عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-18-2008, 10:09 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي



جازاكم الله خيرا

يقول الشيخ سليمان العلوان فك الله أسره عن السحر
السحر يُطلق في اللغة على ما خفي ولطف مأخذه ودق.

ومنه قول العرب في الشيء إذا كان شديداً خفاؤه: "أخفى من السحر".

ومنه قول مسلم بن الوليد الأنصاري:

جعلت علامات المودة بيننا مصائد لحظ هن أخفى من السحرفأعرف منها الوصل في لين طرفها وأعرف منها الهجر في النظر الشزر
وتعريفه في الشرع: عُقدٌ ورقى يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين لتضر المسحور.

وقيل في تعريفه غير ذلك.

ولكن قال الشنقيطي رحمه الله: "اعلم أن السحر لا يمكن حدُّه بحد جامع مانع؛ لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته، ولا يتحقق قدر مشترك بينها يكون جامعاً لها مانعاً لغيرها، ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حدة اختلافاً متبايناً" [81].

ومن السحر الصرف والعطف:

فالصرف: صرف الرجل عما يهواه؛ كصرفه مثلاً عن محبة زوجته إلى بغضها.

والعطف: عمل سحري كالصرف، ولكنه يعطف الرجل عما لا يهواه إلى محبته بطرق شيطانية.

والسحر محرم في جميع شرائع الرسل.

تتعلق بالسحر عدة مسائل، نذكرها مع إردافها بشيء من أقوال العلماء؛ لأهمية هذا الباب، ولانتشاره في غالب أقطار الأرض. فنقول:

المسألة الأولى: هل للسحر حقيقة؟

قد دل قوله جل وعلا: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) [82] على أن للسحر حقيقة، وإلا، لم يأمر الله بالاستعاذة منه.

وكذلك قوله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) [83]، فهذه الآية تدل عل أن للسحر حقيقة تكون سبباً للتفريق بين المرء وزوجه.

ومما يدل أيضاً على أن له حقيقة: حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحرَ، حتى إنه ليُخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال لها ذات يوم: أتاني ملكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: من طبَّه؟ قال: لبيد ابن الأعصم في مشط ومشاطة، وفي جف طلعة في بئر ذروان". رواه الإمام أحمد والبخاري، ومسلم، وغيرهم.

وهذا القول هو قول أهل السنة، وعليه جمهور علماء المسلمين.

وذهب بعضهم إلى أنه لا حقيقة له، وهو مذهب المعتزلة المنعزلة عن الكتاب والسنة، واستدلوا بقوله تعالى: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) [84]، ولم يقل: تسعى على الحقيقة, وقالوا: إن السحر إنما هو تمويه وتخيل وإيهام لكون الشيء لا حقيقة له، وأنه ضربٌ من الشعوذة!

قال العلامة ابن القيم رحمه الله [85]: "وهذا خلاف ما تواترت به الآثار عن الصحابة والسلف، واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير والحديث وأرباب القلوب من أهل التصوف، وما يعرفه عامة العقلاء، والسحر الذي يؤثر مرضاً وثقلاً وحلاًّ وعقداً وحبًّا وبغضاً وتزييفاً وغير ذلك من الآثار موجود تعرفه عامة الناس.." إلخ كلامه.

وقال القرطبي بعدما ذكر قول المعتزلة واستدلالهم: "وهذا لا حجة فيه؛ لأنا لا ننكر أن يكون التخيل وغيره من جملة السحر، ولكن ثبت وراء ذلك أمور جوَّزها العقل، وورد بها السمع:

فمن ذلك ما جاء في هذه الآية من ذكر السحر وتعليمه (يعني: قوله تعالى: (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ... الآية [86]))، ولو لم يكن له حقيقة؛ لم يمكن تعليمه، ولا أخبر أنهم يعلمونه الناس، فدل على أن له حقيقة.

وقوله تعالى في قصة فرعون: (وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) [87]. وسورة الفلق، مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من سحر لبيد بن الأعصم".

ثم ساق الحديث - وقدمناه - ثم قال: "وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما حل السحر: "إن الله شفاني" والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض، فدل على أن له حقًّا وحقيقة، فهو مقطوع به، بإخبار الله تعالى ورسوله عن وجوده ووقوعه، وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الإجماع، ولا عبرة مع اتفاقهم بحثالة المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق.." إلخ.

المسألة الثانية: في حكم الساحر:

اختلف العلماء رحمهم الله في الساحر: هل يكفر أم لا؟

ظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه يكفر؛ لقوله تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) [88]، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله ومالك وأبي حنيفة، وعليه الجمهور.

وذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه إذا تعلم السحر، يقال له: صف لنا سحرك. فإن وصف ما يستوجب الكفر - مثل سحر أهل بابل من التقرب للكواكب، وأنها تفعل ما يطلب منها -؛ فهو كافر، وإن كان لا يصل إلى حد الكفر واعتقد إباحته، فهو كافر لاستحلاله المحرم، وإلا؛ فلا.

وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله: "التحقيق في هذه المسألة هو التفصيل: فإن كان السحر مما يُعظم فيه غير الله، كالكواكب والجن وغير ذلك مما يؤدَّى إلى الكفر؛ فهو كفر بلا نزاع، ومن هذا النوع سحر هاروت وماروت المذكور في سورة البقرة؛ فإنه كفر بلا نزاع؛ كما دل عليه قوله تعالى: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [89]، وقوله تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) [90]، وقوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) [91]، وقوله تعالى: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) [92].

وإن كان السحر لا يقتضي الكفر؛ كالاستعانة بخواص بعض الأشياء من دهانات وغيرها؛ فهو حرام حرمة شديدة، ولكنه لا يبلغ بصاحبه الكفر.

وهذا هو التحقيق إن شاء الله [93] تعالى في هذه المسألة التي اختلف فيها العلماء" اه كلامه رحمه الله.

واعلم أن الساحر على كلا الحالتين يجب قتله على القول الصحيح، لأنه مفسد في الأرض، يفرق بين المرء وزوجه، وبقاؤه على وجه الأرض فيه خطر كبير وفساد عظيم على الأفراد والمجتمعات ففي قتله قطع لفساده وإراحة للعباد والبلاد من خبثه، وسيأتي إن شاء الله أنه ليس بين الصحابة اختلاف في قتل الساحر.

المسألة الثالثة: في قتل الساحر والساحرة:

قد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: وهو قول الجمهور: إنه يقتل، وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله.

القول الثاني: إنه لا يقتل إلا إذا عمل عملاً يبلغ به الكفر، وهو قول الشافعي رحمه الله.

واحتج أصحاب القول الأول بأدلة:

منها ما رواه الترمذي والحاكم وابن عدي والدار قطني وغيرهم من طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن جندب؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حد الساحر ضربه بالسيف".

قال الترمذي: "لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث، والصحيح عن جندب موقوف".

قلت: وإسماعيل بن مسلم: قال عنه أحمد منكر الحديث وقال ابن معين ليس بشيء. وقال الذهبي: (متفق على تضعيفه).

واستدلوا أيضاً بما رواه أحمد وغيره بسند صحيح عن بجالة؛ قال: "أتانا كتاب عمر قبل موته بسنة: أن اقتلوا كل ساحر, (وربما قال سفيان: وساحرة)، وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزة. فقتلنا ثلاث سواحر.." الحديث [94].

واستدلوا أيضاً بما جاء عن حفصة - رضي الله عنها - أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها.

وهذا الأثر رواه مالك في "الموطأ" وسنده منقطع، ورواه عبد الله بن الإمام أحمد في "المسائل" والبيهقي عنها بسند صحيح، وصححه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في "كتاب التوحيد".

وهذا القول - وهو قتل الساحر مطلقاً - هو الصواب، ولا يُعلَم لعمر وجندب وحفصة - رضي الله عنهم - مخالف من الصحابة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر [95]، وقال: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" [96]، وهذا حديث صحيح.

وأما الذين قالوا: إن الساحر لا يقتل إذا لم يبلغ بسحره الكفر، فاستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".
رواه: البخاري، ومسلم. وفي الاستدلال به نظر من وجوه كثيرة.

وأما عدم قتل النبي صلى الله عليه وسلم للبيد بن الأعصم، فهو خشية إثارة الفتنة، والله أعلم، مع أن بعض العلماء قال: هذا خاص بالذمي، والصواب أن الذمي والمسلم سواء في قتلهم.

المسألة الرابعة: حل السحر عن المسحور، وهي النشرة:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "حل السحر عن المسحور نوعان:
أحدهما: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن (وهو: لا يحل السحر إلا ساحر)، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور.

والثاني: النشرة بالرقية والتعويذات والأدوية والدعوات المباحة؛ فهذا جائز".

أما ما رواه البخاري في "صحيحه" معلقاً: "عن قتادة: قلت لابن المسيب: رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته؛ أيحل عنه أو ينشر؟ قال لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع، فلم ينه عنه".

فهو محمول على نوع من النشرة لا محذور فيه؛ لأن الحديث قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سُئل عن النشرة: "هي من عمل الشيطان".

رواه أحمد في "مسنده" [97] وأبو داود من طريق أحمد عن عبد الرزاق حدثنا عقيل بن معقل سمعت وهب بن منبه يحدث عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم به، وسنده حسن.

وأما الذهاب إلى السحرة والكهان والمنجمين والعرافين لسؤالهم فهذا جرم عظيم وخطأ كبير، يترتب عليه عدم قبول صلاة أربعين ليلة، لما روى مسلم في صحيحه (2230) من حديث يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة".

وأما إن سألهم وصدّقهم فهو كافر بما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما رواه الحاكم (1/8) بسند صحيح من طريق عوف عن خلاس ومحمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وروى البزار (2/443) بسند صحيح عن ابن مسعود موقوفاً " من أتى كاهناً أو ساحراً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.



{التبيان شرح نواقض الإسلام}
رد مع اقتباس