عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 04-07-2012, 01:17 AM
أم كريم أم كريم غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


لمَ يوجَّه الخطاب الشرعي؟السؤال:

ماالمقصود بحُرمة العَيْن عند الأحناف؟ وكيف يُستنبَط هذا الحُكمُ من الأدلة؟وماكُتب الأصول التي يمكن الرجوع إليها في هذه الجزئية؟ وجزاكم اللهخيرًا.

الجواب
:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
فنسأل الله لكَ العون على ما تبذل في سبيل طلب العلم: اللهم علِّمه ماينفعه، وانفعه بما علَّمته، وزِدْهُ علمًا.

تُطْلق العَيْن في اللغة، ويُرادبها عدةُ معانٍ، وذلك بحسب السياق الذي تَرِد فيه، ومنها: حاسة البصر والرؤية،والجاسوس الذي يُبْعث ليَتجسَّس الخبرَ، ويسمى ذا العَيْنَين، وعَيْنُ الماء،والعَيْنُ التي يخرج منها الماء، واليَنْبُوع الذي يَنْبُع من الأرض ويجري،والذَّهَبُ عامَّةً، والدينار، والمالُ العَتيدُ الحاضر الناضُّ، والنَّقْدُ، وخيارالشيء، وحقيقة الشيء، يقال: جاء بالأَمر من عَيْن صافِيةٍ؛ أَي من فَصِّه وحقيقته،وجاء بالحق بعَيْنه؛ أَي: خالصًا واضحًا.

والعين: ذات الشيء، ونفسه، وشخصه،وأصله، والجمع أعيان، وفي الحديث: ((أَوَّهْ عَيْنُ الربا))؛ أي: ذاتُه ونفسه،ويقال: هو هو عينًا، وهو هو بعينه، وهذه أعيان دراهمك، ودراهمك بأعيانها، ولا يقالفيها: أعين ولا عيون، ويقال: لا أَقبَل إلا درهمي بعينه، وقال الراغب: قال بعضهمالعين إذا استُعمل في ذات الشيء، فيقال: كل مال عين، كاستعمال الرقبة فيالمماليك.

وهذا المعنى الأخير هو المقصود في سؤال السائل، والفقهاء منالحنفية وغيرهم يُطلِقون على ذوات الأشياء وماهيتها: العينَ.

ويقابل العينَبهذا المعنى عند العلماء (العَرَضُ): وهو يطلق على الخارج عن ذات الشيء، المحمولعلى الشيء؛ لاتِّحاده معه في الخارج، وعلى هذا فالناطقُ عَرضٌ بالنسبة إلى الحيوان؛لخروجه عن حقيقته، وصحَّة حمله عليه؛ لوحدتهما في الخارج في مورد الإنسان، والمنافععَرَضٌ بالنسبة للأعيان التي تستوفى منها، وهكذا.

ويُطلِق المَناطِقةُ علىذات الشيء وعينه (الجَوْهَرَ): وهو الذي إذا وُجد في الخارج وجد لا في موضوع؛كالكتاب يوجد في الخارج مستقلاًّ؛ أي قائمًا بنفسه، فوجوده غير وجود الحرارة للماء،أو البياض للورقة؛ فالحرارة موجودة بغيرها، بينما الكتاب موجودبنفسه.

ويقابل الجوهرَ عندهم العرضُ أيضًا، بنفس المعنى الذي ذَكَرناه، وقددَرَج كثيرٌ من الفقهاء والأصوليين على استخدام هذه الألفاظ؛ للدلالة على ماذكرنا.

قال عبدالعزيز البخاري في "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" (3/ 238): "وبين العين والمنافع تفاوتٌ في نفس الوجود؛ لأن العين جوهر يبقى ويقوم به العرض, والمنفعة عَرَض لا يبقى ويقوم بالجوهر، وبين ما يبقى ويقوم به غيره، وبين ما لايبقى ويقوم بغيره - تفاوتٌ فاحش، فلا يمكن إثبات المعادلة بينهما معنًى، كما لايمكن صورةً".اهـ.

وقال الغزالي في "المستصفى" (ص: 23): "وهذه الألفاظ - يعنيالأحكام التكليفية الخمسة - لا شك أنها لا تُطلق على جوهر؛ بل على عَرَض, ولا علىكل عَرَض؛ بل من جملتها على الأفعال فقط، ومن الأفعال على أفعال المكلَّفين، لا علىأفعال البهائم".اهـ.

وقد اختلف الأصوليون في تعلُّق الأحكام بالأعيان، علىثلاثة أقوال:
الأول: ذهب الحنفية في المعتمَد - وهو اختيار شيخ الإسلام ابنتيمية - إلى أن الأحكام تتعلق بالأعيان، وأن الأعيان منشأ الحرمة، وذلك بطريقالحقيقة لا المجاز، كالتحريم والتحليل المضافَيْنِ إلى الفعل، فيوصف المحل أولاًبالحرمة، ثم تَثبُت حرمةُ الفعل بناءً عليه، فيثبت التحريم عامًّا، وهو ما ذهب إليهفخر الإسلام البزدوي، وصدر الشريعة، وغيرُهما، ونسب ابن عابدين هذا القولَ للمذهب،حيث قال في "رد المحتار": "قلتُ: وفيه أن إسناد الحرمة إلى العين حقيقةٌ عندنا، كماتقرَّر في كتب الأصول، على معنى إخراج العين عن محلِّيَّة الفعل، لينتفي الفعلبالأَوْلى".اهـ.

وقال السَّرَخْسِي - رحمه الله - في "أصوله": "وقالوا: امتنعَ ثبوتُ حكم العموم في هذه الصورة معنًى؛ لدلالة محل الكلام، وهو أن الحِلَّوالحرمة لا تكون وصفًا للمَحلِّ، وإنما تكون وصفًا لأفعالنا في المحل حقيقة، فإنمايصير المحل موصوفًا به مجازًا، وهذا غلط فاحش، فإن الحرمة بهذه النصوص ثابتةللأعيان الموصوفة بها حقيقة؛ لأن إضافة الحرمة إلى العين تنصيصٌ على لزومه،وتحقُّقه فيه، فلو جعلنا الحرمةَ صفةً للفعل لم تكن العين حرامًا، ألاَ ترى أن شربَعصير الغير، وأكلَ مال الغير، فعلٌ حرام، ولم يكن ذلك دليلاً على حرمة العين، ولزومهذا الوصف للعين، ولكن عمل هذه النصوص في إخراج هذه المَحالِّ من أن تكون قابلةًللفعل الحلال، وإثبات صفة الحرمة لازمة لأعيانها، فيكون ذلك بمنزلة النسخ، الذي هورفع حكم، وإثبات حكم آخر مكانه، فبهذا الطريق تقوم العين مقامَ الفعل في إثبات صفةالحُرمة والحِلِّ له حقيقة، وهذا إذا تأملتَ في غاية التحقيق".اهـ.

وقال ابنتيمية في "العمدة": "التحريم والتحليل في مثل هذا إنما يُضاف إلى الأعيان، وإذا كانالمراد أفعال المكلَّفين؛ كقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُوَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]، و{أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4]، و{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْغَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1]، و{وَيُحِلُّ لَهُمُالطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، وهذا كثير فيالقرآن والحديث".اهـ.

ففي الحرام لعينه: المحلُّ أصلٌ، والفعل تَبَعٌ؛ بمعنىأن المحل أُخرج أولاً من قَبول الفعل ومُنع، ثم صار الفعل ممنوعًا ومُخرَجًا عنالاعتبار، فحسن نسبة الحرمة، وإضافتها إلى المحل دلالة على أنه غير صالح للفعلشرعًا، حتى كأنه الحرام نفسه، ولا يكون ذلك من إطلاق المحل وإرادة الفعل الحال فيه،بأن يُراد بالميتة أكلُها؛ لما في ذلك من فوات الدلالة على خروج المحل عن صلاحيةالفعل.

ويقابل المحرَّمَ لعينه المحرمُ لغيره، والفرق بينهما: أن المحرَّملعينه (لذاته) تكون العين فيه ليست محلاًّ للفعل؛ كالميتة والخنزير وسائر النجاسات،والمحرَّم لغيره هو ما كان مباحًا في الأصل؛ كالخبز، لكن يَحرُم أكلُه على غيرمالكه، والمحل قابل للأكل في الجملة، بأن يأكله مالكه، بخلاف الأول، فإذا أضيفتْالحرمة فيه إلى المحل، يكون على حذف المضاف، أو على إطلاق المحل علىالحالِّ.

ويُطلِق بعضُ الفقهاء على الأول: محرَّمًا بالأصل، وعلى الثاني: محرمًا بالوصف، ففي المحرم لغيره إذا قيل: هذا الخبز حرام، يكون مجازًا، بإطلاق اسمالمحل على الحالِّ؛ أي أكله حرام، وإذا قيل: الميتة حرام، فمعناه أنها منشأ الحرمة،لا أنه ذكر المحلَّ وقصد به الحالَّ.

هذا تقرير الرأي الأول عند الحنفيةومَن وافقهم.

الثاني: ذهب بعض الحنفية إلى أن تعلُّق الأحكام بالأعيان علىسبيل المجاز لا الحقيقة، ونسب هذا القولَ ابنُ أمير الحاج إلى الأكثر من الحنفية،قال في "التقرير والتحبير" (1/164): "ثم هنا بحث آخر، وهو أن هذا الاستعمال حقيقيأو مجازي، فإن كان ذاك الفعل حرامًا لغيره، وهو ما لا يكون منشأ حرمته عين ذلكالمحل؛ كحرمة أكل مال الغير، فإنها ليست لنفس المال؛ بل لكونه مِلك الغير، فالأكلمنه محرَّم، والمحل قابل له حلالاً، بأن يأكله مالكُه، أو يُؤكِله غيرَه، فهواستعمال مجازي، إما مِن إطلاق اسم المحل على الحال، أو من باب حذف المضاف وإقامةالمضاف إليه مقامه، وإن كان ذاك الفعل حرامًا لعينه، وهو ما يكون منشأ حرمته عينذلك المحل؛ كحرمة أكل الميتة، وشرب الخمر، فالأكثر أنه مجاز أيضًا كالأول، وقالشيخنا المصنف - رحمه الله تعالى -: وينبغي كونه على قولهم مجازًا عقليًّا؛ إذ لميتجوز في لفظ "حُرِّمت"، ولا في لفظ "الخمر".اهـ.

وهذا ما ذهب إليه الجمهورمن الشافعية والمالكية والحنابلة؛ لأن التكليف لا يتعلق بالأعيان، وإنما يتعلقبالأفعال؛ فالأعيان ليست محلاًّ للتكليف، بخلاف الأفعال، فيكون قوله - تعالى -: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] من باب الحذف؛ بقرينة دلالةالعقل: أن الأحكام إنما تتعلق بالأفعال دون الأعيان، والمعنى: حُرِّم عليكم نكاحُأمهاتكم.

قال ابن رشيق المالكي في "لباب المحصول في علم الأصول" (1/248): "ذات المأمور لا يتعلق بها الخطاب، وإنما يتعلق الطلب بالفعل".اهـ.

وقد سبقنقلُ مثلِ هذا عن الغزالي - رحمه الله - كما في "المستصفى".

وقال الزركشي في "البحر المحيط": "تنبيه: [تعلق الأحكام] عُلِم من تعريف الحكم بالتعلُّق بفعلالمكلَّف أن الأحكام لا تتعلق بالأعيان، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - في بابالمُجمَل أن نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}، أنه من باب الحذف؛ بقرينةدلالة العقل أن الأحكام إنما تتعلق بالأفعال دون الأعيان، ولكن هذا ليس متفقًاعليه، فقد ذهب جَمْعٌ من الحنفية إلى أن الحكم يتعلق بالعين كما يتعلق بالفعل،ومعنى حرمة العينِ خروجُها من أن تكون محلاًّ للفعل شرعًا، كما أن حرمة الفعل خروجٌمن الأعيان شرعًا".اهـ.

وقال ابن النجار في "شرح الكوكب المنير": "التحريمإنما يتعلق بفعل المكلف، فإذا أضيف إلى عين من الأعيان، يُقدَّر الفعلُ المقصودمنه، ففي المأكولات: يقدر الأكل، وفي المشروبات: الشرب، وفي الملبوسات: اللبس، وفيالموطوءات: الوطء، فإذا أُطلِق أحدُ هذه الألفاظ سَبَقَ المعنى المراد إلى الفهم منغير توقُّف".اهـ.

الثالث: ذهب بعض الحنفية أيضًا - كما نقله التفتازاني في "التلويح" عن صاحب "الأسرار" وقال: "هو الأقرب" - إلى أن الحل والحرمة معًا، إذاكان لمعنًى في العين أُضيف إليها؛ لأنها نسبة، كما يقال: جرى الميزاب، فيقال: حرمتالميتة; لأن تحريمها لمعنًى فيها, ولا يُقال: حرمت شاة الغير; لأن حرمتها لاحترامالمالك لا لمعنى فيها.

أما إذا كان الحل والحرمة ليسا لمعنًى في العين لميُضف إليها، وإنما يُضاف إلى الفعل.

فتحصَّل في هذه المسألة ثلاثة أقوال،وقد ذكرها التَّفْتازاني برمَّتها في "التلويح على التوضيح"، كما نصَّ عليها غيرُهمفرقةً في مواضع.

والراجح - والله تعالى أعلم - هو قول الجمهور، الذين ذهبواإلى امتناع تعلُّق الأحكام بالأعيان؛ لأن الأعيان ليست محلاًّ للتكليف، بخلافالأفعال؛ ولأن الذين ذهبوا إلى أن الأحكام تتعلَّق بالأعيان، انتهى قولُهم إلى أنالممنوع هو الفعل، فاتَّفق الفريقان على أن العين لا تفعل واجبًا، ولا تترك محرمًا،وإنما يصدر الفعل والترك من المكلَّف، ولا يتحقق الامتثال للأمر إلا بذلك، وأن مجردوجود العين المحرَّمة لا يفيد حكمًا شرعيًّا، فلا يستفاد الحكم الشرعي لها إلا بعدتكليف القادر على الامتثال من المكلفين.

كما أن تعريف الحكم الشرعي عندجمهور الأصوليين هو: خطاب الشارع المتعلِّق بأفعال المكلَّفين، اقتضاءً أو تخييرًاأو وضعًا.

ويمكنك الرجوع - لاستيفاء هذه المسألة بحثًا - إلى المراجعالتالية:
• "
كشف الأسرار، شرح أصول البزدوي"، لعلاء الدين عبدالعزيز بن أحمدالبخاري (730هـ - 1330م).
• "
التلويح على التوضيح"، لسعد الدين مسعود بن عمرالتفتازاني (792هـ).
• "
المستصفى في علم الأصول"، لحجة الإسلام أبي حامد محمد بنمحمد الغزالي الشافعي (505 - 1111م).
• "
حاشية العطار على شرح المحلِّي على جمعالجوامع"؛ لحسن بن محمد بن محمود العطار.
• "
البحر المحيط"، لبدر الدين محمد بنبهادر بن عبدالله الشافعي الزركشي (745هـ - 794هـ).
• "
شرح الكوكب المنير"،
لمحمد بن أحمد بن عبدالعزيز الفتوحي، المعروف بابن النجار الحنبلي (972هـ - 1564م).
التوقيع

https://www.facebook.com/salwa.NurAl...?ref=bookmarks

رد مع اقتباس