عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 06-15-2008, 02:44 AM
الشافعى الصغير الشافعى الصغير غير متواجد حالياً
لا تهاجم الناجح وتمتدح الضعيف .. لا تنتقد المجتهد الذي يعمل وتربت علي كتف الكسول
 




افتراضي

كيف يموت الأطفال في مصر الآن؟!

بقلم د. لميس جابر ١٤/٦/٢٠٠٨
في أواخر الستينيات، أثناء دراستنا في كلية الطب، كانت نسبة الوفيات في الأطفال بمصر، من أعلي النسب علي مستوي العالم، ربما بعد الهند، وكانت النزلة المعوية والجفاف، هما القاتل الأساسي للأطفال، خاصة في الريف المصري، سواء في الدلتا أو في صعيد مصر.. واستمرت هذه الحال حتي منتصف السبعينيات،
وفي بداية عملنا في الريف أثناء التكليف، كنا نتدرب لمدة شهرين قبل العمل علي وظائف أخري، لم نكن نعلم عنها شيئاً مثل: تقييد المواليد والوفيات ومكافحة البلهارسيا وعلاجها وإجراء التحاليل، وأيضاً الكشف علي المتوفين. وأثناء التدريب ألقي أحد الأطباء محاضرة في التوعية بتحديد النسل، والإقلال من الخلفة،
وطالبنا بالدعاية لأقراص منع الحمل وإعطائها للسيدات، وعندما تسلمت الوحدة الخاصة بي، وبدأت العمل، اكتشفت أن نسبة الوفيات في الأطفال عالية جداً، وكانت السيدات ينجبن خمس عشرة مرة، ولكن لا يعيش لها سوي ثلاثة أو أربعة، فتوقفت تماماً عي أي دعاية أو توعية لتقليل النسل،
حيث وجدت أن النزلة المعوية والجفاف يقومان بالواجب خير قيام، ومن المستحيل أن تقتنع أي سيدة بالإقلال، مادام يتربص بأبنائها مرض قاتل مثل هذا.. بجانب أن الفلاح في حاجة دائمة إلي أيدي عاملة في الحقل، ولا يوجد أفضل من أبنائه،
لذا فهو في حاجة ملحة إلي المزيد.. إذن الموضوع له جوانب عديدة، ولا يمكن ببساطة وبلا وعي أن أقف بينهم لأهتف: «بطلوا خلفة»..
وبعد عشر سنوات تقريباً، بدأت نسبة الوفيات في الانخفاض مع ازدياد الوعي والرعاية الصحية إلي حد ما، وتراجعت النزلة المعوية عن قوتها كأكبر قاتل للأطفال في مصر، وتراجعت مصر عن موقعها المتقدم في وفيات الأطفال علي مستوي العالم.. ولكن جاءت هذه الأيام بأسباب جديدة ووسائل نسمع عنها للمرة الأولي لحصد حياة الأطفال، ليس من بينها أي أمراض أو أوبئة..
بدأنا نقرأ عن طفل تركته أمه بجوار باب جامع قبل صلاة الفجر، لعدم قدرتها علي رعايته، ولا الإنفاق عليه، فنهشته الكلاب الضالة قبل نهاية الصلاة.. كانت صورة وجهه في الجرائد تدمي القلب، وهو بعد لم يكمل الشهر السادس من عمره.. وآخر خنقته أمه بيديها للسبب نفسه، وهو مازال في شهره الرابع، وثلاثة آخرين ما بين العشرة شهور والعشرة أعوام قتلهم الأب بعدما طار عقله من شدة العوز وقسوة الاحتياج،
وغيرها من الحالات التي ترصد خللاً واضحاً في المجتمع، الذي تهرأت قوانينه وغفلت عيون الإنسانية في وجه أولي أمره، يحيا فيه البشر بلا ضمان اجتماعي أو صحي، وكأنهم في الصحراء أو في غابة تتشابك فيها الأشجار، حتي تحجب الأنوار ويموت من يموت في ظلام دامس، ولم تأبَ مستشفيات وزارة الصحة، إلا أن تشارك، فقتلت أربعة مواليد داخل الحضانات، عندما انقطعت الكهرباء لتتوقف أجهزة الإعاشة،
لأنه لا يوجد مولد كهربائي يعمل تلقائياً، وهو من الأشياء الأساسية التي لابد أن تتواجد في أي مستشفي لبني الإنسان علي وجه الأرض.. اختنق الرضع الأربعة وهم في المهد في ساعاتهم الأولي بين محاولات الأطباء البائسة، وصراخ الممرضات قليلات الحيلة..
وهكذا تحول موت الأطفال نتيجة المرض إلي قتل، يتسبب فيه الإهمال والفقر.. كل هذا يحدث في مصر، ولا يريد أحد أن يعترف بأننا نحيا فترة تراجع إنساني خطير، وخلل اجتماعي أخطر، رغم أن الاستثمار يتقدم بسرعة البرق... وعجبي.
 

رد مع اقتباس