عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 10-20-2010, 04:59 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي



الدرس السابع

ذكرنا في نهاية الدرس السابق هذه العبارة
(أن يسجد لله شكراً عند تجدد النِعَم)

سؤال : نحن نعيش فى نعم كثيرة : لنا أعين نُبصر بها وآذان نسمع بها وأصوات نتكلم بها وغير ذلك كثير . فهل يُشرع لنا أن نسجد دائماً ؟
الإجابة :

لا بالطبع ، وذلك لأننا نتبع السُنة فى أعمالنا ، والسُنة السجود عند حدوث نعمة متجددة ، فالمشروع السجود بتجدد النعم مثل إذا أتاك خبر يسُرك أو نجّاك الله من عدو أو مصيبة .. إلخ ، فالسجود للنعمة المتجددة يُذكّر بالنعمة المستدامة ، والنعمة المتجددة تستوجب عبادة متجددة ، ولأن طروء النعمة يُسبب بطر وأشر ، فلذلك شرع السجود وهو أن تجعل رأسك ( أعلى ما فى جسدك ) تحت وأسفل إظهاراً للخضوع والذل لرب العالمين وكسر النفس فلا تبطر بالنعم ، ولذلك فإنك تجد أهل الجهل عند حدوث فرحة أو نعمة يصيحون ويفعلون المعاصى ويشعرون بالخيلاء والعُجب ، ومثال ذلك ما يحدث عند الزواج فهذه نعمة عظيمة لكن عند حدوثها تجد الكثير لا يشكرون بل يفعلون المعاصى بإسم الفرح وأنها ليلة العُمر فكل شئ مُباح ، ونسوا قول رصول الله صلى الله عليه وسلم :" صوتان ملعونان فى الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ، ورنة عند مصيبة " حديث حسن ، وهو من أدلة تحريم المعازف .
(8) تذكر أن هذه المصيبة أخف من أعظم منها ، قال عبد العزيز بن أبى رواد : رأيت فى يد محمد بن واسع قرحة ، وكأنه رأى ما شق علىّ منها ، فقال لى : أتدرى ماذا لله علىّ فى هذه القرحة من نعمة ؟ لم يجعلها فى حدقتى ولم يجعلها فى طرف لسانى أهون أنها صارت فى يدى فهذه نعمة تستدعى الشكر عليها وينبغى السجود شكراً لله .
(9) الإعتناء بالنعمة والمحافظة عليها : وخاصةً مافيه رفعة للدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحسن الرمى ثم تركه فقد ترك نعمة من النعم " ، وفى رواية " من ترك الرمى بعد أن علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها " حديث صحيح ، فهذه نعمة لأنه يُعين على الجهاد ويرفع به الدين . .ومن ذلك الإعتناء بفضلات الطعام وإطعامها للدواب أو الطيور ، فإن من كفران النعمة أن تُلقيها فلا يستفيد منها أحد وإن كان ولابد فأجعلها فى لفافة بعيداً عن القمامة لعلّ أحد يستفيد منها .
(10 ) أن تشكر الناس على إحسانهم إليك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من لم يشكر الناس لم يشكر الله " صحيح ، وحديث " أشكر الناس لله أشكرهم للناس " .
(11 ) النظر الى النعمة والتفكر فى وجود ضدها الذى كان موجوداً من قبل ، مثال النظر إذا كان ذاكراً لله على الدوام أيام كان غافلاً لاهياً ، وإذا كان قارئاً أيام كان لا يقرأ ، وإذا كان له أبناء صالحين أيام أن لم يكن له أولاد ... إلخ

سؤال : ماهى أسباب تقصير العباد عن شكر نعمة الله ؟

الإجابة : لم يُقصّـر الخلق شكر نعمة الله إلا بسبب الجهل والغفلة ، فلا يُتصور شكر نعمة بدون معرفتها ، وإن عرفوا ظنوا أن الشكر عليها هو أن يقول بلسانه ( الشكر لله ) ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن تستعمل النعمة فى إتمام الحِكَـم التى أُريدت بها وهى : طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولغفلة الناس وجهلهم لا يعدون ما يَعُـم الخلق فى جميع أحوالهم نعمة ، لذلك لا يشكرون على جملة ما يجدون من نعم الله التى تفضل بها على خلقه لأنها عامة للخلق مبذولة لهم فى جميع الأحوال ، فما يجدونه غير مختص بهم لا يعدونه نعمة ، ومن ذلك تجدهم لا يشكرون نعمة الهواء ، ولو أخذ بمخنقهم لحظة حتى انقطع عنهم الهواء لماتوا ، ولو سلّط على الهواء بعض الناس لمنعوه غيرهم وتحكموا فيه ، وهذا مثال للغفلة والجهل إذ صار أيضاً شكرهم موقوفاً على أن تُسلب عنهم النعمة ثم تُرد إليهم فى بعض الأحوال وقد لا تُرد فتجد البصير لا يشكر نعمة البصر إلا أن يفقده فيشعر بالنعمة التى كان فيها ، فإذا أُعيد إليه بصره أحسّ بالنعمة وشكرها ، ومثل هذا مثل عبد السوء يُضرب دائماً فإذا تُرك ضربه ساعة : شكر ، وإن تُرك ضربه أصلاً غلبه البَـطر وترك الشكر ، فأنظرى ما تجديه من نفسك وأختارى ما ترضيه لها ..
كما أنه من الغفلة التى جعلت الناس لا يشكرون هو إعتقادهم أن المال هو النعمة التى تستوجب الشكر وما عداه ينسونه ، كما رُوى أن بعضهم شكا فقره الى بعض أرباب البصيرة وأظهر شدة إغتمامه بذلك فقال له : [ أيسـرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفاً ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أما تستحى أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفاً ؟ !! ]
ودخل ابن السماك على الرشيد فى عِظَـة فبكى ودعا بماء فى قدح ، فقال : [ يا أمير المؤمنين لو مُنِعْتَ هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفديها ؟ قال : نعم . قال : فأشرب ريّـاً بارك الله فيك ، فلما شرب قال له : يا أمير المؤمنين أرأيت لو مُنِعْتَ إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفتدى ذلك ؟ قال : نعم .. قال : فما تصنع بشئٍ شربة ماءٍ خير منه ؟ ] وهذا يُبين أن شربة ماءٍ عند العطش أعظم من مُلك الأرض ، ثم تسهيل خروجها من أعظم النعم ، وفى هذا إشارة الى النعم التى يغفل عنها الكثير .
ومن النِعَم التى تستدعى شكر الله ليل نهار لكن أيضاً للغفلة والجهل كثير إلا من رحم ربى لا يفعلون وهى أن جعله الله مؤمناً لا كافراً ، وحياً لا ميتاً ، وإنساناً لا بهيمةً ، وصحيحاً لا مريضاً ، وعاقلاً لا مجنوناً ، وسليماً لا معيباً وأن الله ستر مساويه حيث أظهر الجميل وستر القبيح فما من أحدٍ إلا وهو يعرف بواطن نفسه ولو كشف الغطاء عنه لأفتضح على رؤوس الأشهاد ، وكان البعض يقول : [ لو كانت للذنوب رائحة لأبى الناس أن يَلقونى فى الطرقات ] .. فما أعظمها من نعمة وهى ستر الذنوب والمعاصى عن سائر العباد .

سؤال : بعد أن عرفنا شكر العبد فكيف يكون شكر الرب ؟

الإجابة : إن شكر الله ليس على نعمة بذلها العبد لربه فيشكره عليها ، فإن الله هو المانح دائماً والعبد هو الممنوح دائماً ، وليس لأحدٍ على الله منة ، بل المنة كلها من قبل ومن بعد لله ، ولذلك جاء فى تفسير شكر الله أنه القدرة على إثابة المحسن وأنه لا يضيع أجر العاملين ، فهو سبحانه يوفق عباده للخير ثم يعطيهم ويُثيبهم على العمل بهذا الخير الذى ساقه إليهم . والله يشكر القليل من العمل ويُعطى عليه الثواب الجزيل فالحسنة بعشر أمثالها ويُضاعف لمن يشاء . ويشكر عبده بأن يُثنى عليه فى الملأ الأعلى ويذكره عند الملائكة ويجعل ذكره فى الأرض بين العباد. كما أن العبد إذا ترك شيئاً لله أبدله الله أفضل منه شكراً له ، ألم ترى لمّا عَقَرَ سُليمان الخيل غضباً لله لمّا أشغلته عن ذكر الله فعوضه الله عنها بالريح وعلى متنها يكون سفره وتحمل جنوده من الإنس والجن ، ولمّا ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها فى سبيل الله عوضهم الله عنها بالدنيا وفتح عليهم مُلك فارس والروم ، ولمّا تحمّـل يوسف الصديق عليه السلام ضيق السجن شكر الله ذلك له ومكّن له فى الأرض يتبوء منها حيث يشاء ، ولمّا بذل الشهداء دماءهم فى سبيل الله شكر الله لهم وجعل أرواحهم فى حواصل طير خضر تسرح فى الجنة وترد أنهار الجنة وتؤوى الى قناديل معلقة تحت العرش .
حتى أعداء الله يشكرهم الله على ما يفعلونه من الخير بالمعروف فى الدنيا فيُعطيه الصحة والغنى والأولاد ونحو ذلك من متاع الدنيا ، أما فى الآخرة فليس له فيها نصيب .
ومن أمثلة شكر الله لعباده ماجاء فى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نزع رجلاً لم يصنع خيراً قط غصن شوك عن الطريق إما كان فى شجرة فقطعه فألقاه وإما كان موضوعاً فأماطه فشكر الله له بها فأدخله الجنة " حديث حسن
وفى صحيح البخارى من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجل يمشى فأشتد به العطش ، فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج ، فإذا بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال : لقد بلغ هذا ما بلغ بى ، فملأ خفه ثم أمسكه بفيـهِ ثم رقى فسـقى الكلب فشكر الله له فغفر له . قالوا : يارسول الله وإن لنا فى البهائم أجراً ؟ قال : لكل كبدٍ رطبة أجراً " .
ومن شكر الله لعباده أنه يُخرج من النار من كان فى قلبه مثقال ذرة من إيمان ، ولا يضيع هذا القدر مادام من أهل التوحيد فإنه يلبث فى النار ما يلبث ثم يُخرجه الله من النار .
وشكر الله لمؤمن آل فرعون مقامه الذى قام لله فجاهد وقال كلمة حق عند سلطان جائر فأثنى الله عليه فى القرآن ونوّه بذكره بين عباده . .
فهو سبحانه الشكور على الحقيقة ، المتصف بصفات الكمال سبحانه وتعالى ..

سؤال : هل الشكر درجة واحدة ؟

الإجابة : إن الشكر درجات كثيرة ، فإن حياء العبد من تتابُع نعم الله عليه درجة ، ومعرفته بأن النعم إبتداءً من الله بغير إستحقاق درجة من درجات الشكر ، والعلم بالتقصير عن الشكر شُكر ، والمعرفة بعظيم حلم الله وستره شكر ، والعلم أن شكر الله نعمة من نعم الله شكر ، ومن الدرجات العليا للشكر : الشكر على البلاء وعلى المفقود وعلى المنع ..
وقسّـم البعض درجات الشـكر بحسب الشـاكرين :
أ - شكر العوام ( على النعم فقط )
ب - شكر الخـواص ( على النعم والنـِـقَم )
ج - شكر خواص الخـواص ( الإشتغال بالمنعم عن النعمة )
فالشكر من أرفع مقامات العبودية ويندرج فيه جميع مقامات الإيمان كالمحبة والرضا والتوكل وغيرها . فإن الشكر لا يصح إلا بعد حصولها . .

سؤال : ما هى ثمار الشكر ؟

الإجابة : أ – الثمـار الدنيوية : (1) يحفظ النِعَم من الزوال
(2) يجلب النِعم المفقودة
(3) يزيد النِـعَم
(4) يُسعد الإنسان

ب – الثمار الأخرويـة : (1) غرس شجر الجنة
(2) غُفران الذنب
(3) يُجازى الله بها حين يلقاه عبده وقد عضلت الملكين
(4) يُنصب للشاكرين لواء فيدخلون الجنة
(5) يكتسب حُب الرحمــن


سؤال : فما الفرق بين الحمد والشكر ؟
الإجابة : بعد أن عرفنا ماهو الشكر وكيف يكون نذكر الفرق بين الحمد والشكر :
الشكر أعم متعلقاً من الحمد : حيث أنه يتعلق باللسان والقلب والجارحة ، القلب يعرف الله ويحبه ويعرف أن النِعم منه وحده فإن الرزق فى السماء ولكن يأخذه العبد فى الأرض وليس معنى ذلك أن من يرزقه أحد من أهل الأرض ولكن هو الله الرزاق ، واللسان يُثنى عليه ويلهج بذكره ، والجوارح تستعمل هذه النِعم فيما يرضى الرب ولا تستعملها فيما يُسخطه .
أما الحمد فإنه أخص متعلقاً حيث كونه بالقلب واللسان فقط .
الشكر أخـص سـبباً والحمد أعم : حيث أن الشكر يكون فى مقابل الإحسان وفى مقابل النِعم ولا يشكر على الصفات الذاتية فلا يُقال شكرت فلان على خصاله الجميلة – ولله المثل الأعلى – وضد الشكر : الكفران .
أما الحمد فيكون فى مقابل وبلا مقابل ويكون على صفات الله الذاتية وعلى نعمائه فيُقال : الحمد لله فاطر السموات والأرض .. ونقيض الحمد : الذم .
ويجتمع الحمد والشكر : فى أنهما يكونا على السراء والضراء حيث أن الضراء نعمة أيضاً حيث أنها أخف وطأةً من الأعظم منها ، فكون الله إبتلاه بالأخف فهذه نعمة تستوجب الشكر والحمد .
والحمد هو رأس الشكر كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : " الحمد رأس الشكر ، ما شَكَرَ الله عبد لم يحمده " حديث حسن رواه البيهقى فى شُعب الإيمان .

عودة الى الكتاب :

يقول الشارح : وكل ثنـاء وكل مجـد ...
الثناء : هو ذكر المحاسن ( وقد سبق تعريفه )
المجد : هو السعة والعُلو والعظمة وإمتداد الذكر بحيث لا ينقطع وجه المدح ، وهو المروءة والسخاء والكرم والشرف – هذا بالنسبة للمخلوق .. أما بالنسبة لله سبحانه وتعالى : فالمجيد هو الكريم المفضال الذى تمجَّد بأفعاله ومَجََّـدهُ خلقه لعظمته وهو الذى إنفرد بالشرف ، جميل الفِعال ، حسن الخصال ، واسع الكرم المستحق لكل صفات المجد .
وقيل المجد يفيد السعة ويفيد كثرة إحسان الله سبحانه وتعالى وأفضاله ، ومن جهة أخرى يفيد الكمال والتمام فله سبحانه العُلو والعظمة والشرف .

يقول الشارح : وكل جـلالٍ وكل كمـال ...
الجلال : هو التعظيم الذى ينبعث من التقديس ، وقيل : هو تقديس القلب بحيث يجعله ذو مكانة من التعظيم ينفرد بها سبحانه ، وقيل : هو السلطان المطلق الباعث علىالهيبة والتعظيم ، وقيل : هو عظمة الله وكبرياؤه وإستحقاقه صفات المدح ، وقيل : الجلال من الصفات الذاتية التى يختص بها المولى ولا يُنازعه فيها أحد من خلقه ، وجلال الله لا يكون بجند وأعوان لكنه جلال ذاتى بالوصف الذى تلحق به الرفعة والعزة والعُلو ، وقيل : يتضمن هذا عظيم الهيبة وجزيل المنة وسعة المُلك وإحاطة القدرة وعِظَم العلم وكثرة الفضل .
الكمال : هو الحال الذى لا يتصور معه نقيصة ، وهو كمال مطلق أى لا حدود له ولا نهاية له ، وهو كمال فى كل شئ ، وكل كمال لغير الله فهو كمال مقيد له حد ينتهى عنده .

يقول الشارح : وكل عـز وكل جمـال ...

العز : تمام السلطان وتمام العُلو الذى ينبعث من مقتضيات المجد والعظمة ، فقد يكون هناك فى المخلوقات سلطان قوى لكنه ليس بعزيز فتجده يبطش وقد يظلم ، والعزيز فى المخلوق قد يعدل لكن ليس لديه القوة ليفرض عدله ، لكن العزيز فى حق الله سبحانه وتعالى أنه ذو سلطان ومحبة لأن سلطانه مبعوث من عزته ، وعزته مبعثها السلطان ، فالعز هو القوة والشدة والغلبة والرفعة والإمتناع ، والتعزيز هو التقوية ، فالله العزيز أى الغالب الذى لا يُغلب ، المتفرد بالعزة ، فمن عرف هذا إعتز به وتذلل إليه ، والعزيز هو الذى ليس له مثال ولا يذل ولا يُضام ولا ترقى إليه الخواطر والأفهام ، وهو الذى تشتد إليه الحاجة ، والعز هو عُلو الشأن الدائم المطلق بحيث يُفتقر إليه ولا يفتقر الى غيره ، فمن أراد العزة فليصل حبله بحبل الله وليترك الإعتزاز بالخلق ، فعزة المخلوق تزول وعزة الله أزلية أبدية لا تزول ولا تحول .
الجمال : هو التنـزُه عن كل قبيح من جهة والإتصاف بكل حسن من جهة أخرى ، وهو كل وصف يبعث على الإستحسان ، وهو حسن المظهر والجوهر الذى يبعث على الإستحسان المطلق .

يقول المصنف : وكل خـير وإحســان ..

الخير : ما يُنافى الشر ويضاده ، والخير نوعان : (1) مطلق (2) نسبى
فما كان لله فهو خير مطلق ، أما الخير النسبى فهو ما يتوهم العبد أنه خير ، وربما يكون هو فى الحقيقة شر ، قال تعالى {
الإحسان : ما لا إساءة فيه ، وهو بذل الجميل وبذل الخير لمن يستحق ومن لا يستحق ، وهذا هو الفرق بين الإحسان والعدل ، فالعدل : أن تعطى من يستحق ، والإحسان : أن تعطى من يستحق ومن لا يستحق ، والله سبحانه وتعالى أمرنا بالإحسان ، بل أمرنا أن نحسن لمن أساء إلينا .. وفى حديث الإفك القصة المعروفة حين رمى أهل الإفك والبُهتان السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها بالكذب البحت والفرية التى غار الله عز وجل لها ولنبيه صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى براءتها قرآن يُتلى ، وكان ممن خاض فى ذلك : مسطح بن أثاثة ، وكان ابن خالة الصديق ، وكان مسكيناً لا مال له وكان من المهاجرين فى سبيل الله ، وقد زلق زلقةً تاب الله عليه منها وضُرب الحد عليها ، وقد كان أبو بكر يُنفق عليه وهو المعروف بأن له الفضل والأيادى على الأقارب والأجانب ، فلمّا بلغ أبو بكر حديث مسطح فى ابنته قال : والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذى لعائشة – وفى رواية : حلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحاً بنافعة أبداً – فأنزل الله تعالى { ولا يأتل أُولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القُربى والمساكين } يعنى مسطحاً حتى قوله { ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } النور 22 ، فقال أبو بكر : بلى والله يا ربنا إنّا لنحب أن تغفر لنا ، وعاد له بما كان يصنع . ومعنى أولو الفضل : أى الطول والصدقة والإحسان ، فها هو أبو بكر الصديق يرجع النفقة الى من تكلم وخاض فى الحديث عن ابنته رضى الله عنها ، ويبذل الخير ، ولذا كان الصديق صديقاً .
قال : .. وجـود وفضـل وبِـر فَلَـهُ ومِنـهُ ..
جود : وهو دوام العطاء مع كثرته وعظيم الكرم وعظيم الإحسان وعظيم العطاء ، وهو العطاء على غير مقابلة وهذا ليس لأحدٍ إلا الله ، ومن فرط جود الله أن جعل ما يتفضل به على العبد حق له ، وهو حق تفضُل وليس حق إستحقاق ، فالحقوق نوعان :
حق إستحقاق ومقابلة حق تفضُـل وإنعـام
وهذا هو المعنى بإسم الحق ويكون من الأعلى للأدنى أو وهذا إلتزام أدبى معنوى من الأعلى على
للنـد ، فكون الله عز وجل له حق عليك : هذا الحق هو نفسه ، يعطيه بلأدنى تفضلاً وإنعاماً ، فهو
حق إستحقاق إستحقه لأنه رب ، وحق عليك لأنك عبد ، الذى ألزم نفسه به ولم يلزمه أحد بذلك ،
فالعبد مُلزم ومدين الى الله عز وجل . فصار الأدنى صاحب حق من جهة تفضل
الأعلى عليه . قال تعالى { وكان حقاً عليناً
نصر المؤمنين }
وفضل : وهو بذل ما لا يلزمه بذله ، ولذلك يُقال : إن الصدقة ما كان من فضل مالك أى لا يلزمك أن تنفقه ، فالزكاة يلزمك أن تنفقها إذا بلغ مالك النصاب وأتى عليها الحول ، فهى إذن ليست فضل ، ويوضح ذلك أيضاً : من كان عنده فضل ظهرٍ – أى زيادة غير مطالب بإخراجها – فالفضل هو بذل ما لا يلزم بذله ، والله عز وجل ذو فضل لأنه يُعطى ما لا يلزمه إعطاءه .
وبِـر : وهو فعل ما يحمد ويجر الى علو المنزلة ، وهو مقتضى الثناء ، وهو التفضل وزيادة العطاء والإحسان المطلق ، وهو إحسان الصنيع ، وهو أن تصنع من الصنيع ما يسر بأثره ومن ذلك : بر الوالدين .
فله ومنه : أى كل هذا هو متصف به ولا يكون كل هذا إلا منه ، ولذلك يقولوا : كل فضل هو من فضل الله ، فالإنسان الكريم كرمه هذا من كرم الله عز وجل أن سخره بأن بسط له من كرمه إليه ، ولذا كان كرم الإنسان (مجازى) وكرم الله ( حقيقى ) لأن الكريم هو الذى يُعطى مما يملك من غير مقابل أما من يُعطى مما لا يملك فهذا ليس بكريم على الحقيقة .
ملحوظة : يقول بعض الناس مقولة خاطئة هى ( إن الله أكرمنى آخر كرم ) وهذا إعتقاد خاطئ لأن كرم الله لا نهاية له ، وكرم الله مطلق لا يحده حد ، ومن ظن أن كرم الله له نهاية فهو لم يقدر الله حق قدره – نعوذ بالله من هذا ..

قوله : فما ذُكر هذا الإسم فى قليلٍ إلا كـثـّـره ..

فذكر إسم الله على القليل يزيده بركة ونماء ، والبركة هى ثبوت الخير الإلهى ، ومن أمثلة ذلك : تدفق الماء من بين كفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب منه الجمع الغفير وتوضؤا وحملوا معهم فى رحالهم ، وكالطعام الذى كثر وطعم منه الكثير من الصحابة . فهذا من ذكر الله سبحانه وتعالى ولكن اعلم أنه يجب ذكر الله بالطريقة التى علمها لنا الشرع ، واعلم أن للطعام خاصتان : خاصية المادة ( من حيث الكم والكيف ) وهى للهناء ، وخاصية الإنتفاع بتأثيره وهى المراء ، وهذا تفسير قوله تعالى { فكلوه هنيئاً مريئاً } والهناء هو ما ساغ ولذّ له وكان مبعث سرور له .


الواجب
ماالفرق بين الحمد والشكر.؟؟