عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-27-2008, 03:19 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




Islam مبادئ علم التوحيد (1)

 






مبادئ علم التوحيد

د0محمد يسرى
تمـهـيـد
المبحث الأول: حد علم التوحيد.
المبحث الثاني: أسمــاؤه.
المبحث الثالث: موضـوعه.






تمهــــيد
كان طلب العلم زمن الصحابة رضي الله عنهم اشتغالاً بالقرآن الكريم والسنة المطهرة حفظًا وفهمًا، بطريقة موسوعية جامعة، فلما تطاول الزمان، كثرت المسائل، وتنوعت النوازل، واتسعت البلدان، واختلط اللسان العربي بالأعجمي، فعمد أهل العلم إلى جمل من المسائل العلمية التي تشترك في وحدة موضوعية جامعة، فأفردوها باسم يخصها عن غيرها من المسائل، فتمايزت بذلك العلوم، "وعرَّفوا تلك العلوم بما يضبط مسائلها بطريقين غالبًا، إما بذكر الموضوع والمسائل التي يحتويها العلم، وسموا ذلك حدًّا أو تعريفًا، وإما بذكر الفائدة والثمرة والغاية من دراسة ذلك العلم، وسموا ذلك رسمًا، فصار العلم عند علماء التدوين هو: "المسائل المضبوطة بجهة واحدة، موضوعية كانت أو غائية"(1).

ثم إنه جرت عادة المصنفين -من المتأخرين- أن يدوِّنوا مقدمة عن العلم ومسائله وثمراته وما يتعلق به في صدر مصنفاتهم؛ وذلك لفوائد، منها:
1- أن يحصِّل طالب العلم بصيرة بالفن وتصورًا إجماليًّا له قبل أن يدخل إلى تفاصيله، فيعرف الوحدة الجامعة لمسائل هذا العلم، فيأمن عندئذ من اشتباه مسائل العلوم عليه، ومن دخوله في مسائل ليست من مسائل العلم الذي عوّل عليه، وقصد إليه.
2- أن يتحقق من فائدة العلم ونفعه؛ لينشط في طلبه وتحصيله؛ وليستعذب المشاق في سبيله؛ وليكون عند طلبه هذا العلم النافع المفيد مجتنبًا للعبث والجهالة.
هذا وقد استقر عمل المصنفين على ذكر مبادئ عشرة لكل علم وفن، تمثِّل مدخلاً تعريفيًّا لطالب هذا العلم، وجمع بعضهم هذه المبادئ العشرة في قوله:

مبادئ أي علـم كان حدُّ
وموضوعٌ وغـايةٌ مستمدُّ
وفضل واضع واسم وحكم
مسـائل نسـبةٌ عشر تعدُّ

وهذه المبادئ العشرة اسم لمجموعة من المعاني والمعارف يتوقف عليها الشروع في طلب العلم، وبيانها كالتالي:

- الحد: ويقصد به التعريف الجامع لمسائل العلم ومباحثه، المانع من دخول غيره فيه.
- الموضوع: وهو المجال المحدد الذي يبحث فيه العلم، والجهة التي تتوحد فيها مسائله.
- الغاية أو الثمرة: الفائدة التي يحصِّلها دارس العلم في الدارين.
- الاستمداد: الروافد والأسباب العلمية التي يستقي منها العلم مسائله ومطالبه.
- الفضل: ما للعلم من منـزلة وشرف وأهمية بين العلوم.
- الواضع: أول من ابتدأ التدوين والتصنيف في العلم، ووضع أساسه وأرسى قواعده.
- الاسم: الألقاب التي أطلقها أهل هذا العلم عليه لتمييزه عن غيره.
- الحكم: الحكم الشرعي المتعلق بتعلم هذا العلم من بين الأحكام التكليفية الخمسة.
- المسائل: وهي المطالب التي يبحثها ويقررها العلم والتي تندرج تحت موضوعه.
- النسبة: صلة العلم وعلاقته بغيره من العلوم.


المبحث الأول
حــد علــم التوحيــد
الحد لغةً: المنع، وسمي التعريف حدًّا؛ لمنعه الداخل من الخروج، والخارج من الدخول(2)، واصطلاحًا: الوصف المحيط بموصوفه(3)، أو هو اللفظ المفسِّر لمعناه على وجه يجمع ويمنع(4)، أو هو القول الدال على ماهية الشيء(5)، وقد يسمَّى بـ"القول الشارح" أو "التعريف".
فإذا قيل: حد علم التوحيد، فإنه يراد به تعريف ذلك العلم الذي يحيط بمعناه ويجمع قضاياه، ويمنع من التباس غيرها بها، بعبارة ظاهرة.

أولاً: تعريف المصطلح باعتبار مفرداته:
درج العلماء عند تعريف ما تركب من كلمتين في مركب إضافي كـ"علم التوحيد" أن يبدأوا بتعريف مفرديه أولاً، ثم تعريفه باعتباره لقبًا وعَلَمًا على الفن المعين ثانيًا.

أ- معنى التوحيد:
لغة: باستنطاق معاجم اللغة، فإنها تفصح بأن مادة (وَحَدَ) تدور حول انفراد الشيء بذاته أو صفاته أو أفعاله، وعدم وجود نظير له فيما هو واحد فيه.
وللتوحيد لغة معنيان: الأول: جعل المتعدد واحدًا بنفي الحكم عما سوى الموحَّد وإثباته له، والثاني: اعتقاد الشيء واحدًا، وهذا بمعنى النسبة إلى الوحدانية، وليس في هذا تصيير أو جعل(6).
اصطلاحًا: على الإطلاق العام هو: إفراد الله بالعبادة حسب ما شرع وأحب، مع الجزم بانفراده في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فلا نظير له ولا مثيل له في ذلك كله.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "هو عبادة الله وحده لا شريك له، مع ما يتضمنه من أنه لا رب لشيء من الممكنات سواه"(7)، وقال الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله: "هو إفراده تعالى بالعبادة التي تتضمن غاية الحب ومنتهاه، مع غاية الذل وأقصاه، والانقياد لأمره والتسليم له"(8)، وقال الشيخ علي بن محمد بن ناصر الدين الشافعي الشهير بالسويدي رحمه الله: "التوحيد فعل للموحد، وهو وصف الله تعالى بالوحدانية، وذلك نوعان: توحيد في ربوبيته، وهو الحاصل بعد توحيد الذات والصفات، وتوحيد في ألوهيته"(9).

وهذا المعنى الاصطلاحي العام للتوحيد متفق عليه بين أهل السنة وغيرهم(10)، وعلى هذا فالتوحيد في معناه الاصطلاحي العام يقترب من أحد معنيي اللغة، وهو نسبته تعالى إلى الوحدانية واعتقاد ذلك، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والتوحيد هنا ليس بمعنى التصيير والجعل، فالله واحد اعتقدت ذلك أم لم تعتقده"(11).

ب- معنى العلم:
يطلق العلم ويراد به: إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع سواء أكان جازمًا أو لا، فيشمل الظن والوهم والشك، كما في قوله تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (يوسف:51)، فهو يشمل الأمور السابقة جميعًا.
وقد يطلق العلم على الظن الغالب، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الممتحنة:10) أي: غلب على ظنكم، قال النسفي رحمه الله: "العلم الذي تبلغه طاقتكم، وهو الظن الغالب بظهور الأمارات"(12)، ثم قال معلقًا: "وفي تسمية الظن علمًا إشارة إلى أن الظن وما يفضي إليه القياس جارٍ مجرى العلم"(13).

وعليه فإن العلم اصطلاحًا يطلق على مجموعة من المعارف الظنية الراجحة ومنها ما هو قطعي، بشرط أن تكون منظمة حول موضوع ما، كعلم التوحيد، وعلم الفقه، ونحو ذلك.
وبناء على ما تقدم، فإن المختار في تعريف العلم أنه: الإدراك الحاصل بالدليل والشامل لليقين الجازم والظن الغالب، وما بينهما من درجات ومراتب.
ثانيًا: تعريف المصطلح باعتبار تركيبه الإضافي:
إذا أضيفت كلمة العلم إلى كلمة التوحيد، فإن معنى هذا المركب الإضافي هو: الإدراك الجازم المطابق للواقع عن دليل بانفراد الله تعالى بالعبادة حسب ما شرع وأحب، مع انفراده في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.



ثالثًا: علم التوحيد باعتباره اللقبى:
يعرَّف هذا الاصطلاح باعتباره لقبًا على فن مخصوص على أنه
: "العلم بالأحكام الشرعية العقدية المكتسب من الأدلة اليقينية، ورد الشبهات وقوادح الأدلة الخلافية"(14).
ويرد على هذا التعريف أن أحاديث الآحاد مما يحتج به في العقائد والأحكام سواء؛ فلو قيل "بالأدلة المرضية" لتشمل الأدلة اليقينية والظنية لكان أولى.
كما يمكن أن يعرف باعتبار موضوعه فيقال: "علم التوحيد: هو العلم الذي يبحث في ذات الله وما يجب له وما يجوز وما يمتنع، وهذا يشمل الأنواع الثلاثة من التوحيد: الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات"(15).

ويلاحظ من جملة التعاريف السابقة أن علم التوحيد بمعناه اللقبي يقوم على دعامتين:
الأولى: التصديق بجملة من العقائد المتعلقة بالله تعالى، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، وبالقضاء والقدر.
الثانية: القدرة التامة على إثبات تلك العقائد المنسوبة إلى دين نبينا محمد e، بإيراد الحجج الباهرة، ودفع الشُّبَه الباهتة
.

التعديل الأخير تم بواسطة أم الزبير محمد الحسين ; 04-03-2012 الساعة 04:35 AM
رد مع اقتباس