الموضوع: نصيحة للشباب
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-12-2009, 12:03 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

إنّ الله رب العالمين يعلمُ حالَ العالم من قبلِ أن يخلقه, ويعلمُ حالَ المسلمين في كُلِّ حالٍ وحين، والمسلمون ينادونَ في الصباح وفي المساء:
أينَ أنت يا صلاح الدين؟!!
وهذا وهمٌ كبيرٌ جداً؛ لأن لكُلٍّ عصرٍ دولةٌ ورجال؛ ولأنّه لو فُرِضَ أنَّ اللهَ ربَّ العالمين بعثَ الرجل المجاهد الصالح رحمه الله رب العالمين, فقامَ في الأمَةِ اليوم, فإنَّهُ لن يُجَيِّشَ الجيوش على سهمٍ وسيف, ولا على رمُحٍ وخيل, وإنّما سينظُرُ في أحوالِ العالَمِ مُتبصراً, وينظرُ في أحوال العالم مُعتبراً, ثم يحاول أن يتملّك أسبابَ القوّة التي عقدتَ الأمّة رجاءها في ربِّها على شبابها؛ من أجلِ أن يكونوا لها مُحصِّلين ولها مهتدين، من أجلِ أن يأخذوا بهذا الذي يبدؤونه من العام المُقبِلِ الذي يأخذون فيه بأسبابِ الله رب العالمين في الإقبالِ على الدرسِ, وبذلِ الجُهدِ والمجهودِ في التحصيل من غيرِ ما شقٍّ للحناجر في هُتافٍ وبهتافٍ لا يُسمنُ ولا يغني من جوع، وإنّما هو تبديدٌ للطاقاتِ, وتضييعٌ للأوقاتِ, ثمَّ يبقى العلمُ يتيماً ليسَ له من أبٍ يراعاه, ولا أمٍّ يُمْكِنَ أن تحُوطَهُ بعنايةٍ ولا رعايةٍ ولا كلاءة, ويبقى العلمُ مهجوراً لا يُقبلُ عليه أحد، وأعلم أن إشكالاً عظيماً يقعُ في أذهانِ وقلوبِ كثيرٍ من شبابنا الصالحين, أولئك الذين لم يقدِّر لهم الله رب العالمين أن يبدؤوا حياتهم بدراسة العلم الشرعي الصحيح, ومن غيرِ أن يُقدَّرَ لهم بمقاديرَ كانوا يرجونها أن يُقبلوا متوفرينَ على درسِ دينهم, ومعرفة سنّة نبيّهم صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، فساقتهم مقاديرهم إلى حيثُ يدرُسون من ذلك العلمِ المادي الذي هم له هاجرون, وعليه غيرُ مقبلينَ.

هذا الذي يقعُ من هذا الذي يؤدي إلى عدمِ الاتزانِ بالذبذبة ما تهواه الأنفسُ وتهفو إليه الأرواح، وما هو واقعٌ في دنيا اللهِ رب العالمين لا يستطيعون له دفعاً, ولا يملكونَ له تغييراً؛ فينصرفون عما هم بِهِ مُكَلَّفون، وعمَّا أرسله أهلوهم إليه راغبينَ طائعين؛ من أجلِ أن يكونوا فيه سابقين, يَدَعُون ذلك جانباً, يجعلونه دَبر الأذان, وتحتَ الأقدامِ, ووراء الأظهر - يتخذونه ظِهريِّاً -, ثم يُقبلون على العلم الشرعيِّ فيما هو معلومٌ عندهم أو غيرُ معلوم أنّه إنما يُطلبُ على سبيلِ الفرضِ الكفائي لا على سبيلِ الفرضِ العيني، وعندئذٍ يتورطون في كثيرٍ من الوقوعِ في متاهاتٍ لا مَخْلَصَ منها ولا منجى.
والأصلُ أن المُسلم ما دام قد حصّل العلم الفرضَ الذي يلزمُهُ في اعتقادِه وعبادته ومعاملته وأخلاقِهِ وسلوكِهِ؛ فينبغي أن يتوفَّرَ على ما هو مُقبِلٌ عليه, وعمّا أقامه الله رب العالمين فيه، ولأن الأمة لن تكون بجمعها وفي مجموعها من العلماء الذين يحذِقُونَ العلمَ الكِفائي, ويؤدونه إلى الأمّة، بل أمرَ اللهُ ربَّ العالمين الأمّة أمراً واضحاً {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة : 122], فأمر الله رب العالمين في العلمِ الكفائي بذلكَ.
وأمّا العلمُ الذي هو فرضُ عينٍ على كُلِّ مُسلِم؛ فلا يسعُ المُسلمَ أن يُفرَّطَ فيه لحظةَ عينٍ ولا أقلَّ منها، فينبغي إذا ما حصّلَه أن يلتفت إلى ما أقامه الله رب العالمين فيه, ولا يتورط في الوقوعِ بالذبذبةِ بين غايتين يظلُّ كبندُول الساعةِ رائحاً وغادياً بينهما إلى يومِ الدين من غير أن يصلَ إلى نهايةٍ محمودةٍ, ومن غيرِ أن يبقى على قرارٍ مكين, وإنما هو الخبطُ في أوديةِ الظنون، فلا يصلُ بعدَ أمدٍ متطاولٍ لا إلى علمٍ شرعي حصّله, ولا إلى علمٍ ماديٍّ نفعَ به الأمّة من بعدِ ما حصَّل اليقينَ بفضلِ ربِّهِ جلَّ وعلا، وبعدَ أن ضبط عبادتهُ على المنهجِ الأحمدِ الذي جاءَ به أحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم, ومن غيرِ أن يكونَ قد صنعَ شيئاً لنفسه ولا لأمته, وإنما هي الذبذبةُ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء, شيءٌ واحد في وقتٍ واحد وجميعُ الأشياءِ في جميعِ الأوقاتِ. وهذا دينٌ جاءَ به محمّد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ليضبطَ به الحياة، يضبطُ الله رب العالمين بدينه الحياةَ ضبطاً متيناً, ويجعلُ لنا ربُّنا جلَّ وعلا كُلَّ شيءٍ في موضعِهِ.
رد مع اقتباس