عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-12-2010, 03:46 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تصنيفه لفئات الناس مع المال: "والفقر يصلح عليه خلق كثير, والغنى لا يصلح عليه إلا أقل منهم, ولهذا كان أكثر ما يدخل الجنة المساكين؛ لأن فتنة الفقر أهون, وكلاهما يحتاج إلى الصبر والشكر, لكن لما كان في السراء اللذة وفي الضراء الألم, اشتهر ذكر الشكر في السراء والصبر في الضراء".

قال r: "يقول ابن آدم مالي! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت, أو لبست فأبليت, أو تصدقت فأمضيت"([1]).
قال يحيى بن معاذ: مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة([2]).
ومن هذا الخوف والوجل كانوا يحتاطون لأنفسهم, ويحاسبونها؛ رغبة في النجاة, وخوفاً من الوقوع في الهلاك.
قال خرمي بن يونس: سمعت أبا يوسف الغولي يقول: أنا أتفقه في مطعمي من ستين سنة.
وكان أبو حنيفة خزازاً يبيع الخز, فروي أن رجلاً جاءه فقال: يا أبا حنيفة قد احتجت إلى ثوب خز, فقال: ما لونه؟ قال: كذا وكذا, قال: اصبر حتى يقع, وآخذه لك, فما دارت الجمعة حتى وقع, فجاءه الرجل فقال له أبو حنيفة: قد وقعت حاجتك, ثم أخرج إليه ثوباً فأعجبه, فقال: يا أبا حنيفة كم أزن للغلام؟ فقال درهماً, فقال: أتهزأ بي قال: لا والله إني اشتريت ثوبين بعشرين ديناراً ودرهم, فبعت أحدهم بعشرين ديناراً, وبقى هذا بدرهم, وما كانت لأربح على صديق. فأخذه!([3]).

([1]) رواه مسلم.

([2]) تاريخ بغداد 14/212.

([3]) مناقب أبي حنيفة للموفق 1/196.

قال سفيان الثوري: انظر درهمك من أين هو, وصل في الصف الأخير([1]).
وقال محمد بن سيرين: كان يقال: المتعلم المسلم عند الدرهم([2]).
وغالب الناس اليوم ينطبق عليهم قول الشاعر:
نُرقع دنيانا بتمزيق ديننا






فلا ديننا يبقى ولا ما نُرقع



ولهذا قلت الدمعة في المآقي, وندر البكاء من خشية الله.
قال سهل رحمه الله: لا تجد الخوف حتى تأكل الحلال([3]).
وعندما رأى عطاء بن يسار رجلاً في المسجد فدعاه فقال: هذه سوق الآخرة, فإن أردت البيع فأخرج إلى سوق الدنيا([4]).

وروي عن خالد البلوي قال: جاء رجل إلى أبي حنيفة فقال: أرشدت إليك تبيعني ثوبين أريدهما لأمي وزوجتي, وأحسن بيعي, فقال له, أي لون تريد؟ فوصف له. فقال: انتظرني جمعتين, قال: نعم. فذهب, ثم جاء بعد ذلك فدفع إليه ثوبين وديناراً واحداً وقال: إني لم أخسر عليك, إني جعلت لك بضاعة فرزقت من عند الله عز وجل, فأحمده فقلت له, أو قيل له: يا أبا حنيفة هل ذكرت

([1]) حلية الأولياء 7/68.

([2]) الزهد للبيهقي ص 362.

([3]) الإحياء 40/170.

([4]) الورع للإمام أحمد بن حنبل ص51.


بينكما معرفة قديمة؟ قال: لا. ألم تسمع إلى قوله: (وأحسن بيعي).
قال سعيد بن جبير: إذا قال الرجل للرجل: أحسن بيعي فقد ائتمنه, فلم أكن أبقي من الإحسان شيئاً إلا أتيته؛ لتسلم لي أمانتي([1]).
وعن علي بن حفص البزاز قال: كان حفص بن عبدالرحمن شريك أبي حنيفة, وكان أبو حنيفة يجهز عليه, فبعث إليه في رفقة بمتاع, وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيباً, فإذا بعته فبيِّن. فباع حفص المتاع ونسي أن يبيِّن ولم يعلم ممن باعه, فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كُلِّه([2]).
أخي الحبييب: أين نحن من هؤلاء:
قال مسلمة بن عبدالملك: دخلتُ على عمر بن عبدالعزيز بعد الفجر في بيت كان يخلو فيه بعد الفجر, فلا يدخل عليه أحدٌ, فجاءته جارية بطبق عليه تمرُ صيحاني, وكان يُعجبه التمر, فرفع بكفِّه منه, فقال يا مسلمة, أترى لو أن رجُلاً أكل هذا, ثم شرب عليه من الماء -على التمر طيب- أكان مُزجئه إلى الليل؟ قلتُ: لا أدري. قال: فرفع أكثر منه فقال: هذا؟ قلتُ: نعم يا أمير المؤمنين, كان كافيه دون هذا, حتى ما يُبالي أن لا يذوق طعاماً غيره. قال: فعلامَ يدخل النار؟ قال مسلمة: فما وقعتْ مني موعظة ما وقعتْ

([1]) مناقب أبي حنيفة للموفق 1/241.

([2]) تاريخ بغداد 13/358.


وعن مزمل قال: سمعت وهيباً (ابن الورد) يقول لو قمت قيام هذه السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال أو حرام.
وعندما نظر حذيفة المرعشي إلى الناس يتبادرون إلى الصف الأول, فقال: ينبغي أن يتبادروا إلى أكل خبز الحلال, ولا يُتبادر إلى الصف الأول([1]).
والشيطان في صراع وجهاد لإغواء المسلم وصده عن سبيل الله.
قال يوسف بن أسباط: إذا تعبد الشاب يقول إبليس: انظروا من أين مطعمه؟ فإن كان مطعمه مطعم سوء, قال: دعوه, لا تشتغلوا به, دعوه يجتهد وينصب, فقد كفاكم نصيبه([2]).
وقد يجعل الله عز وجل نعمة المال استدراجاً لمن عصاه وخالف أمره, كما سمعنا ذلك عن أمم سابقة, ورأينا ذلك في أمم ودولٍ معاصرة, قال تعالى: } وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ {



([1]) الزهد للبيهقي ص 253.

([2]) الزهد للبيهقي ص359.

قال شعيب بن حرب: لا تحقرنَّ فلساً تطيع الله في كسبه, ليس الفلس يراد, إنما الطاعة تراد, عسى أن تشتري به بقلاً فلا يستقر في جوفك حتى يغفر لك([1]).

([1]) صفة الصفوة 3/10.
قال بعض السلف: لترك دينار مما يكره الله, أحب إلي من خمسمائة حجة([1]).
ولهذا قال الحسن: رأيت سبعين بدريًّا كانوا فيما أحلَّ الله لهم أزهد منكم فيما حرم الله عليكم

([1]) الورع لابن أبي الدنيا.


أين نحن من هؤلاء؟!
عن السري بن يحيى قال: لقد ترك ابن سيرين ربح أربعين ألفاً في شيء دخله([1]).
وعن ميمون بن مهران: لا يكون الرجل تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبةً من الشريك لشريكه, وحتى يعلم من أين ملبسه, ومطعمه, ومشربه([2]).

([1]) صفة الصفوة 3/244.

([2]) السير 5/74.

وكانت الزوجة والابنة الصالحة تعين على الحلال واستطابة المطعم.
قالت ابنة العدوية لأبيها: يا أبتِ, لست أجعلك في حلٍ من حرام تطعمنيه. فقال لها: أرأيت إن لم أجد إلا حراماً. قالت: نصبر في الدنيا على الجوع, خير من أن نصبر في الأخرة على النار.
وقال المعافى بن عمران: كان عشرة فيمن مضى من أهل العلم, ينظرون في الحلال النظر الشديد, لا يدخلون بطونهم, إلا ما يعرفون من الحلال, وإلا استفُّوا التراب, ثم عد بشر, وإبراهيم بن أدهم, وسليمان الخواص, على بن الفضيل, وأبا معاوية الأسود ويوسف بن اسباط, ووهيب بن الورد, وحزيفة شيخ من أهل حران, وداود الطائي, فعد عشرة كانوا لا يدخلون بطونهم إلا ما يعرفون من الحلال, وإلا استفُّوا التراب([1]).
وكان بشرٌ يقول: ينبغي للرجل أن ينظر خبزه من أين هو؟ ومسكنه الذي سكنه أصله من أي شيء؟ ثم يتكلم([2]).
وقال علي بن شعيب, قال لي أبي: كنت قلْت عند فلان, قال: فقال لي: أكلت عنده؟ قلت: نعم قال: احْمِد ربك, أكلت ما لا تُسأل عنه, يعني عن كسبه([3]).

([1]) الورع للإمام أحمد ص10.

([2]) الورع للإمام أحمد ص10.

([3]) الورع للإمام أحمد ص10.
أخي المسلم:
قال الحسن: مسكين ابن آدم رضي بدار حلالها حساب، وحرامها عذاب، إن أخذه من حله حوسب به، وإن أخذه من حرام عذب به، ابن آدم يستقل ماله، ولا يستقل عمله، يفرح بمصيبته في دينه، ويجزع من مصيبته في دنياه([1]).
وقيل لعبد الله بن عمر: توفي فلان الأنصاري. قال رحمه الله. فقيل: ترك مائة ألف، قال: لكن هي لم تتركه([2]).

([1]) الإحياء 3/224.

([2]) الزهد لابن السري 10/335.


أخي المسلم: غوائل المال وآفاته، تنقسم إلى دينية ودنيوية:
أما الدينية فثلاث:
الأولى: أنه يجر إلى المعاصي غالبًا؛ لأن من استشعر القدرة على المعصية، انبعثت داعيته إليها.
والمال نوع من القدرة يحرك داعيته إلى المعاصي، ومتى يئس الإنسان من المعصية، لم تتحرك داعيته إليها.
ومن العصمة أن لا تجد، فصاحب القدرة إن اقتحم ما يشتهي هلك، وإن صبر لقي شدة في معاناة الصبر مع القدرة، وفتنة السراء أعظم من فتنة الضراء.
الثانية: أنه يحرك إلى التنعم في المباحات، حتى تصير له عادة وإلفًا، فلا يصبر عنها، وربما لم يقدر على استدامتها إلا بكسب فيه شبهة، فيقتحم الشبهات، ويترقى إلى آفات من المداهنة والنفاق؛ لأن من كثر ماله خالط الناس، وإذا خالطهم لم يسلم من نفاق وعداوة وحسد وغيبة، وكل ذلك من الحاجة إلى إصلاح المال.
الثالثة: وهي التي لا ينفك عنها أحد، وهو أن يلهيه ماله عن ذكر الله، وهذا هو الداء العضال، فإن أصل العبادات ذكر الله
-تعالى- والتفكر في جلاله وعظمته، وذلك يستدعي قلبًا فارغًا.
وصاحب الضيعة يمسي ويصبح متفكرًا في خصومة الفلاحين،

منقول بتصرف من كتاب الرزق اسبابه ومفاتحه للشيخ عبد الملك القاسم

ولمن اردا النسخة كاملة فهى مرفقة بالمرفقات





















رد مع اقتباس