عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 03-14-2014, 05:53 PM
أبو أحمد خالد المصرى أبو أحمد خالد المصرى غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي

خامسا: كيفية الوصول إلى منزلة العبد الشكور
__________________________________________________ _____________________________

نصـل إلى منــزلة العبـد الشكـور بـأمــور:

( 1 ): العبادة

منها: هذه العبادة التي دلَّنا عليها صلى الله عليه وسلم.


( 2 ): الدعاء

إن من وسائل الوصول إلى منزلة العبد الشكور: الدعاء، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يقول:
"اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا لَكَ -وفي رواية: شكاراً لك-.... "
وعلَّم معاذاً دعاءً عظيماً، فقال:

"يامُعاذُ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّكَ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّك، فقالَ: أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعنَّ في دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ" صححه الإمام الألباني

فالوصول إلى منزلة العبد الشكور لا بد فيها من الاستعانة بالله والدعاء والالتجاء، وإلا فهي منزلة صعبة، ونبي الله سليمان قال:
{
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ... } الآية [النمل:19]


فبدون المعونة من الله لا يمكن أن يصل الإنسان إلى منزلة العبد الشكور، ومن الأمور التي ينبغي معرفتها: أن الشكر يحفظ النعم، قال الله سبحانه وتعالى:
{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم:7]


فهو ليس فقط يحفظ النعمة وإنما يزيدها، ولذلك كانوا يسمون الشكر: الحافظ، يعني: الحافظ للنعم الموجودة والجالب للنعم المفقودة.
وقال عمر بن عبد العزيز : [قيدوا نعم الله بشكر الله]، وقال أيضاً: [الشكر قيد النعم]. وقال مطرف بن عبد الله : [لأن أُعَافَى فأَشْكُر أحبّ إليَّ مِن أن أُبْتَلى فَأَصْبِر].


ومن الأشياء التي يبلغ بها العبد درجة الشكور، أن يحدث بنعم الله عليه، قال الله عز وجل: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى:11].


وتحديث العبد بنعمة الله عليه له عدة معانٍ، منها:أن يرى أثر النعمة عليك، كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الصحابة:
"
كُلوا واشرَبوا وتَصَدَّقوا والبَسوا في غيرِ مَخيلَةٍ ولا سَرَفٍ، إنَّ اللهَ يُحِبُّ أن تُرَى نِعمَتُه على عَبدِهِ "
صححه الإمام أحمد شاكر
وقد جاء في الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام:
" إِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا ، فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ "
ولذلك قال بعض السلف: [لا تضركم دنياً شكرتموها]. فلو أظهرت النعمة وأنت شاكر لها فإنها لا تضرك بإذن الله. وقد ذم الله الكنود من العباد فقال:
{ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً * إِنَّ الْإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } [العاديات:1-6].


قال بعض المفسرين: الكنود: الذي لا يشكر نعم الله، وقال الحسن رحمه الله عن الكنود: [الذي يعد المصائب وينسى النعم]
إذا جلست معه قال لك: صار لي مصيبة كذا وكذا وكذا، ولا يحدث ولا يذكر شيئاً من نعم الله، كاتم لنعم الله، لا يحدث إلا بالمصائب والمعايب،
كما جاء في وصف النساء التي جاء من أسباب دخولهن النار قوله صلى الله عليه وسلم:
"لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا ، قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ " .........[1]
فلماذا دخلت النار؟........ بترك شكر نعمة الزوج،
فشكر نعمة الله أولى وأحق، فهذه التي تدخل النار بسبب كفران نعمة الزوج، فلأن يدخل العبد النار بكفران نعمة الله أولى، هذه المرأة من أسباب دخولها النار كفران نعمة الزوج؛
لأنها تنسى كل حسناته، وتقول: ما رأيت منك خيراً قط، ولا تذكر له إلا عيوبه، فالعبد إذا كتم نعم الله ولم يذكر إلا المصائب فهو أحرى بأن يدخل النار من المرأة التي تكفر نعمة زوجها؛
لأن الله هو المنعم الحقيقي، ولذلك جاء في الحديث: (
التحدث بالنعمة شكر وتركها كفر) ...............[2]

ورأى بكر بن عبد الله المزني حمالاً عليه حمله وهو يقول: الحمد لله .. أستغفر الله، الحمد لله .. أستغفر الله، الحمد لله .. أستغفر الله، وهكذا، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره،
وقلت له: أما تحسن غير هذا؟ -غير الحمد لله .. أستغفر الله- قال: بلى. أحسن خيراً كثيراً أقرأ كتاب الله، غير أن العبد بين نعمة وذم، فأحمد الله على نعمه وأستغفره لذنوبي،
فقال بكر : الْحمَّـالُ أَفْقَــهُ مِنِّـي.


ولما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الجن سورة الرحمن وقرأها على الصحابة، فسكت الصحابة، فقال عليه الصلاة والسلام:
"
لقد قرأتُها على الجنِّ ليلةَ الجنِّ فَكانوا أحسَنَ مردودًا منكم، كنتُ كلَّما أتيتُ على قولِهِ:{فَبِأيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، قالوا: (لا بشَيءٍ من نِعَمِكَ ربَّنا نُكَذِّبُ فلَكَ الحمدُ)"
فقهاء الجن قالوا:
لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد، يذكر لهم في سورة الرحمن كل شيء؛ أنه خلقهم، وأنزل لهم الميزان، وجعل لهم الأنهار والبحار، وجعل لهم السفن،
وجعل لهم أشياء كثيرة جداً، وبعد ذكر كل نعمة يقول:{
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن:13].


والنعم كثيرة جداً، وشكرها ينساه كثير من الناس، وبعض المغفلين من الصوفية عندهم مبادئ عجيبة في هذا، حيث قال أحدهم:
أنا لا آكل الخبيص؛ والخبيص: نوع من أنواع الحلوى، فقيل له: لماذا؟ قال: إني لا أقوم بشكره، فقال الحسن : "هذا أحمق، وهل يقوم بشكر الماء البارد؟!"


ولذلك جاء في الحديث الصحيح:
" إنَّ أوَّلَ ما يُسأَلُ عنهُ العبدُ يومَ القيامةِ من النَّعيمِ أنْ يُقالَ لهُ : ألمْ نُصِحَّ لكَ جِسمَكَ، و نُرْوِيكَ من الماءِ البارِدِ؟ " رواه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً، وهو حديث صحيح.
حتى الماء البارد الذي نشربه نعمة سنسأل عنها يوم القيامة، فكيف ننجو من تَبِعة السؤال؟
بأن نشكر نعم الله كلها ظاهراً وباطناً.



وكان أبو المغيرة -رجل من السلف - إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا محمد ؟ قال:
أصبحنا مغرقين في النعم، عاجزين عن الشكر، تحبب إلينا ربنا وهو غني عنا، ونتمقت إليه ونحن إليه محتاجون .
هو أحسن إلينا وهو غني عنا، ونحن نعصيه ونحن محتاجون إليه!.


وقال يونس بن عبيد : قال رجل لأبي تميمة : كيف أصبحت؟ قال:
أصبحت بين نعمتين لا أدري أيتهما أفضل: ذنوب سترها الله علي فلا يستطيع أن يعيرني بها أحد، ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغه عملي -أنا دون ذلك-.


دعا رجلٌ منَ الأنصارِ، من أَهْلِ قباءٍ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم، قال فانطلقنا معَهُ، فلمَّا طعِمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وغسلَ يدَيهِ، قالَ:
"
الحمدُ للَّهِ الَّذي يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ، ومَنَّ عَلينَا فَهَدانَا وأطْعمَنا، وسَقَانَا وَكُلَّ بَلاءٍ حَسَنٍ أبْلَانَا، الحَمْدُ للَّهِ غيرِ مودعٍ ولا مُكافأ ولا مَكْفورٍ، ولا مُستغنًى عنهُ،
الحمدُ للَّهِ الَّذي أطعمَنا منَ الطَّعامِ، وسقانا منَ الشَّرابِ، وَكَسانا منَ العُريِ، وَهَدانا منَ الضَّلالِ، وبصَّرَنا منَ العمَى، وفضَّلَنا علَى كثيرٍ ممَّن خلقَ تفضيلًا، الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمينَ
"
حسنه بعض أهل العلم و صححه الإمام أحمد شاكر

هذه قضية مهمة؛ وهي قضية شكر النعم والتحدث بها دائماً،




قال بعض الناس:
نحن إذا تحدثنا بالنعم أصابنا الحسد والعين، فماذا نفعل؟
نــقــــــول:
أولاً: إذا كـان الـذي أمـامـك معـروف بالحـسـد فهـذا لا يعنـي أنــك تـقـول النـِّعـم التـي جـاءتـك،
وتستجلب حسده وإصابته لك بالعين؛ هذا إذا كان حسوداً، أما في الأحوال العادية الطبيعية فأنت تذكر نعم الله عليك.


ثانياً: إن الحسـود والعـائـن إذا رآك تحمـد الله على النعم العـامـة، تقـول: الحمد لله على ما أنعم به عليَّ من جميع النعم؛
فإن هذا الشيء العام لا يستجلب العين والحسد.


ثالثاً: هنـاك أدعيـة تقـي من العيـن والحـسـد؛ كقــراءة المعـوذات بعد الصلـوات، وقبل النوم، وفي الصباح والمساء.

وكذلك فإن هناك بعض الأمور، مثل أن تكتم: (استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود)
فيجب ألا نخلط بين شكر الله وحمده على النعم، وبين ذكر بعض الأشياء التي تستجلب الحسد عند العائنين أو الحساد إذا كانوا موجودين، فهل يلزم أن نشكر أمام الناس؟
أم أنه يمكن أن يكون الشكر سراً بينك وبين الله، لا يوجد حاسد ولا عائن؟


يمكن أن يكون بينك وبين الله، فإذا خلوت بنفسك فاحمد الله على نعمه، ولا يشترط أن تأتي بين الناس فتقول: عندي كذا مال، وعندي كذا شركة، وعندي كذا وكذا وفي المجلس من الحساد،
لكن بين إخوانك وأصحابك فأنت تذكر نعم الله عليك، ثم إن هناك من النعم كما قلنا ما يستجلب الحسد في العادة والعين، فالله عز وجل لما قال لنبيه:
{
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى } [الضحى:6-8] ، قال له في آخر السورة: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى:11]،
فإذا قلت أمام إنسان حتى لو كان من أكبر الحساد:
أنا كنت فقيراً فأغناني الله، كنت جاهلاً فعلمني الله، هذا في العادة لا يستجلب حسداً ولا عيناً، لكن لا يقال على سبيل الافتخار والاختيال والتكاثر،
وإبداء أشياء تفاخراً مما تستجلب العين والحسد،
ثُمَّ إنَّنَا إِذَا شَكَرْنَا اللهَ فَإِنَّ شُكْرَنَا لَهُ هُوَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَسْتَوْجِبُ شُكْرَاً آخَر،
مَنِ الَّذِيِ دَفَعَكَ إلَىَ الشُّكْر؟ ... مَنِ الَّذِيِ وَفَّقَكَ إلَىّ الشُّكْر؟
اللَّــه
تَوْفِيِقهُ لَكَ نِعْمَة تَسْتَوِجِبُ شُكْراً آخَر، والشكر الثاني نعمة تستوجب شكراً عليها، والشكر الثالث .. وهكذا،
فالقضية لو تأملتها تجد أننا مُقَصِّرُونَ جداً في حَقِّ الله سبحانه وتعالى،
لذلك جاء في كلام بعض السلف :
يا رب! كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم عليَّ ثم ترزقني على النعمة الشكر، ثم تزيدني نعمة بعد نعمة.

وكان الحسن إذا ابتدأ حديثه يقول:
"الحمد لله ربنا، لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا، وهديتنا وعلمتنا، وأنقذتنا وفرجت عنا، لك الحمد بالإسلام والقرآن، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبدت عدونا، وبسطت رزقنا،
وأظهرت أمننا، وجمعت فرقتنا، وأحسنت معافاتنا، ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمداً كثيراً، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث،
أو سر أو علانية، أو خاصة أو عامة، أو حي أو ميت، أو شاهد أو غائب، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت".


فهذه أمثلة من حمد السلف.. كيف كانوا يحمدون الله.

تابعونا بأمر الله تعالى
______________________




-------------------------------------
[1] رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْخَوْفِ :
" فَأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا أَفْظَعَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ ، قَالُوا : بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ : بِكُفْرِهِنَّ ، قِيلَ : أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟
قَالَ : يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا ، قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ "
......................................

[2] عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ ، لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ ، لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ ، وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ "


التوقيع



{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } سورة الطلاق

جَعَلَنَـاَ اللهُ وإيِّاكُم مِنَ المُتَّقِيِـن
رد مع اقتباس