عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 12-12-2007, 07:15 AM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

((( ذهبية )))
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها ، في باب الصفات والقدر والإمامة وغير ذلك ، هو من هذا الباب ، فيه المجتهد المصيب ، وفيه المجتهد المخطئ ، ويكون المخطئ باغياً ، وفيه الباغي من غير اجتهاد ، وفيه المقصر فيما أمر به من الصبر .

وكل ما أوجب فتنة وفرقة فليس من الدين ، سواء كان قولاً أو فعلاً ، ولكن المصيب العادل عليه أن يصبر عن الفتنة ويصبر على جهل الجهول وظلمة إن كان غير متأول وأما إن كان ذاك أيضا متأولاً ، فخطؤه مغفور له وهو فيما يصيب به من أذى بقوله أو فعله له أجر على اجتهاده ، وخطؤه مغفور له ، وذلك محنة وابتلاء في حق ذلك المظلوم .

فإذا صبر على ذلك واتقى الله كانت العاقبة له ، كما قال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً } [ سورة آل عمران 120 ]
وقال تعالى : { لتلبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } [ سورة آل عمران 186 ]

فأمر سبحانه بالصبر على أذى المشركين وأهل الكتاب مع التقوى ، وذلك تنبيه على الصبر على أذى المؤمنين بعضهم لبعض متأولين كانوا أو غير متأولين .

وقد قال سبحانه : { ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ سورة المائدة 8 ] ، فنهى أن يحمل المؤمنين بغضُهم للكفار على ألا يعدلوا عليهم فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع متأول من أهل الإيمان ؟ فهو أولى أن يجب عليه ألا يحمله ذلك على ألا يعدل على مؤمن وإن كان ظالماً له .

فهذا موضع عظيم المنفعة في الدين والدنيا ، فإن الشيطان موكل ببني آدم وهو يعرض للجميع ، ولايسلم أحد من مثل هذه الأمور دع ـ ما سواها ـ من نوع تقصير في مأمور ، أو فعل محظور باجتهاد أو غير اجتهاد ، وإن كان هو الحق .

وقال سبحانه لنبيه : { فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشى والإبكار } [ سورة غافر 55 ] فأمره بالصبر وأخبره أن وعد الله حق وأمره أن يستغفر لذنبه .

ولا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به ، فإنه سبحانه أمر بالحق وأمر بالصبر ، فالفتنة إما من ترك الحق وإما من ترك الصبر .

فالمظلوم المحق الذي لا يقصر في علمه يؤمر بالصبر فإذا لم يصبر فقد ترك المأمور .

وإن كان مجتهداً في معرفة الحق ولم يصبر فليس هذا بوجه الحق مطلقاً لكن هذا وجه نوع حق فيما أصابه فينبغي أن يصبر عليه .

وإن كان مقصراً في معرفة الحق فصارت ثلاثة ذنوب : أنه لم يجتهد في معرفة الحق ، وأنه لم يصبه وأنه لم يصبر .

وقد يكون مصيباً فيما عرفه من الحق فيما يتعلق بنفسه ، ولم يكن مصيبا في معرفة حكم الله في غيره ، وذلك بأن يكون قد علم الحق في أصل يختلف فيه بسماع وخبر أو بقياس ونظر أو بمعرفة وبصر ويظن مع ذلك أن ذلك الغير التارك للإقرار بذلك الحق عاص أو فاسق أو كافر ، ولا يكون الأمر كذلك ، لأن ذلك الغير يكون مجتهداً قد استفرغ وسعه ولا يقدر على معرفة الأول لعدم المقتضى ووجود المانع .

وأمور القلوب لها أسباب كثيرة ولا يعرف كل احد حال غيره من إيذاء له بقول أو فعل قد يحسب المؤذى إذا كان مظلوماً ـ لا ريب فيه ـ أن ذلك المؤذي محض باغ عليه ، ويحسب أنه يدفع ظلمه بكل ممكن ، ويكون مخطئاً في هذين الأصلين ، إذ قد يكون المؤذى متأولاً مخطئاً ، وإن كان ظالماً لا تأويل له فلا يحل دفع ظلمه بما فيه فتنة بين الأمة وبما فيه شر أعظم من ظلمه بل يؤمر المظلوم ها هنا بالصبر فإن ذلك في حقه محنة وفتنة .
وإنما يقع المظلوم في هذا لجزعه وضعف صبره ، أو لقلة علمه وضعف رأيه ، فإنه قد يحجب أن القتال ونحوه من الفتن يدفع الظلم عنه ، ولا يعلم أنه يضاعف الشر كما هو الواقع ، وقد يكون جزعه يمنعه من الصبر .

والله سبحانه وصف الأئمة بالصبر واليقين ، فقال : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } [ سورة السجدة 24 ] وقال : { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } [ سورة العصر 3 ]
وذلك أن المظلوم وإن كان مأذوناً له في دفع الظلم عنه بقوله تعالى { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } [ سورة الشورى 41 ] فذلك مشروط بشرطين .
أحدهما : القدرة على ذلك .
والثاني : ألا يعتدى .
فإذا كان عاجزاً أو كان الانتصار يفضى إلى عدوان زائد لم يجز ، وهذا هو أصل النهى عن الفتنة فكان إذا كان المنتصر عاجزاً وانتصاره فيه عدوان فهذا هذا .

ومع ذلك فيجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب إظهار السنة والشريعة والنهي عن البدعة والضلالة بحسب الإمكان ، كما دل على وجوب ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة .

وكثير من الناس قد يرى تعارض الشريعة في ذلك ، فيرى أن الأمر والنهي لا يقوم إلا بفتنة ، فإما أن يؤمر بهما جميعاً أو ينهى عنهما جميعاً ، وليس كذلك بل يؤمر وينهى ويصبر عن الفتنة ، كما قال تعالى : { وأمر بالمعروف وانه عنه المنكر واصبر على ما أصابك } [ سورة لقمان 17 ]

وقال عبادة : " بايعنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ـ على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله ، وأن نقوم ـ أو نقول ـ بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم " فأمرهم بالطاعة ونهاهم عن منازعة الأمر أهله وأمرهم بالقيام بالحق .
اهــ ( 1 / 34 ، 37 )

((( جديد الفوائد من كلام الشيخ )))

1- أن المخطئ الباغي قد يكون مجتهداً وقد يكون غير مجتهد .
2- أن كل ما أوجب فتنة ليس من الدين ، و ...
3- أن الفتنة تكون من ترك الحق ـ الواجب ـ أو من ترك الصبر المأمور به على الأذى .
4- أن الله أمر بالعدل مع الكفار ، فمع من تلبس ببدعة أو معصية : كان الأمر أولى ، وإن كان ظالماً له .
5- أن العبد قد يصيب الحق في نفسه ويجهل حكم الله في غيره ، ذلك لانعدام المقتضيات ووجود الموانع .
6- أن شرطي دفع الظلم عن النفس ، أن يكون قادراً وألا يعتدي .

وثَم فوائد أخر لمن تأمل ...
فمن وجد شيئاً من هذا فليبذله ...

رد مع اقتباس