عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 04-14-2008, 05:15 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

سلسلة كيف تكون طالب علم؟
المحاضرة الرابعة

الأدب الثاني
العمل بالعلم
يقول الإمام محمد عبد الوهاب -رحمه الله- في رسالته "الأصول الثلاثة"(
اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل؛
الأولى: العلم وهو: معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة
الثانية: العمل به
الثالثة: الدعوة إليه
الرابعة: الصبر على الأذى فيه
والدليل قوله تعالى:{والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-(لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم
).

هذا الكلام من أنفس الكلام وأعظمه لأنه يبين لك أصول النجاة التي تنجو بها من عذاب الله تعالى.
إذا طلب طالب العلم فإنه لابد أن يكون مع نيته لله تعالى، وأن يكون هناك عمل بهذا العلم، وإن لم يفعل فسيكون وبالا عليه.
يقول صلى الله عليه وسلم:[ لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ].

ثمرة العمل بالعلم

العمل بالعلم له آثار عظيمة:
1) أن من عمل بعلمه أورثه الله عز وجل علم ما لم يعلم.
والدليل على هذا قول الله عز وجل:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }[محمد:17].

2) ثبات في العلم وحفظ له.
ولهذا يقول العلماء(العمل بالعلم يوجب ثباته).
وفي المقابل الذي لا يعمل بالعلم فإنه يؤدي إلى عدم بركة هذا العلم الذي يحمله.
يقول الله سبحانه وتعالى:{فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ}[المائدة:13].

3) النجاة من عذاب الله عز وجل.
في الحديث الصحيح عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:[ يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه ].
حكيم هذه الأمة أبو الدرداء -رضي الله عنه - يقول(إنما أخاف أن يُقال لي يوم القيامة: أعلمت أم جهلت؟ فأقول: علمت، فلا تبقى آية من كتاب الله تعالى آمرة أو ناهية إلا وجاءتني تسألني فريضتها، فتسألني الآمرة هل ائتمرت، والزاجرة هل ازدجرت، فأعوذ بالله من علم لا ينفع).

4) يكون مع صاحبه قبيل، فهو أدعى لأن يقبل الناس من دعوته وكلامه وحديثه.
ولهذا يقول السلف( إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا).

يا واعظ الناس قد أصبحت متهما *** إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها.

5) أنه علامة على قبول الله تعالى لعبده.
الحسن -رحمه الله- يقول( كان طالب العلم يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وهديه ولبسه ولسانه وبصره).
ولهذا أم سفيان الثوري -رحمه الله- كانت تقول لابنها(يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم ترى فلا تتعنى يا بني فإنه لا ينفعك).

الأدب الثالث
خلق التواضع
التواضع محمود من الناس وهو صفة جميلة، وهو من صفات المؤمنين وصفات عباد الرحمن عز وجل كما قال سبحانه وتعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً}[الفرقان:63].
والمؤمن هو الذي يكون متواضعا لأهل الإيمان كما قال سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}[المائدة:54].
يقول صلى الله عليه وسلم:[ إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ]، ويقول عليه الصلاة والسلام:[ لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ].

كيف يكون التواضع خلقا في حياة طالب العلم؟
1) التواضع في كلامه:
ولهذا كما في الأثر(من لانت كلمته وجبت محبته).

2) التواضع لله عز وجل:
وكما يقول عمر -رضي الله عنه-(إن العبد إذا تواضع لله رفعه الله سبحانه وتعالى).
يقول أيوب السختياني -رحمه الله-(يجب على طالب العلم أن يضع التراب على رأسه من خشية الله سبحانه وتعالى).
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كان مضرب المثل في خضوعه وخشيته لله عز وجل، يقول ابن القيم -رحمه الله-(والله لقد شاهدت من شيخ الإسلام من ذلك أمرا عجبا لم أشاهده من غيره -رحمه الله-، كان يقول عن نفسه: ما لي شيء ولا مني شيء ولا لي شيء، وكان كثيرا ما يقول: أنا المكدي وابن المكدي وكذا كان أبي وجدي).

[ فائدة ]
أرشدنا شيخنا الحبيب راشد الزهراني -حفظه الله- إلى كتاب نفيس ليبسط لنا هذه المسألة وهو كتاب للإمام ابن القيم -رحمه الله- "طريق الهجرتين".

ولهذا فإن من دعاء السلف الصالح(اللهم واجعلنا أغنى خلقك بك، وأفقر عبادك إليك).

التواضع هو الانقياد للحق.
ولهذا يقول العلماء:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر *** على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسـه *** إلى طبقات الجو وهو وضيـع.


3) التواضع مع العلماء:
عمر -رضي الله عنه- يقول(تعلموا العلم وعلموه الناس وتواضعوا لمن تتعلمون منهم).
طالب العلم لن يتحقق له التواضع في هذا الأمر إلا بثلاثة أمور:
أ- لا يحقر من دونه في العلم.
ب- لا يحسد من فوقه في العلم.
ج- لا يأخذ على علمه ثمنا.
ولهذا يقول العلماء(المتواضع من طلاب العلم أكثر الناس علما كما أن المكان المنخفض أكثر مكانا يمتلأ فيه الماء).

العلم حرب للفتى المتعالي *** كالسيل حرب للمكان العالي.

[ تحذير ]
ومن هنا نحذر مما يسمى بالشبر في العلم.
يقول العلماء(
العلم ثلاثة أشبار:
- من دخل الشبر الأول تكبر وانتفخ وظن أنه إمام الدنيا.
- فإذا دخل الشبر الثاني رأى بأن العلم بدأ يكبر قال تواضع.
- فإذا دخل الشبر الثالث علم أنه لم يؤتى من العلم إلا قليلا
).

الأدب الرابع
إتباع السنة
وهذا فرد من أفراد العمل بالعلم.
يقول الإمام إبراهيم الحربي -رحمه الله-(ينبغي للرجل إذا سمع شيئا من أدب النبي صلى الله عليه وسلم أن يمثل هذا الأمر ويعمل به حتى يكون متبعا للمصطفى عليه الصلاة والسلام).
يقول سفيان الثوري -رحمه الله-(لو استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل).
يقول عبد الله بن محمد بن عبد العزيز(ذهبت إلى الإمام أحمد -رحمه الله- وطلبت منه أن يكتب لي كتابا إلى سويد بن سعيد -رحمه الله- فكتب لي: إن فلانا يكتب الحديث، فقلت: يا إمام لو كتبت أنه من أهل الحديث حتى تكون أدعى عند الإمام، فقال: أهل الحديث عندنا هم الذين يعملون ويستعملون حديث النبي صلى الله عليه وسلم).
رد مع اقتباس