
كما بين أنه لم يجعله نوعا رابعا مستقلا كما ادعى عليه شانئيه .
إذا فاللوم عند من عد توحيد الحاكمية نوعا رابعا على أنواع التوحيد الثلاثة .. والشيخ لم يقل بهذا كما هو واضح ..
ثم ختم كلامه بكلمة جليلة لا يختلف فيها سني سلفي وهي قوله :
4- ( لكنني أردت أن أجلى هذا النوع وهوإفراد الله عز وجل بالحكم " إن الحكم إلا لله " ، أي ما الحكم إلا له تبارك وتعالى . )
وهذا لا خلاف فيه ، وأبين مراده بشيء واضح وهو :
إذا كان البعض يكفر تارك الصلاة كسلا أو تهاونا ، فهل من واجب العلماء والدعاة أن يبينوا هذه المسألة أم لا ؟
إذا فكلام العالم أو الداعية في بيان حقيقة فرضية الصلاة والدعوة إليها لابد قبل أن يبين حكم تارك الصلاة المستحل من غيره ..
وهنا موضوع الحاكمية - وهو مما نتفق عليه كما قال أخي أبي اليسع – يدور الناس معه دورا بين مكفر للحاكم مطلقا ، وبين من يتبع منهج السلف فيه ولا يحكم بخروجه من الإسلام إلا إذا استحل ..
فتجلية هذا النوع واجب شرعي لا يقل عن واجب بيان موضوع تارك الصلاة ..
وتجليته وتوضيحه كأصل ، واجب العلماء والدعاة سواء كان هناك تكفيريين أم لا .. لأنه من صميم العقيدة كما هو معلوم ..
فإذا خرج أناس يكفرون الحكام مطلقا ، ويكفرون المجتمعات ، ويدعون إلى الخروج عليهم لتقع المفاسد والدماء في الأمة ..
فهنا واجب الداعية أولى وآكد .. لا سيما من هو كالشيخ الحويني يغار على الأمة هذه الغيرة التي جبل عليها ، والتي لا ينكرها إلا حاسد للرجل أو حاقد عليه ..
ولا أظنكما تختلفان في هذا إن شاء الله ..
إلا إذا قلتم بأن الرجل ثوري ومهيج .. أو غير هذه العبارات ..
والذي أعرفه عنه : أنه ثوري عندما يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أمهات المؤمنين أو أحد الصحابة أو أحد من علماء السلف ورموز أهل السنة ، أو أن تنتهك محارم الله علنا ولا ينكر منكر فيقوم الشيخ حسبة لله فيبين الحق ويقمع الباطل .. هذا ما عهدناه عنه والله حسيبه ..
ويشهد الله ، أني لم أسمعه يكفر الحكام ويدعوا إلى الخروج عليهم بل يتبرأ من هذا ويؤكد مرارا أنه على مذهب السلف ..
وليس معنى كونه عالم حديث أن يرى المنكر ولا يبين بلسانه ..
فهل يجلس يحكي عن شعبة والشعبي ، ويطيل النفس في تضعيف مجالد بن سعيد ويطول ويشرح – وهو أهل لذلك إن شاء الله - وعندما تأتي البلايا التي تحيط بالأمة من كل جانب صباح مساء يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدرجة الوسطى منه وهي اللسان ؟
كيف يكون هذا بالله عليكم ؟ ألا يشكره العلماء والمشايخ الآخرون الذين يقومون على نشر العلم وشرح المسائل الشرعية بجهودهم المضنية – بارك الله فيهم – على ما يقوم هو به ويعرض نفسه للأذى والابتلاء ؟
ألا نقول كل مأجور على نيته وعمله ، وكليهما من أهل السنة ..

وأخيرا :
الاختلاف لفظي يا إخواني وليس أمرا يهجر ويبدع قائله ..
فالتوحيد من الدين .. والحاكمية من الدين .. والتلفظ بتوحيد الحاكمية ليس خطأ يبدع صاحبه من أجله ..
والله أعلى وأعلم ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

المقال التاسع
الحاكمية (4)
عجبت لك أخي أبا اليسع ..
كنت في مشاركتك السابقة تقول بالنص :
( هناك فرق : عسل ليس كوبَ العسل )
( حاكمية ليس توحيد حاكمية )
( ولا أحد ينفي وجود حاكميّة الله )
( لكنّه ينفيه كتقسيم ) الخ كلامك ..
والآن تقول في هذه المشاركة :
افهم هذه الجملة [ خلافنا ليس في الحاكمية و دخولها في توحيد الله ، لكن خلافنا فيزعم الزّاعم كون هذه الحاكمية هي أخص خصائص التوحيد ] ... الخ كلامك

فلا أدري هل هذا تراجع تحمد عليه ،، أم لف ودوران كما اتهمتني غير مرة ..

وهذا بيان واضح من فتوى الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى
س : سماحة الوالد الآن هناك من يقول إن أقسام التوحيد أربعة ، ويقول إن القسم الرابع هو: " توحيد الحاكمية " ، فهل هذا صحيح ؟
ج : ليست أقسام التوحيد أربعة ، وإنما هي ثلاثة كما قال أهل العلم ، وتوحيد الحاكمية داخل في توحيد العبادة ، فمن توحيد العبادة الحكم بما شرع الله ، والصلاة والصيام والزكاة والحج والحكم بالشرع ، كل هذا داخل في توحيد العبادة . اهـ
المرجع : مجموع فتاوى ابن باز (30/328)
وواضح من كلامه أنه جمعهما معا بقوله أعلاه : ( وتوحيد الحاكمية داخل في توحيد العبادة )
فلا نعيد الكلام مرات ومرات ، ولا تبعة علي في من لا يسمع وإن سمع فلا يفهم .. فهذا شأنه ..
المهم أنتم الآن عدلتم الكفة قليلا ، وأصبحتم تنقمون فقط على كلمة ( أخص خصائص التوحيد )
يعني هل سلمتم الآن بتوحيد الحاكمية كجملة صحيحة المبنى والمعنى ومتفقة شرعا ولا حرج شرعي في قولها ، ولا يبدع قائلها كما قال الشيخ الخضير أعلاه ؟
وقد أرأيتكم أن الشيخ الحويني جعلها من توحيد الألوهية كابن باز والألباني وصالح آل الشيخ وهلم جرا من علمائنا الأحياء منهم والأموات ..
لكني أعتقد أنه بقي منها عندك شيء أبا اليسع ..
وهي – كما صرحت بمعناه - أنها ترد وتلقى ، وتطوى ولا تروى ، لتمسك المبتدعة من الخوارج والتكفيريين بها !!
وعلى هذه القاعدة : نرد ما صح عندنا من أدلة عليها الكتاب والسنة بحجة أن المعتزلة والجهمية والخوارج والقدرية والمرجئة يستدلون بها بمفهومهم لها ..
يعني إذا اشترك أهل السنة والخوارج أو التكفيريين في مصطلح عليه دليل صحيح ويأخذ كل منا دلالته على مذهبه ، فنبطل هذا الدليل أو المصطلح من أجل الاشتراك !!
أين أنت من قول علي : كلمة حق أريد بها باطل ؟
هل رد كلمة الحق أم رد ما أراده المبطلون من الخوارج بها ؟
ولا فرق إن كانت كلمة الحق نصا أو دل عليها النص صراحة ..

وهل رأيتم الشيخ الحويني يستدل بها على تكفير الحكام أم يستدل بها على توحيد حاكمية الله في كل أمور حياتنا ؟ وقد نقلت لكم نص كلامه فلا أعيده ..

بقيت تلك الكلمة الرهيبة عندكم والتي هي ( من أخص خصائص توحيد الألوهية )
وقد تكلمت بما لا يحتاج مزيد بيان في هذه النقطة في المشاركة السابقة ..
ولكن أطرح سؤالاً وهو :
هل تنقم من هذه الكلمة ضمه توحيد الحاكمية إلى توحيد الألوهية ؟
أم جعله إياها من أخص خصائص توحيد الألوهية ؟
إن كان الأول : فقد بينت لك بما نقل أنها تندرج تحت توحيد الألوهية ..
ويكفي كلام الإمام ابن باز أعلاه .. ولن أذكر غيره معه لوضوح المسألة .

وإن كان الثاني ، فأسألك :
هل في سياق الشيخ أراد تحكيم الله في كل أمورنا وأن نجعله حكما في كل جليل وصغير ، أم أراد بها الحكم والحكام والخلافة ووو الخ ؟
ها هو نص كلامه مرة أخرى ليراه من لم يراه أعلاه ، قال :
( ولا أقصد بتوحيد الحاكمية الوصول إلى الخلافةالعظمى ، بل أن تجعل الله عز وجل حكما عليك في كل دقيق وجليل )
فأسألك بالله الذي خلقك : في كلامه أراد أيهما ؟
لإحسان الظن بك ، ستقول الأول لأنه ظاهر كلامه وسياقه بلفظه وليس بمعناه أو ما يؤول إليه ..
إذا : تحكيم الله في كل أمورنا هو أخص خصائص توحيد الألوهية .. لماذا ؟
لأن العبادات شرعت بأمر الله وحكمه .. كل العبادات العملية والقلبية ، صلاة وصيام وحج وزكاة ، والدعاء والاستعانة والاستغاثة والمحبة وووو الخ
هل تنكر أو ينكر مسلم سلفي أن هذه العبادات شرعت بأمر الله وحكمه ..
وأن المسلم مطالب بالبحث عن حكم الله ورسوله فيها ؟
فالعبادات كلها متعلقة بحكم الله ورسوله ، وثبتت بحكم الله ورسوله ..
وراجع آيات الأحكام في كتاب الله تجد تعلق حكم الله بها ظاهر لفظاً ومعنىً ..
وخذ هذه الآية التي فيها بعض أحكام النفقات للمؤمنات .. قال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
فقس على هذا جميع أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية ..
وهل يستطيع مسلم عاقل أن يقول عن عبادة ثابتة أنها ليست حكم الله ..
فلماذا الدندنة على هواء ؟

وكونه بدعة سياسية كما أشار الإمام الألباني رحمه الله ، فعلى من يستخدمها لمآربه التكفيرية والخروج على الحكام ووقوع المفاسد والدماء في الأمة ..
أما من يستخدمها - بحكم منزلته كعالم ومنزلة الكلمة من الدين – كأصل من أصول أهل السنة في التوحيد .. فلا نتربص به الظنون .. ونحسن به الظن إن كان ثمة إحسان عند أهله .
العلماء – بارك الله فيهم - الذين أشرت إليهم أنهم نهوا عنها وبدعوا قائلها ، هل هم معصومون ؟ هل كلامهم يرد به نص الشارع ؟
أو أقول لك : الخضيري وغيره عالم مثلهم وقال لا بدعية فيها .. فرأي من نأخذ ؟
ستأخذ برأي شيوخك لأنهم شيوخك .. أما رأي شيوخ غيرك فالله أعلم هل هم عندكم شيوخ أم لا !!

يا إخواني :
هاتان نصيحتان :
الأولى : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله . وهذه شرعية محضة .
والثانية : كل يؤخذ من قوله ويترك .. والعلماء ليس فيهم معصوم ، والكلام على الناس شديد تبعته .. فاحذورا الفتن ما ظهر منها وما بطن ..
والله المستعان ، وهو حسبي ونعم الوكيل .

ملحوظة لأخي أبي اليسع :
أنا من طبعي عندما أناظر أو أجادل أحدا وأعتقد اعتقادا جازما أنني على الحق ، وأكون مستصحبا أمام عيني أصول الأدلة الشرعية قرآنا وسنة بفهم سلف الأمة وأعتزل كثيرا من آراء العلماء المحدثين عدا الأئمة المتفق على إمامتهم وتقدمهم ، وهم النجوم الثلاثة ( ابن باز والألباني وابن عثيمين ) رحمهم الله ، ولا ألجأ إلا في القليل النادر وفي حالات ضيقة ..
وعليه فأنا أناظر وأطيل النفس بقدر ما أرى الحق معي ، ولا أسأم وأعمل بما قاله زفر بن الهذيل - رحمه الله - : إني لا أناظر أحداً حتى يسكت ، بل أناظره حتى يجن !! قالوا : كيف ذلك ؟ قال : يقول بما لم يقل به أحد ..
وعليه .. فسامحني أخي الكريم .. فقد لا أعود قريبا لانشغالي والله ، فأنا على أهبة الاستعداد للسفر إلى أبو ظبي ومنها إلى الحج ثم مصر إن شاء الله ، ولعلي ألقى أبو نائلة في الإمارات إن قدر الله ذلك ..
شكر الله لك وسدد خطاك ..
رد مع اقتباس