عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 03-14-2014, 09:05 PM
أبو أحمد خالد المصرى أبو أحمد خالد المصرى غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي

كيفية الوصول إلى منزلة العبد الشكور
_________________________________

( 3 ): معرفة أن الموفِّق للشكر هو الله

ومن أعظم الأشياء التي يكون بها العبد عبداً شكوراً: أن يراعي هذا المشهد كلما حمد الله وشكره، فالحمد والشكر نعمة من الله تستحق وتستوجب شكراً آخر وحمداً آخر، ودخل رجل على عمر رضي الله عنه فسلم فرد عليه السلام، فقال عمر للرجل: [كيف أنت؟ قال الرجل: أحمد إليك الله، قال: هذا أردتُ منك].

وعن ابن عمر قال:
[لعلنا نلتقي في اليوم مراراً يسأل بعضنا عن بعض]، ولم يرد بذلك إلا ليحمد الله عز وجل، أقول: كيف حالك؟ فتقول: الحمد لله، وتقول لي: كيف حالك؟ فأقول: الحمد لله،
فيكون غرض السؤال أن كل واحد منا يستجلب لنفسه أو يدفع الآخر لحمد الله سبحانه وتعالى

قال ابن عيينة : "ما أنعم الله على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم لا إله إلاالله، وقال: وإن لا إله إلا الله في الآخرة كالماء في الدنيا".
وقال مجاهد
في قول الله تعالى:
"وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً" لقمان:20 . قال: "لا إله إلا الله"

أصناف الناس عند حمد الله تعالى

هناك بعض الناس عنده قناعة فعلاً فيحمد الله عز وجل لو سألته: كيف الأحوال؟ قال: الحمد لله، لو كان خيراً قال: الحمد لله، ولو كان شراً قال: الحمد لله على كل حال، فهو دائماً يحمد الله، وبعض الناس إذا سألته كيف حالك؟ قال: بِشَرٍّ، ومصائب، وأمراض، وصار لي كذا، وصار لي كذا، ويعدد لك المصائب، ولايذكر ولا شيء من نعم الله عليه
هذه النفسيات المشئومة المتشائمة!! هذه كيف تكون من الشاكرين؟! لا يمكن أن تكون من الشاكرين ولا أن تعد منهم

عندك مئين الألوف وتشكو الحاجة
!!!

وجاء رجل إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله، فقال له يونس: أَيَسُرُّكَ ببصرك هذا مائة ألف درهم؟ -هل يسرك أنك تفقد بصرك وتعطى مائة ألف درهم؟- قال: لا. قال: فبيديك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبرجليك مائة ألف؟ قال: لا. ثم ذكر له نعماً كثيرة، ثم قال له في النهاية: أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة.[1]
قف وتأمل

روي أن ملكاً من الملوك كان به داء لا يستطيع به أن يشرب الماء إلا بشق النفس، فكان إذا رأى عبداً من عبيده يشرب الماء يتجرعه تجرعاً -بسرعة- تحسر في نفسه.
وبعض الناس يبتليهم الله بأشياء، تمد أمامهم أنواع المطعومات فيقول أحدهم لك: لاآكل إلا هذا لأن هذا يأتيني بالسكر وهذا بأنواع الآفات التي تصيبه،وهذا ممنوع منه، وهذا محروم منه، وهكذا، فالإنسان أحياناً من ضيق العيش وقلة المال يحزن ويسخط، لكن لو فكر كما قال أبو الدرداء : [الصحة الملك].
فتأمل الناس بالمستشفيات وغيرهم من أصحاب البلاء وأنواع الأمراض -ونحن في عافية- فترى أن نعمة الله عظيمة، فلذلك ينبغي دائماً حمد الله وأن يجعل الحمد كله لله.

( 4 ): نسبة النعمة إلى المنعم

ومن الأشياء التي توصل العبد إلى أن يكون عبداً شكوراً: نسبة النعمة إلى المنعم، لأن كثيراً من الناس إذا سئل عن هذا، قال: هذا باجتهادي، وهذا بذكائي، وهذا بخبرتي وتجربتي ولا ينسب النعمة إلى الله، فإذا أردنا أن نكون من عباده الشاكرين يجب أن ننسب النعمة إلى الله، ونرد الأمر كله إليه.

انظر إلى الذي من قبله جاءت النعمة

قال محمد بن المنكدر لـأبي حازم :يا أبا حازم ! ما أكثر من يلقاني فيدعو لي بالخير، ما أعرفهم، وما صنعت إليهم خيراً قط، قال أبو حازم : لا تظن أن ذلك من قبلك ولكن انظر إلى الذي من قبله جاءت النعمة هذه-أن وضع لك المحبة في قلوب الناس-فاشكره، ثم قرأ عليه قول الله عز وجل: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا" مريم:96

ومن هذا القبيل ما يقع إذا نزل المطر

قالوا: هذا بسبب النوء الفلاني، هذا بسبب النجم الفلاني، هذا بسبب الفصل الفلاني، فلم يذكروا الله، ولم ينسبوها إلى الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح:
(ألم تروا إلى ماقال ربُّكم ؟ قال : ماأنعمتُ على عبادي من نعمةٍ إلاأصبح فريقٌ منهم بها كافرين . يقولون : الكواكبُ وبالكواكبِ" صحيح مسلم

فإذا جاء ذكرها قلنا: هذه من الله، قال الله عز وجل: "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" [النحل:53]. وحمد الله على النعم له فضلٌ عظيم،

وتأمل معي هذه الأحاديث:

(ماأنعمَ اللهُ على عبدٍ نعمةً فحمِدَ اللهَ عليها ، إلَّا كان ذلِكَ الحمدُ أفضلَ منْ تلكَ النعمةِ) صححه الألباني
وفي لفظ آخر:
(ما أنعم اللهُ تعالى على عبدٍ نعمةً فقال : الحمدُ للهِ ، إلَّاكانَ الذي أعطى ، أفضلَ مما
أخذَ)صححه الألباني.
ونعمة الله من الأموال والجاه الولد والزوجة والمناصب ونحو ذلك كلها نعم تستوجب الشكر والحمد


هل المحروم من النعم يشكر الله على ذلك؟!!
وبعض الناس يقولون: نحن محرومون من النعم، مثلاً: شخص ليس عنده وظيفة جيدة، ليس عنده دخل جيد، محروم من أشياء من الدنيا، هل يحمد الله على هذا؟ الجواب: نعم. يحمد الله على هذا.

قال بعض السلف:
لنعم الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أفضل من نعمه علينا فيما بسط لنا منها.أي: كوننا حرمنا من النعم؛ من التوسعات الدنيوية، هذه بحد ذاتها نعمة
وذلك أن الله لم يرض لنبيه الدنيا،كان يتكئ على رمل، سريره من الرمل، ما رضي من عمر لما ذكر له كسرى وقيصر وما هم فيه من النعيم
ورسول الله صلى الله عليه وسلم على الرمل وقد تأثر جنبه، قال: (أمَا تَرْضَى أنْ تكونَ لهمْ الدنيا ولنَا الآخرةُ ؟!) صحيح البخاري .

بلغني عن بعض العلماء أنه قال:
ينبغي للعالم أن يحمد الله على ما زوى عنه من شهوات الدنيا، كما يحمده على ما أعطاه، وأين يقع ما أعطاه الله والحساب يأتي عليه إلى ما عافاه الله ولم يبتله، هذا الحرمان لبعض الأشياء من الدنيا هو بحد ذاته نعمة؛ لأنه ربما لو أعطانا إياها لانشغلنا عن عبادته وذكره، وانشغلنا عن طلب العلم، والدعوة إلى سبيله سبحانه وتعالى

ونحن دائماً ينبغي أن نتحدث بالنعم ونكرر ذكرها
ونشكر الله عليها، والأشياء التي حرمنا منها نشكر الله أن كان هذا قدرنا، ونسأل الله المزيد من فضله، ونسأل الله العفو والعافية الدائمة، ونحذر أشد الحذر من أن نكون من الذين استدرجهم الله، فإن الله عز وجل قال: "سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ " الأعراف:182

تابعونا بأمر الله تعالى

_______________________
[1] يعني أرى عندك مئات الألوف ونِعمٌ لا تُقدّر بثمن ... وأنت مع ذلك تشكو الحاجة !
ومِئَيْن:
المِئُون، هي السور التي يقترب عدد آياتها من المائة أو تزيد.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطِّوالَ ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبورِ المئين ، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المثانيَ ، وفُضِّلتُ بالمُفصَّلِ" صححه الألباني




التوقيع



{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } سورة الطلاق

جَعَلَنَـاَ اللهُ وإيِّاكُم مِنَ المُتَّقِيِـن
رد مع اقتباس