عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 02-12-2008, 04:39 PM
أبومالك أبومالك غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الفصل الثاني من الجزء الثاني: كيف تطبع أثرا في من تقابل


إن قسمات الوجه خير معبر عن مشاعر صاحبه، فالوجه الصبوح ذو الابتسامة الطبيعية الصادقة خير وسيلة لكسب الصداقة والتعاون مع الآخرين، إنها أفضل من منحة يقدمها الرجل، ومن أرطال كثيرة من المساحيق على وجه المرأة، فهي رمز المحبة الخالصة والوداد الصافي. بهذا صدر المؤلف هذا الفصل.
وذكر أنه طلب من تلاميذه أن يبتسم كل منهم لشخص معين كل يوم في أسبوع واحد. فجاءه أحد التلاميذ من التجار وقال له: اخترت زوجتي للابتسامة ولم تكن تعرفها مني قط، فكانت النتيجة أنني اكتشفت سعادة جديدة لم أذق مثلها طوال الأعوام الأخيرة!
فحفزني ذلك إلى الابتسام لكل من يتصل بي... فصار الناس يبادلونني التحية ويسارعون إلى خدمتي وشعرت بأن الحياة صارت أكثر إشراقاً وأيسر منالاً، وقد زادت أرباحي الحقيقية بفضل تلك الابتسامة.
إن الأخلاق حين ترتبط بالأهداف المادية تصبح أخلاقاً مصطنعة ومتكلفة، لا تزرع وداًّ، ولا تنبت حباًّ، وتجعل التعامل بين الناس قائماً على المصالح المتبادلة، وكل واحد يخشى الآخر، ومهما رأى من صاحبه طلاقة الوجه وارتسمت الابتسامة على شفتيه فإنه على يقين أن هذا لهدف يقصد الوصول إليه من خلاله.
أما الإسلام فقد سبق إلى هذا الخلق الرفيع وأصَّله عند أهله حين تقيدوا بتوجيهات نبيهم صلى الله عليه وسلم لا من أجل أن يجنوا أرباحاً ماديةً في هذه الحياة الدنيئة، وإنما ليدخلوا السرور والسعادة في صدور إخوانهم رجاء الأجر والمثوبة من الله تعالى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكلمة الطيبة صدقة»(1)، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل معروف صدقة»(2)، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»(3)، وروى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وَلاَ تَزْهَدْ فِي الْمَعْرُوفِ وَلَوْ مُنْبَسِطٌ وَجْهُكَ إِلَى أَخِيكَ وَأَنْتَ تُكَلِّمُهُ»(4).
* * *
ثم قال: ينال الناس من السعادة قدر ما وطدوا عزمهم على أن يصبحوا سعداء.
ثم قال: ليس هنالك ما يحق له أن يحرمك من الابتسام، تذكر نعمة الله في وجودك، وفي منحه إياك درة ثمينة في رأسك هي العقل، فاستعملها قدر إمكاناتك، وحدد هدفك، ثم تقدم إليه بثقة، وأنا كفيل بفوزك.
هذا ليس على إطلاقه، بل قد يتخلف الفوز لأسباب أخرى.
السعادة هي سعادة القلب لا سعادة البدن، ولن يسعد القلب إذا كان خاويا من معرفة الله وذكره وطاعته، إذا كان أهل المعاصي يجدون وحشة في قلوبهم فكيف بأهل الكفر والإلحاد! قال الحسن البصري: «إن أهل المعاصي وإن طقطقت بهم البراذين وهملجت بهم الخيول فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه».
لاشك أن نعم الله على العبد لا تحصى ولا تستقصى، كما قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}، وقال: {وما بكم من نعمة فمن الله}، وقال سبحانه: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.
لكن لا يدرك ذلك ويعيها إلا صاحب القلب الواعي.
قال ابن القيم رحمه الله: «إن الدنيا كلها لا تساوي حزن ساعة».
فلماذا تتجاوب أخي مع خطرات النفس وخطوات الشيطان التي ينقلك عبرها إلى مصيدته خطوة خطوة.
الدنيا مهما كنت لن تصفو لك، فحاول أن تسعد فيها بقدر استطاعتك وتجاوز المنغصات والمعكرات ودع التفكير فيها واجعلها تمر ولا تستغرق غير لحظتها فقط.
لقد أطلق السلف للروح إشراقها فعاشوا في الدنيا حياة السعداء، حتى أن شيخ الإسلام ابن تيمية يعبر عن هذه السعادة التي تغمره بقوله: «إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة»، وقال غيره معبراً عن السعادة التي يتذوقها: «إنه ليمر في القلب ساعات يرقص لها طربا وأقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا النعيم إنهم لفي نعيم طيب».
وأوضح بعض السلف الصالح ممن تذوق السعادة بأنهم في نعيم عظيم يستحق المجالدة عليه بالسيوف لو علم بها العظماء والملوك: «لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف».
* * *
ثم قال: تذكر أن الابتسامة لا تكلف شيئاً، ولكنها تعود بخير كثير، وهي لا تفقر من يمنحها مع أنها تغني آخذيها، ولا تنس أنها لا تستغرق لحظة، ولكنها تبقى ذكرى حلوة إلى آخر العمر. وليس أحد فقير لا يملكها ولا أحد غني مستغن عنها.
وهذا خلق أصيل عند أهل الإسلام مربوط بالثواب من عند الله تعالى، دون انتظار ربح في العاجلة كما أشار إليه الكاتب. قال منقذ البشرية من الشقاء إلى السعادة صلى الله عليه وسلم: «وتبسمك في وجه أخيك صدقة»(5)، وقال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: «ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسم»(6).
ولكن العجب أنك تلاقي كثيراً من الناس مكفهرَّ الوجه عبوساً مصعراً خده! إن هذا لا يؤذي إلا نفسه وقد حرمها من المتعة والتمتع في هذه الحياة بينما صاحب الابتسامة تجده دائماً في ربح وفرح كلما لاقاه إنسان.

------------------------------------------
(1) رواه البخاري (ح2767).
(2) رواه البخاري (ح5562).
(3) رواه مسلم (ح4760).
(4) (ح16021).
(5) رواه الترمذي (ح1879).
(6) رواه البخاري (ح2809).
رد مع اقتباس