عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 03-17-2011, 11:28 PM
عبد الملك بن عطية عبد الملك بن عطية غير متواجد حالياً
* المراقب العام *
 




افتراضي

ثانيا : بعض الفروق بين المسلمين وغيرهم داخل الدولة الإسلامية

أ- الجزية
قال العلامة عبد الله البسام - رحمه الله- في تعريفه للجزية : هي مال يؤخذ من أهل الكتاب ( هذا ترجيح الشيخ البسام أن الجزية لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب ) كل عام مجازاة عن إقامتهم بدار المسلمين وحقن دمائهم ، وحمايتهم ممن يعتدى عليهم . توضيح الأحكام من بلوغ المرام للعلامة عبد الله البسام - رحمه الله - ج 3 ص437 طبعة دار ابن الهيثم .

مشروعيتها :هي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع .

أما الكتاب فقوله تعالى : " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الاّخر و لا يحرمون ما حرم الله ورسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " التوبة 29
أما السنة فسنته الفعلية دليل على ذلك منها ما رواه البخاري عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها - يعني الجزية - من مجوس هجر "
وأيضا ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه ابن حبان والترمذي عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : " بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وأمرني أن اّخذ من كل حالم دينارا ، أو عدله معافريا "
حالم : أي بلغ الحلم وصار مكلفا ، معافريا : بفتح الميم أي ثوبا وسمي بذلك نسبة إلى بلد في اليمن تسمى معافر .
وأيضا ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي بريدة وفيه : " فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم "
وقد أجمع المسلمون سلفا وخلفا على وجوب أخذ الجزية من أهل الكتاب ويلحق بهم المجوس الذين يعيشون في ديار المسلمين وبينهم وبين المسلمين ذمة إلا ما حكاه ابن التين عن عبد الملك أنها لا تقبل إلا من اليهود والنصارى فقط و لا تقبل من المجوس ولكن رأيه مردود بالسنة النبوية الشريفة . راجع نيل الأوطار ج8 ص57 *قال بهاء الدين المقدسي - رحمه الله - : " وأجمع المسلمون على جواز أخذ الجزية في الجملة "العدة شرح العمدة ص534 طبعة مكتبة نزار مصطفى الباز . واختلفوا في غيرهم - أي في غير اليهود والنصارى والمجوس - هل تؤخذ منهم الجزية أم لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل ؟
والأقرب والله أعلم أنها تؤخذ من كل الكفار لحديث أبي بريدة السابق ولأنه في الحقيقة لا يظهر فرق بين المجوس وغيرهم من الكفار وهذا ما ذهب إليه الأئمة مالك والأوزاعي وفقهاء الشام وابن القيم - رحمهم الله - ورجحه العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - في الشرح الممتع ج3 ص 441 طبعة دار الإمام مالك - دار المستقبل

فليتق الله أقوام يرددون صباح مساء أن الجزية قد انتهت من عجلة التاريخ ، وحلت محلها المواطنة فأقول لهم هل ستحذفون الاّية التاسعة والعشرين من سورة التوبة ؟؟!!
أم هل ستحذفون قدرا كبيرا من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟؟!!
أم هل ستهدمون الإجماع ؟؟
" فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " النور 63


الحكمة من فرض الجزية

*قال ابن حجر - رحمه الله - : " والجزية من جزأت الشيء إذا قسمته أسهلت الهمزة ، وقيل من الجزاء أي لأنها جزاء تركهم ببلاد الإسلام ، أو من الإجزاء أي لأنها تكفي من توضع عليه في عصمة دمه " فتح الباري - كتاب الجزية والموادعة - ج6 ص327 طبعة مكتبة الصفا

وقال - رحمه الله - أيضا : " قال العلماء : الحكمة في وضع الجزية أن الذل الذي يلحقهم ويحملهم على الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الاطلاع على محاسن الإسلام ..." المصدر السابق .
* وقال القرطبي - رحمه الله - : " اختلف العلماء فيما وجبت الجزية عنه ، فقال علماء المالكية وجبت بدلا عن القتل بسبب الكفر ، وقال الشافعي وجبت بدلا عن الدم وسكنى الدار .................وقال بعضهم - يقصد الحنفية - إنما وجبت بدلا عن النصر والجهاد " تفسير القرطبي - ج8 ص113 - 114 تفسير الاّية التاسعة والعشرين من سورة التوبة .

يتضح لنا مما سبق أن الحكمة في فرض الجزية تتلخص في الاّتي :
1 - مقابل السماح للكفار بالعيش في دار الإسلام مع الاحتفاظ بدينهم .
2 - مقابل حمايتهم وتأمينهم وعصمة أموالهم وأعراضهم ودمائهم .
3 - أن الذل الذي يتلقونه نتيجة دفع هذه الجزية قد يكون سببا في اعتناقهم الإسلام .

هل الجزية في مقابل الزكاة ؟؟
يردد كثير من الناس أن الجزية فرضت على الذميين مقابل الزكاة التي فرضت على المسلمين ،وبالتالي فإن هناك مساواة بينهما ، وفي الحقيقة هذا الكلام غير صحيح لعدة وجوه منها :
1 - أنه كلام لا دليل عليه ولم يأت في كتاب الله أو في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو في كلام أحد من سلف الأمة .
2 - أن هناك اختلافا بين الجزية والزكاة مثل :
* الزكاة تفرض على النساء والرجال بالإجماع أما الجزية فلا تفرض إلا على الرجال بالإجماع أيضا .
* الزكاة تفرض في مال الصبي والمجنون على الصحيح من أقوال أهل العلم ، بينما الجزية لا تفرض إلا على البالغ العاقل بالإجماع .
* الزكاة تجب على ذوي العاهات كالعمى والصمم والشيخوخة وغير ذلك ، أما الجزية فلا تجب على ذوي العاهات .
3 - الفرق الكبير بين كيفية أخذ الزكاة وأخذ الجزية ،أما كيفية أخذ الزكاة فقد قال تعالى : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم " التوبة 103
وروى البخاري ومسلم وابن ماجة عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - أنه قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إذا أتاه قوم بصدقتهم ، قال : " اللهم صل على اّل فلان ، فأتاه أبي بصدقته ، فقال : " اللهم صل على اّل أبي أوفى "
وأما كيفية أخذ الجزية فقد أخبر الله عنها في كتابه فقال : "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الاّخر و لا يحرمون ما حرم الله ورسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " التوبة 29
فالصغار والذل صفة من يدفعها ، و لا بد أن يأتي بنفسه ويدفعها و لا يجوز أن يرسل نائبا عنه لقوله - تعالى : " عن يد " فسرها بعض العلماء أي يعطيها بيده و لا يبعث بها ، وفسرها بعضهم أي نعمة منكم عليهم وفسرها بعضهم أي عن طيب نفس .فتح الباري - كتاب الجزية والموادعة - ج6 ص327 طبعة مكتبة الصفا
4 - القول إن الجزية مقابل الزكاة يوحي أن الكافر لا يعذب في النار على تركه للزكاة وهذا غير صحيح فالصحيح أنهم مخاطبون بفروع الشريعة وإن كانت لا تقبل منهم حتى يدخلوا في الإسلام ، والدليل على هذا عدة اّيات منها قوله تعالى : " وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالاّخرة هم كافرون " فصلت 6 - 7 ، وقوله - تعالى - : " ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين " المدثر 42 -46
ومعلوم أن التكذيب بيوم الدين كفر أكبر إجماعا وترك الصلاة كفر أكبر على الراجح مع ذلك عذبهم الله على تركهم للزكاة .
5 - الزكاة لها مصارف محددة ذكرها القراّن الكريم ، أما الجزية فتصرف في مصالح المسلمين العامة .
6 - الزكاة لها نصاب محدد فلا تجب إلا في مال بلغ النصاب ، بخلاف الجزية فلا نصاب فيها بل تؤخذ من الغني والمتوسط والفقير القادر على دفعها ، أما الفقير العاجز عن دفعها فتسقط عنه .

مسائل
1 - إذا لم يتمكن المسلمون من حماية أهل الذمة سقطت عنهم الجزية ، وإذا أخذت منهم ثم لم يتمكن المسلمون من حمايتهم ردت لهم ، فقد ذكر أبو يوسف عن أبي عبيدة بن الجراح : " أنه عندما أعلمه نوابه على مدن الشام بتجميع الروم لمقابلة المسلمين كتب إليهم أن ردوا الجزية على من أخذتموها منه ، وأمرهم أن يقولوا لهم : إنما رددنا عليكم أموالكم ، لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع ، وأنكم اشترطتم علينا أن نمنعكم ، وإنا لا نقدر على ذلك ، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم ونحن لكم على الشروط ما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم " بدائع الصنائع ج9 ص 4402 نقلا من كتاب الفقه الواضح للدكتور محمد بكر إسماعيل - رحمه الله - ج3 ص 246 طبعة دار المنار .
2 - إذا اشترك الذمي مع المسلمين في القتال بإذن الإمام فالصحيح أن الجزية لا تسقط عنه . الفقه الواضح ج3 ص 246
3 -عندما ينزل عيسى - صلى الله عليه وسلم - إلى الأرض لن تقبل الجزية من أحد فإما الإسلام وإما القتل ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم -صلى الله عليه وسلم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد "
قال النووي - رحمه - " فالصواب في معناه أنه لا يقبلها و لا يقبل من الكفار إلا الإسلام ومن بذل منهم الجزية لم يكف عنه بها بل لا يقبل إلا الإسلام أو القتل هكذا قاله الإمام أبو سليمان الخطابي وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى وحكى القاضي عياض رحمه الله عن بعض العلماء معنى هذا ثم قال وقد يكون فيض المال هنا من وضع الجزية وهو ضربها على جميع الكفرة فإنه لا يقاتله أحد فتضع الحرب أوزارها وانقياد جميع الناس له إما بالإسلام وإما بإلقاء يد فيضع عليه الجزية ويضربها وهكذا كلام القاضي وليس بمقبول والصواب ما قدمناه وهو أنه لا يقبل منه إلا الإسلام فعلى هذا قد يقال هذا خلاف حكم الشرع اليوم فإن الكتابي إذا بذل الجزية وجب قبولها ولم يجز قتله و لا إكراهه على الإسلام وجوابه أن هذا الحكم ليس بمستمر إلى يوم القيامة بل هو مقيد بما قبل عيسى عليه السلام وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث الصحيحة بنسخه وليس عيسى عليه السلام هو الناسخ بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو المبين للنسخ فإن عيسى يحكم بشرعنا فدل على أن الامتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " شرح النووي على صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب بيان نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم حاكما ج2 ص190 طبعة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية - القاهرة .
4 - لا جزية على العبد لأن ماله مال سيده ،
* قال ابن المنذر - رحمه الله : " أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنه لا جزية على العبد " العدة شرح العمدة ص536
5- اختلف العلماء في مقادير الجزية فراجعه في المطولات والأقرب والله أعلم أنها راجعة إلى اجتهاد الإمام و لا حد لأقلها أو أكثرها وهذا مذهب مالك ورواية عن أحمد رجحها ابن القيم - رحمه الله - .
6 - إذا قام من لا تجب عليه الجزية بدفعها فالواجب أن نخبره أولا أنه لا جزية عليه لاحتمال أن يكون جاهلا لذلك ، فإن أخبرناه وقام بدفعها أيضا قبلت منه ، لكن لا يطالب بها بعد ذلك ، فإن دفعها مرة أخرى فبها ونعمت وإن لم يدفعها فلا شيء عليه .
7 - إذا حال الحول على الذمي ثم مات فهل يطالب بدفع الجزية أم تسقط عنه ؟؟؟
قال الأحناف وبعض الحنابلة ومالك والثوري أبو عبيدة : تسقط عنه
وقال الشافعي وبعض الحنابلة وأبو ثور وابن المنذر : لا تسقط عنه لأنه صارت دينا عليه .
أما إن مات في أثناء الحول فالصحيح أنها تسقط عنه .
8 - إذا أسلم الذمي بعد انتهاء الحول فالصحيح أنه لا جزية عليه لأنه لا جزية على مسلم .
9 - قال القرطبي - رحمه الله - : " اختلف في الرهبان ، فروى ابن وهب عن مالك أنها لا تؤخذ منهم ، قال مطرف وابن الماجشون : هذا إذا لم يترهب بعد فرضها ، فإن فرضت ثم ترهب لم يسقطها ترهبه " تفسير القرطبي ج8 ص112
10 - لا يجوز عقوبة الذمي على عدم دفعه الجزية إن كان عاجزا عن دفعها ، أما إن كان قادرا جاز ذلك
* قال القرطبي - رحمه الله - : روى مسلم عن هشام بن حكيم بن حزام ومر على ناس من الأنباط ( وهم فلاحو العجم) بالشام قد أقيموا في الشمس - في رواية : وصب على رءوسهم الزيت - فقال : ما شأنهم ؟ فقال : يحبسون في الجزية فقال هشام هشام : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا " في رواية : وأميرهم يومئذ عمير بن سعد على فلسطين ، فدخل عليه فحدثه فأمر بهم فخلوا ، قال علماؤنا : أما عقوبتهم إذا امتنعوا من أدائها مع التمكين فجائز فأما مع تبين عجزهم فلا تحل عقوبتهم لأن من عجز عن الجزية سقطت عنه و لا يكلف الأغنياء أداءها عن الفقراء وروى أبو داود عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اّبائهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئا منه بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة " ج8 ص114 - 115
11 - إذا نقض أحد من أهل الذمة عهدهم بأن ذكر دين الإسلام أو نبيه - صلى الله عليه وسلم - بسوء أو فعل ما فيه ضرر على المسلمين أو امتنع عن الالتزام بأحكام الإسلام أو امتنع عن دفع الجزية فهو كالأسير الحربي للإمام أن يقتله أو يسترقه أو يمن عليه أو يطلب فيه الفداء ، أما ماله فهو فيء ينفق في مصالح المسلمين ، و لا ينقض عهد نسائه وأولاده فلا ذنب لهم في ذلك ، أما إذا نقض أهل الذمة كلهم العهد مع الإمام وجب عليه قتالهم ، فإن غلبهم فما يغنمه المسلمون منهم الحكم فيه كالحكم في القتال مع الحربيين وقال بعض العلماء الحكم فيه كالحكم في الفيء فيهم المحارب ، وإذا نقض كثير منهم العهد فلا ينقض عهد القليل بنقض الكثير .راجع تفسير القرطبي ج8 ص214
12 - إذا ظلم الإمام أهل الذمة فخرجوا متظلمين فلا ينقض عهدهم بذلك ويجب أن ينصفوا من ظلمهم
* قال القرطبي - رحمه الله - : " ولو خرجوا متظلمين نظر في أمرهم وردوا إلى الذمة وأنصفوا من ظلمهم و لا يسترق منهم أحد وهم أحرار " المصدر السابق .
رد مع اقتباس