عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 04-14-2008, 05:10 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

مالك -رحمه الله- كان في مجلسه إذا ذُكر النبي عليه الصلاة والسلام يبكي بكاء عظيما وشديدا حتى يرحمه تلاميذه، فقالوا له: يا إمام إنك لتجد شيئا عظيما في بكائك، فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم، كنا نأتي محمد بن المنكدر سيد القراء والعلماء في زمانه -رحمه الله- فإذا ذكر عنده النبي عليه الصلاة والسلام فإنه يبكي بكاء عظيما حتى نرحمه.

وكان جعفر بن محمد كثير المزاح والتبسم فإذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام اصفر لونه هيبة للنبي صلى الله عليه وسلم.

الإمام مالك -رحمه الله- كان إذا أراد أن يذهب إلى مسجد النبي غليه الصلاة والسلام ليعلم الناس حديثه عليه الصلاة والسلام توضأ وتطيب وتهيأ لذلك، فإذا سمع أحدا يرفع صوته قال: اخفض صوتك فقد قال الله عز وجل:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ }[الحجرات:2] ونحن في مجلس حديثه عليه الصلاة والسلام.



سعيد بن المسيب يقول أحد تلاميذه: عدته وهو مريض مضطجع فسألته عن حديث، فقام وتحامل على نفسه حتى قعد وتهيأ وأخبره بحديث النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: رحمك الله لا أريد أن أشق عليك، قال: هذا ليس لك وإنما هو تعظيم واحترام لحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام.
[ تنبيه ]
إن من الأدب الذي يذكره العلماء في كتب الحديث أنه يُنهى أن يكتب طالب العلم بعد قوله محمد حرف (ص) اختصارا لقوله صلى الله عليه وسلم، وبعض الناس يكتب حرف (ع) اختصارا لقوله عز وجل، لأن ليس فيه أدب مع النبي عليه الصلاة والسلام ومع الله سبحانه وتعالى.

3) الأدب مع العلماء:
يجب على طالب العلم أن يعرف لأهل العلم والفضل مكانتهم، وأن يعرف لهم سابقتهم، وأن يجلهم ويوقرهم، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم:[ ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه ].
من علامات أن طالب العلم يطلب بعلمه وجه الله تعالى أن يوقر العلماء ويجلهم ويحترمهم وأن يعرف لهم فضلهم ومكانتهم وسابقتهم في دين الله عز وجل.
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا تحدث عن مناقب أبي بكر -رضي الله عنه- يقول(هذا سيدنا بلال حسنة من حسنات أبي بكر -رضي الله عنه-).
يحي بن سعيد -رحمه الله- كان يجالس ربيعة، فإذا غاب ربيعة حدثهم يحي بن سعيد بأحسن الحديث وبأجمله وأجله، فإذا حضر ربيعة امتنع يحي عن التدريس وكف عن ذلك إجلالا وتعظيما وتقديرا لربيعة -رحمه الله-.
الإمام الشافعي يقول: قدِمت المدينة فرأيت من مالك ما يجعلني أحبه وأعظمه وأقدره وأُجِله وأهابه -رحمه الله- حتى إني كنت إذا أخذت الكتاب أريد أن أتصفحه وهو أمامي أتصفحه تصفحا رقيقا حتى لا يسمعني -رحمه الله-.
ولأنه تأدب مع إمامه بهذا الأدب أتى الربيع بن سليمان -رحمه الله- يقول: والله ما اجترأت أن أشرب الماء وأنا بحضرة الشافعي -رحمه الله- هيبة أن ينظر إلي -رحمهم الله جميعا-.
عبد الله ابن الإمام أحمد -رحمه الله- قال: يا والدي إني أراك تكثر الثناء على محمد بن إدريس الشافعي فلماذا؟ فقال: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن فانظر هل لهذين من خلف.
فقيل للشافعي: إنا نرى أن الإمام أحمد يتردد على منزلك، فقال -رحمه الله-:
قالوا يزورك أحمد وتزوره *** قلت الفضائل ما تعدت منزلا
إن زارني فلفضله أو زرته فلفضله *** فالفضل في الحالين له.

فمن طعن في العلماء واشتغل فيهم إلا أذاقه الله سبحانه الحرمان في الدنيا والبعد عن العلم الشرعي.
وكما يقول أبو هلال العسكري -رحمه الله-(اعلم -رحمك الله- أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة).
يقول ابن عساكر -رحمه الله- كما يذكر عنه الإمام الذهبي -رحمه الله-[السير:19/581-582]: كان العبدري -رحمه الله- حافظا فقيها داووديا، لكن كان سليط اللسان، سمعته مرة وقد ذكر عنده اسم الإمام مالك، قال: مالك ذاك جلف جاف
ضرب هشام بن عمار بالدرة، وقرأت عليه كتاب "الأموال" لأبي عبيد، قال: وقد مر قول لأبي عبيد قال: ما كان إلا حمارا مغفلا لا يعرف شيئا في الفقه، يقول: تحملنا، فكنا يوما عنده فذكر له إبراهيم النخعي (وكان أعورا -رحمه الله-) يقول: ذاك أعور سوء، يقول: فجلسنا يوما في منزل السمرقندي فقرأنا كتاب "الكامل" فذكر ابن عدي شيئا فقال: ابن عدي يكذب هذا القول ليس قول فلان وإنما هو قول فلان، فقام ابن عساكر فقال: إلى متى نتحمل هذا منك، فإن لم تتأدب معهم فلن نتأدب معك، فقال: لقد تلق العلم على يدي فلان وفلان وفلان ولم يقولوا ما قلت، فقال: إنما نحترمك ما احترمت العلماء فإذا أهنتهم يأتيك منا ما قد سمعت.

4) الأدب مع الخلق بشكل عام:
الخلق: فيهم الأب والأم والزوجة والأبناء والبنات والأخ والأخت والأقارب وذوي الرحم وأهل الإسلام بشكل عام، وأيضا يدخل حتى غير المسلمين.
فيجب على طالب العلم أن يكون متقيدا بالأدب مع هؤلاء الجميع.
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية بن الحكم السلمي يقول: دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس في المسجد فعطس رجل، أتى من الأعراب فقلت: يرحمك الله، فأخذ الناس يضربون على أفخاذهم، ثم ابتدروا ينظرون إلي بأبصارهم ففزعت وقلت: واثكل أمياه لماذا تنظرون إلي هكذا؟ فأخذوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم حتى سكتت، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاته، والله ما رأيت معلما قط أحسن منه، والله ما نهرني ولا كهرني وإنما قال لي:[ إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي للذكر ولقراءة القرآن ].
وأيضا ذلك الأعرابي الذي دخل في المسجد فذهب في آخر المسجد يقضي حاجته.

5) أدب طالب العلم في نفسه:
يجب على طالب العلم أن يهذب روحه، وأن يكون لهذا القرآن الكريم ولهذه السنة أثر في حياته.
الأخلاق التي سنتكلم عنها كثيرة ولكن هي على قسمين:
أ- أخلاق جبلية: جبلك الله تعالى عليها.
ولهذا لما قال النبي عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس:[ إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة ]، قال: يا رسول الله أهما أمران اكتسبتهما أم سجية من الله عز وجل؟ فقال:[ بل هي من الله سبحانه وتعالى ]، قال: الحمد لله الذي جعلني على ما يرضي الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.
ب- أخلاق مكتسبة: التي يكتسبها الإنسان، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم:[ إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرى الخير يعطه، ومن يتوقى الشر يوقه ].

الأخلاق التي سنتحدث عنها على قسمين:
أ- أخلاق قلبية: لها علاقة بقلب الإنسان.
ب- أخلاق عملية: في تعامل طالب العلم مع الآخرين.

الأدب الأول
المسألة الأولى
الإخلاص لله سبحانه وتعالى
العلم من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى إذا أخلص النية لله تعالى، فإذا فَقَدَ العلم النية يكون الأمر بالعكس، ينتقل هذا العلم من أعظم الطاعات إلى أحط المخالفات، وبدلا من أن تكون تبحث عن باب من أبواب الجنة وإذا بك تسير إلى طريق من طرق جهنم والعياذ بالله تعالى.
الله عز وجل أمر بإخلاص النية له فقال:{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[غافر:14]، وقال سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة:5]، وقال سبحانه:{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ }[الشورى:20].
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[ إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ].
وهذا معنى قول الإمام ابن القيم -رحمه الله-(يقف رجلان يصليان لله عز وجل يبتدئان الصلاة وينتهيان في وقت واحد بينهما من الأجر كما بين السماء والأرض).
الواجب على طالب العلم أن يتعاهد نفسه ونيته حتى يكون العمل لله عز وجل.

المسألة الثانية
التحذير من الرياء
يقول صلى الله عليه وسلم:[ أول ما يُقضى في الناس يوم القيامة ثلاثة.. ] ذكر منهم عليه الصلاة والسلام:[ رجل قرأ القرآن وعلمه، فيؤتى يوم القيامة فيعرف بنعم الله عز وجل فيعرفها فيقال له: فماذا عملت؟ قال: يا رب قرأت القرآن وعلمته فيك، فيقول الله: كذبت بل قرأت القرآن ليقال قارىء وعلمت العلم ليقال عالم فقد قيل، ثم يؤمر به فيسحب على وجهه في نار جهنم ].
وفي الحديث الذي رواه ابن ماجة وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله-:[ من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه فهو في النار ].

المسألة الثالثة
ما حكم العمل إذا خالطه الرياء؟
الأمر لا يخلو من أوجه:
الوجه الأول: أن يكون رياء محضا من أصل العمل لا يراد به إلا مراءاة الناس.
هذا بالإجماع أنه عمل باطل لا يقبل الله عز وجل من صاحبه، وهذه حال المنافقين كما قال الله عز وجل:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }[النساء:142]، وقال تعالى:{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[الأنفال:47].

الوجه الثاني: أن يكون العمل في أصله لله عز وجل فيشاركه الرياء، فإن شاركه من أصل العمل فهو باطل للحديث الصحيح الذي قاله صلى الله عليه وسلم:[ أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ]، فإن طرأ على النية الرياء فإن كانت خاطرة فدفعها لا شيء عليه، فإن استمرت واسترسلت فالصحيح أنه يجازى على أصل نيته.
رد مع اقتباس