عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-14-2008, 04:35 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

سِلْسِلَة كَيْفَ تَكُونُ طَالِب عِلْم؟
المحاضرة الأولى


إن العلم الشرعي يحتاج فيه طالب العلم إلى ثلاثة أمور:

1- الإعانة من الله سبحانه وتعالى:
وإذا لم يكن من الله عون للفتى *** فأول ما يقضي عليه اجتهاده.

2- تقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، يقول سبحانه:{وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة:282].

3- الطريقة التي يسير فيها في طريقه في هذا العلم الشرعي.

إن فائدة أن يسير طالب العلم في تعلمه لعلم الشريعة في قراءته، في بحثه، في أخذه وفي عطاءه، فائدة أن يسير على منهجية معينة هو أن يسلك طريق العلم بأسرع طريقة وبأسهل وسيلة.
لو نتأمل في كتاب صدر حديثا اسمه "علماء لم يبلغوا سن الأشد" يعني لم يتجاوزوا الأربعين من أعمارهم وتوفوا قبل هذا العمر لكنهم خلال هذه الفترة قدموا تراثا علميا كبيرا للأمة الإسلامية، السبب أنهم سلكوا الطريقة الصحيحة في تلقي العلم الشرعي.
أيضا هناك رسالة بعنوان "العلماء الذين تصدروا للإفتاء والتدريس والتصنيف قبل العشرين".

الطرق التي يسير عليها طلبة العلم في أخذ العلم الشرعي تختلف، يعني ذكاء الأشخاص، الحفظ، قدرة وقوة الفهم، لكن يتبقى أن هناك أصول وقواعد معينة يتفق ويسير عليها الجميع ويحصلوا مرادهم بإذن الله سبحانه وتعالى.

العلم الشرعي من أعظم القربات، ومن أفضل الطاعات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه سبحانه وتعالى.
الله سبحانه وتعالى امتن على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام وهم قدوة الخلق وأفضلهم، امتن عليهم بمنن ونعم عظيمة، من بين هذه النعم أن الله سبحانه وتعالى امتن عليهم بالعلم الشرعي:
- فقال الله عز وجل عن يوسف عليه السلام:{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ}[يوسف:6].
- وقال الله عز وجل عن يعقوب عليه السلام:{وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ }[يوسف:68].
- وقال سبحانه وتعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم:{وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}[النساء:113].
حينما فسر الإمام الحسن البصري -رحمه الله-، لما قرأ هذه الآية:{وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }[البقرة:201] قال( الحسنة في الدنيا العلم الشرعي، والحسنة في الآخرة جنات عدن ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر).
الإمام مالك -رحمه الله- ورد إليه رسالة وكتاب من أحد العباد في زمانه وهو الإمام عبد الله العُمري -رحمه الله-: رأى انشغال الإمام مالك بتعليم العلم وبالتدريس وبالإفتاء فأرسل إليه خطابا ينصحه فيه ويحثه على الانفراد والعمل وترك الانشغال بتدريس الناس، فقال الإمام مالك -رحمه الله-( إن الله عز وجل قَسَّم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرُب رجل فتح الله عز وجل له في باب الصلاة ولم يُفتح له في باب الصيام، ورُب رجل فُتِح له في باب الصيام ولم يُفتح له في باب الصدقة، ورُب رجل فتح له في باب الصدقة ولم يفتح له في باب الصلاة، وأنا قد فتح الله عز وجل لي باب العلم وما أظن أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير ).

هذه الدروس سبب اختيارها يعود إلى أسباب:

السبب الأول
فضل العلم.

السبب الثاني
خطر الجهل: وهو من أعظم أسباب الحرمان كما يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-.
- الإمام الشافعي -رحمه الله- كان إذا رأى شيخا كبيرا قَرُب منه فسأله في الحديث والفقه وبعض أحكام الصلاة، فإن وجد عنده إجابة تركه وإن لم يجد عنده شيئا قال له(لا جزاك الله عن نفسك خيرا، ولا جزاك الله عن الإسلام خيرا فقد ضيعت نفسك وضيعت الإسلام ).
- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال(كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح إذا نُسِب إليه، وكفى بالجهل ذما أن يتبرأ منه مَنْ هو فيه ):

وفي الجهل قبل الموت موت لأهله *** وأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امرىء لم يحي بالعلم ميت *** فليس له حتى النشور نشور.


- ذكر القفطي -رحمه الله- وهو من علماء النحو له كتاب عظيم ونفيس في تراجم علماء النحو واسمه "إنباء الرواة بأخبار النحاة": ذكر في ترجمة إبراهيم بن قطن القيرواني -رحمه الله- أنه كان من علماء العربية وكان متصدرا في القيروان لإفادة الطلاب في هذا العلم، فكان طلاب العلم يأتون إليه من كل مكان، فيوم من الأيام كان جالسا في مجلسه فدخل عليه أبو الوليد عبد الملك بن قطن القيرواني وهو أخوه فمد يده يريد أن يتناول أحد الكتب، فجبده منه إبراهيم بقوة وقال: تقرأه وأنت تجهل ما فيه، فكانت هذه الكلمة في قلبه، فأخذ يتعلم علم اللغة والعربية حتى بَرَّز في هذا الشأن -رحمه الله- فاشتهر ذكره وخَمُل ذكر أخيه إبراهيم، فكان الناس يتوافدون إلى أبي الوليد -رحمهم الله جميعا-.

السبب الثالث
أن من المحبين الذين يُقْبِلون على علم الشريعة من يُقبل عليه إقبالا عظيما ثم بعد فترة يبدأ الكسل والملل يدخل إلى جوفه فتستلم نفسه لهذا الكسل فإذا به يودع العلم ويتركه، ولو وجد من يعينه لوجد في ذلك نفعا عظيما.

السبب الرابع
أن في الفترة الأخيرة هناك ابتعاد وإعراض ليس بشكل كبير ولكنه موجود عن مجالس العلم الشرعي، وحصل اختلاط بين ما يُسمى بالفكر الإسلامي وبين العلم الشرعي.

[ تنبيه ]
وهنا ننبه على قضية معينة:
الفكر الإسلامي يعزو بعض المؤرخين إلى أن سبب وجوده وظهوره هو حينما كان الاستعمار جاثما على البلاد العربية والإسلامية وخاصة في مصر، فبدأ الناس في هذا الاستعمار وبدأ المستشرقون يبثون سمومهم وسهامهم على أمة الإسلام، فقام البعض من لديه الغيرة والحمية للإسلام بالدفاع عن هذه العقيدة والكتاب والسنة، كانت لهم تصورات عامة للإسلام وعن الشريعة ولكن لم يكن لديهم التأصيل الشرعي وأدوات الاستنباط الشرعية التي تأهلهم إلى أن يقدموا هذا الدين كما أمر الله سبحانه وتعالى لا كما يريد الناس.
العلماء في الفترة الأخيرة تنبهوا فدخلوا في هذا الفكر ولكن بحصيلة علمية جيدة.
بدأ الإعلام يتحدث عن علماء الشريعة بأنهم ظلاميون لأنهم يريدون أن يعيدوا كل شيء إلى ما قبل 1428هـ، وسمي المفكرون بالمستنيرين فحصل الخلط.
الحمد لله الفترة الأخيرة أصبح لدينا من علماءنا مَن يحمل الأمرين.
لا يُفهم من كلامنا أن نعاتب الفكر أو نحاكمه فقد قدم الشيء الكثير للأمة، ولكن نريد من شبابنا أن يتوجهوا إلى العلم الشرعي ثم إذا كانت لديهم الحصيلة فينطلقون في باق العلوم.

السبب الخامس
أنه حصل أيضا اختلاط بين ما يُسمى: بين العلماء والوعاظ والدعاة.
الفرق بين العلم والوعظ:
الوعظ لاشك أنه مطلوب، القرآن الكريم كله موعظة للناس، وبيان وشفاء لما في الصدور.
يقول الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-(المواعظ سياط تُضرب بها القلوب ).
كذلك قال -رحمه الله-(الوعظ في القديم الذي كان يقوم عليه هم العلماء والفقهاء، وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يحضر مجالس الوعاظ والقصاص فإذا رفعوا أيديهم بالدعاء رفعوا أيديهم كذلك، فما خست هذه البضاعة ودخل فيها من لا يحسنها خرج منها العلماء وأقبل عليها العوام والصبيان).

المطلوب أن يكون لنا تكامل، فنحن بحاجة إلى الوعاظ والدعاة، ولكن نريد منهم أن يكونوا حلقة وصل جيدة بين الناس والعلماء.
ولهذا يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-(إنكم في زمان كثير علماءه قليل خطباءه، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماءه كثير خطباءه، فمن كثُر علمه وقَلَّ قوله فهو الممدوح، ومن كان بالعكس فهو المذموم ).

السبب السادس والأخير
هناك إقبال من بعض طلبة العلم على العلم وحرص شديد عليه، لكنه أحيانا يصطدم بأنه لا يُجيد السير بطريق صحيح في تعلم علم الشريعة.
وبالمثال يتضح المقال:
أحد علماء مصر: بدأ هذا العالم العلم الشرعي فحفظ القرآن الكريم وهو لم يبلغ الحلم بعد، وكان والده فلاحا فقال له: يا بني أنت تطلب العلم وأنا أعولك بهذه المزرعة فاذهب فتعلم علم اللغة العربية، فبدأ تعلم علم النحو لكنه لم يوفق في الطريقة الصحيحة فبدأ بتعلم النحو بمتن شرح الآجرومية وهو شرح الشيخ الكفراوي -رحمه الله- وهذا من أصعب الشروح على الإطلاق، فحاول أن يفهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، أصبح عمره خمسة عشرة سنة ومكث يتعلم علم النحو سنة ونصف ولم يستطع أن يفقه فيه شيئا، فقال لوالده: لا أريد أن أتعلم علم النحو، أريد أن أعمل معك في المزرعة، فقال: إلا أن تتعلم علم النحو، فحاول مع والده وفي النهاية اضطر هذا الشاب أن يهرب من قريته إلى قرية أخرى فذهب، فبدأ يعمل في مزارع الآخرين، فمر عليه أحد العلماء وهو يعمل في الحقل فصافحه وقال: يا بني إن هذا الوجه وهذه اليد ليست يد مزارع وهذا الوجه هو وجه عالم فأخبره بخبره، فقال العالم: إن السبب هو أنك بدأت بشرح الشيخ الكفراوي فلو بدأت بشرح الشيخ خالد الأزهري لكان الأمر عليك سهلا، فبدأ فيه فخلال ستة أشهر استطاع أن يُحكِم وأن يتعلم قواعد اللغة العربية.
فقال أحد العلماء الذين ترجموا لهذا العالم: لولا أن الله تعالى أراد به خيرا لكان مثله مثل سائر الفلاحين، يكتب اسمه في دفتر المواليد ثم في دفتر الوفيات.
رد مع اقتباس