عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 03-18-2011, 12:10 AM
عبد الملك بن عطية عبد الملك بن عطية غير متواجد حالياً
* المراقب العام *
 




افتراضي

د - لا يقتل المسلم بالكافر
هذه عنوان ترجمة في صحيح البخاري ، ذكر فيها الإمام البخاري - رحمه الله - هذا الحديث :
حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا زهير ، حدثنا مطرف أن عامرا حدثهم ، عن جحيفة قال : قلت لعلي . ح حدثنا صدقة بن الفضل ، أخبرنا ابن عيينة ، حدثنا مطرف سمعت الشعبي يحدث قال : سمعت أبا جحيفة قال : سألت عليا رضي الله عنه هل عندكم شيء مما ليس في القراّن ؟ وقال ابن عيينة : مرة ماليس عند الناس ؟ فقال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القراّن ، إلا فهما يعطى رجل في كتابه وما في الصحيفة . قلت : وما في الصحيفة ؟ قال : العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر "
هذا الحديث مما يحتج به جمهور العلماء على أن المسلم لا يقتل إذا قتل كافرا ولو كان ذميا ، وهذا هو الفرق الرابع فإن المسلم إذا قتله مسلم أو ذمي يجب قتله إجماعا ، أما الذمي إذا قتله المسلم فلا يجوز قتله عند الجمهور ، وخالف الأحناف فقالوا يقتل المسلم إذا قتل الذمي ، وقال الشعبي والنخعي يقتل إذا قتل الذمي اليهودي أو النصراني دون المجوسي ، وقد بحث الحافظ ابن حجر - رحمه الله - هذه المسألة بحثا شافيا كافيا فأجاد وأفاد على عادته - رحمه الله - وأثبت رجحان مذهب الجمهور - رحمهم الله - مما لا يدع قولا لقائل .
* قال الحافظ - رحمه الله - : " وأما ترك قتل المسلم بالكافر فأخذ به الجمهور ، إلا أنه يلزم من قول مالك في قاطع الطريق ومن في معناه إذا قتل غيلة أن يقتل ولو كان المقتول ذميا استثناء هذه الصورة من منع قتل المسلم بالكافر ، وهي لا تستثنى في الحقيقة ؛ لأن فيه معنى اّخر وهو الفساد في الأرض ، وخالف الحنفية فقالوا : يقتل المسلم بالذمي إذا قتله بغير استحقاق و لا يقتل بالمستأمن ، وعن الشعبي والنخعي يقتل باليهودي والنصراني دون المجوسي ، واحتجوا بما وقع عند أبي داود من طريق الحسن عن قيس بن عباد عن علي بلفظ : " لا يقتل مؤمن بكافر و لا ذو عهد في عهده " وأخرجه أيضا من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وأخرجه ابن ماجة من حديث ابن عباس والبيهقي عن عائشة ومعقل بن يسار ، وطرقه كلها ضعيفة إلا الطريق الأولى والثانية فإن سند كل منهما حسن ، وعلى تقدير قبوله فقالوا : وجه الاستدلال منه أن تقديره و لا يقتل ذو عهد في عهده بكافر ، قالوا : وهو من عطف الخاص على العام فيقتضي تخصيصه ، لأن الكافر الذي يقتل به ذو العهد هو الحربي دون المساوي له والأعلى ، فلا يبقى من يقتل بالمعاهد إلا الحربي فيجب أن يكون الكافر الذي لا يقتل به المسلم هو الحربي تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه ، قال الطحاوي : ولو كانت فيه دلالة على نفي قتل المسلم بالذمي لكان وجه الكلام أن يقول و لا ذي عهد في عهده و إلا لكان لحنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يلحن ، فلما لم يكن كذلك علمنا أن ذا العهد هو المعني بالقصاص فصار التقدير لا يقتل مؤمن و لا ذو عهد في عهده بكافر ، قال : ومثله في القراّن " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن " فإن التقدير واللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن ، وتعقب بأن الأصل عدم التقدير والكلام مستقيم بغيره إذا جعلنا الجملة مستأنفة ، ويؤيد اقتصار الحديث الصحيح على الجملة الأولى ، ولو سلم أنها للعطف فالمشاركة في أصل النفي لا من كل وجه ، وهو كقول القائل مررت بزيد منطلقا وعمرو فإنه لا يوجب أن يكون بعمرو منطلقا أيضا بل المشاركة في أصل المرور ، وقال الطحاوي أيضا : لا يصح حمله على الجملة المستأنفة ؛ لأ سياق الحديث فيما يتعلق بالدماء التي يسقط بعضها ببعض ؛ لأن في بعض طرقه " المسلمون تتكافأ دماؤهم " وتعقب بأن هذا الحصر مردود ، فإن في الحديث أحكاما كثيرة غير هذه ، وقد أبدى الشافعي له مناسبة فقال : يشبه أن يكون لما أعلمهم أن لا قود بينهم وبين الكفار أعلمهم أن دماء أهل الذمة والعهد محرمة عليهم بغير حق فقال : " لا يقتل مسلم بكافر و لا يقتل ذو عهد في عهده " ومعنى الحديث لا يقتل مسلم بكافر قصاصا و لا يقتل من له عهد ما دام عهد باقيا ، وقال ابن السمعاني : وأما حملهم الحديث على المستأمن فلا يصح ؛ لأن العبرة بعموم اللفظ حتى يقوم دليل على التخصيص ، ومن حيث المعنى أن الحكم الذي يبنى في الشرع على الإسلام والكفر إنما هو لشرف الإسلام أو لنقص الكفر أو لهما جميعا فإن الإسلام ينبوع الكرامة والكفر ينبوع الهوان ، وأيضا إباحة دم الذمي شبهة قائمة لوجود الكفر المبيح للدم والذمة إنما هي عهد عارض منع القتل مع بقاء العلة فمن الوفاء بالعهد أن لا يقتل المسلم ذميا فإن اتفق القتل لم يتجه القول بالقود ؛ لأن الشبهة المبيحة لقتله موجودة ومع قيام الشبهة لا يتجه القود . قلت : وذكر أبو عبيد بسند صحيح عن زفر أنه رجع عن قول أصحابه فأسند عن عبد الواحد بن زياد قال قلت لزفر إنكم تقولون تدرأ الحدود بالشبهات فجئتم إلى أعظم الشبهات فأقدمتم عليها المسلم يقتل بالكافر ، قال : فاشهد علي أني رجعت عن هذا وذكر ابن العربي أن بعض الحنفية سأل الشاشي عن دليل ترك قتل المسلم بالكافر قال وأراد أن يستدل بالعموم فيقول أخصه بالحربي ، فعدل الشاشي عن ذلك فقال وجه دليلي السنة والتعميم ؛ لأن ذكر الصفة في الحكم يقتضي التعليل فمعنى لا يقتل المسلم بالكافر تفضيل المسلم بالإسلام . فأسكته . ومما احتج به الحنفية ما أخرجه الدارقطني من طريق عمار بن مطر عن إبراهيم بن أبي يحيى عن ربيعة عن ابن البيلماني عن ابن عمر قال : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما بكافر ، وقال : " أنا أولى من وفى بذمته " قال الدارقطني : إبراهيم ضعيف ولم يروه موصولا غيره ، والمشهور عن ابن البيلماني مرسلا ، وقال البيهقي : أخطأ راويه عمار بن مطر على إبراهيم في سنده ، إنما يرويه إبراهيم عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني ، هذا هو الأصل في هذا الباب ، وهو منقطع وراويه غير ثقة ، كذلك أخرجه الشافعي وأبو عبيد جميعا عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى . قلت : لم ينفرد به إبراهيم كما يوهمه كلامه ، فقد أخرجه أبو داود في المراسيل والطحاوي من طريق سليمان بن بلال عن ربيعة عن ابن البيلماني ، وابن البيلماني ضعفه جماعة ووثق فلا يحتج بما ينفرد به إذا وصل ، فكيف إذا أرسل ، فكيف إذا خالف : قاله الدارقطني . وقد ذكر أبو عبيد بعد أن حدث به عن إبراهيم ، بلغني أن إبراهيم قال : أنا حدثت به ربيعة عن ابن المنكدر عن ابن البيلماني ، فرجع الحديث على هذا إلى إبراهيم ، وإبراهيم ضعيف أيضا ، قال أبو عبيد : وبمثل هذا السند لا تسفك دماء المسلمين . قلت : وتبين أن عمار بن مطر خبط في سنده ، وذكر الشافعي في " الأم " كلاما حاصله أن في حديث ابن البيلماني أن ذلك كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو ابن أمية ، قال فعلى هذا لو ثبت لكان منسوخا ؛ لأن حديث " لا يقتل مسلم بكافر " خطب به النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح كما في رواية عمرو بن شعيب ، وقصة عمرو بن أمية متقدمة على ذلك بزمان . قلت : ومن هنا يتجه صحة التأويل الذي تقدم عن الشافعي ، فإن خطبة يوم الفتح كانت بسبب القتيل الذي قتلته خزاعة وكان له عهد ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " لو قتلت مؤمنا بكافر لقتلته به " وقال : " لا يقتل مؤمن بكافر و لا ذو عهد في عهد " فأشار بحكم الأول إلى ترك اقتصاصه من الخزاعي بالمعاهد الذي قتله وبالحكم الثاني إلى النهي عن الإقدام على ما فعله القاتل المذكور ، والله أعلم . ومن حججهم قطع المسلم بسرقة مال الذمي ، قالوا والنفس أعظم حرمة ، وأجاب ابن بطال بأنه قياس حسن لولا النص ، وأجاب غيره بأن القطع حق لله . ومن ثم لو أعيدت السرقة بعينها لم يسقط الحد ولو عفا ، والقتل بخلاف ذلك . وأيضا القصاص يشعر بالمساواة و لا مساواة للكافر والمسلم ، والقطع لا تشترط فيه المساواة " فتح الباري ج 12 ص 366 - 368

ما يجب على المسلم إذا قتل الذمي ؟
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في رجل يهودي قتله مسلم فهل يقتل به أو ماذا يجب عليه
فأجاب - رحمه الله - : " الحمد لله . لا قصاص عليه عند أئمة المسلمين و لا يجوز قتل الذمي بغير حق ، فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يقتل مسلم بكافر ولكن يجب عليه الدية فقيل الدية الواجبة نصف دية المسلم وقيل ثلث ديته وقيل يفرق بين العمد والخطأ فيجب في العمد مثل دية المسلم ويروى ذلك عن عثمان بن عفان أن مسلما قتل ذميا فغلظ عليه وأوجب عليه كمال الدية وفي الخطأ نصف الدية ففي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل دية الذمي نصف دية المسلم وعلى كل حال تجب كفارة القتل أيضا وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين " الفتاوى الكبرى لابن تيمية ج4 ص 187 طبعة دار القلم
* إذن لو قتل المسلم رجلا ذميا عمدا فإنه تجب له الدية كاملة وإن كانت المقتولة امرأة فلها نصف الدية ، أما إن قتل المسلم الرجل الذمي خطأ فله نصف الدية ، وللمرأة الذمية نصف دية الرجل الذمي .

قتل الذمي من كبائر الذنوب
ليس معنى عدم قتل المسلم بالذمي جواز قتل الذمي أو التخفيف من قتله ، بل إن قتله من كبائر الذنوب ، فقد روى ابن ماجة والحاكم - رحمهما الله - بسند صححه الألباني - رحمه الله - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قتل رجلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما " وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم - رحمهم الله - بسند صححه الألباني - رحمه الله - من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل معاهدا في غير كنهه ، حرم الله عليه الجنة " .
رد مع اقتباس