عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 06-07-2008, 01:06 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

.poem {font-size:14pt;font-family:'Simplified Arabic';color:rgb(0, 0, 0);}

كلام للشيخ أبو بصير الطرطوسي في الكفر بالطاغوت

من كتاب {شروط لا إلاه إلا الله}

قال الشيخ

من شروط صحة التوحيد الكفر بالطاغوت، إذ لا إيمان إلا بعد الكفر بالطاغوت ظاهراً وباطناً، وإليك الدليل على صحة هذا الشرط:

قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم} البقرة: 256. والعروة الوثقى هنا كما نص على ذلك أهل العلم والتفسير هي: شهادة أن لا إله إلا الله؛ أي من أتى بالكفر بالطاغوت ثم أتبعه إيماناً بالله تعالى فهو الـذي يكون قد استمسك بالعروة الوثقى " لا إله إلا الله ".

أما من لم يكفر بالطاغوت وإن آمن بالله تعالى لا يكون قد استمسك بالعروة الوثقى، ولا ممن وفوها حقها وشروطها.

قال ابن كثير في التفسير: أي من خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يُعبد من دون الله، ووحد الله فعبده وحده وشهد أن لا إله إلا هو {فقد استمسك بالعروة الوثقى} أي فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم.. فقد استمسك من الدين بأقوى سبب، وشُبه بالعروة الوثقى التي لا تنفصم في نفسها محكمة مبرمة قوية، وربطها قوي شديد.

قال مجاهد: العروة الوثقى يعني الإيمان.

وقال سعيد بن جبير والضحاك: يعني لا إله إلا الله.. اهـ. ولا تنافي بين هذه الأقوال ولله الحمد.

وقال القرطبي في التفسير: قوله تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله} جزم بالشرط.. وقوله تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} جواب الشرط.. اهـ.

وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} النحل: 36. فهذه هي مهمة الأنبياء والرسل على مدار الزمن، ومهمة وغاية كل من سار على نهجهم وطريقهم من الدعاة إلى الله تعالى.

وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قال لا إلـه إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ".

فقوله صلى الله عليه وسلم: " وكفر بما يُعبد من دون الله " هو الكفر بالطاغوت..

فإن قيل: شهادة لا إله إلا الله يتضمن شطرها الأول المتضمن للنفي " لا إله.." جانب الكفر بالطاغوت، فعلام خص ثانية بالذكر كما ورد في الحديث الآنف الذكر؟

أقول: ذلك لتوكيد الأمر وبيان أهميته، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: فقوله " وكفر بما يعبد من دون الله تأكيد للنفي، فلا يكون معصوم الدم والمال إلا بذلك، فلو شك أو تردد لم يعصم دمه وماله.. واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمناً إلا بالكفر بالطاغوت، والدليل قوله تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} [14].

وكونه غير معصوم المال والدم لهو دليل صريح على عدم إيمان من لم يكفر بالطاغوت وإن كان يقول لا إله إلا الله، ويكرر ذكرها على لسانه على مدار الساعة، فهو في ذلك مثله مثل من يقول بالشيء وضده في آنٍ معاً، يقول لا إله إلا الله وفي نفس الوقت يعبد آلهة أخرى مع أو من دون الله تعالى.

وقد تقدم أن الإيمان والكفر، والتوحيد والشرك لا يمكن أن يجتمعان في قلب امرئٍ واحد كما ورد في الحديث: " لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئٍ " وقد تقدم.

فإن قيل علام قُدم جانب النفي على جانب الإثبات في شهادة التوحيد وغيرها من النصوص التي تفسر شهادة التوحيد، وما الحكمة من ذلك؟

أقول: هذا التقديم لجانب النفي على جانب الإثبات في شهادة التوحيد وغيرها من النصوص التي تناولت تفسير الشهادة له فوائد وحكم عديدة هامة ومرادة لذاتها شرعاً:

منها: أن من لا يأتي بهذا التقديم ويُراعه في نفسه ودينه يلزمه أن يأتي بالشرك والتوحيد معاً، يأتي بعبادة الطاغوت وعبادة الله تعالى في آنٍ واحد.. وهذا دين أهل الشرك الذين جمعوا بين عبادة الله تعالى وبين عبادة الطاغوت.. فهم آمنوا بالله وهم مشركون، كما قال تعالى عنهم: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} يوسف: 160.

ومنها: أن عدم مراعاة هذا التقديم من لوازمه - ولا بد - حبوط العبادة وجميع الطاعات التي يقدمها المرء لله تعالى؛ فهو إذ دخل في عبادة الله تعالى دخل في العبادة والطاعة قبل أن يتبرأ من الشرك وعبادة الطاغوت وينخلع منه.. وقد تقدم أن الشرك يحبط العمل كلياً، ويحرم صاحبه من الانتفاع به، وهو كالسد المنيع الذي يحيل بين العمل وقبوله وصعوده إلى السماء!

وعليه من دخل في عبادة الصلاة أو الصوم أو الحج أو الزكاة أو غيرها من العبادات قبل أن يأتي بالكفر بالطاغوت والبراء منه ومن عبادته وحزبه.. لا تنفعه عبادته تلك في شيء، ولا تُقبل منه، وهو نصَب يرتد عليه بالخسران والندم ولات حين مندم.

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: فمن عبد الله ليلاً ونهاراً، ثم دعا نبياً أو ولياً عند قبره، فقد اتخذ إلهين اثنين ولم يشهد أن لا إله إلا الله؛ لأن الإله هو المدعو، كما يفعل المشركون عند قبر الزبير أو عبد القادر أو غيرهم..

ومن ذبح لله ألف ضحيةٍ ثم ذبح لنبي أو غيره فقد جعل إلهين اثنين: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له} [15].

معنى الطاغوت :

بعد أن عرفنا الدليل على صحة شرط الكفر بالطاغوت كشرط لصحة الإيمان، لا بد أن نعرف معنى الطاغوت لنعرف من يدخل فيه ومن لا يدخل، وأن نعرف كذلك صفة الكفر بالطاغوت لنعرف صفة الكافر بالطاغوت من غيره.

فأقول في معنى الطاغوت: هو كل ما عبد من دون الله ولو في وجه من أوجه العبادة، وهو راضٍ بذلك [16].

فمن عُبد من دون الله من جهة الركوع والسجود، وصرف النُّسك.. فهو طاغوت..
ومن عُبد من دون الله من جهة الدعاء والطلب.. فهو طاغوت..
ومن عُبد من دون الله من جهة الخوف والرجاء.. فهو طاغوت..
ومن عُبد من دون الله من جهة الطاعة والتحاكم.. فهو طاغوت..
ومن عُبد من دون الله من جهة المحبة، والولاء والبراء.. فهو طاغوت.

فكل مطاعٍ لذاته - من دون الله تعالى - فهو طاغوت.. ويدخل في ذلك حكام الكفر والجور، والأحبار والرهبان، والشيوخ، ورؤساء الأحزاب والجماعات وغيرهم.. والمطيع لهم لذواتهم عابد للطاغوت من دون الله علم بذلك أم لم يعلم!

وكل محبوب لذاته - من دون الله تعالى - فهو طاغوت.. والمحبوب لذاته هو الذي يُعقد الولاء والبراء فيه ولذاته - وليس في الله ولذاته عز وجل - بغض النظر عن موافقته أو متابعته للحق أو الباطل!

كثير هم الذين يحسبون أنفسهم على شيءٍ وأنهم أحرار - يعيشون في زمن العالم الحر! - وهم في حقيقة أمرهم عبيد للطواغيت.. عبيد لعبيد هم أحط منهم قدراً وشأنا!

قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 28/200: فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارهاً لذلك طاغوت، ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال: " ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت "، والمطاع في معصية الله، والمطاع في التباع غير الهدى ودين الحق سواء كان مقبولاً خبره المخالف لكتاب الله أو مطاعاً أمره المخالف لأمر الله هو طاغوت، ولهذا سُمي من تحوكم إليه ممن حاكم بغير كتاب الله طاغوت، وسمى الله فرعون وعاداً طغاة اهـ.

وقال ابن القيم رحمه الله: الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعوه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته اهـ.

قلت: إذا كان هذا حال الناس في زمن ابن القيم رحمه الله فكيف الحال في زماننا وقد تكاثرت الطواغيت واستشرفت وتنوعت.. وقد دلت السنة أن ما من عام إلا والذي بعده أشر منه، نسأل الله تعالى السلامة وحسن الختام؟!

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: الطاغوت عام في كل ما عُبد من دون الله - ورضي بالعبادة - من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله فهو طاغوت اهـ.

وقال سيد رحمه الله في الظلال عند تفسيره لقوله تعالى {وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت}: إن الطاغوت هو كل سلطان لا يستمد من سلطان الله، وكل حكم لا يقوم على شريعة الله، وكل عدوان يتجاوز الحق، والعدوان على سلطان الله وألوهيته وحاكميته هو أشنع العدوان وأشده طغياناً، وأدخله في معنى الطاغوت لفظاً ومعنى..

وأهل الكتاب لم يعبدوا الأحبار والرهبان، ولكن اتبعوا شرعهم وتركوا شريعة الله، فسماهم الله عباداً لهم وسماهم مشركين. فهم عبدوا الطاغوت أي السلطة الطاغية المتجاوزة لحقها، وهم لم يعبدوها بمعنى السجود والركوع، ولكنهم عبدوها بمعنى الاتباع والطاعة، وهي عبادة تُخرج صاحبها من عبادة الله ومن دين الله اهـ.

فاحذر يا عبد الله أن تكون من عبدة الطاغوت، ومن أنصاره وجنده - وأنت تدري أو لا تدري - فيحبط عملك، وتبوء بإثمك، فتخسر دنياك وآخرتك!

صفة الكفر بالطاغوت :

بعد أن عرفنا الطاغوت وما يدخل في معناه وحكمه، لا بد أن نعرف صفة الكفر بالطاغوت، وكيف يكون الكفر به.. ليعلم كل واحدٍ منا هل هو ممن يكفرون بالطاغوت حقيقةً، أم أنه يكفر بالطاغوت زعماً باللسان فقط!

أقول: الكفر بالطاغوت ليس بالتمني ولا بزعم اللسان من غير برهان أو عمل.. وصفته أن يُكفر به اعتقاداً وباطناً، وقولاً وعملاً.

1) صفة الكفر الاعتقادي بالطاغوت: أن يُضمر له العداوة والبغضاء والكره في القلب، ويعتقد كفره وكفر من يدخل في عبادته من دون الله تعالى.

وهذا الحد من الكفر بالطاغوت لا يُعذر أحد بتركه لأنه أمر مقدور عليه يستطيع كل امرئٍ أن يأتي به من دون أدنى ضرر أو حرج، لا سلطان لبشر يمكنه من الحيلولة بينه وبين اعتقاده هذا، وبالتالي لا يُعذر أحد بالإكراه فيما يضمر أو يعتقد لو اعتقد أو أضمر الكفر والرضى بالطاغوت، لأن الإكراه سلطانه على الجوارح الظاهرة لا الجوارح الباطنة.

فهو أمر لا بد منه لأن خلافه يقتضي الرضى بالكفر.. الرضى القلبي بالطاغوت وإجرامه وكفره.. والرضى بالكفر كفر بلا خلاف.

2) صفة الكفر القولي بالطاغوت: يكون ذلك بإظهار كفره وتكفيره باللسان، وإظهار البراءة منه ومن دينه وأتباعه وعبيده، وبيان ما هم عليه من باطل وشعوذة وكفر.

كما قال تعالى: {قل يا أيها الكافرون..} حيث لا بد من مواجهتهم بهـذه الكلمة الساطعة والواضحة الدلالة والمعاني من غير التواء أو تلجلج أو ضعف التي تصف حقيقة حالهم وما هم عليه: يا أيها الكافرون.. يا أيهـا المشركون المجرمون !

وقال تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} الممتحنة: 4.

فإبراهيم عليه السلام ومن آمن معه من المؤمنين أسوة حسنة لنا، في ماذا؟ في قولهم للمشركين ولطواغيتهم الذين يعبدونهم من دون الله: إنا برآء منكم ومن دينكم، ومن طواغيتكم.. كفرنا بكم وبما تعبدون من دون الله!

قد بدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً.. وهو تعبير يفيد غاية الظهور والوضوح والإستعلان.. فهي عداوة مستمرة أبداً - عداوة وبغضاء الجوارح الظاهرة والباطنة - التي لا يمكن أن تهدأ، أو يخفت نارها إلا بشرط واحد: هو أن تنخلعوا كلياً من عبادة الطواغيت وتدخلوا في سلم العبودية لله تعالى وحده.

وقال تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون. إلا الذي فطرني فإنه سيهدين} الزخرف: 26-27.

هذه ملة إبراهيم عليه السلام لا بد لكل من يرتضي ملته الحنيفية من أن يأتي بهذا القول والإعلان والبراء.. ولا يرغب عن ملته والاقتداء به إلا السفيه الذي لا عقل له، كما قال تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه} البقرة: 130.

وفي الحديث عن معاوية بن حيدة قال: قلت يا نبي الله، بما بعثك ربك إلينا؟ قال: " بالإسلام " قال: قلت وما آيات الإسلام؟ قال: " أن تقول: أسلمت وجهي إلى الله عز وجل وتخلّيت، وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملاً، أو يُفارق المشركين إلى المسلمين " [17].

فقوله صلى الله عليه وسلم " وتخليت "؛ أي تخليت وأقلعت عن الشرك وعبادة الطواغيت من دون - أو مع - الله تعالى.

فمن الإمارات والعلامات الدالة على صدق إسلامك أن تقول - بكل وضوح وثبات ومن دون أدنى تلجلجٍ أو تردد - لجميع الطواغيت في الأرض: قد تخليت عنكم، وعن عبادتكم!

قال ابن تيمية رحمه الله: فلا يكون المرء موحداً إلا بنفي الشرك والبراءة منه وتكفير من فعله. اهـ.

3) صفة الكفر بالطاغوت عملاً: يكون ذلك باعتزاله واجتنابه وجهاده، وجهاد أتباعه وجنوده، وقتالهم إن أبوا إلا القتال، وعدم اتخاذهم أعواناً وأولياء، كما قال تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد} الزمر: 16.

وقال تعالى: {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم} التوبة: 12. وأئمة الكفر هم الطواغيت. وقال تعالى: {وليجدوا فيكم غلظة} التوبة: 123. وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء} النساء: 144. وقال تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} المائدة: 51. وقال تعالى: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} الممتحنة: 1. وغيرها كثير من النصوص التي توضح معالم وصفات الكفر بالطاغوت قولاً وعملاً.

وبعد، هذه صفة الكفر بالطاغوت فمن أتى بها كاملاً غير منقوصة فهو الذي يكون قد كفر بالطاغوت وقد وفى الشرط حقه.. ومن لم يأت بهذه الصفة المتقدم ذكرها لا يكون قد كفر بالطاغوت وإن زعم بلسانه ألف مرة أنه كافر بالطاغوت!

وإن كنت أعجب فأعجب لأناس يزعمون بألسنتهم الكفر بالطاغوت، ويستهجنون أن يكونوا من عبيد الطواغيت.. وفي نفس الوقت في لسان الحال والعمل - وربما في لسان القال كذلك - تراهم يوالون الطواغيت، ويُكثرون الجدال عنهم، ويذودون عنهم، ويدخلون في خدمتهم ونصرتهم، وجيوشهم، والتحاكم إليهم.. ومنهم من يعادي الموحدين لأجلهم!

فهؤلاء لم يحققوا شرط الكفر بالطاغوت مهما زعموا بلسانهم خلاف ذلك.. فواقعهم ولسان حالهم يكذبهم ويرد عليهم زعمهم وادعاءهم.

مسألة: هل يصح إطلاق كلمة الطاغوت على المسلم، أم أن هذه الكلمة لا يجوز أن تُطلق إلا على الكافر الذي له صفة الطاغوت كما تقدم؟!

أقول: الطاغوت على صيغة فعلوت؛ وهو من البغي والعدوان ومجاوزة الحد.. فمن كان بغيه وعدوانه وظلمه دون الكفر يُطلق عليه وصف الطاغوت على اعتبار معناه ودلالاته اللغوية وهي البغي والعدوان ومجاوزة الحد.. كما أطلق بعض السلف على الحجاج وغيره وصف الطاغوت أو الطاغية.. وأرادوا من ذلك المعنى اللغوي الآنف الذكر، ولم يريدوا أنه طاغوت بمعنى أنه كافر ويُعبد من دون الله.

أما إن كان هذا البغي والظلم والعدوان.. بلغ بصاحبه درجة الكفر بالله تعالى، فإن وصف الطاغوت يُحمل عليه بمعناه الاصطلاحي وهو المعبود من دون الله، وبمعناه اللغوي وهو العدوان ومجاوزة الحد.

وللتميز بين الطاغوتين عند قراءة كتب أهل العلم والاستماع إليهم لا بد من النظر إلى مجموع سياق الكلام، والقرائن الواردة فيه التي تُعينك على تحديد نوع الطاغوت المراد من كلامهم.

إلا أنني قد تتبعت كلمة الطاغوت في القرآن الكريم وفي السنة.. فكلها جاءت بمعنى الطاغوت الكافر الذي يُعبد من دون الله تعالى.. والله تعالى أعلم.





[14] مجموعة التوحيد: 10- 35.
[15] الرسائل الشخصية: 166.
[16] قيد الرضى لا بد منه لنخرج بذلك الملائكة والأنبياء، والصالحين - الذين يُعبدون من دون الله - من وصف وحكم الطاغوت، لكرههم الشديد لذلك ونهيهم عنه، ولعدم رضاهم في أن يُعبدوا في شيءٍ من دون أو مع الله عز وجل .. وفي مثل هذه الحالة يقتصر البراء والكفر بالعابدين وبعبادتهم الشركية فقط من دون أن يطال ذلك المعبودين الذين يستحقون منا التوقير والموالاة في الله من غير جنوح إلى إفراطٍ أو تفريط.
[17] صحيح سنن النسائي: 2408.
رد مع اقتباس