عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 04-07-2012, 01:42 AM
أم كريم أم كريم غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

لماذا لا أدري لكن لماذا؟"

السؤال:

لاأدري لماذا؟
وضعتُ لي أهدافًا، ورسمت الخطط والبرامج، والمقدار اليومي؛ لكني لمأفلح.
يا ليتها كانت مرَّة أو مرَّتين، لكانت دروسًا أتعلَّم منها النجاح؛ لكنالمشكلة حينما تكون عادة.
مرَّت عليَّ الآن أربع سنوات ونصف وأنا أدور في حلْقةمفرغة، كلَّ بداية فصل أضع لي أهدافًا علميَّة وعمليَّة، من علم شرعي بفنونه،وتزكية للنفس بالطاعات وقيام الليل، و..و..و..و ... إلخ، وأهداف اجتماعية، ثم فيالآخر أفشل فيها كلها، وأعود بخفَّي حنين.
يا الله! ما أقسىالحياةَ!
لماذا؟
هل كنت مثاليًّا - كما يقول أحد الإخوة - أم كنتُ عاليَالهمَّة كما اعتقدَ؟... لا أدري.
كان هدفي الأعظم أن أكون على خُطى حبيبي محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأن أكون مثله داعيةً إلى الله، وعالمًا بشريعة ربِّهوعابدًا.
لماذا؟... لا أدري.
لماذا لم أتغير، وأنا هو أنا؟ وأنا الذي أسعىللتَّغيير وأدعو الغير للتغْيير، لماذا؟... لا أدري.
هل أنا أمشي في طريق لايصلح لي مع أني أحبه وأعشقه ومستعد للتَّضحية من أجلِه؟
لماذا؟... لاأدري.
ملِلت وكللتُ وتعبتُ وتعست.
لماذا دائمًا تأتيني خواطر وأفكار تشغلنيعمَّا أنا فيه، وتأخذ عليَّ وقتي؟
لماذا؟... لا أدري.
أكنت مثاليًّا ووضعتُشيئًا فوق قدراتي وإمكاناتي؟... لا أدري
أكنت قليل الإخلاص وعندي حبللشُّهرة؟... لا أدري.
لماذا لم أستفد من أخطائي التي سبق أن مررْتُ بها مع هذاالفشل الذَّريع؟
لماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟
لكن، ألا يكون قدر الله شاء ألا أكونوأنا شئتُ أن أكون؟... لا أدري.
وَعَيْشُ المَرْءِ فِي هَمٍّ وَغَمٍّ بَلاءٌلَيْسَ يُشْبِهُهُ بَلاءُ
أتمنى أن تساعدوني وأن تدلُّوني على طريق الحقِّ فقدبلغت الحلقوم.


الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسولالله، وبعد:
مرحبًا بك ابنَنا عبدَالله

ونسأل الله أن يمنَّ عليْكبالتَّوفيق والسداد في أمورِك كلها.

لك منِّي تحيَّة بالغة على جهودِكالسَّابقة في سبيل الوصول إلى العِلْم الشرعي، فقد أصغَيْتَ إلى وصيَّة السَّادةالعلماء في بذْل الجهد الكبير للتعلُّم، وتوجَّهت بكلِّ همَّتك لذلك - كما ذكرْتَ - قال الحكمي في المنظومة الميميَّة في الوصايا والآدابالعلميَّة:


وَاجْهَدْ بِعَزْمٍ قَوِيٍّ لا انْثِنَاءَ لَهُ لَوْيَعْلَمُ المَرْءُ قَدْرَ العِلْمِ لَمْ يَنَمِ


وقد كان سلفُنا - رحِمهم الله أجمعين - يتفانَون في حفْظِ العلم ونقله، ببذل أوقاتِهم وأموالِهموقوَّتهم، دون أن يضنُّوا من ذلك بشيء، والواجب على طالب العِلْم أن يتحيَّن الفرصويكيِّف نفسَه معها، لا أن يريد تكييف الفرَصِ على حسْب حاله هو، قالأحدهم:

إِذَا كَانَ يُؤْذِيكَ حَرُّ المَصِيفِ وَيُبْسُ الخَرِيفِ وَبَرْدُالشِّتَا
وَيُلْهِيكَ حُسْنُ زَمَانِ الرَّبِيعِ فَأَخْذُكَ لِلْعِلْمِ قُلْلِي: مَتَى؟!

قالَ ابن عبَّاس - رضي الله عنه -: "ذَلَلْتُ طالبًا فعززتمَطْلوبًا".

وقال أيضًا: "ما حَدَّثَني أحَدٌ قَط حَدِيثًا فاستفْهَمته،فلقد كنتُ آتي باب أُبي بن كعب وهو نائم، فأقيل على بابه، ولو علِم بمكاني لأحبَّأن يُوقَظَ لي؛ لمكاني من رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ولكنِّي أكره أنأُملَّه".

وقالَ يونُس بْنُ يزيد: قالَ لي ابن شهاب: "يا يونس، لا تكابرالعِلْم، فإنَّ العلم أودية، فأيَّها أخذتَ فيه، قَطَعَ بِكَ قَبْلَ أنْ تبلغه،ولكن خُذْهُ معَ الأيامِ واللَّيالي، ولا تأخذ العِلْمَ جُمْلَة؛ فإنَّ مَنْ رامَأخْذَهُ جُمْلَة، ذهب عنه جُمْلَة، ولكِنَّ الشَّيء بَعْدَ الشَّيءِ مع اللَّياليوالأيَامِ".

وقام رجلٌ إلى ابن المبارك، فقال: يا أبا عبدالرحمن، في أَيِّشيء أجعل فَضْلَ يومي، في تعلُّمِ القرآن، أو في طلب العلم؟ فقال: "هل تقرأ منالقرآن ما تُقِيمُ به صلاتك؟" قالَ: نعَمْ، قَالَ: "فاجْعَلْهُ في طَلَبِ العلْمِالَّذي يُعْرَفُ بِه القُرْآن".

وعن فَرْقد إمام مسجد البَصْرة قَالَ: دَخَلوا على سُفْيانَ الثَّوري في مَرَضِه الَّذِي مَات فِيه، فَحدَّثه رَجُلٌبِحديثٍ فأعْجَبَه، فضَرَبَ يَدَه إلى تَحْتِ فِرَاشِه، فأخْرَجَ ألْوَاحًا له،فكَتَبَ ذَلِك الحدِيث، فقالوا له: على هذه الحال منك؟ فقال: "إنَّهُ حَسَنٌ، فقَدسَمِعْتُ حَسنًا، وإنْ مِتُّ، فقَدْ كَتَبْتُ حَسنًا".

إبراهيم بن الجرَّاحالتميمي مولاهم - تلميذ أبي يوسف وآخِر مَن روى عنه - قالَ: أتيتُ أبا يوسف أعُوده،فوجدتُه مغمًى عليه، فلمَّا أفاق قالَ لي: يا إبراهيم، أيُّهما أَفْضَلُ في رَمْيالجِمَارِ، أنْ يَرْميَها الرَّجُلُ راجِلاً أو راكبًا؟
فقلت: راكبًا، فقال: أخطأتَ.
قلتُ: ماشيًا، قالَ: أخطأتَ.
قلت: قُلْ فِيها - يَرْضى الله عنك.
قَالَ: أمَّا ما يُوقف عنده للدُّعاء، فالأفضل أن يرميَه راجلاً، وأمَّا ما كانلا يوقَف عنده، فالأفضل أن يرميَه راكبًا.

قالَ أبو حاتم: قالَ لي أبوزُرعة: ما رأيتُ أحْرَصَ على طَلَبِ الحديث منك يا أبا حاتم! فقلت: إنَّ عبدالرحمن - يعني ولده - لحريص، فقال: مَنْ أشبه أباه فما ظَلَمَ.

قَالَ الرَّقام - أحمد بن علي - سألتُ عبدالرحمن عن اتِّفاق كثرة السَّماع له وسؤالاته من أبيه،فقال: ربَّما كان يأكُل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأُ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه،ويدخل البيت في طلَب شيء وأقرأ عليه، قالَ علِي بن إبراهيم: وبلغني أنَّه كانيَسْأَلُ أباه أبا حاتم في مرضِه الذي توُفِّي فيه، عن أشياءَ من عِلْمِ الحديثوغيره، إلى وقت ذهاب لسانه، فكان يُشير إليْه بطرفه: "نَعَمْ" و"لا".

وعنعمر بن حفص الأشقر قالَ: كنَّا مع البخاري بالبَصرة نكتب، ففقدْناه أيَّامًا، ثمَّوجدْناه في بيتٍ وهو عُرْيان، وقد نفِد ما عنده، فجمعنا له الدَّراهم حتَّىاشتريْنا له ثوبًا وكسوْناه.

وهذا يحيى بن معين، كان والدُه على خراج الرَّيفمات، فخلف ليحيى ابنِه ألف ألف درهم، فأنفقه كلَّه على الحديث، حتَّى لم يبقَ لهنعل يلبسه.

ولو نظر النَّاظر إلى حالِهم في طلب العلم، وما بذلوه من غالٍونفيس، وما وقع لهم من صِعَابٍ - لوجد العَجَبَ العُجَاب.

وهذا ابن خِراش - عبدالرحمن بن يوسف بن خِراش الحافظ - يقول: شربت بَوْلي في هذا الشأن - يعني: الحديث - خَمْسَ مَرَّات، قلتُ – أي: الخطيب -: أحْسَبُه فَعَلَ ذَلك في السَّفَرِاضْطِرارًا عند عدم الماء، والله أعلم.

وعن ابن ناصِر قالَ: كان السِّلَفيببغداد كأنَّه شعلةُ نارٍ في التَّحصيل.

وفي ترجمة أبي الوفاء بن عقيلالحنبلي - رحمه الله - أنَّه قَالَ: "إني لأجدُ من حِرْصي على العلم، وأنا فيعَشْرِ الثمانين أشدَّ مما كنت أجدُه وأنا ابنُ عِشرين سنة".

وقالَ ابنعَسَاكِر في ترجمة الفقيه سُلَيْم بن أيوب الرَّازي: حُدِّثتُ عنْه أنَّه كانيُحاسِب نفسَه على الأنفاس، لا يدع وقتًا يمضي عليْه بغير فائدة، إِمَّا ينسخ أويُدَرِّس أو يقرأ، ولقد حدَّثني عنه شيخُنا أبو الفراج الإسفراييني أنَّه نَزَلَيومًا إلى دارِه ورجع، فقال: قد قرأتُ جُزْءًا في طَرِيقي.

وقال: إنَّه كانيُحرِّك شَفَتَيه إلى أن يَقُطَّ القَلَم.

قالَ الإمام ابن القيم: وحدَّثنيشيخُنا - يعني: ابنَ تيمية - قالَ: "ابتدأني مرضٌ، فقال لي الطَّبيب: إنَّ مُطالعتكوكلامَك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أُحاكِمك إلى علمك: أليست النَّفس إذا فرِحت وسُرَّت، قَوِيت الطبيعةُ، فدفعت المرضَ؟ فقال: بلى، فقلتله: فإنَّ نَفْسِي تُسرُّ بالعلم، فتقوى به الطبيعةُ، فأجدُ راحةً، فقال: هذا خارجٌعن علاجنا". اهـ.

قالَ ابن القيم - رحمه الله - وهو يتكلَّم عن عِشْق العلم: وحدَّثني أخو شيخِنا – يعني: أحمد بن تيميَّة - عبدُالرحمن بن تيمية، عن أبيه - عبدالحليم - قالَ: "كان الجَدُّ أبو البركات إذا دخل الخلاء، يقولُ لي: اقرأْ فيهذا الكتاب، وارْفَعْ صَوْتَك حتى أسمع". اهـ.

وإذا أردنا أن نتقصَّى أمثالهذا، لوجدنا منه الكثير، وحسبُك ما حوتْه كتُب التَّراجم للأعْلام الكِبار وما فيهامن نفائس الأخبار والآثار.

فلا تيأَسْ بطول طلبِك للعلم، ولا تحدّه بسنٍّينتهي عنده، فها أنت رأيتَ العُلماء يطلبونه في أحلكِ الأوقات؛ بل وحتَّىالممات.

وهذا الحسن بن زياد قد بدأَ طلَب العِلْم بعد أن تجاوز السبعين، وقدقيل فيه:

وَلَيْسَ لِلْعِلْمِ أَوَانٌ فِي الطَّلَبْ وَابْنُ زِيَادٍ بَعْدَسَبْعِينَ طَلَبْ

واستعِنْ على الحفظ بالإخْلاص، وكثرة التكرار، والمداومةعلى الاطِّلاع والمذاكرة والتَّلخيص، وغير ذلك ممَّا يُعين على الحِفْظ ويسهِّله،فإن أدركْتَ المأمول فبِها ونعمتْ، وإن لم يقدِّر الله لك ذلك، فقدْ نِلْتَ الأجروالثَّواب الذي وعد الله به مَن سعى في سبيل العِلْم.

واللهَ نسألُ أنيوفِّقَك في سبيل طلَب العلم ونشره.
"أريد الزواج وأخشى ألا أقومبحقوقه"



التوقيع

https://www.facebook.com/salwa.NurAl...?ref=bookmarks

رد مع اقتباس