عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 04-14-2008, 05:06 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:


سلسلة كيف تكون طالب علم؟
المحاضرة الثانية

في هذه المحاضرة سيتحدث الشيخ راشد الزهراني -حفظه الله- عن أربعة عناصر:

العنصر الأول
المقارنات بين العلم الشرعي وبين ما يُظن أنه أفضل من العلم
بعد أن تبين لنا فضل العلم الشرعي من كتاب الله تعالى ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعض العلماء يعقد مقارنة بين العلم الشرعي وبين بعض الأمور الدينية والدنيوية والتي يُظن أن الاشتغال بها والعمل فيها هو أفضل من طلب العلم الشرعي فيكون الاقتناع بهذا الأمر من الصوارف التي تصرف طالب العلم في طلبه لهذا العلم الشرعي.

1) المقارنة بين العلم وبين نوافل الطاعات:
نذكر لكم بعض الآثار التي وردت عن السلف الصالح في هذا المعنى:
- ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول( لأَنْ أتعلم بابا من العلم أحب إليَّ من عبادة ستين سنة ).
وكذلك قال( مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة ).
- أبو هريرة -رضي الله عنه- أُثِر عنه أيضا مثل هذا الكلام.
- الإمام الحسن البصري -رحمه الله- يقول( لأن أتعلم بابا من العلم فأعلمه مسلما أحب إلي من أن تكون لي الدنيا بأسرها أجعلها في سبيل الله عز وجل ).
- الإمام ابن هاني -رحمه الله- يقول: وجهت سؤالا للإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- فقلت له: أيهما أحب إليك أجلس بالليل أنسخ، أم اُصلّي تطوّعاً ؟ فقال أحمد: إن كنت تنسخ فأنت تتعلم به أمر دينك فهو أحب إلي.
- الإمام النووي -رحمه الله- ذكر اتفاق السلف على أن طلب العلم الشرعي أحب إليهم من نوافل العبادات.

لماذا العلم الشرعي والاشتغال به أحب إليهم من نوافل العبادات؟
يعود إلى ستة أمور:
1- أن نفع العلم عام ونفع العبادة خاص بصاحبها.
2- أن العبادة تفتقر إلى العلم والعلم لا يفتقر إليها.
3- الآيات والأحاديث الكثيرة التي تبين فضل العلم ومكانة أهله.
4- أن نفع العلم مستمر لصاحبه حتى بعد موته، بينما العبادة تنقطع بانقطاع صاحبها من هذه الحياة.
5- أن في العناية بالعلم الشرعي والمحافظة عليه وطلبه فيه بقاء وحفظ لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
6- أن بعض العلماء عد فروض الكفاية أفضل من فروض الأعيان، والسبب أن الذي يقوم بفرض الكفاية فإنه يُسقِط الإثم عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- له رأي خاص في هذه المسألة، يقول -رحمه الله-( إن العلماء تنوعت آراءهم في بيان أيهما أفضل الاشتغال بالعلم أم الاشتغال بنوافل العبادة، فمنهم من يقول إن الاشتغال بالعلم أفضل، ومنهم من يقول لأن أصلي ركعتين في جوف الليل لا يراني فيه أحد أحب إليَّ من أن أنسخ مائة حديث، وبعض العلماء يقول: الأفضل فعل هذا وهذا ).
وقال -رحمه الله- بعد هذا الحديث( لكن الأمر يختلف ويتنوع بتنوع الأحوال، فمن العبادات ما يكون جنسها أفضل ثم تكون مرجوحة أو منهيا عنها، فالصلاة أفضل من قراءة القرآن الكريم، وقراءة القرآن الكريم أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء، ثم إن الصلاة قد يأتي وقت يكون منهيا عن الصلاة فيها ).

لكن ليس معنى هذا أن يكون طالب العلم عَرِيًّا عن العبادة فتجده صاحب بحث واطلاع لكن لا تجد له في العبادة حظ، ولهذا لما سئل الإمام أحمد -رحمه الله- كما في "الآداب الشرعية" لابن مفلح -رحمه الله- عن رجل لا يصلي صلاة الوتر، قال -رحمه الله-( ذاك رجل سوء ).

الإمام مالك -رحمه الله- كان بين يديه أحد تلاميذه فأذن المؤذن لصلاة العصر فأراد أن يقوم ليصلي سجدتين، فقال له الإمام: إلى أين؟ قال أريد أن أصلي قبل الصلاة، فقال: ما أنت فيه ليس بأفضل مما ستذهب إليه.

2) المقارنة بين طلب العلم والجهاد في سبيل الله:
إن الأفضل إذا وُجِد من يكفي أن يتعلم علم الشريعة لأن المجاهد في سبيل الله تعالى لا يستطيع أن يجاهد إلا إذا تعلم أحكام الشريعة.
ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة:122].
وبعض العلماء يرى أنه لا مجال للبحث في هذا الأمر لأن طلب العلم من الجهاد في سبيل الله.
يقول أبو الدرداء -رضي الله عنه-(من لم يعد طلب العلم من الجهاد في سبيل الله فقد نقص في رأيه وفي عقله).

3) المقارنة بين جمع العلم الشرعي وجمع المال:
الأفضل أن يجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأن يبثها إلى الناس:[ نضر الله امرىء سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه غير فقيه ].
علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول(العلم خير من المال، المال تحرسه والعلم يحرسك، والمال تفنيه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق، والعلم حَكَم والمال محكوم عليه، مات خُزَّان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة ).

4) التفضيل بين العلم وبين المنصب والجاه والرئاسة:
لاشك أيضا أن العلم أكرم وأفضل وأجل.
الذين نالوا الرئاسة والمناصب حينما يُسألون أيهما أفضل أن تعلم العلم أو أن تنال المناصب قالوا تعلم العلم.
- المنصور -رحمه الله- قيل له: هل بقي لذة من لذات الدنيا لم تنلها؟ قال: نعم، بقي لذة واحد، قالوا: ما هي؟ قال: أن أقعد في مصطبة (مثل الكرسي الذي يجلس عليه العلماء فيجتمع الطلاب حوله) وحولي أصحاب الحديث فيقول المستملي: من ذكرت رحمك الله؟ فأقول: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي اليوم التالي وإذا بأبناء الوزراء كلهم يلتفون حول المنصور -رحمه الله- فيقولون: من ذكرت رحمك الله؟ فقال: لستم أنتم، إنما هم الدنسة ثيابهم، المتشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم، برد الآفاق الرحالون في البلدان.

العنصر الثاني
حكم طلب العلم الشرعي
العلم الشرعي هل هو دائما يَرِدُ في أسلوب المدح أم أنه أحيانا يأتي في أسلوب الذم؟
لفظة العلم في القرآن الكريم أتت في أسلوب المدح وأتت أحيانا في أسلوب الذم.
فالسحر علم وصناعة يتعلمها الطالب ولكنه علم ضار ولهذا يقول المولى تبارك وتعالى:{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ}[البقرة:102].

ثم العلوم تُقسم من جهة أخرى إلى أقسام:
- كما يقول ابن رجب -رحمه الله- في "فضل علم السلف على علم الخلف"( من العلوم ما يُنهى عنها ابتداء، ومن العلوم ما ينهى عن كثرة الاشتغال بها ).
باختصار هو الإغراق في علوم الآلة، وقد ذكر الإمام ابن رجب مثالا على ذلك بعلم اللغة العربية.
إذن هي:
1- علوم ينهى عنها ابتداء.
2- علوم ينهى عن كثرة الاشتغال بها، هي ممدوحة لكن إذا زادت عن حدها فإنها تكون مذمومة.
3- علوم هي في نفسها قد تكون محرمة، وتارة تكون واجبة، وتارة تكون مستحبة.
مثال ذلك: علم النجوم، إذا قلنا:
- تعلم علم النجوم من أجل معرفة القبلة: تعلمه واجب.
- تعلم علم النجوم من أجل أن يعرف الإنسان ويهتدي به في الطريق: مستحب.
- إذا قلنا نربط الحوادث الأرضية بالأحداث الكونية، فإذا كان النجم في الموضع الفلاني معناه أنه سيموت إنسان على وجه الأرض: يكون هذا العلم محرم وهو علم التنجيم أو علم التأثير.

[ فائدة ]
العلماء يقسمون عن معرفة النجوم إلى قسمين ( موجود في كتاب "التوحيد" ):
1- علم تأثير وهو العلم المحرم.
2- علم تسيير:
- وهو إما أن يكون واجبا مثل معرفة القبلة.
- أو أن يكون مستحبا ليهتدي به الإنسان في الطريق.

ما حكم تعلم علم الشريعة؟
يقول العلماء: حكمه على قسمين:
1) فرض عين: مثل: أحكام الصلاة، الزكاة ...
وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:[ طلب العلم فريضة على كل مسلم ].
2) فرض كفاية: إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين: وهو بقية أحكام الشريعة وتعلمها وتعليمها للناس.

العنصر الثالث
ثمرات العلم النافع

ضوابط العلم النافع:
العلم النافع هو العلم الشرعي الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلَّف من أمر دينه في عقيدته وعبادته ومعاملته وأخلاقه.
ابن تيمية -رحمه الله- يقول( وجماع الخير أن يستعين بالله في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي يستحق أن يسمى علما ).
رد مع اقتباس