عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 01-29-2008, 01:43 AM
أبو عمر الأزهري أبو عمر الأزهري غير متواجد حالياً
الأزهر حارس الدين في بلاد المسلمين
 




Islam












أنا مسلمهْ .. أنا مسلمهْ .:. رمزُ الهدىَ والمَكرُمهْ

أنـا أُمُّ أشبالِ العرينِ .:. وأُمُّ أُسْـدِ المَلْحمهْ ( 1 )




وبهذه الأبيات الصارخة بما يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة من الفخر والعزة بكونها مسلمة ،، بهذا الأبيات نبدأ .

وقبل الخوض فى ذكر حال المرأة تحـت ظل شريعة الإسلام ، فمن الجميل بعد أن رأينا نظرة غير المسلمين للمرأة على ضوء ماجرى فى بدء الخليقة . أن نمر سريعا على نظرة الإسلام لدور المرأة فى نفس الأحداث .

فعلى حين جاءت نصوص أهل الكتاب تصور المرأة على أنها سبب غواية آدم وهى التى وسوست له ليعصى ربه .. فقد جاء الإسلام على صورة مغايرة تماما .
قال الله تعالى :
{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ }الأعراف20
فأرجع القرآن سبب الغواية للشيطان وليس للمرأة .

وتأملى أختاه فى قوله تعالى [ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ] .
لقد ساوى الإسلام فى هذا بين آدم وامرأته .. فلم يصبح الإثم متعلقا بالمرأة وحدها . ولم تصبح المرأة فى الإسلام هى من قامت بالوسوسة لآدم ، وكذلك لم توسوس الحية لحواء وحدها وتغويها كما قرأنا فى الفصل السابق .. وإنما تساوى آدم وامرأته فى هذا ، فكلاهما أتاه الشيطان بمثل تلك الوسوسة حتى يوقعهما .

وكذلك يتبدى هذا التساوى فى قول الله تعالى :
[ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ{21} فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ{22} ] [ الأعراف ] .

وكما يلاحظ هنا وجود التثنية فى بداية كل حدث ، فجاءت الكلمات فى كتاب الله تعالى على نحو [ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا ] ، [ فَدَلاَّهُمَا ] ، [ فَلَمَّا ذَاقَا ] ، [ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا ] ،
ثم جاء بعد ذلك قول الله تعالى : [ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ] .

إذن فقد جعل الإسلام المرأة شريكا لاسببا ..

ومن هنا ؛ فكما صارت المرأة عند غير المسلمين سببا لغواية الرجـل على مر العصور والأزمان ، فقد صارت المرأة فى الإسلام شريكا للرجل فى الحياة على طول مراحـل الدهـر ، تحمل معه أعباء هذه الحياة وتعينه على أمر دينه مثلما تعينه على أمر دنياه .





فلم تعرف البشرية كلها دينا اعتنى بالمرأة وحفظ لها حقوقها ومنزلتها كدين الإسلام . فحينما جاءت شرائع الإسلام لم تأتِ فيها التفرقة مابين الرجل والمرأة كتعزيز لجنس وإذلال لآخر ؛ وإنما جاءت نظرة الإسلام للجنس البشرى على أنه وحدة إنسانية متكاملة . سواء كان التكامل فى الآلام والإحساس والشعور ، أو فى الآمال والرغبات والتطلعات ، أو حتى فى الحاجات والضرورات .. فلم يأتِ فى دين الله مايفرق بين الرجل والمرأة فى هذا الصدد .. بعكس من كان الشك يساورهم فى إنسانية المرأة فأحيانا يثبتونها مقيدة بقيود ماأنزل الله بها من سلطان ، وأحيانا ينفونها جملة وتفصيلا .
فجاء الإسلام ليقر للمرأة حقوقها التى ماعرفتها فى ظل شرع سواه .
وكما أقر الإسلام للمرأة حقوقا تضمنها لها نصوص الشريعة الغراء ، فكذلك أوجب عليها واجبات تقوم بها تجاه الآخرين . وحتى هذه الواجبات فإنها تفصح بلسان الحال عن مكانة المرأة ومنزلتها الرفيعة . إذ أنه من المعلوم استحالة الإتصاف بالبشرية بدون واجب ومسؤولية .
ومن هنا كان إلزام المرأة بمجموعة من الواجبات يعد فى حـد ذاته نوع من أنواع التكريم لها .

وقد وضع الإسلام أصلا عظيما تقوم به العلاقة بين الرجل والمرأة فى هذه الحياة ، وهذا الأصل يظهر جليا فى قول الله تعالى :
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70

فهذا أصل الأصول فى بيان عموم التكريم للجنس البشرى ، لافرق فيه بين رجل وامرأة . فكلاهما منحه الله هـذا التكريم . وكلاهما فضله الله على باقى الخلـق .

ثم ينظم القرآن أساس التفاضل بين أفراد هذا الجنس البشرى ، كما جاء فى قول الله تعالى :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

فجاءت المساواة الدنيوية فى أصل الخلقة والمنشأ . ثم جاء التفاضل الأخروى على أساس التقوى والعمل الصالح .
فربّ امرأة صالحة واحـدة تكون عند الله أفضل من ألف رجل دونها فى التقوى وصلاح الحال .

ومن هنا سيبدأ حديثنا عن صورة المرأة فى الإسلام وعن حقوقها التى أقرتها لها الشريعة ؛



وهذا الحديث يستلزم أن ينقسم حديثنا إلى شقين رئيسيين ، ألا وهما :


** ماجاء فى الإسلام عن المرأة بشكل عام شامل .
** ماجاء فى الإسلام عن المرأة بشكل خاص كأم أو زوجة أو ابنة .


ومن هذين المبحثين تتبدى لنا ينابيع التكريم التى تفيض على المرأة فى ظل الإسلام ؛ فتزيدها وقارا على وقارها ، وتزينها ببهاء فوق بهائها .





ولعـل من أعظم المظاهر الجلية لمكانة المرأة فى دين الإسلام ، أن يمسك المرء منا كتاب الله ليجد بين دفتيه سورة من أكبر السور القرآنية حجما ، وقد تسمت باسم [ سورة النساء ] .
فهل وجدت المرأة مثل هذا فى كنف آخـر غير كنف الإسلام العظيم ؟؟

ثم أيضا من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة ، أن خاطبها بنفس خطاب الرجـل ، وجعل النصوص الشرعية تشمل فى إسقاطها والعمل بها الرجل والمرأة على السواء .
فحينما يأتى الخطاب فى كتاب الله موجها للعموم كقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } أو { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } .
فهذا شامل للرجل والمرأة بدون فوارق .
فأين هذا من الذين كانت مباحثهم تدور حول بشرية المرأة أو تبعيتها أو اشتمالها على الروح الآدمية ؟؟

وفى الوقت ذاته ، فمن تكريم الإسلام للمرأة أن ساوى بينها وبين الرجل فى التكاليف والجزاءات المترتبة عليها ؛ فالثواب متساوٍ بينهما ، وكذلك العقاب .

ففى مجال الثواب الدنيوى ،
يقول الله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }النحل97

وأما عن ثواب الآخرة ،
فقال تعالى : {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً }النساء124

أما عن العقاب ، فكذلك جاء فيه التوحـد بين الرجل والمرأة بلا تفرقة ، سواء كان عقابا فى الدنيا أو عذابا فى الآخرة .

ويتجلى الـتـوحد بينهما فى الثواب والعقاب ، فى قول الله تعالى :
[ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى{3} إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى{4} فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10} ] [ الليل : 3 _ 10 ] .

وكذلك جاء التساوى فى العقوبة الدنيوية والحـدود ، ففى القصاص فى القتلى لافرق بين رجل وامرأة ، فكلاهما يقتل ، وفى السرقات والزنا أيضا ، فالحدود توقع على المرتكب بدون النظر فى جنسه رجلا أم امرأة . ودليل هذا ماجاء فى كتاب الله تعالى فى حـد مرتكب كلا من الزنا والسرقة ، حيث ذكر القرآن توقيع العقوبة بالجمع بين الجنسين مجتمعين فى لفظ واحد ،
كقوله تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ } ، وكذلك : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } .


فجاء الأصل فى هذا المضمار على التساوى بين الرجل والمرأة فى التكاليف ، إلا أنه فى بعض الجوانب الأخرى قد رفع الإسلام عن المرأة الإلزام ببعض التكاليف دفعا للمشقة عنها ، فالمرأة على الرغم من كل هذا ؛ إلا أن لها طبيعتها الخاصة التى لاينكرها إلا كذوب ، فهناك اختلافات فى طبيعة المرأة الجبلية . وهذا فى حد ذاته يعد باب من أبواب صيانة الإسلام للمرأة .




أما فى مجال الحقوق المالية ، فقد تفرد الإسلام وحـده بتكريم المرأة غاية التكريم ، حين جعل لها ذمة مالية مستقلة عن ذمة زوجها ، فلها أن تعطى زوجها إن شاءت كما لها أن تمنعه أيضا ، ويظل هو مطالبا بالإنفاق عليها ورعايتها . لأنها إن أعطت فهو حقها وإن منعت فأيضا حقها .

ومن جانب آخـر من جوانب التكريم ، فعند غير المسلمين كان فى بعض الأحيان تكون المرأة مطالبة بتقديم هدية للزوج كى يتم زواجها منه ، بمعنى أنها كانت هى من تقوم بتقديم مهر الزواج ، وكان هذا سببا من أسباب شعور الآباء بالبلاء عندما يرزقون بمولودة ؛ حيث هذا يعنى وقتها أنها بعد أن يقومون برعايتها وكفالتها ، فستأخذ أيضا من أموالهم وتذهب بها لرجل آخـر .. إلا أن الإسلام حين أوجب هذا المهر فقد جعله من الرجل للمرأة على عكس ماكان سائدا فى بعض المجتمعات الأخرى التى تدعى الحضارة .. فالمرأة فى الإسلام كالدرة واللؤلؤة التى لابد للرجـل أن يهاديها ويشعرها بقدرها الذى تستحقه ، حيث هى الثمينة الغالية ، بعيدة المنال عزيزة المقدار .
وفى المقابل فهدية الرجل لزوجته فى الإسلام هى حـق خاص بها ، لاينازعها فيه أحـد ، لازوجها ولا أبوها ، فليس لأحـد أن يأخذ منه بغير رغبتها . أما إن رغبت هى فى الإعطاء منه أو التنازل فيما بعد عن جزء منه ، فهى صاحبة الحق فى التصرف المطلق الخالى من أى قيد أو شرط .

قال الله تعالى : {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }النساء4


فأين الذين أقروا للرجل بأحقيته فى مال زوجته وحرمانها مما تملك بحجة أنها هى فى الأصل ملكية خاصة لزوجها ؟؟

فأين هؤلاء من هذا العدل والإنصاف الذى استظلت المرأة بظلاله فى دين الله ؟؟






وكذلك فى الميراث ، فقد تفرد الإسلام بوضع أحكام للإرث لاتقوم على العنصرية ونزعة التفرقة التى قان عليها سواه ، وإنما جاءت سورة النساء حافلة بحالات تقسيم الإرث ، بالشكل الذى حـمـل البعض من غير المسلمين أن يتعارفوا فيما بينهم على تسيير الأمر فى تركاتهم على وفق أحكام القرآن . إقرارا منهم بعدالة هذا التقسيم ، حتى وإن أنكروا ذلك .

فبعد أن تعايشنا مع ماجاء عند غير المسلمين من ظلم وجور واقع على المرأة فى شأن مسائل التوريث ، وخضوعها عند بعضهم لوجود أو عدم وجود وارث من الذكور ، وعند البعض الآخر خضوعها لقوانين حرمان كلية من الميراث بداعى أنثوية جنسها .

جاء القرآن الكريم ليلغى كل هذه الأحكام البشرية جملة وتفصيلا ، حيث قال الله تعالى :
{لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً }النساء7

فالمرأة فى الإسلام بشر له من الحقوق مالغيره ، فأوجب الإسلام لها نصيبا مفروضا تمتلكه وحدها من الميراث ، لاينازعها فيه منازع .

تقول إحدى السيدات الإنجليزيات المسلمات عن هذا :
[ إن الإسلام لم يُـنـصِـف المرأة فقط ؛ بل وأكرمها ]( 2 ) .






ثم مما جاء به الإسلام تبيانا لوجوب تقدير المرأة وإبراز مكانتها ، أن حملت نصوصه التوبيخ لما كان يتم فى الجاهلية من الخلط بين الفقر والعار وبين ولادة الإناث ، مما كان يدعو آباءهن لوأدهن أحياء .
يقول رب العالمين فى كتابه : [ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ{58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ{59} ] [ النحل : 58 ، 59 ] .

فاختتمت الآية سياقها بتوبيخهم على سوء حكمهم وعلى جورهم فيما كانوا يفعلونه بهذه المسكينة .

بل جاء الترغيب فى كفالة البنت من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ؛ فجاء فى الحديث الذى رواه الإمام مسلم ، من حديث ( أنس بن مالك ) رضى الله عنه ، عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ، أنه قال :

[ من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين ، وضم أصابعه ] .


فبعد أن كانت ولادة البنت ورعايتها سببا من أسباب الفقر وضيق ذات اليد فى عقول القوم ، جاء الإسلام ليجعلها سببا من أسباب مرافقة نبي الله _ صلى الله عليه وسلم _ فى الجنة .

فأى تكريم نراه للمرأة يفوق مثل هذا التكريم ؟؟

ومن هذا فقد حق للمرأة المسلمة أن تنشد طيلة حياتها ، قائلة :



أنا اِبنةُ الإسلامِ ، أحيا بالسنا الهادي البديع ِ
أمضي حياتي في صلاتي في سجودي في ركوعي
أنافي ظلال الدين والقرآنِ أحيا في خشوع ِ
وسكينةُ الإيمانِ تَسكنُ خافقي بين الضلوع ( 3 )





وكذلك فالمتأمل فى حال المرأة الغربية مقارنة بين حالها قبل الزواج وبعده ، سيدرك بعين الإنصاف مدى رفعة شأن المرأة المسلمة وماحباها الله به من تكريم وتقدير .
فالمرأة المسلمة لها هويتها وشخصيتها المستقلة سواء قبل الزواج أو بعده . وما سمعنا فى الإسلام بأن المرأة حين زواجها تقوم بتغيير اسمها إلى اسم زوجها .
فالمرأة عند المسلمين تظل تـُـنادَى باسم أبيها الذى عاشت به طيلة عمرها من ذى قبل ، مهما تزوجت ، ولو حتى تزوجت عشر رجال الرجل تلو الآخر ، مايتغير ولا يتبدل حرف واحد من حروف اسمها .
أما عند الغرب ؛ فكلما انتقلت المرأة لعصمة رجـل من الرجال يتغير اسمها تبعا لذلك الإنتقال ، مما يفيد تبعيتها وافتقادها لشخصيتها وهويتها .





أمـا عن عرض المرأة ، فقد تكفل الإسلام ببناء جدار حماية وحائط صـدّ يذود به عن المرأة ضد كل قاذف أو خبيث متخابث .
وليس أدلّ ولا أوقع على هذا من قول الله عـز وجـل :
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور4
فابتداء كان قاذف المحصنة زورا وبهتانا ، له من العقوبة الدنيوية عقوبتان :
فالأولى هى العقوبة الوقتية ، بأن يخضع للجلد بمقدار ثمانين جلدة .
والثانية هى العقوبة الدائمة ، بأن تحجب شهادته طيلة العمر كوصمة عار فى جبين صفحته بين أقرانه فى المجتمع الإسلامى ، مما يحمل له خزيا وعارا يصاحبه ويلازمه حـتى تنقطع أنفاسه وتفارقه حياته .

ولم يكتفِ القرآن بتقرير هاتين العقوبتين الدنيويتين فقط ؛ وإنما جاءت عقوبة الآخرة أشد وطأة وأغلظ فى مجال الردع لكل من تسول له نفسه الإقدام على قذف محصنة ، فقال الله تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }النور23
وهذه أشد عقوبة من العقوبات يمكن أن ينالها امرؤ مهما كان ، ألا وهى عقوبة اللعنة والطرد من رحمة الله .

بل وقد جاء فى السنة المطهرة مايشير لهذا ، ويحث على حماية المسلمة من تقاذف الألسنة لها بالسوء ، فجاء الحديث الذى رواه الإمام البخارى فى كتاب الحدود ، من حديث أبى هريرة ( رضى الله عنه ) عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال :
[ اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ] .


فجاء قذف المحصنات ، كواحدة من الموبقات ، وللمتأمل فى نص هذا الحديث أن يتفكر فى عظم ذنب مثل هذا الذنب ، بمجيئه مقرونا بالشرك والسحر والقتل والربا ، وغير ذلك من الأمور التى تعد فى الإسلام من أكبر الكبائر التى قد يصل بها المدى لخلع ربقة الإسلام من عنق المرء .
وهذا إن دلّ على شىء ؛ فيدل على علو مكانة المرأة وتقدير الإسلام لها ، بأن يوليها كل هذا الإهتمام ، ويقرر لحمايتها من الأحكام ماهو بالغا لهذا المقدار من الحسم والحزم .

فجاء الشرع حاسما فى بابه ، كافيا فى جوابه ، قاطعا للسوء والفحش من دابره ، كافلا لكل امرأة من نساء المسلمين العفيفات الطاهرات حياة نقية آمنة ، لايكدر صفوها عليهن مكدر .





فهذه بعض المظاهـر العامة لتكريم المرأة فى ظل شريعة الإسلام ، وكما قلت هى بعض المظاهر وليست كلها ، وإلا فدين الإسلام حافـل بالجوانب المشرقة المضيئة التى تحمل على الوفاء للمرأة بحقها ومعرفة مكانتها ودورها .

وكما أن الإسلام تناول قضايا المرأة بالصبغة العامة ، فكذلك جاء فى الإسلام أرقى تكريم وأجل تقدير للمرأة فى ثوب الأمومة والأخـوة والزوجـيـة .
فقد اعتنت بها الشريعة أتم عناية فى كل حالاتها الإجتماعية ، وقررت لها مقررات من الحقوق والواجبات ما يكفل لها حياة كريمة هانئة تعينها على الإلتفات إلى أوامر الله جل وعلا ، فكانت هناك الأحكام التى توضح وتبين حجم العلاقة بين الزوج والزوجة وما للزوجة وما عليها ، وكذلك جاءت الشريعة بما يحفظ للأم مكانتها ومقدارها ؛ خلافا لما عليه غير المسلمين من عقوق وظلم للأمهات ومقابلة للإحسان بالإساءة .
فلم يأتِ فى دين الله جانب على حساب جانب ؛ وإنما جاء كل جانب مكملا ومعـضدا للجانب الآخر ، فى سياق ونسق بديع .





تكريم الإسلام للأم
*****************



لفضـلك أمـي تــذل الجبـاه .:. خضوعاً لقدرك عُرف أصيل
وذكرك عطر وحضنك دفء.:.فيحفظك ربي العلي الجليل
لأمي أحن ومن مثل أمي .:. رضاها علي نسيمعليل
حنانـك أمي شفـاء جـروحـي .:. وبلسم عمري وظلي الظليل
وبعد الله أرنو إليك إذا حلَّ خطب .:. وأثنى الكواهل حمل ثقيل
بـدعـواك أمـي تزول الصعـاب.:.فدعواك أمي لقلبي السبيل
فيا أمي أنت ربيـع الحياة .:. ولون الزهور ونبع يسيل
على راحتي كم سهرت الليالي .:. وتلوع قلبك عند الرحيل
فـدومي لنـا بلسـماً شــافيـاً .:. وبهجة عمري وحلمي الطويل
ولحـن شجـي علـى كل سـاه.:.فمن ذا عن الحق منا يميل ( 4 )



وحين يود المرء أن يتأمل فضل الأم ومكانتها فى الإسلام ، لابد له ابتداء أن يتأمل قول الله تعالى :
[ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً{23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً{24} ] [ الإسراء ] .

فمن أسمى مظاهر تكريم الإسلام لكِ ياأخية فى أمومتكِ ، وللوالد أيضا ، أن أتبع الله سبحانه الأمر بالإحسانِ إليكِ فى عقب نهيه تعالى عن الإشراك به ، وهذه بكل صدق هى أعلى مرتبة من المراتب يمكن للمرأة أن تتبوأها .
ثم بعـد الأمر العام بالإحسان للوالدين ، يخص الله تبارك وتعالى الأمر بالإحسان لمن بلغ من السن أكبره من الوالدين .. وكيف يكون هذا الإحسان ؟؟
بتحريم التأفيف ، والتأفيف هو أدنى مراتب الإساءة ، فكيف بما فوقه ؟؟
فحينما يتحدث أهل أصول الفقه مثلا ، وحينما يقومون بشرح المفهوم لطلبتهم ، سواء مفهوم الموافقة أو المخالفة ، لابد أن يستدلوا على مفهوم الموافقة فى سياق الشرح بهذا الجزء من الآية : [ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ] . فتحريم التأفيف والإنتهار ، يفيد بمفهوم الموافقة تحريم مافوقه من الأفعال ، كالسب والضرب والإهمال أو حتى التجاهل .

فهاتان الآيتان قد اشتملتا من أنواع الإحسان ، على : الإحسان فى القول ، والإحسان فى الرعاية ، والإحسان فى المعاملة ، واختتمتا بالأمر بالإحسان فى الدعاء .
وكل هذا يشمل الأم والأب سواء بسواء .



ثم يأتى فى كتاب الله المجيد ، ذكر الوصاية ببر الوالدين فى ( سورة لقمان ) ، ولكن مع التركيز على بر الأم ، وذلك بذكر ماقامت به من جهد فى حملها ووضعها وحتى رضاعها ، ليكون تذكيرا للأبناء بمقدار المتاعب التى مرت بها الأم من أجل الإحسان لصغارها فى أحايين ضعفهم ووهنهم ، وليكون حاملا لهم على مقابلة هذا الإحسان بإحسان مثله تجاه هذه الأم لاسيما حين بلوغها من السن ماتمر به بنوع آخر من أنواع هذا الوهن والضعف . يقول الله تعالى :
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }لقمان14

فالأم فى الإسلام لايصح أن يتغافل عنها أبناؤها مهما كان الداعى ومهما كانت المشاغل ، فأى مشغلة فى الحياة لايصح أن تأتى على حق الأم بأى حال .. فالمسلمون يتميزون على غيرهم من أهل الكفر بأمور كثيرة بالطبع ؛ ومن أهمها قطعا بر الوالدين ، ففى الغرب الكافر قد يكون جزاء الأم فى نهاية حياتها أن تحيا بإحدى دور المسنين وحيدة شريدة ، تشتاق لبنيها وبناتها ولا تلقى منهم إلا التجاهل ، بل ويعتبرون شوقها إليهم شيئا من قبيل المذام ومحاولة الخروج على الطبيعة ، نظرا لما وصلوا إليه من قسوة فى القلوب ..



ولنقرأ سويا هذه الكلمات كما يحكيها الشيخ ( عبد الله الجلالى ) ، يقول :
[ التقيت برجل انجليزي كان كافراً ثم أسلم، فسألته عن سبب إسلامه فقال: كنت أعيش في بلادي هناك، وأبتعد عن أمي أشهراً وأعواماً، ثم ألتقي بها بعد السفر، فلا أقابلها إلا بالإشارة، وعشت في الكويت مدة من الزمن لدى أسرة مسلمة، فرأيت العاطفة في الأسرة، ففي الصباح يأتي الأولاد يقبلون رءوس آبائهم، ولا يستطيعون فراقهم زمناً طويلاً، وعلمت أننا قد فقدنا هذه الفطرة، فعرفت أن الإسلام هو دين الفطرة، فكان ذلك سبباً في إسلامي. وهذا شيء مشاهد، فإن الأمم الكافرة يعيش بعضها بعيداً عن البعض الآخر بالرغم من صلة القرابة الوثيقة، ثم بعد ذلك يلتقون فيكون اللقاء بارداً ]( 5 ).

فهذا الرجل كان كافرا ، ورؤيته لبر المسلمين بآبائهم وأمهاتهم كانت سببا فى إسلامه ، فأين المسلمين اليوم من هذا الباب العظيم من الدعوة ، ألا وهو الدعوة إلى الإسلام بإظهار أخلاق الإسلام ؟؟

فالبر بالأمهات والآباء والحنين المتبادل بين الذريات وأهليهم شيئ فطري ، ارتبط بأصل فطرة الإنسان ، ولكن مايثير الحزن ويحرك الأشجان مانراه اليوم من عقوق وإيذاء فِـعْـلـِـىّ للأمهات والآباء . والذى يزيد الأسف والبلاء أن ينتشر هذا حين ينتشر فى جموع المسلمين . ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وكما جاء فى الحديث بالصحيحين ، حينما سأل الرجـلُ رسولَ الله ( صلى الله عليه وسلم ) : أحق الناس بحسن صحابتى ؟
فهذا الحديث بحق ، هو أصل عظيم من أصول تكريم الإسلام للأم .. الأم التى هى فى الأصل [ المرأة ] .
وهنا فى واقع المسلمين ، ترى من الناس من أشـْـرِبَ فى قلبه عادات الغرب الكافر من تقديم الزوجة على الأم ، فما عادت أمه تعنيه بالقدر الذى تعنيه فيه امرأته .

بل وفوق هذا كله ، حينما جاء الرجـل الذى يريد الجهاد فى سبيل الله [ جهاد طلب ] ، فالرجل يريد أن يغزو ، وجاء ليستشير النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ، فما أول شىء فعله النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ؟؟
سأل الرجل : [ ألك من أم ؟؟ ] . يقول الرجل : بلى ، فيأتى جواب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) حاسما فاصلا : [ الـزمها ] . ( 6 ) .

فما هذه المنزلة الرفيعة التى منحها الإسلام للأم ؟؟



بل لقد بلغت منزلة الأم فى الإسلام ، أن جعل الله برّها سببا من أسباب إجابة الدعاء ، ويتبدى هذا جليا الحديث الذى رواه الإمام مسلم فى صحيحه ، عن أسيد بن عمرو ، كان عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه ) إذا أتى عليه إمداد أهل اليمن سألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟؟
حتى أتى على أويس فقال : أنت أويس بن عامر ؟؟
قال : نعم .
قال : مِـن مراد ثم من قرن ؟؟
قال : نعم .
قال : فكان بك برص فبرئت منه إلا موضع درهم ؟؟
قال : نعم .
قال : لك والدة ؟؟
قال : نعم .
فقال عمر ( رضى الله عنه ) : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول :
[ يأتى عليكم أويس بن عامر مع إمداد أهل اليمن ، من مراد ثم من قرن ، كان به برص فبرىء منه إلا موضع درهم ، له والدة هو بارّ بها ؛ لو أقسم على الله لأبرّه ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ] .
ثم قال عمر : فاستغفِرْ لى .
فاستغفرَ له .

ومَن عمر بن الخطاب ؟؟ هو الفاروق الأكبر ، الذى لو سلك فـجـّـا ؛ لسلك الشيطان فجا غيره . أعظم رجل فى الدنيا بعد الأنبياء وبعد الصديق أبى بكر ( رضى الله عنه ) . يبحث عن أويس ليدعو له ..
فما الذى بلغ بأويس هذه المنزلة ؟؟
برّه بـأمه .
فاللهم اجعلنا من البارين بآبائنا وأمهاتنا ، فى محياهم ومماتهم .




تكريم الإسلام للبنت
*******************

وتتنوع مظاهر هذا التكريم ، فيبدأ تكريمها حين ولادتها . حينما أنكر الإسلام ماكان يفعله الآباء ببناتهم حين الولادة .
قال تعالى : [ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ{8} بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ{9} ] [ التكوير ] .
فأنكر الإسلام عليهم ماكانوا يصنعونه .
بل لقد جاءت نصوص الإسلام بما يفيض بطمأنينة النفس على من رزقه الله بالإناث ،
قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) كما جاء عند الإمام البخارى : [من ابتلى مـن البنات بشيء فأحسـن إليهن كن له ستراً من النار ] .

فبعد أن كانت عارا على أهلها فى الجاهلية ، جعلها الإسلام سترا وحجابا يفصل بين أهلها إن أحسنوا تربيتها وبين النار .
فكانت البنت سببا للخسارة ، وجعلها الإسلام سببا للفوز . فأى تكريم فوق هذا ؟؟

وقد صدق من قال :
فلو كان النساء كمن ذكرن .:. لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب .:. وما التذكير فخر للهلال

وقد نقل الدكتور ( عبد الله وكيل الشيخ ) عن الأديب الصاحب بن عَـبّاد فى تهنئته لصاحب له ، حينما رُزق بمولودة ، فجاء كلامه يدل على تأثر الكـُـتـّـاب والأدباء بعدل الإسلام للمرأة ، فقال مهنئا صاحبه :
[ أهلاً وسهلاً بعقيلة النساء ، وأم الأبناء ، وجالبة الأصهار ، والأولاد والأطهار ، والمبشرة بإخوةٍ يتناسقون ، ونجباء يتلاحقون .
والله تعالى يعرِّفُكَ البركة في مطلعها ، والسعادة بموقعها ، فأدَّرع اغتباطاً واستأنفْ نشاطاً ، فالدنيا مؤنثةٌ ، والرّجالُ يخدمونها ، والأرضُ مؤنثةٌ ، ومنها خلقت البرية ، ومنها كثرت الذرية ، والسماء مؤنثة وقد زُيِّنَت بالكواكب ، وحُلِّيَتْ بالنجم الثاقب ، والنفس مؤنثة وهى قوامُ الأبدان ، وملاك الحيوان ، والجنةُ مؤنثةٌ ، وبها وُعِدَ المتقون ، وفيها ينعم المرسلون ، فهنيئاً لك بما أُوتيت ، وأوزعك الله شكر ما أُعطيت ]( 7 ) ، ( 8 ) .




ثم أكرمها الإسلام فى أطوار حياتها ، وأمر الأهل بالعدل بين أبنائهم كافة ، كما جاء عن البخارى ومسلم ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : [ اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم ] .
فـهدم هذا الحديث ماكان يحدث من التفرقة بين الأبناء ؛ سواء كانت التفرقة بدافع السن أو نوع الجنس أو غير ذلك ، ليقرر الإسلام مبدأ المساواة بين الذرية بدون النظر للجنس أنثوىٍّ كان أم ذكرىٍّ .

كما أكرمها الإسلام ، حين أوجب لها حقها المفروض فى الميراث ، فى أول إنصاف تراه المرأة وتلامسه فى تاريخها .




تكريم الإسلام للزوجة
********************



وأول مظاهر هذا التكريم ، ماجاء فى القرآن المجيد عـن أساس العلاقة بين الأزواج والزوجات ؛ فبعد أن كانت تقوم فيما سبق على العبودية والرقّ بشكل رسمى ، جاء الإسلام ليجعل قوامها وعماد بنيانها المودة والألفة والتراحـم .


بل لقد برز هذا التكريم فى أزهى صوره ، حينما جعل الله هذه العلاقة الزوجية آية من آياته ، يقول الله تعالى :


{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21



فالزوجة لم يعتبرها الإسلام كما اعتبرها غيره ، آلة من الآلات يقتصر دورها على إنجاب الولد ؛ لا بل قد جاء دورها فى الإسلام كبير جدا ومشتمل على جوانب شتى ، فالزوجة فى الإسلام معينة على عثرات الحياة ، ويصعب جدا لأى رجل أن تستقيم له حياة بدون وجودها بجواره ناصرة ومؤازرة ، وكذلك هى فى الإسلام سبب لـعـفـة زوجها ، وأيضا هى خير مربية يقوم علي يديها صلاح ذريتها التى هى فى مجموعها جملة جيل الأمة الإسلامية . وهى اللؤلؤة الغالية الثمينة التى تعب الرجل فى الحصول عليها ، فصار مطالبا بالحفاظ عليها وصيانتها .


ومن هـنـا ، فقد جاءت شريعة الإسلام مقررة حـقـوقـا لكل طرف على الآخر ، وواجبات على كل طرف للآخر . بحيث تسير جملة الحقوق والواجبات بين الطرفين فى فلك منسجم متناسق دون إخلال .




وأول هـذه الحقوق ، هو حق المرأة فى اختيار من ترضاه زوجا لها ، فلم يُبـِـح الإسلام لولى المرأة تزويجها وهى كارهة كما كان يحدث قبل ذلك ، وإنما يستأذنها وليها إكراما وصيانة لها من الوقوع فى مضارة تزويجها بمن تكره .


فجاء قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما فى الصحيحين : [ لاتنكح البكر حتى تُـستأذَن ولا الثيب حتى تُـسـتـأمَـر ] .



ثم من جملة هذه الحقوق ، ماذكرناه آنفا عن حق المرأة فى مهر يمهرها به زوجها ، وهذا تكريم بالفعل للمرأة فى الإسلام ؛ لاسيما إذا نظرنا إلى بعض الشرائع أو المجتمعات السابقة فوجدنا بعضها يوجب المهر على الزوجة حين الزواج بأن تمهر النساءُ الرجالَ .


فهذا مايقرره الإسلام فى قوله تعالى : {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }النساء4


فهذه الآية تتضمن فى معناها التأكيد على حق المرأة فى الإنفراد بالمهر دون الزوج أو الولى ؛ بل لقد ورد فى كتاب الله نص آخر ، يمنع الزوج أن يتعرض لزوجته بشىء من الإيذاء من أجل الحصول على شىء من حقوقها بالإكراه ، فقال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ }النساء19 .



ولم يكتفِ الإسلام بهذا ، بل لقد أوجـب للزوجة على زوجها حقها فى النفقة بعموم ماتقتضيه الحياة من المأكل الطيب والملبس والسكن الكريم وما إلى ذلك .


قال تعالى : { وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }البقرة233



فلما كان من طبيعة المرأة القرار فى البيوت ، فقد أوجب الله على من يقوم عليها من زوج أو أب أو أخ ، أن يتولى الإنفاق عليها والقيام بحقها كاملا على حسب سعته .


وهذا مظهر من مظاهر التأمين الإقتصادى للمرأة التى أولاها الإسلام رعايته ، حتى لاتخشى على نفسها الحاجة والضرر المستقبلى ، فتتفرغ للقيام بمهامها تجاه أمتها دون أن يعترض طريقها مايكدر عليها صفو هذه الرسالة النبيلة التى تؤديها .



بل وحين أتت زوجة أبى سفيان وسألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الذى يمكنها فعله إزاء مايعتريها من قلة إنفاق زوجها عليها وعلى ولدها ، فأذن لها بأن تأخذ من ماله مايكفيها ويسد حاجتها وحاجة ولدها على القدر المعروف دون إفراط .


فلم يتوانَ الشرع من تأمين حقوق المسلمة بأى حال ؛ نظرا لما يترتب على حالتها المادية من مصالح أو مفاسد ستؤثر بدورها على حال هذه الأمة .



بل ولم تقتصر عناية الإسلام بالمرأة عند حـد العناية المادية الدنيوية فحسب ؛ وإنما تعدتها للعناية الدينية أيضا ، فجعل الإسلام كل رجل راعٍ على بيته ومسؤول عن هذه الرعية المعلقة فى عنقه ، من زوجة وأبناء .. وأوجب الإسلام عليه أن يتكفل بالعناية بهم فى عباداتهم وتعليمهم أصول دينهم وثوابته حتى يكون ذلك سبيلا للنجاة من عذاب الله يوم القيامة .


فقال الله تعالى موجها خطابه للمؤمنين : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم6 .


ولعل هذه خطابا للأزواج الذين يتصورون بأن غاية عنايتهم بزوجاتهم وذراريهم مقتصرة على الإنفاق فحسب ، فتراهم يسافرون ويتركون أهليهم ، سعيا وراء المال ويقصرون فى حقوقهم الدينية التى أوجبها الله عليهم تجاههم ، ويحسبون فى النهاية أنهم بذلك يحسنون صنعا .



بل لقد جاءت أجمل صورة فى عناية الرجل بحال أهله من ربهم ، حينما أثنى رب العالمين تبارك وتعالى على نبيه إسماعيل ( عليه السلام ) لعنايته بأهله وبحالهم مع ربهم ، فقال تعالى :


{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً }مريم55


فجعل الله عز وجل هذه الشيمة من مقتضيات المدح .



وكذلك أوجـب الإسلام على الرجل أن يحفظ عِرض امرأته ويصونها من كل معـتـدٍ عابث ؛ فكان حال المرأة والرجل كحال اللؤلؤة الغالية ، وزوجها صدفتها التى تحيط بها بتحفظها وتحميها .


وحـذر الإسلام فى كثير من مواضع السنة من شر الدياثة وخطرها على بنيان الأمة ، فالمؤمن لابد فيه من غيرة وحمية ، أما الدياثة فهى من أشد خوارم المروءة فى الرجال ، وكل هذا من أجل تأمين وحفظ المرأة التى ماكانت فى الإسلام إلا جوهرة .



وفى مجمل هـذه العلاقة الطاهرة التى يترابط نسيجها بين الزوج وزوجته ، جـاءت الصبغة العامة التى تصبغ هـذه العلاقة ، فى قول الله تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }النساء19


يقول العلامة الإمام بن كثير ( رحمه الله ) فى تفسير قوله تعالى : [ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ] : [ طيِّبوا أقوالَكم لهنَّ ، وحسِّنوا أفعالَكم وهيئاتكم حسب قدرتكم كما تحبُّ ذلك منكم ] .



فأمر الشارع بحسن المعاشرة والمعاملة فى عموم الحياة ، بل وألمح هنا إلى المساواة فى الإحساس والشعور بين الرجل والمرأة . فكما وجب على المرأة احترام مشاعر زوجها فكذلك وجب على الرجل نفس الشىء تجاه زوجته .



ولم يغفل الإسلام ماقد يحدث من خلاف أو تشاحن داخل أسوار هذه المملكة الطاهرة ، فجاء قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما عند البخارى : [ لايفرك مؤمن مؤمنة ؛ إن كره منها خلقا رضى منها آخر ] .


فلأن طبيعة البشر تخلو من الكمال ، فلابد من عيوب أو قصور ؛ لذا فقد أوضح الإسلام السبيل الصحيح الذى يسلكه الرجل فى مثل هذه الحالة ، وهو ألا يتسلل لقلبه بغض امرأته بوجه عام ، ولكن إن كره خلقا معينا منها فليبادر إلى تذكر مايرضيه من خلق آخر ووجده متوفرا فيها . حتى يجبر النقص وتدوم المودة بين رُكـنـَـىِ البيت .




ولم تـخـْـلُ السنة النبوية المطهرة من الوصايا بالنساء .


فهذا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول :

[ استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإذا ذهبت تقيمُه كسرت ، وإذا تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا ] .


[ رفقا بالقواوير ] .


[ اتقوا الله فى النساء ؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ] .



بل وتصل هذه الوصايا النبوية للحد الذى يصير معه حسن معاملة الرجل لامرأته وأهل بيته أحـد المعايير لمعرفة مقدار هذا الرجل بين الرجال .


فيقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما جاء عند الترمذى : [ أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائكم ] .


فجاء حسن معاملة الرجـل لامرأته مقترنا بكمال دينه وإيمانه ؛ تعظيما وتبيانا لمكانة المرأة وعظم دورها فى المجتمع الإسلامى .


ثم يأتى الحديث الآخر بنفس المعنى ولكن بتأكيد حال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مع أهل بيته ، حتى يكون حاملا للرجـال على الإقتداء ومتابعة التأسى بالنبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى معاملة الأهل مثلما يتأسون به فى باقى أمور الدين والدنيا ، فيقول ( صلى الله عليه وسلم ) مؤكدا على ذلك :


[ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ] .



بـل وتتأكـد قيمة المرأة فى الإسلام وتقدير الشرع الإسلامى لها ، فى قوله ( صلى الله عليه وسلم ) كما فى الصحيحين :


[ لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها ] .


فجاء النص موبخا لكل من تـسـول له نفسه الإستمراء فى ضرب النساء ، ومبينا له مقدار حماقته التى تمثلت فى ضربه لها نهارا ، ثم العودة إليها بعد ساعات قليلات بكل هدوء .. فجاء النص مبينا حماقته وتغفيله ؛ إذ كيف يجعلها عبدا بالنهار ثم زوجة بالليل ؟؟



وهذا النص قطعا ، بخلاف الضرب المأذون فيه ، وهو الضرب المستوفى للشروط والضوابط الشرعية ، والذى تقتصر غايته على التأديب والإصلاح من أجل استمرار الحياة مستقرة ولا تكون غايته وهدفه الإهانة والإمتهان .



فجاءت كل نصوص الشرع الإسلامى المتعرضة لجنس النساء ، جاءت جميعها مؤكدة على المكانة العليا التى تبوأتها المرأة المسلمة فى أحكام دينها .




وقد صدق القائل :


ووصــايا الهـادي كنــزٌ .:. فيهــــــا عـــدلٌ وارتقـــاءْ
وســــموٌ قــــــالَ فيهــــــا .:. اســتوصـوا خيراً بالنسـاءْ( 9 )



حــــــــاشــيــة الـفـصـــل



( 1 ) من قصيدة [ أنا مسلمة ] للدكتور ( عبد المعطى الدالاتـى ) .
( 2 ) من كتاب [ المرأة فى الإسلام والمرأة فى العقيدة اليهودية والمسيحية ، الأسطورة والحقيقة ] صــ 42 .
( 3 ) من قصيدة [ أنا وردة الإيمان ] للدكتور ( عبد المعطى الدالاتـى ) .
( 4 ) الأبيات ذكرها الشيخ [ خالد الراشد ] حفظه الله ، فى محاضرة بعنوان [ أمى ] .
( 5 ) القصة ذكرها الشيخ [ عبد الله الجلالى ] فى محاضرة [ المرأة فى الإسلام ، مالها وما عليها ] .
( 6 ) الكلام فى هذا الحديث يختص بجهاد الطلب ، أما جهاد الدفع فالأصل فيه تلبية نداء الجهاد متى سمعه المسلم .
( 7 ) عقيلة النساء : أى [ سيدة النساء ] .
( 8 ) نقلا عن كتاب [ المرأة وكيد الأعداء ] للدكتور ( عبد الله وكيل الشيخ ) صــ [ 4 ، 5 ] .
( 9 ) من قصيدة [ استوصوا خيرا بالنساء ] للأستاذ ( عبد الناصر منذر رسلان ) .

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عمر الأزهري ; 01-30-2008 الساعة 08:53 AM
رد مع اقتباس