عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 12-30-2009, 02:47 AM
أم سلمى أم سلمى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الأربعون النووية ( 8 )
بسم الله والحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن تبع هُداه .. ثم أما بعد ..
فموعدنا اليوم مع الحديثين التاسع والعاشر من الأربعين النووية .. نسأل الله التيسير والسداد والقبول .. ونسأله سبحانه وتعالى أن يُعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علماً
آمين .. آمين

الحديث التاسع
عن أبى هريرة عبد الرحمن بن صخر رضى الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما نهيتكم عنه فأجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم
رواه البخارى ومسلم
راوى الحديث هو أبو هريرة ، وقد إختلف الناس فى إسمه ولكن أصح الأسماء هو ما ذكره المؤلف فى الحديث أنه ( عبد الرحمن بن صخر ) ، وقد كُنى بـ ( أبى هريرة ) لأنه كانت له هرة ألِفها وألِفتهُ وكانت مُلازمة ومُصاحبة له فكُنى بها

وهذا الحديث له سبب ، وهو أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب مرةً من المرات وقال : يا أيها الناس قد فُرض عليكم الحج فحجوا .. فقام رجلٌ من الناس وقال : أفى كل عامٍ يارسول الله ؟ ( وهذا سؤال ليس فى محله لأنه لو كان فى كل عام لبيَّنه النبى صلى الله عليه وسلم ) فغضب النبى صلى الله عليه وسلم وقال : "" لو قلتُ نعم لوجبت وما استطعتم .. ثم قال : ذروني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم وأختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشئٍ فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئٍ فدَعوه ""..
قوله صلى الله عليه وسلم " ما نهيتكم عنه فأجتنبوه " :
النهى هو طلب الترك على وجه الإستعلاء ( يعنى يطلب منك مَن هو فوقك أن تترك شيئاً ما) ولا شك أن النبى صلى الله عليه وسلم أعلى منّا جميعاً
فأجتنبوه : أى إبتعدوا عنه ، فكونوا فى جانب وهو فى جانب
وقوله صلى الله عليه وسلم " وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم " :
يعنى إفعلوا منه ما قدرتم عليه
وفى هذا الحديث : رحمة النبى صلى الله عليه وسلم بأُمته ، وهذه الرحمة عرفناها من قوله صلى الله عليه وسلم ( ما أمرتكم بشئٍ فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عن شئٍ فدعوه ) فالفرق بين المنهيات والمأمورات أنه صلى الله عليه وسلم قال فى المنهيات ( إجتنبوه ) ولم يقل ( ما استطعتم ) لأن النهى ( كفٌ ) وكل إنسان يستطيعه ، والأمر قد يُستطاع وقد لا يُستطاع ولهذا قال فى الأمر ( فأتوا منه ما استطعتم ) فالتعبير النبوى تعبيرٌ دقيق

قوله صلى الله عليه وسلم " إنما أهلك الذين من قبلكم :
يشمل فى العموم جميع الأُمم السابقة ، و يشمل اليهود والنصارى ( وهذا هو الأرجح )
"كثرة مسائلهم " : جمع مسألة وهى ما يُسأل عنه
" وأختلافهم على أنبيائهم " أى : وأهلكهم كثرة إختلافهم على أنبيائهم ، وهذا يعنى أن كثرة الخلاف سبب للهلاك
" إختلافهم على أنبيائهم " يدل على أن هناك معارضة للأنبياء

والحديث يُبين أن الدين أوامر ونواهي ، كما يُبين لنا الحديث كيفية التعامل معهما :
-فأما النواهي فيجب أن تُجتنب
-وأما الأوامر فيأتى بما يستطيع
ومن هنا استنبط أهل العلم قواعد شرعية كثيرة منها : أن المشقة تجلب التيسير
أى أنه إذا حدثت مشقة فى الفعل فإن الإنسان يتجه إلى الأقل :
-فإن كان لا يستطيع أن يصلى قائماً فإنه يصلي جالساً أو على جنب
-وإن كان لا يستطيع أن يغتسل أو يتوضأ فإنه يتيمم
-وإن كان لا يتسطيع الحراك ولا الوضوء فإنه يصلي على حاله بلا وضوء أو تيمم
-وإن كان لا يستطيع التوجه إلى القبلة فإنه يتوجه إلى أى جهة
-وإن كان لا يستطيع الصوم فإنه يؤجل الصوم ويؤخره إلى وقت سعة
إذاً المشقة تجلب التيسير

ومن القواعد التى استنبطها أهل العلم أيضاً : أن الضرورات تُبيح المحظورات :
( فلا مُحرم مع ضرورة ولا واجب مع العجز )
فالأصل أن أجتنب شرب الخمر أو أكل الميتة – مثلاً - لكن إذا كان المرء على مشارف الموت والهلاك فله أن يأكل من الميتة بقدر ما يحفظ حياته ، وإن كان سيموت من العطش فله أن يشرب الخمر إذا لم يجد غيره أيضاً بالقدر الذى يحفظ له حياته ، فالضرورة تُقدر بقدرها قال الله تعالى { يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يسروا ولا تُعسروا ، وبشروا ولا تُنفروا " فدين الإسلام قائم على السماحة والتيسير وعلى ما يستطيعه الإنسان ، ولذلك فإن النبى صلى الله عليه وسلم ما خُيــِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما
رد مع اقتباس