عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-28-2009, 10:46 PM
سينا زغلول سينا زغلول غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




Icon41 المحنة فى حياة الدعوة والداعية

 

المحنة في حياة الدعوة والداعية


- مدرسة المحنة
- صور من محن الأولين
- المحنة بين الأمس واليوم
- كيف نواجه المحن
تكاد تكون المحنة من الظواهر الملازمة للحركة الإسلامية قديما وحديثا فالإسلام دعوة تمرد على مظاهر الحياة الجاهلية في كل صورها وأشكالها ... تمرد على العادات الجاهلية .. تمرد على الأفكار الجاهلية .. وتمرد على النظم والتشاريع الجاهلية وهذه الخاصية التي يمتاز بها الإسلام جعلت الحركة الإسلامية أكثر تعرضاً للمحن وبالتالي جعلت المحنة لديها ذات مفهوم خاص لا يشاركها فيه سواها من الحركات الحزبية والسياسية ..

- المحنة تربية وتمحيص :
فالمحنة من أهم عوامل التكوين والاختيار في الإسلام ... وقد لا يكون للتكوين النظري قيمة ما لم تشترك فيه عوامل الشدة والبلاء وتفضيل النفس البشرية السلامة وعزوفها عن الخطر يستلزم في كثير من الأحيان تعريضها للصعاب والمكاره حتى تكتسب مناعة وقوة تمكنها من الصمود في وجه العوادي والنائبات والإيمان .. الإيمان نفسه بحاجة إلى المحنة لسبر غوره وإدراك مداه ... فالإيمان القوى الراسخ هو الذي يصمد في ساعة العسر أما الإيمان السقيم العليل فسرعان ما تكشفه وتصدعه وصدق الله تعالى حيث يقول { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنَّا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين } لذلك كان لا بد لكل دعوى من دليل فالإيمان دعوى بحاجة إلى دليل والثبات في وقت الشدة مظهر من مظاهر هذا الإيمان ودليل وجوده ورسوخه { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }.

- صور من محن الأولين :
هكذا قضت سنة الله أن يكون الحق في صراع أبدى مع الباطل وكلما بزغ نور للحق تنادت عناكب الليل لطمسه { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً * قل إنما أدعو ربى ولا أشرك به أحداً } { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون } ومنذ الخليقة الأولي والنبوة الأولي منذ ولد الخير ووجد الشر والصراع عنيف ومخيف بينهما والحقيقة التي تتكرر باستمرار وتبدو بوضوح هي أن الحق دائما في انتصار وأن الباطل دائما في انتحار { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون }.

- المحنة في حياة إبراهيم :
لم تكن المحنة التي تعرض لها خليل الرحمن إلا إحدى حلقات الصراع الممتدة عبر القرون الضاربة في أعماق التاريخ ...والتي تؤكد على الزمن غلبة أهل الحق وهزيمة أهل الباطل ...نشأ إبراهيم عليه السلام في مجتمع جاهلي كافر بكل القيم متطاول على نواميس الله ..وأبت الفطرة السليمة مجاراة التيار والانسياق مع الرأي العام والرضي والتسليم بالأمر الواقع ...وصمم إبراهيم على التصدي للجاهلية ومقاومتها مهما كلف الأمر ..وتبدأ المحنة في حياة هذا الفرد الأعزل من كل سلاح ..فرد يمتطى صهوة الحق وحيداً .....ويعلن على الملأ إيمانه بالله وكفره بما يعبدون من دونه ..{قال أ فرأيتم ما كنتم تعبدون من دون الله أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين }.
ويجدر بالداعية -كل داعية -أن يقف هنا ملياً ...يستشعر عظمة الإيمان الذي اعتز به قلب إبراهيم ...أنه وحيد ليس وراءه جماعة ولا أنصار ...وأعزل لا يملك قوة ولا سلاحاً ..ومنبوذ حتى من ذوي القرابة والوالدين ...ولكن أني للحق أن ينحني للباطل أو يتراجع أمام التهديد والوعيد ...وتشهد المحنة على إبراهيم ....ويلقى في النار ...ويرضى بقضاء الله ويفرح بلقائه ..ومن الأفق الأعلى كان النبي المحتسب والرسول الممتحن يصغي إلى نداء الله وهو في حمأة اللهب المستعر :{ يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين }.
وتمضى قصة المحنة التي تعرض لها أبو الأنبياء ترسم لأهل الحق صوراً شتى من صور الرجولة والبطولة حتى ختم الله بأن جعله من رسله المصطفين :{ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين }.

- المحنة في حياة موسى :
وحياة موسى عليه السلام لم تكن غير سلسلة من المآسي والآلام .بل المحنة رافقت موسى رضيعاً تتقاذفه الأمواج ويلفه الظلام وشبت معه فتى يانعاً هارباً من بطش فرعون .وزاد حياته محنة تعرضه لنقمة فرعون من جهة ولإيذاء قومه وسفههم من جهة أخرى.

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند

فكان على موسى أن يرد ضربات فرعون بيد ويتقى مكائد قومه باليد الأخرى .وهذا لعمري أشد صنوف المحن وأفظع ألوان البلاء.
فالدعوات قد تتمكن من مجابهة أخطر المحن الخارجية ‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎اذا كان صفها الداخلي قويا متربصا ..فكيف إذا كان متصدعا منهاراً ؟ وموسى عليه السلام كان هذا الإنسان الذي تولى قيادة شعب أعطي المقاد على خضوع بما ترادف عليه من جور الفراعنة وما تتابع عليه من ظلم الطغاة ....حتى هان عليه الهوان ... ألف الذل والاستسلام ..وكان الرسول المكلف بدعوة فرعون إلي عبادة الله وهو في أوج سطوته وقمة طغيانه :{إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم انه كان من المفسدين }.
ويمضى موسى في طريقه حاملا كل التبعات ...متعمدا على الله وحده .... واثقا من نصره وتأييده ... وفي فترة من فترات الضعف البشرى يحس موسى بالوجل والخوف يختلجان في صدره وهو في قلب المعركة يجابه فرعون وسحرته وزبانيته ...ولكن السماء سرعان ما تتداركه بالمدد وتقذف في قلبه الطمأنينة :{فأوجس في نفسه خفية موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتي }.
لكم تدافعت الخطوب وتتابعت لتسد على موسى الطريق وتغلق دونه المنافذ والدروب ...ولكن سرعان ما كانت تنكشف أمام العزيمة والإيمان ويمضى الزحف المقدس يشق طريقه عبر الحياة بثقة وتصميم ...
لكم حاول قارون أن يفتن الناس بماله ويصر فهم عن موسى ودعوته ...لكم حاول شراء الضمائر ورمي موسى بشتى التهم والأراجيف ..ولكن الله كان يكشف ما يضمر ويخرج من هذه التجارب أصلب عودا وأشد صعودا .
ويختم القرآن قصة موسى وفرعون فيقول :{ لقد جاء آل فرعون النذر * كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر * أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر * أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع و يولون الدبر * بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر }.


المحنة في حياة عيسى :
مما لا ريب فيه أن عيسى عليه السلام كان يتمتع بطاقة ضخمة من الصبر والاحتمال فالظروف القاسية والمكائد العديدة والمحن المتتابعة التي قاساها كانت كلها تشير إلي عظمة الشخصية التي تحلى بها عيسى بن مريم ...وما زاد في قسوة الظروف التي أحاطت به وبنشأته أنه واجه في ماضي مولده ألوان الشكوك كما واجه في حاضر دعوته ضروب العنت والتمرد ويكفي لكي نقدر مدى ما وصل إليه العنت والتمرد أن نعرف أن الخوارق والمعجزات التي بلغت على يدي عيسى حدا كبيرا لم يكن لها ذلك الأثر المنتظر في استمالة النفوس وتأليف القلوب .......
ولكن عيسى عليه السلام لم ينثن أو يتراجع أو يحدث نفسه بشيء من هذا كان يؤمن بأنه رسول وأن عليه البلاغ المبين وكان طيب النفس حليما لا تخرجه سفاهة المعارضين إلى استعمال العنف واتباع غير سبيل المؤمنين ... مرَّ يوما وتلامذته بقرية فدعا أهلها للهدى وذكرهم بالله والآخرة فما كان منهم إلا أن شتموه وعيروه فلم يزد عليه السلام إلا أن قال خيرا وانصرف وسأله حواريوه عن أمره مع القوم يقولون له شرا فلا يرد عليهم إلا بالخير فقال :(كل ينفق مم عنده ).
وإنك لتشعر وأنت تصغي إلى تعاليمه بعظمة الإيمان ورقة النفس وسمو الخلق وسعة الصدر وغيرها من الصفات التي تحلت بها شخصيته الفذة كان كثيرا ما يقول لحوارييه :(طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات .فانهم هكذا طردوا الأنبياء قبلكم ) (سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة الله ) .
حاول اليهود أن يخففوا من أثر دعوته وأن يخفوا عن الناس أمره ولكن أسقط في أيديهم فالحق أبلج ... و الصبح منير ... وان الله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ...
ولما أعيت الحيلة أهل الباطل جاءهم رجل اسمه (يهوذا الإسخريوطى )يدلهم على مخبأ عيسى وصحبه وكان عيسى حينذاك قد أدرك ما يبيت له وعرف أن عيون اليهود تترصده وأن القوم قد ائتمروا به ليقتلوه فأوى إلى البستان يقضي فيه ليلته ومعه بعض حوارييه ..
وفي الليل كان اليهود قد عثروا على مكمنه وضربوا نطاقا حوله بانتظار الساعة الحاسمة ليطبقوا عليه وينفذوا مؤامرتهم الكبرى ....
أما عيسى روح الله فقد كانت عين الله تحرسه وترعاه فلما هم القوم بما دفعهم إليه حقدهم الأسود كان محاطاً بعناية الله تحجبه عن أعينهم قدرته عز وجل .....
ووقع تحت أيديهم رجل شديد الشبه به عقد الله لسانه فما استطاع كلاما ولم يدر القوم وهم يحملونه إلى الساحة الصلب أنهم يحملون (يهوذا الإسخريوطي ) نفسه الذي أوقعه الله في شر فعله وقتلوه وهم يحسبون أنهم قتلوا عيسى بن مريم .... { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عز وجل عزيزا ًحكيماً } ....

محنة الإسلام في عهد النبوة :
والمحنة التي واجهت الإسلام في عهد النبوة لم تكن أقل ضراوة مما تعرضت له الرسالات والرسل من قيل إن لم تزدهم جميعاً...
كان الإسلام ثورة على الجاهلية من أول يوم ... ثورة استهدفت نسف القواعد التي يقوم عليها المجتمع الجاهلي ....
فليس من طبيعة الإسلام أن يهادن الأوضاع الخربة أو يعمد إلى ترميمها وإصلاحها فهو لا يقبل أنصاف الحلول ولا أرباعها ويرفض المساومة والترقيع ... وإنما يعتمد سياسة الهدم والبناء ... هدم الجاهلية بكل مرافقها وبناء الحياة الإسلامية بجميع مقتضياتها .
وإذا كانت هذه طبيعة الدعوة التي نهض بها محمد بن عبد الله صلى الله عليه سلم فبديهي أن تستأسد قوى الجاهلية وتستميت في الدفاع عن كيانها المهدد بالنسف والدمار حتى بلغ تحدى المشركين وحربهم للإسلام والمسلمين حداً لا يوصف .

- حرب الأعصاب :
تفنن أهل الجاهلية في حرب محمد وابتكروا كل جديد لضرب الإسلام وحشدوا كل قواهم لعرقلة المسيرة القرآنية ....
فعمدوا أولاً إلى أسلوب نفسي خسيس يستهدف تدمير أعصاب الرسول صلى الله عليه وسلم والقضاء على روحه المعنوية العالية وشنوا لذلك حملات عنيفة من السخرية والاستهزاء عرض لها القرآن الكريم في أكثر من موضع { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل وأعناب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتى بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه } الإسراء 9..
وعندما فشلت هذه الأساليب الخسيسة عمد المشركون إلى اختلاق الشائعات والتهم على رسول الله وبثوها في كل الأوساط ليضعفوا الثقة به وليصدوا عن سبيل الله ... لكم افتروا على من سموه بالأمس صادقاً وأميناً ورموه بما ليس فيه ... ولكم سددوا سهامهم إلى نحر الإسلام وأطلقوا حرابهم إلى صدر الحركة الإسلامية الفتية { وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال }( إبراهيم 46)
وكانت المحنة على ضراوتها وقسوتها لا تزيد محمداً إلا صلابة وتصميماً صلابة في مواجهة التحدي كائنا ما كان نوعه ومداه وتصميما على المضي مهما كانت التضحيات ...
قال الوليد بن المغيرة يوماً وهو زعيم الجاهلية وطاغية من طغاتها : ( يا معشر قريش أنه قد حضر هذا الموسم وأن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر محمد هذا فأجمعوا فيه رأيا واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً قالوا : نقول كاهن قال : لا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمتهم ولا سجعهم قالوا نقول مجنون قال ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته قالوا : نقول شاعر .. قال : ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بشاعر قال الوليد بن المغيرة : إن أقرب القول فيه أن تقولوا هو ساحر .. يقول السحر فيفرق به بين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك ) وفي الوليد بن المغيرة هذا أنزل الله آيات التهديد والوعيد لتكون له ولأمثاله على مر العصور عبرة قال تعالى { كلا إنه كان لآياتنا عنيداً * سأرهقه صعوداً * إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر * سأصليه سقر * وما أدراك ما سقر * لا تبقى ولا تذر * لواحة للبشر * عليها تسعة عشر } ثم يعرض القرآن الكريم صوراً شتى من تحدى الجاهلية للحركة الإسلامية في العصر النبوي { أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين * أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون * أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين }.

- تعرض وإيذاء ومحاولات اغتيال :-
لم يكتف طغاة مكة بما تناولته ألسنتهم من كذب وافتراء على الإسلام وأهله بل لقد تجرءوا مراراً علىالنيل من نبي الإسلام نفسه والاعتداء عليه ، يئسوا من الحرب النفسية وحرب الأعصاب وحرب الشائعات فلجأوا إلى الحرب الحسية ينالون بها من دعاة الإسلام وفجروا أحقادهم حمما وأضرموا نار العداوة والبغضاء في كل مكان تشفيا وانتقاماً ممن صبأ عن دين الآباء والأجداد وكفر بهبل واللآت ... ويجتمع سادة قريش يوماً في ( الحجر ) ويذكرون محمداً وتحديه السافر لمقدساتهم فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط سفَّه أحلامنا وفرَّق جماعتنا وسب آلهتنا لقد صبرنا منه على أمر عظيم وشتم آباءنا ... وعاب ديننا وفرق جماعتنا فبينما هم كذلك إذ مر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا عليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به من كل جانب وصاحوا به قائلين : أنت الذي تقول كذا وكذا ؟ فيجيبهم نبي الهدى بكل ثقة واعتزاز : ( نعم أنا الذي أقول ذلك ) يقولها بكل صراحة ويعلنها بملء فيه .. يصدع بها كبرياءهم .. ويصفع طغيانهم ولقد أصابه منهم في ذلك اليوم ما أصابه وأدركهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه وقد كادوا يجهزون عليه فانبرى يدافع عنه ويقول ( أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله ؟؟ )
ولما أوقع في أيدي المشركين .. وأعجزتهم الحيلة تداعوا إلى مؤتمر عقدوه في دار الندوة وكان المسلمون قد بدأوا بالهجرة إلى المدينة وظنوا أن الفرصة قد سنحت للخلاص من محمد في غيبة من أصحابه وأتباعه ولما وضعوا خطتهم وحزبوا أمرهم كشف الله مكرهم ورد كيدهم { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } وفي أعقاب الهجرة إلى المدينة وانتصار الإسلام على الجاهلية في بدر استأجر صفوان بن أمية عمير بن وهب سراً وندبه للخروج إلى المدينة واغتيال محمد صلى الله عليه وسلم على أن يقضى صفوان له دينه ويكفل عياله وقدم عمير إلى المدينة متوشحاً سيفه حتى دخل على الرسول وهو في المسجد فلما وآه الرسول صلى الله عليه وسلم قال له : ( أدن يا عمير ) فدنا ثم قال : أنعموا صباحاً وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم فقال الرسول : ( قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير ... بالسلام ، تحية أهل الجنة فقال : أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد قال الرسول : ( فما جاء بك يا عمير )قال : جئت لهذا الأسير في أيديكم فأحسنوا إليه ،
قال الرسول : فما بال السيف في عنقك ؟
قال عمير : قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئاً
قال الرسول : اصدقني ما الذي جئت له ؟
قال عمير ما جئت إلا لذلك
قال الرسول : بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت: لولا دين على وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك .
فقال عمير :أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوا الله إني لأعلم أن ما أتاك به الله فالحمد الله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق .

رد مع اقتباس