عرض مشاركة واحدة
  #46  
قديم 04-21-2009, 02:31 AM
ابو عبيد الله ابو عبيد الله غير متواجد حالياً
الفقير إلى ربه
 




افتراضي

قيام عبد الله بن قيس


الإمام الكبير، صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبو موسى الأشعري التميمي، الفقيه المقريء، ذو الصوت الندّي ، والقراءة المحبّرة.

كان من أهل اليمن، وقد أسلم منهم قوم يحبهم الله ويحبونه، وهو صاحب فضيلة الدعاء بالمغفرة. حيث ورد في الصحيحين أنّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً ).

لقد كان من قراء الصحابة، بل مدرسةً من مدارس القرآن الكريم، وصفه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بكونه أوتي مزماراً من مزامير آل داود لحسن صوته، نعم لقد كان كمن أعطي مزماراً ولكنه لا كالمزامير ... لهجاً بقراءة القرآن، مواظباً على تدريسه ومدارسته، قائماً به آناء الليل وأطراف النهار في السفر والحضر.

إنه المذكر المشوق لجموع الصحابة -وعلى رأسهم عمر- لذكر الله.
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن:" كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا يا أبا موسى فيقرأ عنده، وقال مرة: شوقنا إلى ربنا فقرأ فقالوا: الصلاة فقال: أولسنا في صلاة !.
كلا، إنهم في صلاة، ومع ذلك كان لأبي موسى صلاة أخرى غير هذه الصلاة لا يتركها في أمن ولا خوف ولا في سفر ولا في حضر.
فعن أنس قال: قدمنا البصرة مع أبي موسى فقام من الليل يتهجد فلما أصبح قيل له: أصلح الله الأمير لو رأيت إلى نسوتك وقرابتك وهم يستمعون لقراءتك فقال: لو علمت لزيّنت كتاب الله بصوتي ولحبرته تحبيراً.

وهو دأبه حال الخوف أيضاً، وكأن لسان حاله يردد:

يا نفس قومي فقد نام الـورى إن تصنعي الخير فذو العرش يرى
وأنت يا عين دعي عنك الكرى عند الصباح بحمـد القـوم السُّرى

فعن مسروق قال: خرجنا مع أبي موسى في غزاة فجنّنا الليل في بستان خرب فقام أبو موسى يصلي وقرأ قراءة حسنة وقال: " اللهم أنت المؤمن تحب المؤمن، وأنت المهيمن تحب المهيمن، وأنت السلام تحب السلام ".

من يرد ملك الجنان فليذر عنه التوانـي
وليقـم في ظلمــة الليل إلى نور القرآن
إنما العيـش جـوار الله في دار الآمـان
قال أبو إدريس: " صام أبو موسى حتى عاد كأنه خلال فقيل له: لو أجممت نفسك فقال: أيهات ( أي هيهات ) إنما يسبق من الخيل المضمرة قال: وربما خرج من منزله فيقول لامرأته: شدي رحلك فليس على جسر جهنم معبر ".

لقد أصاب الذهبي ـ رحمه الله ـ سويداء الحقيقة بقوله:
" قد كان أبو موسى صوّاماً قواما ربانياً زاهداً عابداً، ممن جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر، ولم تغيره الإمارة ولا اغتر بالدنيا ".
والشيء من معدنه لا عجب فيه، ومتى صحت الأصول أينعت فروعها ثماراً باسقة.

وهل يُنبت الخطيَّ إلا وشيجه وتغرس إلا في منابتها النَّخلُ
فأبو موسى من قوم كان القيام بالليل من أسمى سيماهم لا يعرفون إلا به.

ففي صحيح مسلم عنه ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: ( إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ).

ولعلك تريد أن تعطر بعد هذا التطواف مشامك ببعض ربانيته، قال رضي الله عنه وأرضاه يوماً وقد جمع من قرأ عليه القرآن، وكانوا قريباً من ثلاثمائة: " إن هذا القرآن كائن لكم أجراً، وكائن عليكم وزراً، فاتبعوا القرآن ولا يتبعنكم القرآن، فإنه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة، ومن تبعه القرآن زُجَّ في قفاه فقذفه في النار ".

تالله إنها لربانية تستنير بأنوار مشكاة النبوة يصدقها قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم: ( والقرآن حجة لك أو عليك ) ... [رواه مسلم].
رد مع اقتباس