عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 10-23-2010, 09:07 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي



الدرس الثامن
تكملة شرح مقدمة الكتاب

.. ولا عند خوفٍ إلا أزاله ، ولا عند كربٍ إلا كشـفه ...

إن ذكر الله يُزيل كل خوف ، ويُذهب كل كرب ، وذلك لما يبعث عليه من اليقين والثقة ، فالقلب الواجف إذا ذُكر الله إطمئن وهَدَأ وسَكَن . قال تعالى { ألا بذكر الله تطمئن القلوب }

ولا عند كرب إلا كشفه لأنه يورث فى القلب الأمل وعدم القنوط ، وهنا علاقة بين الكرب والكشف وكأن الكرب غطاء يُغطى عن صاحبه النفع فيكشفه الله ويرفع عنه هذا الغطاء فيذهب الضر ويجلب النفع .
.. ولا عند همٍ وغمٍ إلا فرَّجـه ...

والهم والغم هو ما يُصيب الإنسان من ألم ، لكن الهم نتيجة ترقب وقوع مصيبة ، والغم عند التلبُس بها أو عند وقوعها . فالهم هو الخوف والألم مما سيأتى ، والغم هو الشدة من شدائد الدهر وهو الضيق وعدم الإهتداء الى المخرج ، والغم هو الحزن أى الألم على ما فات وما هو كائن ، ومنه قوله تعالى { إنما أشكو بثى وحزنى الى الله } يوسف 86 ، وقوله { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } آل عمران 153 ، وقوله { الحمد لله الذى أذهب عنا الحَزَن } فاطر 34 ، وقوله { ولا تحزنوا } آل عمران 139 ،وقوله { ولا تحزن } العنكبوت 33 ، وليس ذلك بنهىٍ عن تحصيل الحزن : فالحزن ليس يحصل بالإختيار ولكن النهى فى الحقيقة إنما هو عن تعاطى ما يُورث الحُزن وإكتسابه ، وأيضاً يجب للإنسان أن يتصور ما عليه جُبلت الدنيا حتى إذا ما بغتته نائبة لم يكترث بها لمعرفته إياها ، ويجب عليه أن يروض نفسه على تحمل صغار النوب حتى يتوصل بها الى تحمل كبارها . ( المفردات للأصفهانى ) .

.. ولا عند ضيـق إلا وسّـعه ...

والضيق هو مايستشعر المرء معه عدم كفاية حاجته سواء فى طعام أو شراب أو مال أو أى شئ آخر ، فهو ليس شئ ثابت بل هو أمر نسبى يتفاوت فيه كل شخص . والضيق ليس له علاقة بالطمع لأن الإنسان لا يرضى بما يكفيه ولا يكون عنده ضيق ولكن ذلك من طمع نفسه فهو الذى يضيق على نفسه ، فهو لا يعترف بنعمة الله وفضله .

.. ولا تعلق به ضعيف إلا أفـاده القـوة ..

وهنا سؤال : هل التعلق بالإسم أم بالمسمى ؟
وهذه قضية بين الأشاعرة وأهل السنة ، والحقيقة أن التعلُق بالإسم والمسمى واحد مادام فى حق الله تعالى وإن كان فى حق غيره ينفصلان ، لأن أسماء الله وصفاته لا تنفك عن الله ويُقصد بها ذات الله وصفاته وأسمائه من حيث الحقيقة .
تجد أن الإنسان الضعيف الذى تقطعت به الأسباب ولكنه إعتمد على الله وتعلق به بقلبه فتجده أقوى فى ظاهره وباطنه ممن يملك الأسباب ولا يتعلق بالله ، فهذه القوة العظيمة مصدرها الإعتصام بالله سبحانه وتعالى ، ومن أبلغ الأمثلة على ذلك قصة يوسف عليه السلام لمّا رماه إخوته فى الجُب كان لا يملك شيئاً حتى قميصه لم يكن معه ، ورغم تقطع أسباب الحياة والنجاة إلا أن قلبه معلق بالله عز وجل فنجّـاه ربه ومكّـنه فى خزائن الأرض فمن بعد المحنة جاءت المنحة ..
.. ولا ذليـل إلا أنـاله العـزة ..
فمن ابتغى العزة من غير الله أذله الله ، فالعزة لا تكون إلا لله وحده من تعلق به أناله العزة ..

.. ولا فقيـراً إلا أصـاره غنيـاً ..

سؤال : ما الفرق بين الغنى وذا المال ؟
الإجابة : صاحب المال : من يملك الأسباب المادية ( مُلك – سلطان – مال - ...إلخ )
والغنى: هو من إستشعر كفايته بالله وإن كان لا يملك شيئاً ، والغنى الأعظم هو العلم لأنه يصحبك فى الآخرة .

.. ولا مستوحـش إلا آنســه ..

والإنسان يستشعر الوحشة إما لأنه وحيد وإما لأنه قليل ، وقد تكون الوحدة فتنة ، لذلك إذا رأيت أنك فى الطريق وحيد وأنه لا سائر معك يؤنس وحشتك وإنك بمفردك أينما حللت : فتذكّر الله وفضل الله فتشعر أن معك أنيس ، فإن فقدت الأُنس بالناس فلا تفقد أُنسك بالله ولا تطلب الأُنس إلا بالله .

.. ولا مغلوب إلا أيّـده ونصـره ..

والمغلوب هو من علا عليه أمره فمُنِعَ من فِعْل ما يُريد ن وأعلم أن الله ينصر من ينصره ، ونُصرة الله لا تكون بالأعمال فقط بقدر ما تكون بالقلوب ، وأعظم نُصرة لله هى إنزال الله المنزلة التى تليق به أى حُسن المعتقد ، فقد يكون إنسان آمراً بالمعروف ناهٍ عن المنكر لكنه ينفِ أسماء الله وصفاته ، فهذا لم ينصر الله ، قال تعالى { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين }

.. ولا مضطـر إلا كشـف ضـره ..

المضطـر : هو الذى ضُيِّق عليه ، وقيل هو الذى يُحمل على أمر يكرهه كأن يفعل منقاداً أو يؤخذ قهراً ، والضر هو ما أضره ، وقيل هو سوء الحال إما فى نفسه لقلة العلم والفضل والعفة ، وإما فى بدنه لعدم جارحة ونقص ، وإما فى حاله ظاهره من قلة مال وجاه ، وقيل ضره ضراً : جلب إليه ضراً ، كشف ضره : أى رفع ما يمنع وصول النفع والنعماء إليه ويمنع جلب الضراء له ..

.. ولا شريد إلا آواه ...

الشريد : هو من لا مأوى له ، واصل التشريد التطريد ، وهذا يجعل العبد متعلق بربه يعلم أن لا مأوى له إلا الله وأن هذا هو كل الخير له .

..فهو الإسم الذى تُكشـف به الكُربات ..

وقد عرفنا أن الكرب كأنه غطاء يمنع عن صاحبه النفع فيُزيله الله ويرفعه فيصل النفع الى العبد .
ومعنى الكشف : رفعك شيئاً عمّأ يواريه ويُغطيه ( قول الليث ) كأن يقال : كشف الثوب عن وجهه أو كشفت الغمة ، قال تعالى { وإن يمسسك الله بضُرٍ فلا كاشف له إلا هو } الأنعام 17 ، وقوله تعالى { فيكشف ما تدعون إليه } الأنعام 41 ، ومثل قوله تعالى { لقد كنت فى غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك } ق 22 ، وقيل : أصله من قامت الحرب على ساق أى ظهرت الشدة لقوله { يوم يُكشف عن ساقٍ } القلم 42 .
الكربات : جمع كُربة ، وهى ما يلم بالعبد مما يكرهه ، وهى الغم الذى يأخذ بالنفس ، وقوله : هو الإسم الذى تُكشف به الكُربات : ذكر الإسم هنا ليس معناه ذكر الإسم مجرد ولكن ذكر الذكر الذى يتعلق بالإسم وما جاء به الشرع فى ذلك ، ولقد جعل الله لكل أمر دعاء ، وما جعله أيضاً من ألفاظ شرعية فيها الخير والبركة والعطاء : فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب [ لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ] رواه البخارى ومسلم .

.. وتُسـتنزل به البركـات ..

النزول فى الأصل هو إنحطاط من عُلُو ، والسين إذا دخلت على الفعل المضارع تفيد القُرب ، وإذا دخلت على الفعل الماضى تفيد الطلب ، فإسم الله يجعل البركة تثبت وتحل فيما ذُكر عليه .
والبركات : جمع بركة ، والبركة : ثبوت الخير الإلهى فى الشئ ، قال تعالى { لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض } الأعراف 96 ، وسُمى بهذا لثبوت الخير فيه ثبوت الماء فى البِركة .
والمبارك ما فيه ذلك الخير قال تعالى { وهذا ذكرٌ مبارك أنزلناه } الأنبياء 50 تنبيهاً على ما يفيض عليه من الخيرات الإلهية ،ولما كان الخير الإلهى يصدر من حيث لا يُحس وعلى وجه لا يُحصى ولا يُحصر قيل لكل ما يُشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة .

.. وتُجاب به الدعـوات ..

من أفضل أبواب التوسل الى الله : التوسل إليه بأسمائه وصفاته مثل أن تقول : اللهم لا إله إلا أنت أسألك يا سميع يا سامعاً لكل شكوى أن تُفرّج كربى وتغفر لى ذنبى .. إلى غير ذلك ..
ألم تر قول النبى لمّا سمع رجلاً يدعو فقال : " لقد دعا باسمه الأعظم الذى إذا دُعى به أجاب "

.. وتُقـال بـه العـثرات ..

الإقـالة : هى الإزالة ، تقول : أقلت عثرته أى أزلت عثرته ، والإقالة هى الرفع وهى الحجب وكلها معانى قريبة ، والعثرات : هى ما يتعثر بها السائر وتعوقه عن المضى فى سيره أو إستكمال مسيرته ، والعثرات جمع عثرة وهى كل ما يعوق أو يحول بين السائر وطريقه ، فالإعاقة تسمى عثرة ، وقيل تعثّـر إذا سقط أو عاقه شيئاً ، والعثرة قد تكون معنوية أو مادية ، فقد لا يستطيع العبد أن يتحدث بفصاحة أو إقناع ، دليل ذلك { وأحلل عقدةً من لسانى يفقهوا قولى } طه 27-28 فهذه عثرة أعاقت موسى عليه السلام من التحدث ، وقد تكون حجر فى الطريق يمنع دون وصولك أو إستكمال طريقك ، وقد تكون العثرة فتنة فى الدين أو مصيبة فى الدنيا – عافانى الله وإياكم من هذا وذاك .

.. وتُسـتدفع بـه السـيئات ..


فإن السيئة كالقطار يريد أن يُهلكك ويدهسك إن وقفت فى طريقه ، وكالحجر الجاثم على صدرك فتحاول أن تدفعه عنك حتى لا يقضى عليك ، والسيئة لا تُدفع إلا بالحسنة ، وقد يُهدى إليك حسنة تكون سبباً فى نجاتك ، فمن الذى دفع عنك السيئة ووفقك الى الحسنة ؟ الله سبحانه وتعالى هو الذى وفقك للحسنة وقَبِلَها منك ودفع بها السيئة عنك ، قال تعالى { أقم الصلاة طرفى النهار وزُلفاً من الليل إن الحسنات يُذهبن السيئات } هود 114
سؤال : ما الفرق بين دفع السيئة ومحو السيئة والمغفرة ؟
[ قال بعض العلماء : إن محو الذنوب والسيئات يُسمى عفو ، والعفو أبلغ من الغفران لأن المغفرة ستر الذنوب والعفو محو وإحسان وذلك من فضل الله ورحمته . وقال الغزالى : العفو قريب من الغفور ولكنه أبلغ منه فإن الغفران يُنبئ عن الستر والعفو يُنبئ عن المحو ، والمحو أبلغ من الستر ]
الإجابة : الدفع أى المزاحمة أو الإنهاء أو الصرف أو الرد ، ودفعه أى نحاه وأزاله بقوة ، هذا لغةً .
والدفع شرعاً : الإتيان بحسنة بحيث تربو فى الميزان أمام السيئة كما فى قولخه تعالى { إدفع بالتى هى أحسن السيئة } المؤمنون 96 ، وأحسن الحسن ذكر الله ، فإن كنت صادق وذكرت الله ليس بلسانك فحسب ولكن بقلبك وجارحتك لدفع الله عنك هذه السيئة .
والدفع هو جبر النقص أو معادلة الميزان وزيادة حتى تربو كفة الحسنات ، فالسيئة موجودة لكن الحسنة زادت عليها وثقل بها الميزان .
المحو: هو الإزالة بحيث لا يبقى أثر وكانك أتيت بورقة بيضاء وخططت بها خطوطاً ثم أتيت بممحاة وأزلت بها الخطوط فلم يبقى لها أثر وعادت الورقة بيضاء ، ويوضح هذا الحديث : " إن الله ليبتلى العبد حتى يمشى على الأرض وما عليه خطيئة " فهذا معناه أن سيئاته قد مُحيت ، وهذا قد يكون بالإبتلاء ، فالبلاء محو للخطايا وذلك مع الصبر.
المغفرة : لغةً : أصلها من غفر والغَفْرُ إلباس ما يصونه عن الدنس ومنه اغْفِر ثوبك فى الوعاء وأصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ ، وقيل : اغفروا هذا الأمر بغفرته أى : استروه بما يجب أن يستر به ( ملحوظة : يُقال للزارع كافر لأنه يستر الحبة ويُغطيها بالتراب فالغَفْر هو الستر والكَفْر ) والغِفارة : خِرقة تستر الخمار أن يمسه دُهن الرأس ، والغفران والمغفرة شرعاً : هو أن يصون الله العبد من أن يمسه العذاب ، قال تعالى { غفرانك ربنا } البقرة 285 ، وقوله تعالى { ومن يغفر الذنوب إلا الله } آل عمران 135 ، والإستغفار : طلب ذلك بالمقال والفِعال قال تعالى { إستغفروا ربكم إنه كان غفّاراً } نوح 10 ،
إذن فالمعصية موجودة وليس لها دافع يستدفعها ، ولم تُمح وزال أثرها ببلاء مثلاً أصاب العبد فى دنياه وصبر لكن هناك أمر ما له عند الله قد يكون توحيد أو إيمان أو موقف ما فيكون هذا سبباً لنيل مغفرة الله سبحانه وتعالى .
فالمغفرة هى وجود ذنب فعله العبد لكن لم يؤثر عليه هذا الذنب لأن الله حجب أثره فأصبحت رحمة الله حامية من أثر هذا الذنب ، فأصل المغفرة من المغفر الذى هو غطاء الرأس الذى يلبسه المقاتل ليحمى رأسه من أذى الحرب ، فكانت المغفرة هى حماية الله للعبد من أثر الذنوب ولكن المعصية أو الذنب نفسه موجود وذلك للحديث فى البخارى : إن الله يكتنف أحد عباده فيقول : أتذكر ذنب كذا يوم كذا ؟ فيقول : نعم يارب ، ويعد عليه ذنوبه فلا يُنكر منها شئ ، ثم يقول الله له : إنى قد غفرتها لك بصيام يوم قائظ شديد الحر ، فيكون ذلك سبباً لمغفرة الله له ، وهذا بالطبع لا يكون إلا للموحدين لأن الله عز وجل لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فالمشرك لا يدخل الجنة ولا يُغفر له وإن صام وصلى ، فلابد من وجود الأصول والثوابت لنيل مغفرة الله عز وجل .
ومن جهة أيهم أفضل : فالمحو هو الأفضل لأن الله لا يُعطيه إلا لأهل محبته ، فالله يبتلى المرء على قدر دينه ، فإن وجد فى دينه صلابة زيد له فى البلاء حتى يمشى على الأرض وليس عليه خطيئة وهؤلاء هم الصابرون الذين يُوفون أُجورهم بغير حساب ، فإذا جاءك البلاء فاعلم أن باباً للجنة قد فُتح لك فلا تُغلقه أنت بعدم الصبر والسخط ولأن الذى قدّر البلاء هو رب العالمين فأصبر لتكون من أهل الجنة .
لكن إعلم .. أن الذى غفر له ذنبه فى الجنة والذى مُحيت يسئاته فى الجنة والمدفوع سيئاته فى الجنة لكن الجنة درجات كما أن النار دركات ..
وأعلم أنك مطالب بأن تدفع وأن تصبر ومطالب بأن تطلب أسباب المغفرة لأنك قد تفعل ما يدفع ولا يدفع ، ويمكن أن تُبتلى فلا تصبر ، فالرجاء أن يمن الله عليك بالمغفرة ،وهذا سر كثرة ذكر المغفرة فى القرآن لأن الجميع يقع تحتها ، أما الدفع والمحو لا يبلغه إلا البعض .
قال العلماء : إن حظ العبد من إسم ربه الغفار أن الله يغفر لذاكره ويستر قبيح أعماله ويغطيها بجميل ظاهره .

.. وتُسـتجلب به الحسـنات ..

فهى المقابل لدفع السيئات ، ولابد أن تعلم أن :
1) لا يهدى الى البر إلا الله
2) لا يُعين على أدائه إلا الله
3) لايقبله منك إلا الله
4) لا يُثبتك عليه الى الممات إلا الله

وهو الإسم الذى قامت به الأرض والسموات ..

نعم ذلك لأنه قيوم السموات والأرض سبحانه وتعالى ، وهنا لما قال الإسم الذى قامت به : ذلك لأن الإسم والمسمى فى حق الله واحد وإن تصور عدم إتحادهم فى شأن غيره ، فالإسم علامة على ذات الله لا يتصور إنفصالهما ولا يُتصور أن يُراد إلا هو ، بينما فى حق المخلوق : من المتصور إنفصالهما فإنك إذا قلت أحمد : هذا إسم عَلَم لكن ليس بالضرورة أن يدل على مُعين بذاته بل من المتصور أن يدل على أكثر من مُعين ، وقد يُتصور إنفصال الإسم كلفظ لغوى ، وقد يكون لا مدلول له كأن تقول على شخص إسمه كريم ولا يكون هذا الإسم له مدلول حقيقى أو يدل على مسماه فقد يكون غير كريم ، وقد يُقال لشخص عبد الله وهو أكفر عباد الله ، لكن فى حق الله سبحانه وتعالى الإسم هو عين المسمى وهو ذات الله ، ولذلك لما نقول ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فلا يُفهم من ذلك أنه ثلاثة – نعوذ بالله من ذلك – لكن كل هذه الأسماء والصفات واحد ، وتعدد الصفات لا يقتضى تعدد الموصوف ولو كانت مئات وألوف الأسماء ، ولما نقول ربوبية وألوهية : ليس معنى ذلك أن هناك رب وهناك إله غيره ، لكن الرب والإله والأسماء والصفات كلها فى حق الله هى الله وحده .
وكذلك لما نقول هو الإسم الذى قامت به الأرض والسموات فلا يعنى هذا أنه الحروف والكلمات لكن قامت بالله جل فى عُـلاه ..

.. وبه أُنـزلت الكـتب ...

الإنزال من أعلى لأسفل ، والإنزال من الله إما إنزال الشئ نفسه كالقرآن ، وإما إنزال أسبابه والهداية إليه كإنزال الحديد واللباس والمطر ، قال تعالى { الله الذى أنزل الكتاب } الشورى 17 ، وقوله { وأنزلنا الحديد } الحديد 25 ، وقوله { وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً } الفرقان 48 .
والكتب جمع كتاب ، والكتاب فى الأصل مصدر ، ثم سمى المكتوب فيه كتاباً
والكتاب إسم للصحيفة مع المكتوب فيه ، قال تعالى { يسألك أهل الكتاب أن تُنزلّل عليهم كتاباً من السماء } النساء 153 ، فإنه يعنى صحيفة فيها كتابة ، والكَتْبُ : ضم أديم الى أديم بالخياطة ، يُقال : كَتَبْتُ السّـقَاء ، وكتبت البَغْلَة : جمعت بين شفريها بحلقة ، وفى التعارف : ضم الحروف بعضها الى بعض بالخط . وقد يُقال ذلك للمضموم بعضها الى بعض باللفظ ، فالأصل فى الكتابة النظم بالخط لكن يُستعار كل واحد للآخر ولهذا سُمى كلام الله ( كتاب ) وإن لم يكتب كتاباً كقوله تعالى { ألـ~ـم~ ذلك الكتاب } البقرة 1-2 ، وقوله تعالى {قال إنى عبد الله أتانىَ الكتاب } مريم 30 ، وسُمى جماعة من الرجال العسكر ( كتيبة ) لأنهم إجتمعوا بعضهم الى بعض ، ولذلك سُمى المكتوب كتاباً لضم الكلمات بعضها الى بعض .

.. وبه أُرسـلت الرسـل ..

الرسل جمع رسول ، ورسل الله تارةً يُراد بها الملائكة وتارةً يُراد بها الأنبياء لقوله تعالى { إنه لقول رسولٍ كريم } الحاقة 40 ، وقوله { إنّا رُسُل ربك لن يصلوا إليك } هود 81 ، وقوله { ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبُشرى } هود 69 .. أما عن الأنبياء قوله تعالى { وما محمد إلا رسول } آل عمران 144 ، وقوله تعالى { يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك } المائدة 67 ..
والرسول هو الذى يُبلّغ من الأعلى الى الأدنى أو يُبلّغ من الند الى الند ..
أما من يُبلّغ من الأدنى الى الأعلى يُسمى شفيعاً أو وسيطاً ..
والرسل أصلها الرِّسْـل : الإنبعاث على التؤدة ، ويُقال ناقة رِسْـلَة سهلة السير ومنه الرسول المنبعث ، وتُصُـوِّر منه الرفق فقيل : على رسلك ، وتارة الإنبعاث وهو الذى اشتق منه الرسول ، والرسول يُقال تارةً للقول المتحمل وتارةً لمتحمل القول والرسالة . والرسول شرعاً هو الذى جاء مُبلّـغاً عن ربه .
سؤال : ما الفرق بين الرسول والنبى ؟
الإجابة : الرسول معه رسالة ، والنبى ليس معه رسالة وإنما يأمر بما كان فىالناس من رسالة ويؤكد ويُبين رسالة من سبقه من الرسل ، وقال البعض : أن النبى والرسول قد يكون مع كلاهما رسالة لكن الرسول أُمر بالبلاغ والنشر والنبى لم يؤمر بالبلاغ والنشر إنما يُبلِّغ من أتاه ولا يخرج ولا ينشر ..

.. وبه شُـرعت الشـرائع ...

به : أى بسم الله
الشرائع : جمع شريعة وشرع ، وشُرعت بمعنى أُقيمت علامات ، والشَّرْع : نَـهْـجْ الطريق الواضح ، يُقال : شَرعتُ له طريقاً ، والشرع مصدر ثم جُعل إسماً للطريق النَّـهج فقيل له : شِرْعٌ وشَـرْع وشَـريعة ، وأستُعير ذلك للطريقة الإلهية ، قال تعالى { شِرعةً ومنهاجاً } المائدة 48 وذلك إشارة الى أمرين :
(1) ما سخر الله تعالى عليه كل إنسان من طريق يتحراه مما يعود الى مصالح العباد وعمارة البلاد { ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذَ بعضهُم بَعضاً سُخرياً } الزخرف 32 .
(2) ما قيل له من الدين وأمره به ليتحراه إختياراً مما تختلف فيه الشرائع وعترضه النسخ { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } الجاثية 18 .. قال ابن عباس : الشَّـرعة ما ورد به القرآن والمنهاج ما ورد به السنة . أ.هـ.
والشرائع هى منارات على الطريق ، ومنها شراع القارب .

وبه قامت الحـدود ..

وليس المقصود بالحدود هنا القِصاص إنما المقصود هو كما فى قوله تعالى { تلك حدود الله فلا تعتدوها } أى الموانع التى تمنع من الوقوع فيما يُغضب الله ، فالحد فى اللغة له معانى كثيرة منها الحد بمعنى القطع أو التعريف أو الحقيقة أو النهاية ... إلخ .

.. وبه شُـرع الجهـاد ..

قال تعالى { إن تنصـروا الله ينصركم } وفى الحديث :" قاتل بإسم الله " وفى رواية " على إسم الله " فمعنى ذلك أن تجعل الجهاد والقتال من أجل رفع إسم الله ونُصرة دينه وليس حمية أو تعصُـب ، إنما الجهاد فى سبيل الله سبحانه وتعالى ..

.. وبه انقسمت الخليقة الى سـعداء وأشـقياء ..

وهى لها عدة معان :
(1) أنه يقصد أنه قدر المقادير وقضى أن من الناس من هو سعيد ومن هو شقى .
(2) أن الناس أمام الإيمان بالله وإعلاء كلمة الله إنقسموا : فمنهم من قدس وعظم وهؤلاء هم السعداء ، ومنهم من إستخفّ وأستهزأ وهؤلاء هم الأشقياء .. فالسعداء هم المؤمنين الذين آمنوا ، والأشقياء هم الذين كفروا . أى إنقسمت الخليقة الى مؤمن موافق للغاية التى خلق الله الخلق لأجلها ، وكافر مخالف للغاية التى خلق الله الخلق لأجلها .أى إنقسمت الى فريقين :
1 - فريق فى الجنة
2 – وفريق فى النار ( قسم خالد فيها - وقسم لا يُخلـد فيها )

.. وبه حـقت الحـاقة ووقعت الواقعـة ...

حقت : أى ثبتت ووجبت وصدقت وصحت وتيقنت . والحاقة : النازلة أو الداهية ، وتُطلق على يوم القيامة ، والمعنى أيضاً : الشئ الثابت حقيقةً ويقيناً ..
ووقعت : أى أمر واقع أو حصلت ، وقيل ثبتت .
الواقعة : هى النازلة من صروف الدهر ، وهى إسم من أسماء يوم القيامة ، وهى الصدمة بعد الصدمة .. فهى من أسماء الساعة والساعة بإذن الله وحده لا يعلمها إلا هو .

.. وبها وضعت الموازين القسـط ونُصب الصـراط ...

فلله وحده نصـب الموازين ومحاسبة الخلائق ، والموازين القسط هى أضبط الموازين وأقومها ، ويُطلق عليها أيضاً : القسطاس . والقسط هو العدل .
والصراط : هو المعبر الذى يكون بين ضفتين ، فالصراط هو جسر جهنم الذى يمر عليه كل الناس يوم القيامة حتى الأنبياء ، وكلٌ منهم على حسب إمتثاله للأمر وإجتنابه للنهى ، وكلٌ حسب تحقيقه للغاية الت خلقهم الله لأجلها : من إستقام على صراط الله الذى هو دين الحق فى الدنيا إستقام على هذا الصراط فى الآخرة ، فمنهم من يمر كالرياح المرسلة ، ومنهم من يمر كأنقضاض الكواكب ، ومنهم من يمر كالطرف ، ومنهم من يمر كالبرق أو أسرع ما يكون ، ومنهم من يمر متباطئاً بحسب تباطئه فى الدنيا ، ومنهم من يرمل رملاً ، ويمر المُقِـل فى العمل الصالح تخـر يـدٌ وتعلق يـد وتُصيب جوانبه النار فيخلصـون ( فيخلصون : إذا خلصوا قالوا : الحمد لله الذى نجّانا منكِ بعد أن أراناكِ ، لقد أعطانا الله ما لم يُعطِ أحد )
والصراط فى الدنيا هو الطريق ، وهو شرائع الله وحدوده وأوامره ونواهيه التى قضى بها سبحانه { وأن هذا صراطى مستقيماً } والصراط يكون بعد الحساب ، وهو عام لجميع الناس ، والمرور على الصراط هو الورود المذكور فى قوله تعالى { وإن منكم إلا واردها } مريم 71 . [ لا ينجو منه أحد ، وأشار النبى صلى الله عليه وسلم الى أن ورود النار لا يستلزم دخولها ، فالجميع يمرون فوق جهنم فوق الصراط ، ويُنجّـى الله المؤمنين ويذر الظالمين فيها جثياً ، وذلك فى الحديث الذى أخرجه مسلم (صحيح مسلم بشرح النووى ج 16 ص57)]

.. وقام سـوق الجـنة والنـار ..

فكل ما قدمته تستلمه ، من قدم ثمن الجنة يستلم بضاعته منها ، ومن قدم ثمن النار يستلم نصيبه منها { ذلك بما قدمت يداك }

.. وبه عُـبِـدَ رب العالمين وحُـمِـد ..

فنحن لا نعبد الله إلا بما علّمنا الله وبما شرّعه الله وبالله .
وحُمِد : فالله هو الحميد لنفسه أزلاً وبحمد عباده له أبداً ، فهو الذى علّمنا أن نحمده ، وهو المستحق لأن نحمده. وهنا ذكر الحمد بعد العبادة من باب عطف الخاص على العام لإبرازه لأهميته ، فالعبادة داخل فيها الحمد بلا شك ولكنه ذكره بعد العبادة رغم أنه داخلاً فيها لبيان أهميته وعظمته ..

.. وبحقه بُعثت الرسـل ..

بحق الله سبحانه وتعالى بُعثت الرسل ، فالرسل جاءت لتُقيم حق الله ، ولأن هذا هو حق الله الذى يستحقه ، وعن مُعاذ بن جبل قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم : يا مُعاذ أتدرى ما حق الله على العباد ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئاً .. الحديث ، وهو فى البخارى .

.. وعنه السـؤال فى القـبر ..

جاء فى حديث البراء فى المسند وغيره وفيه :" إن العبد أول ما يُسئل فى قبره : من ربك .. الحديث ( أخرجه أبو داود 3212 وابن ماجه 1548 ) فهن هذا الإسم ( الله ) سيُسأل كل عبد كما جاء فى حديث فتنة القبر عند البخارى .

.. وبه الخصـام ..

فما كان بالله فهو الحق ، وما دون ذلك فهو الباطل .
.. وإليه المحاكمة ..

أى طلب الفصل فى الخصومات وإعطاء كل ذى حقٍ حقه .
.. وفيه الموالاة والمُعاداة ..

فنوالى المؤمنين فى الله ، ونُعادى الكافرين فى الله .
.. وبه سعد من عرفه وقام بحقه ، وبه شقى من جهله وترك حقه ...


فمن عرف الله وعرف أنه المُنعم المُستحق للعبادة وأنه لا إله غيره الذى يُفزع إليه فى النوائب ويُستعان به ويُستغاث به ، وأنه ذو الفضل العظيم الرحمن الرحيم الملك القدوس العزيز الجبار .. إذا عرف هذا كله لابد أن يحبه ، وإذا أحبه لابد أن يقوم بحقه ، وإذا قام بحقه سعد بلاشك بالله وبعطاءه ، ومن جهله وجحد نعمائه ولم يقم بحقه فهذا شقى لم يذوق أحلى مافى الدنيا وهو الإيمان { فمن تبع هُداى فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى } طه 123 ، فهـو سر الخلق والأمـر .. الله سبحانه وتعالى له وحده الخلق وله وحده الأمر ، له وحده الإيجاد وله وحده التشريع الأمر والنهى { أيحسبُ الإنسان أن يُترك سُـدى } ، { وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مُخلصين له الدين } .

.. وبه قاما وثبـتا وإليـه إنتهيـا ..

فالخلق به وإليه ولأجله ، فما وجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئاً منه منتهياً إليه .. فالله سبحانه وتعالى هو الأول والآخر وهو الذى يحتاج إليه غيره ولا يحتاج هو الى شئ ، وهو المستغنى بنفسه ولا يستغنى غيره عنه . والأول أولية لا يُحيط بها العقل ولا يُدركها الذهن ، وقال صلى الله عليه وسلم :" اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ وأنت الآخر فليس بعدك شئ " رواه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة – فهو الأول بلا إبتداء والآخر بلا إنتهاء ، وإذا ما حاولت بعقلك إدراك حقيقة أوليته عجزتَ ، وإذا حاولت أن تحيط بكنهه تحيرت فكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك . وما من موجود إلا وله موجد يوجده ، وكل ما فى الكون موجود وموجده الله جل وعلا ، وسوف تفنى الخلائق جميعاً ويبقى الله وحده يُخاطب من لا يملك الرد على تساؤله : لمن المُلك اليوم ؟ فيرد سبحانه على نفسه بنفسه قائلاً : لله الواحد القهّـار " ..
.. وذلك موجبه ومقتضاه { ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار }.. آل عمران 191
إن الله سبحانه لم يخلق هذا باطلاً لأنه حكيم ومُنزّه عن كل عيبٍ ونقص ، فهو خلقه بحق وابتداءه حق ، وحتى ينتهى الى الله عز وجل فيُحاسب الخلائق فهناك جنة ونار وثواب وعقاب ، فإن المرجع إليه ، ولذلك فى الآية إعجاز عظيم فالمقتضى العقلى يقول : ربنا ما خلقت هذا باطلاً فأهدنا الى الحق ، ولكنه سبحانه قال :{ ربنا ما خلقت هذا باطلاً فقنا عذاب النار } . فلماذا ؟ لأنه طالما أنه لم يخلق هذا بالباطل وإنما بالحق فلابد من رجوع الخلائق إليه ليُحاسبهم ، فطلبهم الوقاية من النار هو طلب القيام على الحق وطلب الطاعة وترك المعاصى وطلب الخاتمة الحسنة وطلب الحشر على الخير ... إلخ ، فهذا الطلب له سوابق وهى أن هذا هو الحق ولذلك طلبوا ذلك ..


الواجب
ماهو الصراط ..؟وما احوال المارين به..؟