عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 04-07-2012, 01:26 AM
أم كريم أم كريم غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

محتارة في اختيار التخصص

السؤال
:

بعدانقِطاع طويلٍ عنِ الدراسة عُدتُ إليْها الآن، وقدِ اخترتُ مبدئيًّا تخصُّصالتفسيرإلاَّ أنَّ الجميع ينصحُني باختِيار الشَّريعة، وأنا محتارة أُريد أن أخْتارالأوْلى في حقِّي، خصوصًا أنِّي لنْ أتَمكَّن من دِراسة الشَّريعة إلاَّ عن طريقالجامعة، فهل أحوِّل من الآن إليْها أم أظلُّ في تخصُّصي الذياخترْتُه؟

فقطْ أُريد الأوْلى في حقي وأنا في هذه السِّن.

الشِّقالثَّاني منَ الاستِشارة: فقط هل هُناك من العُلماء مَن بدأ في طلَبِ العلم في سنٍّمتأخِّرة وتفوق؟ بوركْتُم.


الجواب
:

الحمد لله، والصَّلاةوالسَّلام على رسولِ الله، وبعد:
فنسألُ الله أن يعلِّمك ما ينفَعُك، وأن ينفعَكبِما علَّمك، وأن يَزيدَك علْمًا.

إنَّ علم الشَّريعة له فروعٌ كثيرة، يَضيقعُمر الطَّالب عن بلوغ نِهايتها؛ نظرًا لتشعُّب طُرُقِها وكثْرة موارِدِها، ولقدكان العُلماء في الماضي يَسْعَون سعيًا حثيثًا للتمكُّن من جَميع علوم الشَّريعةالتي تُبلغهم درجة الاجتِهاد، بِحيث يكونون في جَميعها قريبًا منالسَّواء.

أمَّا في عصْرِنا هذا، فقد كثرت الشَّواغل، وقلَّت منابع العلم،وكثرت الفتن، ممَّا أدَّى إلى عدم تمكُّن الكثير ممَّن يطلُبون العِلْم مِنْ إدْراكفروعِه جميعًا؛ بل لا يتمكَّن أكثَرُهم من بلوغ الغاية في فنٍّ واحد.

ولذلكفإنَّ العلم بعد أن كان مَجموعًا بكامِلِه في صُدُور القُدماء صارَ تَخصُّصاتٍ،بِحيثُ يقال: هذا متخصِّص في التَّفسير، وهذا متخصِّص في الحديث، وهذا متخصِّص فيالفقه، وهكذا.

أمَّا مسألة المفاضلة بين التَّخصُّصين المذكورين، فالأمرُفيه شاقٌّ جدًّا؛ لأنَّ التَّفضيل سيكون بِحسب ميولِك وقُدُراتك، وبِحسب حاجةالنَّاس إلى أحَدِ هذيْن العِلْمين بصورةٍ أكْبر من حاجتِهم للآخر، وبحسب أهمِّيَّةكلٍّ منهما.

أمَّا أهمِّيَّة هذَيْن العِلْمين، فلا غَناءَ للأُمَّة عنْهماجميعًا، فالعِلم ليس فيه صغيرٌ وكبيرٌ من حيثُ الأهمِّيَّةُ، بل كلُّ العلم مهمٌّوكبير من حيثُ إنَّه يُزِيل الجهْل عن النَّاس، وكونه خادمًا لبقاء الشَّريعة، وغيرذلك.

لكنَّنا نفضِّل في هذا الزَّمان تعلُّم الفِقْه؛ نظرًا لحاجة النَّاسالماسَّة إليْه في شتَّى جوانب حياتِهم، ولأنَّ الأعْرافَ والعاداتِ تتغيَّر،والحوادث تزْداد يومًا بعد يوم، ممَّا يُوجِب على الأمَّة الاجتِهاد لإيجاد حلولٍشرعيَّة لها.

ولعلَّ هذا القولَ يؤنسُه حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن يُرِد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين، وإنَّما أنا قاسمٌ واللهيُعْطي، ولن تزال هذه الأمَّة قائمةً على أمر الله لا يضرُّهم مَن خالَفهم حتَّىيأتيَ أمرُ الله))؛ رواه البخاري ومسلم.

قال المناوي في "فيض القدير": "أي: يُفَهِّمه علم الشَّريعة بالفِقْه؛ لأنَّه علم مستنْبَط بالقوانين والأدلَّةوالأقْيِسة والنَّظر الدَّقيق، بِخلاف علم اللُّغة والنَّحو والصَّرف". اهـ.

وقال ابن الجوزي في "كشف المشكل": "الفِقْه: الفَهْم، وأوَّل مراتبالفقيه أن يفهم أصولَ الشَّريعة وموضوعها، فحينئذٍ يتهيَّأ له إلْحاق فرعٍ بأَصْل،وتشبيه شيْءٍ بِشَيْء، فتصحُّ له الفتوى، ثمَّ يرتقِي إلى فهْم المقصود بالعلم،فيصير حينئذٍ من عمَّال الله - تعالى - وذلك الفِقْه النَّافع". اهـ.

وقالالسيوطي في الألفية:
وَكَتْبُهُ وَضَبْطُهُ حَيْثُ اسْتَعَدّْ وَإِنْ يُقَدِّمْقَبْلَهُ الفِقْهَ أَسَدّْ

أي: كتابة الحديث بصورة تخصُّصيَّة تكون عندالتهيُّؤ لها والقدرة عليْها، وتقديم الفِقْه عليْها أولى وأسدُّ.

ومع هذا،فإنَّنا نوصيك بأن تُوازني بين جَميع الأمور لاختيار التخصُّص؛ فعلم الفِقْه يَحتاجإلى همَّة عالية، وذِهْن متيقِّظ، وفراغ يمكن من طول الدراسة، كما يَحتاج إلى دراسةالكثير من العلوم المكمِّلة له، والمعينة عليْه، كالعلم بالأصول (أصول الفقه)،وأصولِ الحديث (المصطلح)، واللُّغة العربية، وفقْه الكتاب، وفقه السنَّة، والفقْهالمذهبي، والفقه المقارن، وأقْوال السَّلف؛ فقد قال بعضُ السلف: "مَن لَم يعرفالخلاف فلن يشمَّ للفِقْه رائحة". اهـ.

أمَّا عن العُلماء الذين طلبواالعِلْمَ كبارًا، فيكفيكِ في هذا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعْلمالأمَّة ومعلم الخلق أجمعين، فقد نزل عليْه العِلْم بالوحْي عند سن الأربعين، ولئنقيل: هو رسول الله، وقد قال الله له: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6]،رُدَّ بأنَّ صاحبيْه أبا بكرٍ وعمر - رضِي الله عنْهما – كذلِك، بل أكثر الصحابةكذلك.

وقد ورد عن بعْضِ مَن نظَم في حقِّ الحسن بن زياد صاحِب أبيحنيفة:
وَلَيْسَ لِلْعِلْمِ أَوَانٌ فِي الطَّلَبْ وَابْنُ زِيَادٍ بَعْدَسَبْعِينَ طَلَبْ

فقد رُوِيَ أنَّه بدأ في طلَب العلم بعد السَّبعين منعمره.

وكان أكابر العُلماء يستمرُّون على حِفْظِهم إلى الموت، ولا يكْتفونبِما حفِظوه في أوَّل عمرِهم.

فهذا أحمدُ بن حنبلٍ كان النَّاس يقولون لهكما في "السير": يا أبا عبدالله، أنتَ قد بلغتَ هذا المبلغ، وأنت إمامُ المسلمين،حتَّى متى مع المحبرة؟ فقال: "معَ المحْبرة إلى المقبرة".

وغير ذلك ممَّاورَدَ في سِيَر العلماء الربَّانيين.

وفَّقكِ الله لما يُحِبُّ ويرْضى، وأخذ بناصيَتِك إلى البر والتقوى.
التوقيع

https://www.facebook.com/salwa.NurAl...?ref=bookmarks

رد مع اقتباس