عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 05-29-2011, 05:28 PM
نصرة مسلمة نصرة مسلمة غير متواجد حالياً
" مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان "
 




افتراضي


الكلام الذِّي ضحكَ منه الجاحظ ضحكًا لم يضحك مثله قط .

قال أبو عثمان رحمه الله:

(صحبني محفوظٌ النقَّاشُ من مسجد الجامع ليلاً. فلما صرتُ قرب منزله -وكان منزله أقربَ إلى مسجد الجامع من منزلي- سألني أن أبِيت عنده، وقال: أين تذهب في هذا المطرِ، والبردِ ومنزلي منزلُك، وأنت في ظلمةٍ، وليس معك نارٌ، وعندي لِبَأٌ لم ير الناسُ مثلَه، وتمرٌ ناهيك به جودةً لا تصلح إلا له. فمِلتُ معه، فأبطأ ساعة، ثم جاءني بجام لِبَأ، وطبق تمر. فلما مددتُّ، قال: " يا أبا عثمان، إنه لِبَأ، وغِلَظُه، وهو الليل، وركودُه، ثم ليلةُ مطرٍ، ورطوبةٍ، وأنت رجلٌ قد طعنتَ في السِّنِّ، ولم تزل تشكو من الفالج طرفًا، وما زال الغليلُ يُسرِع إليك، وأنت في الأصل لستَ بصاحب عَشاءٍ. فإن أكلتَ اللِّبَأ، ولم تبالغ، كنتَ لا آكلاً، ولا تاركًا، وحرَشْتَ طباعَك، ثم قطعتَ الأكلَ أشهى ما كانَ إليك. وإن بالغتَ، بِتنا في ليلة سوء من الاهتمام بأمرك، ولم نعِدَّ لك نبيذًا، ولا عسلاً. وإنما قلتُ هذا الكلام لأن لاَّ تقول غدًا: كانَ، وكانَ. واللهِ قد وقعتُ بين نابَي أسدٍ، لأني لو لم أجئك به وقد ذكرته لك، قلتَ: بخِل به، وبدا له فيه. وإن جئتُ به، ولم أحذرك منه، ولم أذكرك كلَّ ما عليك فيه، قلت: لم يشفق عليَّ، ولم ينصح. فقد برئتُ إليك من الأمرين جميعًا. فإن شئتَ، فأكلةٌ، وموتةٌ. وإن شئتَ، فبعضُ الاحتمال، ونومٌ على سلامة"
.
فما ضحكتُ قطُّ كضحكي تلك الليلة. ولقد أكلته جميعًا، فما هضمه إلا الضحكُ، والنشاطُ، والسرورُ في ما أظنُّ. ولو كان معي من يفهم طِيبَ ما تكلمَ به، لأتى عليَّ الضحك، أو لقضى عليَّ. ولكنَّ ضحكَ من كان وحده لا يكون على شَطر مشاركة الأصحاب).

[البخلاء 123، دار المعارف]
التوقيع

ياليتني سحابة تمر فوق بيتك أمطرك بالورود والرياحين
ياليتني كنت يمامة تحلق حولك ولاتتركك أبدا

هجرة







رد مع اقتباس