عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 08-02-2008, 02:57 AM
البتار البتار غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


سيد قطب ما لَه وما عليه


بسم الله الرحمن الرحيم



وردني سؤال يقول: قد كثر مؤخراً الكلام على سيد قطب رحمه الله بين طاعن ومادح .. واختلط الأمر على كثير من الشباب .. فما تقييمكم لذلك، وما هو رأيكم في سيد .. وجزاكم الله خيراً ؟

--


الجواب:



الحمد لله رب العالمين .

عند الحديث عن كبار أهل العلم وإرادة تقييمهم، والحكم عليهم بالجرح أو التعديل، لا بد من النظر إلى عدة أمور،

منها: النظر إلى مجموع حسنات العالم ومجموع مواقفه وأحواله .. ومن جهة أخرى النظر إلى مجموع سيئاته أو أخطائه إن وجدت، وإجراء عملية الترجيح بينهما، وبيان أيهما يغلب ويرجح على الآخر ..!

ومنها: رد المتشابه من أقواله وكلامه إلى المحكم .. وبناء الأحكام عليه وعلى أفكاره ومذاهبه من خلال المحكم الصادر عنه، وليس المتشابه .. حيث ما من عالم إلا وله عبارات متشابهة حمالة أوجه لو أخذت بمفردها، وحوكم على أساسها لظلم العالم وفُهم خطأ، وربما لضلل وفُسق .. ولكن عندما يرد هذا المتشابه إلى المحكم من كلامه ومواقفه، فإن الصورة تتضح أكثر، ويكون الحكم والقرار أقرب إلى الإنصاف والعدل.


ومنها: النظر إلى مجموع مراحل الطلب والالتزام الذي مر بها العالم .. والتفريق بين مراحل ما قبل الالتزام ـ إن وجدت ـ وبين مراحل ما بعد الالتزام، واعتماد المراحل الأخيرة من حياته، واجتهاداته، وإطلاقاته .. فالعبرة بالخواتيم، وبما يُختم به على المرء.

فمن الظلم كل الظلم أن تقيم الإنسان من خلال حياته المنحرفة أيام جاهليته ـ إن وجدت ـ وتغض الطرف عن مرحلة ما بعد ذلك من التوبة والاستقامة والالتزام والجهاد التي خُتمت به حياته..!


ومنها: مراعاة الظروف والأجواء والملابسات المحيطة به لحظة وقوع العالم في الخطأ .. فهي تعيننا على فهم مراده وقصده مما قد أخطأ فيه .. والدافع الذي حمله على الوقوع في الخطأ!

ثم أن هذه الأجواء والملابسات المحيطة به إن لم تمنع من تخطئته والإشارة إلى قوله أو فعله بأنه خطأ إلا أنها قد تمنع تكفيره أو تضليله وتفسيقه ..!


ومنها: التجرد من الهوى والتحامل المجحف، والأحكام المسبقة عندما يريد الإنسان أن يقيّم إنساناً آخر، وبخاصة إن كان هذا الآخر عالماً من علماء الأمة له سابقة جهاد وبلاء في سبيل الله .. وما أقل هؤلاء المنصفين المتجردين من أهوائهم للحق في زماننا !!


------------

فهذا التمهيد هام وضروري بين يدي الجواب على السؤال الوارد أعلاه، والخاص بسيد رحمه الله .. وألخص الجواب على هذا السؤال في النقاط التالية:


1- مر سيد قطب رحمه الله في حياته في ثلاثة مراحل: مرحلة ما قبل الالتزام، ومرحلة التحول إلى الإسلام والعمل الإسلامي، ومرحلة النضج والالتزام والانطلاق الجاد في الدعوة لهذا الدين والجهاد في سبيل الله، وهذه مراحل المتأخر منها ناسخ لما تقدم منها.

فمرحلة ما قبل الالتزام بالدعوة والعمل الإسلامي امتدت تقريباً إلى سنة 1945 ..

تقلب فيها سيد بين حزبي الوفد والسعديين، ومناصرة العقاد وأدبه وفكره .. وفي هذه المرحلة كتب سيد مقالات وأبحاث عدة، يؤخذ عليه كثير مما كتب فيها .. ولو أراد المرء أن يقيم سيد من خلال كتاباته ومواقفه في تلك المرحلة التي أنهاها بكتابه المعروف " بالتصوير الفني في القرآن " لخرج بطامات لا يستهان بها في ميزان العقيدة والتوحيد .. ولكنها حياة منسوخة بالنسبة لسيد بما صدر عنه فيما بعد من كتابات ومواقف.

فليس من الإنصاف والعدل أن يعكف المرء على كتابات سيد في تلك المرحلة ـ التي يسميها سيد نفسه في أكثر من موضع في الظلال وغيره بأنها مرحلة الضياع ـ ثم يخرج للناس ليقول لهم انظروا ماذا يقول سيد .. وهذه هي مواقف سيد ؟!!


أما المرحلة الثانية:


وهي مرحلة التحول إلى العمل الإسلامي والتي انتهت تقريباً في نهاية عام 1950 .. في هذه المرحلة تجرأ سيد على الكتابة في مسائل لم يُسبق إليها من أحد، وقبل أن يتمكن من علوم الإسلام وبخاصة منها علمي الحديث والفقه مما أدى إلى وقوعه في بعض الأخطاء التي أخذت عليه كما في كتابه " العدالة الاجتماعية " الذي يُعتبر أول كتاب إسلامي له .. والذي كتبه عام 1948 تقريباً في أوج استفحال الاشتراكية وانتشارها في الأمصار، مما حمل بعض الدعاة آنذاك أن يتكلموا ويكتبوا عن اشتراكية الإسلام مواكبة للتيار الجارف الداعي للاشتراكية .. من جملة هذه الأخطاء التي أخذت على سيد في كتابه المذكور طعنه ببعض الصحابة وعلى رأسهم عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين .. معتمداً في ذلك على روايات غير محققة وأكثرها موضوعة ومكذوبة ـ من صنع الروافض ـ لا تصح من حيث السند ولا من حيث المعنى ..!

فإن قيل أن سيد قطب لم يكن يريد الطعن لمجرد الطعن على طريقة الروافض الخبثاء .. وإنما أراد أن يظهر عظمة النظام الاقتصادي في الإسلام، وما كان قد اعترى هذا النظام من فساد وانحراف في أواخر عهد الخليفة الثالث عثمان -رضي الله عنه- ..؟!

أقول: مهما قيل عن الدافع والملابسات التي حملت سيد ـ في تلك الحقبة والمرحلة ـ على النقد الجارح لبعض الصحابة رضي الله عنهم فهو مخطئ، وخطأه مردود عليه لا يُتابع فيه ..!


لكنها مرحلة كذلك لا يجوز أن يُقيم سيد رحمه الله من خلالها .. وبخاصة أنه يُنقل عن سيد أنه تخلى عنها وعن كثير مما كتب فيها .. كما يُنقل ذلك عن أخيه محمد قطب وغيره من الباحثين [ انظر سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، ص 509 ]!

المرحلة الثالثة:

وهي مرحلة النضج والجهاد، والبلاء .. التي تعتبر ناسخة لجميع مراحل حياة سيد المتقدمة والتي بدأت في أوائل الخمسينيات .. وانتهت بنهاية حياة سيد معلقاً على أعواد مشانق الطواغيت، بعد عدة سنوات قضاها في سجون الظالمين !!
وفي هذه المرحلة الناسخة صدر عن سيد رحمه الله الكتب التالية: الظلال، وهذا الدين، والمستقبل لهذا الدين، وخصائص التصور الإسلامي، ومقومات التصور الإسلامي، والإسلام ومشكلات الحضارة، وكتابه العظيم معالم في الطريق ..
فمن أراد أن يقيّم سيد قطب، وإنجازه العلمي عليه أن يعكف على هذه المرحلة من حياته، وعلى إنجازاته العلمية التي أنجزها في تلك المرحلة الجادة من حياته.


--

2- عند تقييم سيد ـ رحمه الله ـ ينبغي النظر إلى جميع جوانب سيد: الإبداعية العلمية منها إضافة إلى مواقفه الدعوية والجهادية، وما تعرض له من بلاء وتعذيب في سبيل الدعوة إلى الله .. كما ينبغي النظر إلى الخاتمة التي ختم عليها سيد التي تجب ما قبلها؛ وهي خاتمة خير وشهادة إن شاء الله ولا نزكيه على الله .. فهذا كله يجب أن يكون معتبراً عند التقييم، والحكم على سيد!

فكثير من الدعاة يكتب كتابات جيدة ومنمقة .. ولكن لا يواكبها مواقف دعوية ترقى بصاحبها إلى مستوى الكلمات التي خطها في كتبه .. ولو نظرت إلى كثير من هؤلاء لوجدتهم يتوسدون عتبات الطواغيت يستعطفونهم المن والعطاء .. مع علمهم أن الطاغوت لا يمكن أن يقبل منهم مقابل ذلك العطاء أقل من الولاء والجدال عنه في الباطل والزور .. فمثل هؤلاء أنى تنفعهم كتبهم ومؤلفاته المنمقة والمدعومة .. وهم في نفس الوقت يكذبونها بمواقفهم العملية والتي هي أصدق تعبيراً عما في أنفسهم من أمراض وآفات!!
--

3- قد وقع سيد قطب رحمه الله في أخطاء لا يُتابع فيها، ولا يُقر عليها .. ويُحذر منها ـ أي من الأخطاء ـ كل من أراد أن يطالع كتب سيد .. من تلك الأخطاء: وقوعه في التأويل المذموم وموافقته لمذاهب الأشاعرة في الصفات .. ومنها قوله بعدم حجية خبر الآحاد في العقائد وهذا بخلاف ما عليه أهل السنة والجماعة ..!
فهذه الأخطاء لا يُتابع عليها سيد .. ويجب الاعتراف بأنها أخطاء وأن سيداً قد أخطأ في تلك المسائل .. وأنه لم يوفق إلى الحق والصواب فيها .. وهذا طبع البشر المجبولين على الخطأ .. والكمال عزيز .. وجلّ من لا يُخطئ !!

--

4- لم يكن سيد هو أول وآخر من أخطأ في مسائل الصفات .. وكذلك خبر الآحاد .. فإن كثيراً من فحول الأمة وعلمائها الأقدمين قد وقعوا في هذا النوع من الخطأ .. وسيد متابع لهم ولأقوالهم .. وذلك لم يمنع من إنصافهم والثناء عليهم بما أصابوا فيه .. والاستفادة من علومهم وكتبهم النافعة !!

فالإنصاف في هذه الحالة يقتضي أن يُقال: أصاب سيد في كذا .. وأخطأ في كذا .. وليس أخطأ في كذا ونعمي العين ـ لهوى متبع ـ عما قد أصاب فيه وأجاد .. وما أضخم هذا الجانب عند سيد رحمه الله ؟!!

رد مع اقتباس