عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-21-2010, 07:57 PM
أم أيمن أم أيمن غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




Islam تفريع المحاضرة العاشرة والأخيرة / تفسير سورة الفاتحة

 









إنَّ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيئَاتِ أَعْمالِنَا ، مَنْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ , وَمَنْ يُضْلل فَلا هادي لهُ ، وأشْهَدُ أَنْ لاإله إِلا الله وَحَدهُ لا شَرِيكَ له , وأشْهَدُ أنَّ مُحَمداً عَبدُه وَرَسُولهُ .
اللهم صلِّ وسَلِمْ وبَارِكْ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ , ومَنْ تَبِعَهمْ بإحسان إلى يومِ الدينِ .
أمابعد...
فإنَ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله , وخيرَ الهديِّ هديُ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم , وشَرَّ الأمورِ مُحْدَثاتُهَا , وكُلَّ مُحدثةٍ بِدْعَة ,وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَة وكُلَّ ضلالةٍ فِي النَّار .



)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ(
جمعت هذه الآية كل اصناف الخلق المكلفين ولم تستثني منهم احدا ولا يخرج المكلفون عن هذه الاصناف الثلاثة فكل الخلق ينتمون لهذه الاصناف.
)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ( ثم زاد في وَصْفٌ للصراط (المطلوب الهداية إليه في الـدعاء السابق ) توضيحا وبيانا بعد وصفه بالاستقامة وهو الصراط الذي لا عِوَجَ فيه وتعريفه بأن بقول )صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين( أي الصراط الذي سلكه من أَنْعَمَ اللّه عليهم , مَنْ هم الذين أنعم الله عليهم ؟ هم: النبيون والصديقون والشُّهَدَاء والصالحون. كما في قوله تعالى )ومَنْ يُطِعِ اللَّهَ والرَّسُولَ فأولئك مع الذين أَنْعَمَ اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداءوالصالحين وحَسُنَ أولئك رَفِيقًا(كما قلنا دائما أحسن ما يفسر القرآنَ بالقرآنُ .
)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ(أي: طريق المنعَم عليهم، الذي يسيرون عليه أهل النعمة؛ الذين انعم الله عليهم بالهداية، أنعم عليهم بالتوفيق، أنعم عليهم بالإعانة؛ أعانهم على عبادته، أعانهم على ذكره، وشكره، أعانهم على القيام بحقوقه؛ أعانهم بالمشي على هذا الصراط، والاستمرار عليه، وعدم تركه، وعدم الانحراف والميل عنه؛ فهؤلاء هم أهل النعمة الذين أنعم عليهم. هم الذين سلكوا الصراط المستقيم وعرفوا الحق وعملوا بمقتضاه. فعندما أقول )اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَعَلَيهِمْ(يعني أنني أسأل ربي أن يجعلني معهم، كأني أقول: يا رب أنعم علي، واجعلني من أهل المنعم عليهم، الذين أنعمت عليهم، وتفضلت عليهم، واسْلُك بي سبيلهم، ودلني على طريقهم؛ حتى أحشر معهم؛ فإني أحبهم، ومن أحب قوما حشر معهم. وعن ابن عباس رضي اللّه عنهـما: صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين.
) غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ(
روى عن عَدِيِّ بن حاتم رضي اللّه عنـه أنه قال: سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ فقال: "هم اليهود"،ولا الضالين قال: "النصارى".رواه أحمد والترمذي
غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وهو غير صراط المغضوب عليهم وهم اليهود الذين عرفوا الحق وخالفوه ,علموا الحق وعدلوا عنه وسمي اليهود مغضوبا عليهم؛ لأنهم عصوا على بصيرة؛ معهم علم ولم يعملوا به، أي ولا تهدنا صراط الذين غضبت عليهم, وذكر الله في صفة اليهود الغضب عليهم في قوله -تعالى- )فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ( أي: رجعوا باستحقاق غضبين. ويقول قسم من المفسرين (المغضوب عليهم) هم العصاة.






وَلاَ الضَّالِّينَ: ولاصراط الضالين الذين لم يعرفوا الحق وهم النصارى وسمي النصارى ضالون؛ لأنهم يتخبطون في العمل، فيعملون على جهل وضلال, عملوابغير علم كما قال الله تعالى"وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا "الحديد من الآية 27, فقدوا العِلْم فهم لا يهتدون إلى الحق بسبب جهلهم بعيدون عن الحق، بعيدون عن سواء السبيل؛ فهم ضالون )قل هل انبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا( (الكهف آية 103-104) هذا الحسبان لا ينفعهم انما هم من الاخسرين.
وفي هذه الآية تعليم لكل من أراد النجاة والفوز برضاء الله والجنة فعليه أن يحرص على العلم النافع , و إذا تعلم فعليه أن يعمل بعلمه , وإلا كان علمه حجة عليه .

والله تبارك وتعالى قد عاب على الذين يعلمون ولا يعملون , فقال تعالى ) " أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(البقرة 44 .
وقال تعالى)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَاتَفْعَلُونَ {2} كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(الصف3 .
وضرب الله للعالم غيرِ العاملِ مثل السَّوء ؛قال)تعالى مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الجمعة5 . يعني مثل الذين تعلموا التوراة ثم لم يعملوابها كمثل الحمار.
ومثل الكلب في قوله تعالى )وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ175وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث(.{176 }"الأعراف
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يُؤتى بالرَّجل يوم القيامة فيُلقى فيالنار ,فتندلِقُ أقتابُ بطنه , فيدور بها كما يدورالحمار في الرحى , فيأتيه الناس فيقولون : يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف , وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه , وأنهاكم عن المنكروآتيه " .
ولذلك كان شعار نبي الله شعيب عليه السلام )ومَا أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إلى ماأنْهَاكُمْ عنهُ إنْ أُرِيدُ إلَّا الإصْلاحَ ما اسْتَطَعْتُ ومَا تَوفِيقِي إلاباللهِ عَليهِ تَوَكَّلْتُ وإلَيهِ أُنِيبُ (هود 88 .يقول بعض السلف: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى؛ وذلك لأن العلماء إذا فسدوا فقد عصوا على بصيرة، وليس من يعلم كمن لا يعلم، وحينئذ يكون عذابهم أشد، وأما إذا تركوا التعلم وتعبدوا على جهل وعلى ضلال، فإنهم أيضا يعذبون على تركهم العلم، لماذا تركتم العلم وتعبدتم وأنتم على جهالة، وأنتم قادرون على أن تزيلوا جهلكم, وأن تكملوا نقصكم بالتعلم حتى تتعلموا العبادة ثم إذا تعلمتموها وعبدتم الله تعالى بها انت مقبولة. قال الشنقيطي : واليهود والنصارى وإن كانوا ضآلين جميعاً مغضوباً عليهم جميعاً ، فإن الغضب إنما خص به اليهود ، وإن شاركهم النصارى فيه ، لأنهم يعرفون الحق وينكرونه ويأتون الباطل عمداً فكان الغضب أخص صفاتهم ، والنصارى جهلة لا يعرفون الحق فكان الضلال أخص صفاتهم .
وقال ابن القيم : ولكن تارك العمل بالحق بعد معرفته به أولى بوصف الغضب وأحق به ومن هنا كان اليهود أحق به ,والجاهل بالحق أحق باسم الضلال ،ومن هنا وصف النصارى به .
ما اللفتة في هذه الآية ؟
إسناد الإنعام إليه في قوله تعالى: )صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَعَلَيهِمْ( وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى: غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وإن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة، كما قال تعالى )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ( المجادلة: 14]، وكذلك إسناد الضلال إلى من قام به، وإن كان هو الذي أضلهم بقدَره،كما قال تعالى: ) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ( [الكهف: 17]. وقال: ) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( الأعراف: 186]. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية والإضلال، لا كما تقوله الفرقة القدرية ومن حذا حذوهم، من أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه ،ويحتجون على بدعتهم بمتشابه من القرآن، ويتركون ما يكون فيه صريحا في الرد عليهم،وهذا حال أهل الضلال والغي، وقد ورد في الحديث الصحيح: "إذا رأيتم الذين يتبعون ماتشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" . يعني في قوله تعالى: ) فَأَمَّاالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ( [آلعمران: 7]، فليس لمبتدع في القرآن حجة صحيحة؛ لأن القرآن جاء ليفصل الحق من الباطل مفرقًا بين الهدى والضلال، وليس فيه تناقض ولا اختلاف؛ لأنه من عند الله،تنزيل من حكيم حميد .
قال ابن القيم :
أولاً : أن هذا جاء على الطريقة المعهودة في القرآن ، وهي أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله سبحانه وتعالى ، فيذكر فاعلها منسوبة إليه ، فإذا جىء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف الفاعل وبني الفعل معها للمفعول أدباً في الخطاب .... ومنه هذه الآية فإنه ذكر النعمة فأضافها إليه ولم يحذف فاعلها ، ولما ذكر الغضب حذف الفاعل وبنى الفعل للمفعول ، ونظيره قول إبراهيم الخليل ( الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطـعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) فنسب الخلق والهداية والإحسان بالطعام والسقي إلى الله ، ولما جاء إلى ذكر المرض قال ( وإذا مرضت ) ولم يقل : أمرضني ، ومثل قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً ) .



وقال تعالى )صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَعَلَيهِمْ( ولم يقل تنعم عليهم فلماذا ذكر الفعل الماضي؟
اختار الفعل الماضي على المضارع اولاً: ليتعين زمانه ليبين صراط الذين تحققت عليهم النعمة )ومَنْ يُطِعِ اللَّهَ والرَّسُولَ فأولئك مع الذين أَنْعَمَ اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رَفِيقًا( (النساء آية 69) صراط الذين انعمت عليهم يدخل في هؤلاء. واذا قال تنعم عليهم لأغفل كل من انعم عليهم سابقا من رسل الله والصالحين ولو قال تنعم عليهم لم يدل في النص على انه سبحانه انعم على احد ولاحتمل ان يكون صراط الاولين غير الآخرين ولا يفيد التواصل بين زمر المؤمنين من آدم عليه السلام إلى ان تقوم الساعة.
ولو قال تنعم عليهم لكان صراط هؤلاء اقل شأنا من صراط الذين انعم عليهم فصراط الذين انعم عليهم من اولي العزم من الرسل والانبياء والصديقين اما الذين تنعم عليهم لا تشمل هؤلاء. فالاتيان بالفعل الماضي يدل على انه بمرور الزمن يكثر عدد الذين انعم الله عليهم فمن ينعم عليهم الآن يلتحق بالسابقين من الذين انعم الله عليهم فيشمل كل من سبق وانعم الله عليهم فهم زمرة كبيرة من اولي العزم والرسل واتباعهم والصديقين وغيرهم وهكذا تتسع دائرة المنعم عليهم ,اما الذين تنعم عليهم تختص بوقت دون وقت ويكون عدد المنعم عليهم قليل لذا كان قوله سبحانه انعمت عليهم اوسع واشمل واعم من الذين تنعم عليهم.
وقال تعالى أنعمت عليهم ) ولم يقل : المنعم عليهم كما قال : المغضوب عليهم .






رد مع اقتباس